الفساد يهدم منازل فقراء “الخلوتي”
لم تكتف الدولة بالانسحاب من تقديم الخدمات الأساسية –من مسكن ومياه وكهرباء وغيرها- للفقراء، لكنها تسعى دائما للانقضاض على ما تبقى لهؤلاء الفقراء من فتات صغيرة بالكاد يعيشون عليها، لصالح الاستثمار ورجال الأعمال، في صفقات البطل الرئيسي فيها هو الفساد المحمي بالاستبداد.
قصة أهالي منطقة “الخلوتي” التابعة لحي البساتين بالقاهرة واحدة من أبرز القصص الدالة على هذا الفساد والاستبداد الذي ينخر جسد نظام مبارك وحكوماته. فقد فوجئ أهالي المنطقة –أكثر من 300 أسرة يقطنون حوالي 100 منزل- في أحد أيام رمضان الماضي بقوات الأمن المركزي مصحوبة بمهندسي الحي وقت الإفطار يهجمون عليهم ويطالبونهم بإخلاء منازلهم لهدمها بحجة أن المنازل مقامة بدون ترخيص.
تقول حنان إحدى أهالي المنطقة “في أحد أيام رمضان الماضي وأثناء إعدادنا طعام الإفطار فوجئنا بقوة من القسم ومعهم مهندسين من الحي يطلبون منا ترك المنزل لهدمه، وعندما رفضنا قاموا بالاعتداء علينا وتكسير كل محتويات الشقة وإلقاء العفش من الشبابيك… حتى الأجهزة اللي اشترتها علشان جوازي كسروها كلها ورموها من الشباك، وبعدين ضربونا وسحلونا على السلالم لغاية الشارع وهدموا البيت أمامنا”.
أحد الأهالي قال لنا “فوجئت في أحد أيام رمضان بعد منتصف الليل باستدعاء من القسم لي ولابني، وذهبنا ولم نجد شيئا، وعندما عدنا للبيت وجدناه مهدوما وأهلنا في الشارع”.
انتهت هذه المذبحة بحسب رواية الأهالي بهدم أربعة منازل وتشريد أسرهم الذين لم يجدوا سوى مسجد المنطقة ليقيموا فيه خياما تأويهم، وعندما علم الحي بذلك أصدر قرارا بهدم المسجد أيضاً!!
هذه الهجمة الوحشية على السكان البسطاء أثارت تساؤلات كثيرة، فإذا كان الحي يبرر قرارات الإزالة بعدم وجود تراخيص للمنازل، فلماذا رفض الحي الطلبات المتكررة للأهالي باستخراج تراخيص لمنازلهم حتى يتمكنوا من إدخال المرافق من كهرباء ومياه وغيرها، في الوقت الذي أصدر فيه وبسهولة شديدة تراخيص بناء لـ39 برج سكني مملوكين لأربعة من كبار المقاولين في المنطقة.
كانت رائحة الفساد في العملية تزكم الأنوف واكتشفها الأهالي على الفور، فكبار المقاولين بالتواطؤ مع الحي يريدون استكمال إحكام سيطرتهم على أرض المنطقة حتي يكملوا بناء أبراجهم التي ستباع بالملايين، هذا بالإضافة إلى أن سعر الوحدة السكنية في هذه الأبراج يرتفع كلما كانت المنطقة خالية من منازل الأهالي الصغيرة الفقيرة التي قد تؤذي السادة الأغنياء الذين سوف يقطنون هذه الأبراج.
ضاقت السبل بالأهالي وتعلموا بالخبرة، وربما من تطورات الأحداث في مصر خلال الفترة الماضية، أن الفساد المستشري لا يمكن مواجهته سوى بقوتهم الذاتية. وكان قرارهم الدفاع عن حقهم في المنزل والأرض والخدمات بأنفسهم، فكان قرار التظاهر والاستعداد للاعتصام أمام مقر رئاسة حي البساتين حتي يتم وقف الإزالات للمنازل وإدخال الخدمات والحصول على تراخيص لمنازلهم. وبالفعل توجه ما يقرب من 300 شخص –نساء ورجال وأطفال- أمام مقر الحي رافعين لافتات كتبت عليها مطالبهم “لا لهدم المنازل”، “لا لتشريد 300 أسرة” وغيرها، مطالبين بلقاء رئيس الحي لتقديم مطالبهم. وبعد ما يقرب من ساعتين حضر رئيس الحي رافضا لقاء الأهالي إلا بعد أن يفضوا تجمهرهم، الأمر الذي رفضه الأهالي وأعلنوا استمرار اعتصامهم، وهو ما أجبر رئيس الحي اللواء بهاء الدين إبراهيم على لقاء الأهالي والاستماع لمطالبهم. وبعد لقاء ساخن بين الأهالي ورئيس الحي واجهوه فيه بكل مشاكلهم وبتجاهل الحي لهم على مدار الفترة الماضية اضطر لإعطاءهم وعدا بوقف الإزالات حتى يتم بحث الأمر مع هيئة التخطيط العمراني.
لم يكتف الأهالي بالتظاهر أمام الحي، بل قاموا بتقديم بلاغ للنائب العام ضد رئيس الحي بخصوص وقائع الإزالة والاعتداء عليهم، كما قاموا برفع دعوى قضائية ضد رئيس الحي بصفته لوقف الإزالات.
وحتى كتابة هذه السطور لم يقم حي البساتين بأي خطوة إيجابية لحسم حالة الرعب التي يعيشها أهالي “الخلوتي”، لكنه بالقطع سيفكر ألف مرة قبل أن يقوم بإزالة جديدة، لأن الأهالي عرفوا الطريق الصحيح للدفاع عن أنفسهم.