بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الحركة العمالية.. آفاق وتحديات

التصاعد الكبير في وتيرة الاحتجاجات العمالية يعكس بالضبط.. مدى السخط والغضب الجماهيري الواسع تجاه الأوضاع المعيشية غير المحتملة، خاصة في ظل عدم قدرة الدولة ورجال الأعمال على منح تنازلات تمكنهما من السيطرة على الحركة، واستعدادها كذلك لسن تشريعات جديدة تهجم بها على حقوق الكادحين (مثل قوانين التأمينات الاجتماعية والصحية).

وتيرة الاحتجاجات العمالية التي تقفز للأمام لتسجل أعلى حالة صعود للصراع الطبقي في مصر منذ الأربعينيات.. حافظت على سماتها الرئيسية التي بدأت بها هذه الموجة منذ إضراب المحلة العظيم عام 2006 من طول النفس. .وتكرار المعارك في ذات الموقع والتنظيم الراقي.. والقدرة على انتزاع الحقوق.

وإن كنا نستطيع أن نلمح في احتجاجات الشهرين الماضيين بعض الظواهر المهمة من أبرزها:

  • قيام نقابة الغزل والنسيج بتنظيم أول إضراب من نوعه في شركة طنطا للكتان، منذ فترة طويلة جدا. .وهو تطور مهم ولا ينبغي الاكتفاء بترديد أن الاتحاد الأصفر يريد فقط ركوب الحركة أو تحسين صورته دوليا ومحليا، ولكن علينا دراسة أسبابه العميقة، وتطوراته المحتملة.
  • شهدت معركة طنطا للكتان، المستمرة حتى كتابة هذه السطور، أيضا تطورا مهما في نوعية مطالبها من المطالب الاقتصادية الجزئية إلى مطلب سياسي هو: تأميم الشركة، وأنتقل العمال من رفع صور مبارك إلى مهاجمة الحكومة.
  • كما يلفت الانتباه كذلك رقي تنظيم عمال حلج الأقطان المنتشرين بين أكثر من فرع في محافظات مختلفة، لاحتجاجاتهم.
  • ودخل إلى خط الاحتجاجات خبراء وزارة العدل (ذراع الحكومة، وحراس قوانينها(، وذلك عبر تنظيمهم الجيد لاعتصامهم الطويل أمام وزارة العدل، مما يعكس التأثر الواضح بالحركة العمالية.
  • كما برزت ظاهرة احتلال الشوارع أمام الجهات الحكومية والشركات (شركة ايديال، وأبو السباع) لفترة طويلة نسبياً، وهي السُنة التي سنها عمال الاسبستوس بالعاشر من رمضان في اعتصامهم الشهير الذي استمر11 شهرا أما مقر الشركة أمام مقر الشركة عام 2005، ثم تحولت إلى فرض مع اعتصام موظفي الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء عام 2007.
  • وفي غضون ذلك واصلت طلائع عمال البريد – 55 ألف موظف- محاولتها الدءوبة لتشكيل لجنة للتنسيق بين المحافظات، تعمل على تكوين لجان قاعدية بالمحافظات وتنسق العمل بينهم من أجل نيل مطالبهم في رفع الأجور وتثبيت المؤقتين، وتلوح بالتنظيم المستقل، وهي محاولة تعكس رقي في الوعي والتنظيم.
  • استمرار مسلسل اضطهاد القادة العماليين، كما يحدث في الضرائب العقارية والبريد، وحدث في عشرات الشركات الأخرى.

باختصار: يمكن القول بثقة أن عمال النسيج.. والموظفين ما زالا هما قاطرة الحركة العمالية.. التي تنطلق منذ ثلاث سنوات تتقدم للأمام أحيانا وتتراجع بعض الوقت. .كما تتوسع بشكل واسع أعداد المشاركين فيها، وتتسع رقعتهم الجغرافية لتشمل كل محافظات مصر.. لدرجة باتت ثقافة الاحتجاج هي السائدة عند قطاعات واسعة من العاملين بأجر في مصر.

آفاق الحركة العمالية:

قراءة المسيرة النضالية للحركة العمالية خلال السنوات الثلاث الماضية، وتطورها اللافت للنظر تجعلنا نتوقع أن تحقق إنجازات مهمة على أصعدة التنظيم المستقل والقاعدي، وتطور مطالب الحركة خلال الفترة المقبلة، (تأمل نضال طنطا للكتان) خاصة، في ضوء الظرف السياسي الانتقالي الراهن، وعلى خلفية الخطوة العملاقة التي اتخذها العاملين بالضرائب العقارية بإنشاء أول نقابة مستقلة لهم، مما يفتح الباب أمام كسر هيمنة الدولة على التنظيم النقابي الرسمي لأول مرة منذ عام 1957. هذا فضلا عن تجربة اتحاد المعاشات التي لم تكتمل بعد.

ولكن هذا يستدعي بداية ثبات تجربة نقابة الضرائب العقارية المستقلة، ومقاومة تبقرطها، عبر الدفاع عن قاعدية التنظيم وإنشاء لجان المندوبين وتفعيلها. واضعين في الاعتبار إن مصر لم يتبلور فيها بعد حركة واسعة للتنظيم النقابي على غرار الأربعينيات على سبيل المثال، مما يجعل نقابة العقارية في وضع أضعف وأقل قدرة على مقاومة مساعي الدولة المستمرة لاستيعابها عبر سياسة العصا والجزرة، فديمومة التجربة الرائدة سيكون له أكبر الأثر على الحركة العمالية. ولعل هذا هو ما يمنح من جهة أخرى تجربة اللجنة العليا للتنسيق بين موظفي البريد، الجنينية، أهمية استثنائية. فهم قطاع مؤهل ويمكنهم أن يشكلوا بالفعل، بعد كفاح طويل، نقابة عامة ثانية في مصر، في حال قدرتهم على انتزاع مطالبهم.

وفي ذات الوقت هناك أهمية فائقة لدعم وخلق أشكال متعددة لتنظيم العمال تكون ملائمة لدرجة وعي ونضج الحركة، ومقاومة ما يمكن أن نطلق عليه الآثار السلبية لظهور نقابة الضرائب المستقلة على الحركة، التي رأت عملية تأسيس النقابة في مرحلتها الأخيرة، ولم تر المجهود الضخم الذي بذل على مدار فترة طويلة من اجل انتزاع النقابة المستقلة بعد اعتصام استمر لمدة 11 يوما تكلمت عنه مصر كلها، سبقه نضال سنوات.

وينبغي -في رأينا- التركيز على البناء التنظيمي القاعدي للعمال في قطاع النسيج فهناك فرصة أكثر من أي وقت مضى لتأسيسي تكوين جنيني يجمع القيادات العمالية في هذا القطاع المناضل، والذي تؤكد كل المؤشرات إنه باق إلى فترة ليست قصيرة في مقدمة المشهد.

وعلى صعيد أخر تعد قضية تحسين الأجور بكافة صورها هي المحرك الرئيسي لتحركات العمال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد ظهرت إرهاصات وسط الطبقة العاملة للمطالبة برفع مطلب رفع الحد الأدنى للأجور وذلك في مظاهرة عمال المحلة في 17 فبراير 2008، وإضراب 6 ابريل 2008 وهو ما دفع مبارك إلى منح العاملين علاوة، غير مسبوقة، العام الماضي تقدر بثلاثين بالمائة كما انعقد المجلس القومي للأجور بعد سبات، وتحرك الاتحاد الأصفر ليتحدث عن حد أدنى للأجور يبلغ800 جنيه.. باختصار هناك تربة صالحة لطرح المطلب، ولكن القواعد العمالية لم تصل بعد إلى نقطة تتبنى المطلب في نضالاتها اليومية، خاصة في ظل غياب التنظيم النقابي المناضل الذي يستطيع أن يوحد نضالات العمال الاقتصادية على الأقل.

ومن هنا نرى أهمية طرح هذا المطلب -دعائيا- في المرحلة الأولى لتوحيد القيادات العمالية حول مطلب طبقي عام يشمل جموع العاملين باجر باعتبارها معركة طويلة وممتدة.

وقد بدأت بالفعل سلسلة من التحركات في هذا الاتجاه مثل رفع القيادي العمالي ناجي رشاد لقضية أمام مجلس الدولة يتدخل فيها أعداد متزايدة من القيادات العمالية، كما تعتزم اللجنة التحضيرية للعمال تنظيم وفد عمالي لمقابلة وزير التخطيط عثمان محمد عثمان رئيس المجلس القومي للأجور، وينبغي العمل كلما كان هذا ممكنا لأن يضاف هذا المطلب إلى أجندة مطالب العمال المعتصمين حتى ولو كان هذا المطلب لن يتحقق الآن.

غير أن قدرة الحركة العمالية أن تتقدم للأمام تستدعي الالتفات إلى أهمية مواجهة التوسع في اضطهاد القيادات العمالية والنقابية، فهي عملية تتم ببطء وثبات، ونجحت بالفعل في التأثير على الحركة في العديد من المواقع العمالية المهمة مثل غزل المحلة وغزل شبين. ينبغي التفكير في أشكال للمساندة والدعم والتضامن تكون لها صفة الديمومة.

اليسار والحركة العمالية

على عكس الموجات السابقة لصعود الصراع الطبقي في مصر في العشرينيات والأربعينيات والسبعينيات والتي شكل فيها اليسار بيئة حاضنة للاحتجاجات العمالية، وساهم في تسييسها بدرجة كبيرة، تتقدم الحركة اليوم واليسار يتراجع كراية سياسية نضالية.

ولكن ماذا يمكن أن يقدمه اليسار المصري، بمعناه الاجتماعي الواسع والاشتراكيين في القلب منهم، وكل المهتمين للحركة العمالية؟

بداية ينبغي أن نعمل على مسارين:
الأول: العمل على بناء الجبهة العمالية المناضلة التي تشكل الراية التي يناضل تحتها العمال من أجل الانتصار في معاركهم.

ولكن مصر –للآسف- لا توجد بها أحزاب سياسية لها قواعد عمالية حقيقية، وبالتالي سيمر تشكيل هذه الجبهة في مسارات طويلة وممتدة..

وفي الشهرين الماضيين بادرت قيادات عمالية على رأسهم كمال أبو عيطة رئيس النقابة المستقلة بتشكيل اللجنة التحضيرية للعمال ككيان عمالي يضم قيادات عمالية مكافحة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية (فهي تضم عناصر يسارية وناصرية، ومن الغد والوفد، وآخرون غير منتمين) بهدف إعلاء قيمة التضامن العمالي وتقديم الدعم ..ولتوحيد حركة القيادات العمالية حول مطالب: التنظيم النقابي المستقل ..وحد أدنى للأجور.

وتسعى اللجنة التحضيرية – كما قالت في بيان تأسيسها – لأن تكون نواة للجبهة العمالية التي ستتشكل في المستقبل من التيارات المناضلة والإصلاحية الموجودة بالحركة، ومعركة طنطا للكتان لها دلالة مهمة هنا، وطرحت على نفسها كذلك البدء بالتعاون الوثيق مع كافة اللجان الموجودة بالفعل مثل اللجنة التنسيقية، ودار الخدمات النقابية، وحركة تضامن وغيرهم على مهام محددة.

وأعتقد ان هذه المبادرة من الممكن أن تحقق قدر مهم من النجاح في مهمتها إذا نجحت بالفعل في البناء الرأسي والأفقي، وكانت منفتحة بالأساس على القيادات العمالية المكافحة، ومدت يدها للتعاون الايجابي مع كافة اللجان الأخرى، فطريق النضال والكفاح وهو أقصر طريق لتوحيد المكافحين تحت راية واحدة.

ثانيا: التسييس.. بداية ينبغي أن نشدد على رفضنا المطلق لفكرة القفز على الحركة بأجندة سياسية ولكننا نتحدث عن تطور طبيعي للحركة من الاقتصادي إلى السياسي، وهي عملية تتم في الواقع أمام أعيننا ولكنها تتم على مراحل وتستلزم شروط للإنضاج. وينبغي الاعتراف بأن اليسار لم يكن على قدر المسئولية التاريخية فتراجع وفشلت كل محاولات توحيده، لأسباب عديدة لا مجال للدخول فيها حاليا.

ولكن الصورة ليست قاتمة تماما.. صحيح إن ضعف اليسار حد بدرجة كبيرة من تسييس الحركة مقارنة بالموجات السابقة لنهوض الصراع الطبقي. .ولكن هناك عشرات اليساريين ينشطون ويكافحون تحت مظلة لجان مختلفة.

والمهم اليوم هو طرح مبادرة تعمل على توحيد القيادات الاجتماعية مع الشباب الغاضب، مع التيارات الراديكالية في الواقع على برنامج يساري انتقالي.. يتم وضعه بمشاركة هؤلاء القادة ليتم من أسفل ولادة شكل سياسي جديد مستفيدا من عام الانتخابات التي من الممكن أن تكون فرصة للنشوء والارتقاء.

والاشتراكيون، من جهتهم، يتأهبون بالفعل لطرح خطوط عريضة لهذا البرنامج، لمناقشتها مع قيادات الحركة الاجتماعية والقيادات اليسارية المكافحة، فهل يتم تطوير هذه المبادرة لتنجح في خلق كتلة يسارية التوجه داخل الحركة الاجتماعية التي تعج بمختلف التوجهات اليمينية والإصلاحية، مما يكون له أكبر الأثر على تطور الحركة وبالتالي فرص التغيير الجذري في مصر خلال السنوات القليلة المقبلة؟ نأمل ذلك.