عبد القادر ندا القيادي بالضرائب العقارية يكتب:
لماذا نبني نقاباتنا المستقلة؟
يبقى التاريخ شاهدا ومدونا لصراعات العمال مع أصحاب العمل والدولة لنيل حقوقهم المسلوبة منهم.وروى التاريخ كثيرا عن صراعات الزنوج والبيض أو عن صراعات الهنود الحمر مع المهاجرين الذين استولوا على أراضيهم.
ولكن ماذا سيقول التاريخ فى صراع العاملين بالضرائب العقارية مع الحكومة المصرية،وما هي احلام هؤلاء العاملين اليوم؟
فبعد أن قام وزير المالية عام 1974 بفصل تبعية العاملين بالمحافظات والقذف بهم فى غياهب المحليات ..مما سلبهم حقوقهم ومكافآتهم فإن وضع العاملين بات فى تدهور مستمر مقابل المميزات التى يحصل عليها عدد قليل من العاملين بمصلحة الضرائب العقارية.ولم يجد أعداد كبيرة منم بدا من البحث عن عمل ثاني أو ثالث بينا لجأ آخرون إلى فتح درج المكتب.
ولجأ العاملون المستنزفة حقوقهم بعد فترة إلى لجانهم النقابية أو إلى نقاباتهم العامة أو إلى اتحاد العمال ليسمعوا أصواتهم ويصوروا معاناتهم للمسئولين ، ولكن الوقت يضيع فلا صوت مؤثر لنقابي ولا حتى مسموع لدى مسئول حكومي، بل إن هؤلاء النقابيين كان لهم سقف لا يستطيعون الارتفاع عنه فى مخاطبتهم للمسئول الحكومي وإلا سيحرم من مقعده بالنقابة العامة أو اتحاد العمال، وللأسف كان هؤلاء النقابيين أشد ارضاء للحكومة بدلا من ارضائهم لم يمثلوهم وهم العمال.
وبالرغم من ذلك فإن اصوات العاملين لم تتوقف ومطالبهم لنيل حقوقهم استمرت من خلال محاولاتهم أنفسهم للتوجه للمسئولين لايصال كلماتهم وصرخاتهم إليهم..ولم يحرك ذلك ساكنا لمسئول ولم يفكر النظام بأن هؤلاء العاملين لن يقفوا يتكلمون فقط.
وجاء وقت ما لم يستشعر به النظام- الوقفة بالاضرابات والاعتصامات..وكان عام 2007 شاهدا لتلك الأحداث ..لكن الانتقال إلى هذه المرحل كانت الحاجة ماسة إلى صنع قادة -ومن القادة يصنع القائد الأعلى من العاملين والمقصود بصنع القائد هو الالتفاف حول من يكون لديه الشجاعة والذكاء والذى يستمده بصورة أعلى من أفكار وقضايا زملائه والسماع لوجهات نظرهم -وقدرته بعد ذلك على استخدام أدواته والمناورة بها أمام نظام لا يعرف سوى العصى والمعتقلات.
ووجد الموظفون من لديه تلك المقومات فالتفوا حوله وبدأ يغذوه بافكارهم وارائهم- ولم ينفضوا من حوله- وكان ذلك الشرف لأبن الضرائب العقارية كمال أبو عيطة .
وبدأ العاملون وقفاتهم واعتصاماتهم بالمحافظات وكلها تضئ الضوء الأحمر للنظام بأن مشكلة العاملين بالضرائب العقارية جاء الوقت لحلها فإذا لم يكن من خلال المسئولين ستكون من خلال الوقفات بالاضرابات والاعتصامات.
التي بدأت بوقفة أمام وزارة المالية لم تنجح فاقسم العاملون بالاستمرار فى الاضراب عن العمل حتى مساواتهم ماليا واداريا مع موظفى مصلحة الضرائب العقارية، وقرروا ازاء تجاهل مطالبهم التجمع والاعتصام فى مبنى اتحاد العمال وكانت رسالة قوية للنقابيين وللنظام وللرأى العام المحلي والدولي الذي بدأ يتابع باهتمام تطورات الموضوع -وكانت رسالة كاشفة فمنظمة العمل الدولية- فحوى تلك الرسالة أن هؤلاء العاملين الذين اعترف القاصي والداني بأنهم أصحاب مظلمة ولهم الحق فيها-فإنهم اعتصموا فى بيتهم باتحاد العمال حتى يقوم رئيس الاتحاد ورئيس النقابة العامة بتبني قضيتهم لدى المسئولين- فهل أفلح النقابيون فى القيام بدورهم ؟بالطبع الاجابة معلومة للجميع أن هؤلاء النقابيين غير مهتمين سوى بمقاعدهم وتأمين ذلك بإرضاء النظام الذي وضعهم على تلك المقاعد ضد العمال ومصالحهم.
وبعد اعتصام يومين باتحاد العمال بدأت صور الانزعاج تظهر فى تصرفات المسئولين فوزيرة القوى العاملة تطلب عدم المبيت فى الاتحاد أو على الأقل عودة السيدات لمنازلهن -وارتباك وزير المالية فى تصريحاته ليقول» لا أحد يلوي ذراع الحكومة» ..وطلب رئيس اتحاد العمال من المعتصمين مهلة حتى يقابل وزير المالية ثاني يوم الاعتصام والعمل على إصدار القرار المطلوب وعلق المعتصمون اعتصامهم لليوم المحدد سلفا وهو يوم 3 ديسمبر 2007 لإعطاء فرصة للمفاوضات -وحشد الصفوف في حالة عدم الحل.
وجاء اليوم الموعود وفوجئت لحكومة والأمن بتوجه العاملين إلى عقر دار الحكومة بمجلس الوزراء وقيامهم بمحاصرة الحكومة ،وعمل كردون حول رئيس الوزراء والوزراء بحشودهم وهتافاتهم وتوجه الرأي العام الدولي والمحلي للاشتراك فى هذا الكردون القوي العظيم.
وبعد خمسة أيام كاملة من الحصار والمقاومة يحاول النقابيون الظهور للتفاوض مع المعتصمين ليفكوا حصار الحكومة بدلا من التفاوض مع الوزير للإسراع بإصدار القرار وكان هؤلاء النقابيون لا ينالون سوى الطرد من ساحة الاعتصام.
وجاءت الليلة الحادية عشرة ليطلب أمن الدولة التفاوض وهنا عبر المتفاوضون بانه لم يعد هناك وقت لفك الحصار إلا بصدور قرار المساواة، وكان وير المالية على خط التليفون المفتوح لساعة دون جدوى وفى النهاية عرض وزير بأنه على أتم الاستعداد لتنفيذ مطالب العاملين أمام الرأي العام وسوائل الإعلام.وهنا طلب المفاوضان الرجوع لأخذ رأي المعتصمين ووافق المعتصمين وفى صباح اليوم التالي نفذ الوزير وعده وتم فض الحصار- وكانت الخطوة الأولى على طريق النصر.
وكانت الخطوات التالية كثيرة وملحة ففي ظل نظام نقابي فاسد وهزيل غير مؤثر كان لابد من التفكير بانشاء نظام نقابي جديد منحرر من الدولة يمثل العاملين المنتشرين في كافة محافظات مصر تمثيلا حقيقيا وقويا- بعيدا عن النزوات الشخصية، ولذلك لكي يستمر نجاح هؤلاء العاملين في حركتهم البطولية بجب ان يكون هناك ألف قائد بدلا من قائد واحد -وان يعمل في مقدمة الصفوف أكثر ممن خلفهم ويواجهون بشجاعة كل التحديات على ان تكون الديمقراطية أساس عملهم، والبعد عن الشخصانية.
ونرى ان الوقت صالح وثري لعمل نظام نقابي جديد وسليم طبقا لدستور واتفاقيات منظمة العمل الدولية والتي التزمت بها مصر، وأصبحت ملزمة لها ، فالتعددية النقابية واردة لا محالة-وتعدد الاتحادات العمالية والاندماج في النقابات الدولية قادم قادم-والأهم للاستمرارية أن يكون الكل في واحد، وأن يكون هنا ك بديل للواحد بألف واحد.