لماذا يعتصم الفلاحون في دكرنس؟
تأتي معاناة فلاحي دكرنس لتضاف إلى العديد من القضايا الأخرى في سراندو وبهوت وصرد وغيرها، حيث يسعى ورثة الإقطاعيين، بالتواطؤ مع الحكومة متمثلة في هيئة الإصلاح الزراعي، إلى استعادة أراضي الإصلاح التي تم بيعها للفلاحين منذ عقود.
كيف بدأت المشكلة؟
منذ الخامس من مارس وفلاحو دكرنس يعتصمون في أراضيهم لحمايتها من هجمة الإقطاع التي تزداد شراسة يوماً بعد يوم، مدعومة بفساد النظام واستبداده. بدأت الحكاية عام 1962حين وزعت الدولة هذه الأرض التي تبلغ مساحتها 100 فدان علي 50 أسره . وحين طُبقت قوانين الإصلاح الزراعي علي زينب الإتربي في عزبة مرشاق مركز دكرنس، قامت بتهريب 50 فداناً ببيعها لأحد المحامين بحق امتياز –يتيح للبائع استرداد الأرض من المشتري وقتما يشاء في المستقبل. وفُرِضَت الحراسة علي 100 فدان، بينما تم الاستيلاء علي 100 فدان أخرى هي محل النزاع اليوم. فبعد الاستيلاء علي 100 فدان، قام الإصلاح الزراعي بتوزيعها علي الفلاحين الذين شرعوا في سداد ثمنها علي مدى 40 عاماً بداية من عام 1964 وحتى 2004 . وبعد أن أصدر السادات قانون رفع الحراسات عام 1972، قام ورثه زينب الإتربي بمحاوله استعادة الأرض مره أخري، وهي المحاولة التي استغرقت سنوات طويلة عن طريق سلسة من المؤامرات التي تمت في دهاليز الإصلاح الزراعي ثم انتقلت إلى المحاكم بعد ذلك. واستند ورثة البدراوي علي عدة مستندات في رفع قضايا ضد الإصلاح الزراعي. الورقه الأولي كانت القرار الصادر من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي رقم 137 لسنة 1975 والذي يرفع الحراسة عن 100 فدان (وفي الأصل هذه الـ100 فدان هي أرض استيلاء وليست حراسة)، بينما اختفي قرار آخر للهيئة العامة للإصلاح الزراعي رقم 126 لسنة 1982 الذي يلغي القرار السابق. وبالتالي فقد حصل ورثه زينب الإتربي علي أحكام ضد الإصلاح الزراعي اعتمادا على قرار تم إلغاؤه. ومن العجيب أن الإصلاح الزراعي لم يستأنف ضد هذه الأحكام، وترك ورثة زينب الإتربي يكملون المسيرة، بإصدار أحكام بطرد الفلاحين بناء علي حكم لم يصدر ضدهم .
ابحث عن الإصلاح الزراعي:
يشكو فلاحو دكرنس مر الشكوى من موظفي الإصلاح الزراعي الذين يرفضون إعطاءهم أي أوراق تثبت حقوقهم. فالفلاحون الذين سددوا ثمن الأرض بالكامل ودفعوا ضرائبها، لهم حيازات في جمعية ميت تمامة كملاك للأرض ولم يتسلموا عقود الملكية من الإصلاح منذ عام 2004. ويقول حمدي السحت، أحد الفلاحين، الذي خاض شوطاً طويلاً في المحاكم، إن “معامله موظفي الإصلاح الزراعي سيئة للغاية ويرفضون منحنا أوراقاً تثبت حقوقنا بطريقه مريبة… ولقد حصلت على حكم محكمة للحصول على الأوراق من الإصلاح الزراعي، ولكنهم يماطلون حتى الآن”.
ومع ذلك وبمساعدة الأساتذة محمد رفعت وضياء المهدي وسعد عبد الخبير استطاع الفلاحون الحصول علي قرار إلغاء رفع الحراسة عن أرض زينب الإتربي. كما استطاعوا الحصول علي مستندين غاية في الأهمية والتناقض معا، مما يثبت الحيل والمؤامرات التي اعتمدها ورثه الإتربي للحصول علي الأرض بأية وسيله. المستند الأول هو إعلان وراثة يثبت أن زينب الإتربي وريث شرعي لعبد المجيد البدراوي، بينما المستند الثاني هو ورقه طلاق تثبت أن زينب الإتربي طُلقت من عبد المجيد البدراوي وأن لها ذمه مالية مستقلة وبالتالي لها حق في المطالبة بالأرض. ومن الجدير بالذكر أن آخر ما قام به المناضل العظيم أحمد نبيل الهلالي قبل رحيله، هو زيارة دكرنس ولقاءه بالفلاحين لدعمهم والشد من أزرهم. وكان الهلالي قد تقدم باستشكال في التنفيذ ضد أربعه من الفلاحين لكن الإشكال ظل يؤجل.
الأمن… بالطبع:
حلقه أخرى من حلقات المؤامرة ضد الفلاحين هي عنف الأمن ضدهم. فقد شهد شهر مايو 2006 تجريدة عسكرية بمعني الكلمة لتمكين تسليم الأرض لورثه البدراوي. ولقد نشرت “الاشتراكي” في حينه تفاصيل العنف ضد الفلاحين والصحفيين المصريين والأجانب الذين حاولوا تغطية الحدث. وقامت الشرطة بالقبض على 22 فلاحاً، بالإضافة إلي الصحفي حمادة عبد اللطيف مراسل جريدة الكرامة وبشير صقر الناشط السياسي والصحفي بجريدة التجمع الذي تعرض للضرب بمركز شرطة دكرنس، واتهم مع الفلاحين بمقاومة السلطات وتكدير الأمن العام، لكن قاضي التحقيقات أصدر حكما ببراءة الفلاحين وتحويل رئيس المباحث إلى محكمة الجنايات لاتهامه بتعذيب بشير صقر.
الاعتصام: آخر حلقات المؤامرة ضد الفلاحين هو ما حدث يوم 5 مارس الماضي، حيث قام محضر محكمة دكرنس بتنفيذ حكم ضد فلاحين بعضهم أموات ودون تحديد مساحات، ورفض رفضاً تاماً إثبات حضور محامي الفلاحين، وتسجيل اعتراضهم بطريقه تثير الريبة. وأمام هذا تعسف لم يكن في إمكان الفلاحين سوي الاعتصام لحماية أرضهم في موجهة نظام كامل يعمل ضدهم، حيث أقاموا خيماً في قلب الأرض يأكلون فيها ويشربون الشاي. وفي الخيام أيضا، أصبح من المشاهد الطبيعية رؤية الأطفال وهم يلعبون بجوار أسرهم المعتصمة، كذلك استضافه زوارهم من فلاحين متعاطفين أو صحفيين. هذا النظام الحياتي الجديد أعلن الفلاحون من خلاله تماسكهم وتمسكهم بالأرض، كما يقول عم علي أبو شلييت أكبر الفلاحين سنا وأقواهم عزماً، الذي أصبح لا يري غير الموت أو البقاء في الأرض حتى النهاية. وفي هذا الاعتصام درس هام، حيث إنه بدون الفلاحات ما كان لهذا الاعتصام أن ينجح، فهن يعملن مع الرجال في الحقل كتفا بكتف. وعندما يصطف جنود الأمن تحتشد النساء في الصفوف الأولى ويجلسن علي الأرض أمام عجلات العربات المصفحة. ولعل آخر الدروس المثيرة للدهشة هي قدرة الفلاحين علي تنظيم أنفسهم. فلقد توصلوا إلي تشكيل لجان لزيارة القرى المجاورة وعرض قضيتهم علي غيرهم من الفلاحين واكتساب تعاطفهم، وكذلك تشكيل لجنه للتفاوض الجماعي مع الأمن أو مع ممثلي ورثه زينب الإتربي ولجنه أخرى لمتابعة الشق القانوني للقضية .