المحلة: الفرصة الضائعة
انتهاز الفرصة
اتخاذ الموقف الصحيح يمثل بالضبط: خمسين بالمائة من الانتصار في المعركة. والتاريخ يقف شاهدا على أن التردد أضاع ثورات وأجهض انتفاضات ..وفي عام 1952 كتب هيكل: كانت السلطة في مصر ملقاة على الرصيف وتنتظر من يمد يديه لكي ينتزعها، فلم يتقدم سوى تنظيم الضباط الأحرار، وهو ما تم، مع الفارق، في شركة غزل المحلة في عام 2007.. عندما تأخر القادة العماليين عن إعلان لجنة نقابية مستقلة عقب إضرابهم الثاني الناجح فضاعت الفرصة إلي حين.
شركة غزل المحلة كانت مهيأة تماما للتقدم خطوة كبيرة نحو انتزاع لجنة نقابية موازية.. فالعمال أثناء وعقب إضراب 2007 كانوا ملتفين حول قيادات عمالية موحدة.. وكانوا يشعرون بثقتهم في النصر ..وقدرتهم على انتزاع حقوقهم.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قاموا بجمع توقيعات لسحب الثقة من لجنتهم النقابية بلغت 14 ألف عامل، وتقدم 3 آلاف منهم باستقالات من النقابة العامة للغزل والنسيج عندما رفضت قبول طلبات سحب الثقة.. هذا بالإضافة إلى توافر عوامل موضوعية كرعب النظام من إثارة غضب العمال، واستياء قسم من رجال الأعمال من غياب تأثير التنظيم النقابي الرسمي، مما جعل الإضرابات العمالية عملية يومية.
في هذا التوقيت بالذات تنازع القادة عددا من الخيارات، فالبعض فكر في تشكيل لجان مندوبين تابعة للتنظيم النقابي الرسمي، والبعض الآخر دفع في طريق اللجوء إلى القضاء لوقف خصم اشتراكات النقابة.
ولكن غاب من يدافع عن إعلان لجنة نقابية موازية على الأرض، وهي لجنة كانت موجودة بالفعل من العناصر التي نظمت إضرابي 2006 و2007 .وكانت تحظى بثقة العمال ولديها نفوذ كبير داخل الشركة.
وكادت الفرصة أن تتجدد مرة أخرى في الإضراب الذي كان العمال يعتزمون تنفيذه في 6 أبريل عام 2008، ولكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن وركبت القوى السياسية على الحركة ليتم الإجهاز على قيادات الشركة (شراء بعضهم ، واضطهاد آخرين )، ومنح العمال بعض المسكنات والوعود، وتشديد الإجراءات الأمنية لتتراجع الحركة إلى حين.
ومنذ شهرين قرأ القادة المنقسمون الدرس ولكن بالمقلوب ..فبدءوا من خطوة إعلان نقابة مستقلة ، دونما أن تتوافر العوامل التي توافرت في الإضرابين السابقين، فباتوا جنرالات بلا جنود ليقدموا درسا آخر مفيدا هو : أن إعلان النقابات المستقلة ليس أمنية ولكنه طريق طويل يتطلب أول ما يتطلب توافر إضراب عمالي ناجح وقيادة موحدة تحظى بثقة العمال، وبالتأكيد ظرف نقابي وسياسي موات.
وليس خافيا على أحد صعوبة الوضع في شركة غزل المحلة، قياسا بالضرائب العقارية، من زاوية الاهتمام الكبير التي توليه أجهزة الدولة المختلفة لتحركات عمال المحلة نظرا لتأثيرهم الواسع على قطاع النسيج بل وعلى كافة القطاعات العمالية، هذا بالإضافة إلى التأثير الرهيب لإضرابات العمال على المدينة العمالية التي شهدت انتفاضة حقيقية سقط فيها شهداء وجرحى ومعتقلين في 6 إبريل عام 2008.
ولكن هناك خيط ينبغي الإمساك لكي نتقدم خطوات للأمام نحو استعادة الحركة العمالية بالمحلة والتي ستكون من ضمن مطالبها بالتأكيد تشكيل نقابة مستقلة ..وهو البدء بما يريده ويستطيع العمال بالفعل عمله الآن ..ويمكن البدء بالتحرك لانتزاع المطالب الصغيرة التي تعج بها الأقسام المختلفة بالشركة، وفي ذات الوقت إعادة تعبئة العمال حول مطالبهم الرئيسية كزيادة الأجور و بدل طبيعة العمل، عبر الدخول في جولة جديدة من المفاوضات الطويلة مع المسئولين.. وهي عملية ستخلق شبكة من القيادات العمالية المكافحة والموحدة حول مطالب واحدة.
اذا نجح عمال الشركة في تحقيق انتصارات جزئية، وتنظيم القيادات العمالية في رابطة عمالية ، سيتفاعل ذلك بالتأكيد مع الهجوم المتوقع على حقوق العمال نظرا للأزمة المالية ..ويومها يحق لنا أن نتوقع إضراب جديد في المحلة، نأمل أن تكون أحد أهم نتائجه إلى جانب عودة القادة المنقولين هو إعلان اللجنة العليا لإضراب التي ستتطور على الفور إذا وافقت أغلبية العمال إلى لجنة نقابية مستقلة تكون إضافة مهمة إلى النقابة المستقلة في الضرائب العقارية.
ويبقى أن نشير إلى إننا لا نمتلك الحقيقة، ولا ندين القيادات العمالية التي قادت إضرابات المحلة طيلة الفترة الماضية، فهي كانت تسير في طريق جديد لم تعرفه مصر منذ الأربعينيات طريق تحرير الحركة العمالية من قيود التنظيم النقابي الموالي للدولة.. ويكفيهم إنهم ألهموا موظفي الضرائب العقارية لكي يستكملوا المسيرة.
وليس من الصواب أن يتقدم أحد اليوم لإدعاء الحكمة والمعرفة، ولكن ما نبغيه أن نقرأ معا دروس معاركنا وأن نتعلم منها جميعا.. وأحد أهم أهدافنا كاشتراكيين، منحازين للطبقة العاملة، هي أن نقرأ التاريخ لكي نستخلص العبر.. فيا عمال المحلة.. خطوة لقدام.