المحلة تبدأ انتفاضة الأجور

“حسني مبارك ظالم.. حبيب العادلي ظالم.. أربط أجري بالأسعار أصل العيشة مرة مرار.. يا جمال قول لأبوك شعب البحيرة بيكرهوك”، هذا ما هتفه نحو 20 ألف متظاهر في المحلة يوم 17 فبراير الماضي، هذا التحول الذي طرأ عقب هذه المظاهرة على الحركة العمالية المصرية، يجعلنا ندقق فيما حدث، وندرك في أي مرحلة تمر الحركة العمالية الآن، عبر النظر لنضال لطليعتهم، عمال المحلة.
دائما ما يفاجئنا عمال المحلة بكل جديد وعظيم. هذا التفاعل مع نداء “رابطة عمال الغزل والنسيج بالمحلة ” عندما دعت العمال لوقفة احتجاجية ذلك اليوم، وقبل اجتماع المجلس القومي للأجور بيوم واحد للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور مما هو معمول به الآن، 35 جنيه، إلى 1200 جنيه شهريا، ففي سياق تحرك الحملة الشعبية لأجر عادل خرج 15 ألف من عمال الشركة، في تحدي واضح لقوات الأمن التي كانت تحاصر الشركة، تجلى في كسر الحاجز الأمني تماما، خرجوا للتظاهر في قلب شوارع المدينة، والتف حولهم عدة آلاف آخرين من الأهالي للمشاركة في مطلبهم الطبقي العادل فيما يمكننا وصفه ” بضمير مرتاح ” انتفاضة جماهيرية حقيقية في طريقها لتهشيم عظام النظام القائم وجعله عبرة مؤلمة لكافة الأنظمة الشائخة.
التقط عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة خيط النضال السياسي منذ أن أعلنوا إضرابهم في ديسمبر 2006، فالإضراب في مصر الآن يعتبر ممارسة لمعارضة سياسية واضحة، عدم الخضوع للقيود المفروضة على ممارسة الإضراب في مصر يمثل فعل سياسي صريح، عدم انتظار موافقة ثلثي أعضاء النقابة العامة، عدم الخضوع لطلبات يجب أن توجه لأجهزة الأمن، بل ورفض كافة التهديدات الأمنية والإدارية من أجل انتزاع القوت، كل ذلك هو تحديا واضحا لقواعد وقوانين هذا النظام.
بالحقيقة لم يكتف عمال المحلة بهذه الممارسة السياسية فقط، فاعتمادهم سلاح الإضراب في كل مرة هو أيضا تعبير عن الوعي بالقوة الأصيلة الكامنة بالطبقة العاملة. إنهم سجلوا في الاضرابين السابقين 5 مليون و832 ألف ساعة توقف عن الإنتاج، هذه الضربة الاقتصادية التي سددها عمال المحلة إلى صدر النظام، هو بالطبع تعبيرا عن نضال سياسي مشرف. أيضا، قيام عمال المحلة بحملة لجمع التبرعات في المصنع من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني بعد تفجر أزمة المعبر المصري- الفلسطيني بالشهر الماضي، وإعلانهم عن استعدادهم تجهيز أربعة شاحنات للمشاركة في قوافل الدعم.
بدأت الأزمات الجديدة تجد مكانها بين عمال المحلة منذ أسبوعين، حين توجه وفد من العمال لمقر اللجنة النقابية وتقدموا بمذكرة أدرجوا بها 14 مطلبا لم تنفذ الشركة منهم شيئا، ومن بينهم مطالب جديدة، لأول مرة يطرحها العمال، على رأسها وضع كادر أجور خاص لكافة العاملين في صناعة النسيج، وبالطبع لم يفهم النقابيين ولا مجلس إدارة الشركة هذا المطلب، وتجاوزوه كأنهم رأوا شيئا لم يفهموه، ثم قرروا أن يتناسوه. وبعد هذه الخطوة بأيام، أعلن 5000 عامل بالشركة من قطاعي ورش الكهرباء وطوارئ الورش إضرابهم عن العمل، وذلك كان أول اختبار حقيقي لمجلس إدارة الشركة الجديد، للمطالبة بالاستفادة من أيام الجمعة والعمل فيها للحصول على أجر إضافي أسوة بعمال قطاع “الورش”. وكان رد فعل الإدارة هو إلغاء عمل أيام الجمعة من قطاع الورش إلى أن يتم إعداد دراسة حالة تحدد المستحق للعمل في هذه الأيام. وكان هذا عقابا ل 5 آلاف عامل هم عمال الورش أكملها. وبعد انتهاء هذا الإضراب بيومين، أعلن قطاع آخر بالشركة إضرابه عن العمل، قطاع عمال القطن الخام، الذي يشمل 600 عامل لا يزالوا يعملون بنظام الأجرة اليومية. ولم يكن رد فعل الإدارة أقل حماقة من المرة السابقة، واضطر العمال لتعليق الإضراب حتى إشعارا آخر.
وفي ذات اليوم انتشرت دعوة كالنار في الهشيم بين عمال الشركة تدعوهم إلى وقفة داخل الشركة بميدان طلعت حرب من أجل الضغط على المجلس القومي للأجور، ومطالبته بوضع حد أدنى للأجور بمقدار 1200 جنيه شهريا ( المبلغ المساوي لخط الفقر)لكافة العاملين بأجر في مصر. وجاء يوم 17 فبراير وببداية عمل الوردية الصباحية فوجئ العمال بأكثر من 50 عربة أمن مركزي تحاصر الشركة وبعناصر الأمن تنتشر في كافة أرجاء المدينة، في أهم الميادين وعند محطة القطارات ومواقف سيارات الأجرة. استفز هذا حوالي ألف عامل فقط كانوا هم أول من تجمع عند ميدان طلعت حرب أمام باب الشركة، وسرعان ما أصبحوا 15 ألف عامل، فخرجوا ليردوا على الحصار الأمني المفروض عليهم، فكسروا الحاجز الأمني وانطلقوا في شوارع المدينة. وكانت مظاهرة حاشدة بانضمام الناس في شوارع المدينة إليهم تحت سقف مطالبهم المشروعة برفع الحد الأدنى للأجور لكافة العاملين في مصر. فهذا المطلب يعبر عن احتياجات كل قطاعات الطبقة العاملة. هنا تجدر الإشارة إلى كون عمال شركة غزل المحلة أول من أرسل خطابات وبيانات التضامن لزملائهم من موظفي الضرائب العقارية وغيرهم من العمال المعتصمين.
باختصار لقد أدرك عمال المحلة ارتباطهم بموظفي الضرائب العقارية وبكافة عمال مصر، فهذه الطبقة لديها مطالب وتستطيع انتزاعها عبر نضالها ووحدتها، وهو ما ظهرت بوادره خلال العام الماضي، وشهد عليه النضالات المتوالية للعمال في مصر. فلأول مرة منذ عشرات السنوات لم تلعب الطبقة العاملة في الصراع الطبقي الدائر دور المدافع، وإنما هاجمت بكل شجاعة ورقي ووعي.