المحلة: وقائع إجهاض إضراب ديسمبر
بالرغم من نجاح قوات الأمن في إجهاض إضراب المحلة يوم 7 ديسمبر الجاري، إلا إن الأوضاع في الشركة لن تستقر إلا بعد أن تقدم الإدارة تنازلات حقيقية للعمال، فهناك حالة احتقان حقيقية مصحوبة بتحركات جزئية هنا وهناك، فعلى سبيل المثال وفي سياق الجولات المكوكية التي قام بها مفوض الشركة قبيل الإضراب بيوم واحد قام عمال مصنع الصوف بطرده من المصنع احتجاجًا على سياساته الظالمة، وكان أحد عمال المصنع ، تم حرمانه من الإضافي، قد قام أثناء خروجه من العمل بالدعاء على المفوض العام، وكان وراءه طابور طويل من العمال الذين يردوا عليه بكلمة واحدة هي آمين. هذا فضلا على عشرات الإشارات الاحتجاجية خاصة من مصانع الغزل القوة الضاربة في الشركة .
يمكن رصد ثلاثة أساليب تم استخدامها لإجهاض إضراب العمال:
أولا: سياسة فرق تسد، وذلك عبر فتح قنوات تفاوض مع عدد من قيادات الشركة منذ شهرين، وذلك بعد أن أعلن العمال عن عزمهم على تنظيم الإضراب إذا ما لم يتم الإطاحة بالمفوض العام للشركة. ولكن بعد التجديد لراعي تصفية الشركة فتح المفوض قناة اتصال واستقبل عددا من القيادات العمالية ، ونجح في خلق انقسام وسطهم حول جدوى القيام بالإضراب في موعده. وكان منطق الرافضين للتأجيل إن المفوض العام لم يقدم شيئا حقيقيا سوى إقصاء بعض المستشارين عن مناصبهم. وإنه يسعى إلى امتصاص الغضب وتفويت الفرصة السانحة، غير إن من قاموا بالتفاوض لم يكتفوا بتمسكهم بموقفهم الداعي لتأجيل الإضراب، ولكن الافدح إن بعضهم وبالتنسيق مع الإدارة، كان يدعو العمال لعدم القيام بالإضراب، بل ويسعى إلى معرفة اسماء القيادات العمالية التي تصدر بيانات تدعو للإضراب لإبلاغها للإدارة!
ثانيا: قيام الإدارة بإشاعة أن هناك طلبيات مطلوبة من الشركة تقدر قيمتها بخمسين مليون جنيه، وهو ما يعني أن الطريق بات مفتوحا للحصول على إضافي وتحسين الدخل، وفي الوقت ذاته قامت إدارة الشركة بإصدار قرار صباح يوم 7 ديسمبر يقضى بعمل العاملات ساعتين إضافيتين في محاولة منها لإثنائهن عن الإضراب، حيث كانت الإدارة قد قامت في وقت سابق بإلغاء ساعات العمل الإضافي للعاملات.
ثالثا: الاستدعاءات الأمنية التي تخطت هذه المرة حاجز أمن الدولة ليدخل الأمن القومي طرفا مباشرا في المفاوضات مع قيادات العمال، وعلى مدى الأيام الثلاثة السابقة للإضراب تم استدعاء ما يقرب من 20 قيادة عمالية للضغط عليهم من أجل تأجيل الإضراب.
منذ الصباح الباكر انتشرت قوات مدنية داخل الشركة لمنع إضراب العمال، كما تم وضع عدة عربات أمن مركزي داخل مدينة العمال (المستعمرة) تحسبا للإضراب. وهو ما أشاع جوا من الذعر في صفوف العاملين. ولكن هذا لم يعني إنه لم تكن هناك مبادرات من أجل تجميع العمال، ولكنها لم تكن كافية.
التطورات السابقة تعني بوضوح أن الشركة كانت مهيأة للإضراب بالفعل ولكن غياب العناصر العمالية، التي تستطيع أن تقوم بالمبادرة الضرورية لتجميع العمال أهدر الفرصة. فقد كان لسان حال معظم العمال: نريد من ينصب السيرك، وهو الحال الذي عليه الشركة منذ أن تم نقل خمسة قيادات عمالية إلى خارج المحلة في شهر نوفمبر 2008.
أصدر العمال عدة بيانات من أبرزها البيان التالي تحت عنوان «عايزين نعيش» جاء فيه: «هل من حقنا نحن عمال وعاملات غزل المحلة أن نعيش .. نحن لا نطلب المستحيل، ولكن نطالب بأقل شيئ، العيش فقط لقد وعدنا رئيس الوزراء برفع مستوى المعيشة ورفع الأجور وحل مشكلة المواصلات والإسكان والعلاج لعمال غزل المحلة، عندما جاء إلينا. وقد طلع علينا السيد حسين مجاور، ووزيرة
القوى العاملة عائشة عبد الهادي، وقالوا لنا على شاشات التلفزيون أن الخادمة تأخذ 20 جنيه يومياً غير أكلها وشربها أي الحد الأدنى للأجور من 600 جنيه إلى 800 جنيه حسب كلامهم، وعندما سكتنا على المطالبة بحقوقنا خلص الكلام واختفى، ولم يتم تنفيذ شئ من هذا الكلام»
وعدد البيان العمالي مجموعة مطالب وكان أولها :
«أوقفوا الخراب أولا بشركتنا، لأنها تخرب، ولأن اللي بيخرج على المعاش مبيجيش حد مكانه». وكما طالب العمال في البيان بـ« فتح باب التعيين لأبناء العاملين، لأنه لا يوجد عمال كفاية، وأن الشركة تصفي على يد المفوض العام، وهذه مهمته فنحن نطالب بالوعود التي تم وعدنا بها.»
واختتم البيان بذكر المطالب التي دأب عمال المحلة على ذكرها في كل البيانات السابقة:
- رفع الحد الأدنى للأجور.
- رفع بدل طبيعة العمل إلى 35% من الأساسي.
- رفع الأرباح إلى 228 مثل شركة شبين.
- زيادة بدل الغذاء بمقدار العلاوات سنويا.
- حل مشكلة الإسكان والمواصلات لعمال غزل المحلة.
ويقول أحد القيادات العمالية بالشركة لـ «الاشتراكي»: أن حالة الفرز بين قيادات الشركة، أظهرت بوضوح أن القيادة لم تعد قيادة كما كانت في الماضي، حيث كانت الهوة واضحة بين رغبة العمال بالفعل في تنفيذ الإضراب، وبين سعي عدد من «القيادات» ليس فقط في تأجيل الإضراب، دون العودة للعمال، ولكن أيضا التطوع بمساعدة الإدارة من أجل إرباك العمال. هذا الفرز ينبغي أن يتم البناء عليه من أجل توحيد القيادات الشريفة والمناضلة في إطار عمل مشترك».
وأضاف القيادي العمالي «ينبغي العمل على خلق شبكة من القيادات الشابة داخل كل الأقسام، يستطيعوا أن يتقدموا الصفوف ليقودوا الأحداث المهمة».
ويبقى أن إجهاض إضراب المحلة لا يشكل خسارة لعمال المحلة فقط بل وإلى كل الحركة العمالية، التي كانت في أمس الحاجة إلى إضراب محلاوي جديد ينعش حركة العمال ويجدد حيويتها، وهو ما يضع مهمة جسيمة على عاتق القيادات العمالية الواعية، وكل المهتمين بالحركة العمالية.