العمال يكسرون الطوق.. والحكومة تكشر عن أنيابها
إن نظرة مدققة للاحتجاجات العمالية خلال الشهور القليلة الماضية تبرز مشهدين رئيسيين تصدرا الصورة، المشهد الأول هو انتشار للطرق الاحتجاجية كالاعتصام والإضراب والتظاهر في الكثير من القطاعات، خصوصاً بعد أن نجح عمال النسيج وعلي رأسهم عمال غزل المحلة ثم عمال غزل كفر الدوار، وعمال أسمنت طرة، من النجاح في انتزاع بعض حقوقهم، ونجاحهم في إجبار الدولة علي تحقيق بعض المطالب، حتى وصل الأمر ليمس القلعة الصفراء، التي يرتع خلف جدرانها نقابيين أتت بهم السلطة لتكمل بهم الديكور الديمقراطي، وفسدوا وسرقوا الكثير من أموال العمال، وكذلك لكي تحتمي بهم من أن يأتي مكانهم من يمثل العمال حقاً ويدافع عن حقوقهم، وخلفهم ملايين العمال يحمونهم من تحكم السلطة فيهم، ويجبرونهم علي أن يقفوا في خندق العمال لا في خندق العدو الطبقي، ويعزلونهم عندما ينحرفون عن هذا الطريق، فقد بات من الطبيعي في الكثير من الاحتجاجات أن نسمع مطلب سحب الثقة من اللجنة النقابية، التي وقفت مع الإدارة ضد العمال، إلا في القليل من الحالات التي أما انقسم أعضائها إلي قسمين قسم مع الإدارة وقسم مع العمال، أو أن تكون اللجنة كلها مع العمال في طلباتهم.
وهناك الخط الثاني، وهو رد فعل السلطة، لقد انتهي عهد تباري عائشة عبد الهادي وحسين مجاور في الحديث في الجرائد والمجلات وعلي شاشات القنوات المختلفة عن وقوفهم بجانب العمال، وأن العمال يطالبون بحقوقهم المشروعة، وأننا معهم سواء التزموا بما حدده القانون من خطوات للإضراب أم لا، وكذلك انتهي عهد أن يقف الأمن – في الظاهر- موقف المحايد من الاحتجاجات العمالية، حيث لم يصل الأمر إلي اقتحام المصانع وفض الإضرابات والاعتصامات بالقوة، بل كان في الفترة الماضية يكتفي بالضغوط والتهديدات، المصحوبة بالعهود بدراسة المشكلة ومحاولة حلها.
فمنذ إضراب عمال غزل المحلة في شهر ديسمبر الماضي، وحتى قبل تعديل الدستور مباشرة، أجبر العمال باحتجاجاتهم المتواصلة كل أجهزة الحكومة بالتعامل معهم بشكل جاد، ووضعهم في الحسبان، خاصة في المرحلة التي يعمل فيها نظام مبارك على قدم وساق لتوريث الحكم، وما يتطلبه ذلك من محاولات سد الثغرات التي تتفجر من حركة التغيير إلي معارضة الإخوان إلى الضغوط الخارجية.
ولكن بعد تعديل الدستور مباشرة ظهر الوجه القبيح، حيث زالت كل مساحيق التجميل التي وضعتها عائشة عبد الهادي وبقية أجهزة الدولة في الشهور القليلة الماضية، وقد ظهر هذا بوضوح في عدد من الاحتجاجات القوية التي قام بها العمال وما زالوا يقومن بها رغم الضغوط التي تمارس عليهم للمطالبة بحقوقهم، نذكر عدد منها علي سبيل المثال لا الحصر، وهي:
إضراب عمال مجموعة شركات “أبو المكارم” للغزل والنسيج بمدينة السادات، والذي بدأ في 4 أبريل وامتد لأكثر من أسبوعان- والذي أشترك فيه 2700 عامل في 8 مصانع، وذلك بسبب تعرضهم لعدم صرف مرتباتهم بشكل منتظم منذ سنوات، لدرجة أن لهم رواتب متأخرة عن شهور نوفمبر وديسمبر 2004، ويناير 2005، وكذلك يتعرضون لتعسف رئيس مجلس الإدارة، وتهديده للعمال بإغلاق الشركات وطردهم من العمل، وكذلك لم تزد مرتباتهم منذ عام 1999، أي منذ 8 سنوات رغم أننا نعرف جميعاً بأن الأسعار تضاعفت عدة مرات في هذه السنوات، فلم تحسب لهم أي علاوات اجتماعية، أو دورية، أو منح عيد العمال.
هذا وقد رفضت عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة مقابلة وفد اللجنة النقابية للعاملين بالشركة، وقالت لهم “بلاش لعب العيال وفكو الاعتصام والإضراب وبعدين نحل المشكلة”
وليس هذا فقط بل أنها رفضت مجرد الحديث تلفونياً مع العمال، وقد أرسلت لهم وكيل وزارة القوي العاملة بالمنوفية، والذي طلب منهم فض الاعتصام، وعندما رفضوا، إلا بعد تحقيق مطالبهم، هددهم بتحويلهم إلي لجان خماسية تمهيداً لفصلهم. وقد قامت الشركة بالفعل بفصل 20 عامل فصلاً تعسفياً بحجة قيامهم بتحريض العمال علي الاعتصام والإضراب، كما أحالت سبعة آخرين إلي لجان خماسية، تمهيداً لفصلهم.
حتى عندما قبل العمال بالاتفاق الجماعي والذي منحهم أقل من نصف حقوقهم، من حيث صرف مرتبات ثلاثة شهور وهي نوفمبر وديسمبر 2004، ويناير 2005، قبل يوم 10 أبريل، وزيادة رواتب العاملين بالمجموعة بنسبة 30% من الأجر الأساسي بحد أدني 75 جنيه مقابل تسوية مستحقاتهم من حيث فروق العلاوات الدورية ومنحة عيد العمال والعلاوة الاجتماعية بدءاً من مرتب شهر أبريل، لم ينفذ حيث ذهب مدير الشئون الإدارية لصرف الشيك، وجد بأنه لا يوجد رصيد بالبنك.
وقد اتهم العمال الوزيرة ورئيس مجلس إدارة الشركة بالتلاعب بهم، وأكدوا علي تمسكهم بسحب الثقة من اللجنة النقابية لعدم وقوفها معهم.
هذا وقد أجبر عمال شركة القاهرة للزيوت والصابون والبالغ عددهم 1500 عامل علي فض إضرابهم بعد يومان فقط فقد بدءوا الإضراب يوم 11/4 من مصنع القناطر الخيرية وامتد إلي مصانع غمرة والبدرشين والعياط، وقد منع العمال دخول أو خروج أي شحنات من الزيوت والصابون لحين تحقيق مطالبهم بوقف عملية البيع، وصرف أرباحهم المتوقفة منذ عامين، والتي يدعي المستثمر وإدارته الخسائر حتى يحرموا العمال من حقهم في الأرباح، واعتبر العمال الخسائر مقصودة بهدف التمهيد لتصفية الشركة وبيعها كأراض. وقد ذكر العمال بأن مرتباتهم تنخفض من شهر لآخر، وأن قرار رئيس مجلس الإدارة بربط الحوافز والأرباح بنسبة البيع الذي توقف تماماً، قد قضي علي حقهم في الأرباح والحوافز، وانه في الوقت الذي تدعي فيه الإدارة الخسائر يحصل عدد محدود من المستشارين علي مرتبات شهرية تساوي مرتبات 1400 عامل، وهي600 ألف جنيه،كما أعطي رئيس مجلس الإدارة تعليمات للأطباء بالتوقف عن صرف أي أدوية غالية الثمن للعاملين المرضي، وكذلك منع حجز أي مريض في المستشفي، هذا بخلاف العمالة المؤقتة التي يصل عددها إلي 200 عامل.
وبعد أن أرسلت عائشة عبد الهادي للعمال بأنها قد وقعت مع رئيس مجلس الإدارة اتفاقاً يتضمن إلغاء عملية البيع، إلا أنها قد استدعت رئيس اللجنة النقابية بالشركة، ورئيس اتحاد المساهمين وطلبت منهم التوقيع علي موافقة اللجنة واتحاد المساهمين علي البيع، وأكدت بأنه لم يعد هناك مجال للتفاوض، وعندما رفض رئيس اتحاد المساهمين، وطلبت عائشة عبد الهادي من السكرتارية الخاصة بها استدعاء مسئول أمني كبير لإصدار قرار باعتقاله وعشرة من عمال كل مصنع، إذا لم يتم فض الإضراب، ونجحت الضغوط الشديدة في إجبار عمال مصنع القناطر في فض إضرابهم مساء يوم 12/4، وتبعهم عمال مصنع العياط، ثم عمال غمرة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
هذا وقد أوصلت أجهزة الدولة عمال عمر أفندي بأن يتقدم 2000 من العاملين به أن يتقدموا بطلبات خروج علي المعاش المبكر، وذلك بعد كل ما سمعناه ورأيناه من فساد في صفقات بيعه حتى وصلت للمستثمر الحالي، والذي لم تكتف السيدة الوزيرة بالتدخل لتخليصه من عبء العمالة، بل أنها تبرعت أيضاً بأن الوزارة سوف تتبني تقديم الخدمات التدريبية اللازمة لتنمية مهارات العاملين بالشركة في مراكز التدريب التابعة لها، والمثير للدهشة بأن المستثمر يتحدث في لقائه معها في أنظمة التشغيل كل الوقت، ونظام تشغيل نصف الوقت، وهناك أيضاً نظام العمالة الموسمية، ولم يقولوا لنا ما هي حقوق هذه العمال، وتحت مسمي العمالة الموسمية سوف يكون هناك عمالة مؤقتة بدون أي حقوق، ولماذا يحتاج محل تجاري لعمالة موسمية؟؟!!
هذا ولم يشفع لعمال الترسانة البحرية بالإسكندرية أن عدد احتجاجاتهم وصلت لأكثر من 36 احتجاج بالتناوب ما بين الوقوف أمام الشركة القابضة للنقل البحري، ومقر الشركة، يقوم به مئات من العمال في كل مرة من أصل 3600 عامل محالين للمعاش المبكر علي دفعات بدءاً من عام 1996، وذلك للحصول علي مستحقاتهم التي حكمت بها محكمة الإسكندرية الصادر في شهر يولية2004، وذلك بصرف فروقات بدل طبيعة العمل المنسوبة إلي أجورهم الأساسية بعد زيادة العلاوات اعتباراً من 1992.
هذا وعندما أعلن سائقي السكة الحديد عن نيتهم للإضراب للمطالبة بحقوقهم وضمنها بدل المخاطر تعرضوا لضغوط شديدة من أحد قيادات أمن الدولة لتكذيب الخبر، ووصل الأمر لحد تنظيم مؤتمر صحفي للإعلان عن عدم عزم العمال تنظيم إضراب، وذلك في اليوم الذي تجمهر فيه أكثر من 150 سائق قطار في محطة مصر من التاسعة صباح يوم السبت 14/4/2007، مطالبين بإضافة بدل المخاطر لرواتبهم، وذلك بعد أن استنفذوا كل طرق المفاوضات للحصول علي حقوقهم.
وقد اضطرت الإدارة لتقديم بعض من طلبات العمال، فقد قرر وزير النقل ورفع طبيعة العمل من 55% إلى 60% وقرر رفع حافز الإثابة من 30% إلى 40%، وزيادة حافز الكيلو للسائقين بالقطارات 25%، وقرر منح العاملين في الورش الإنتاجية والوحدات المتحركة حافز إضافي 25 جنيه، ورفع قيمة العلاج من 150 جنيه إلي 200 جنيه، ومنح العاملين 15 يوم سنوياً، وصرف مائة جنيه بدل وجبة الإفطار في شهر رمضان
وقد منعت قوات الأمن 100 عامل من عمال شركة غزل المحلة يوم 15 من الشهر الحالي من التوجه للقاهرة للاعتصام بمبني اتحاد العمال، وذلك لعدم الاستجابة لمطالبهم بشأن سحب الثقة من اللجنة النقابية الحالية بالشركة أو قبول استقالاتهم الجماعية التي تقدموا بها لنقابة الغزل والنسيج، وعدم تعديل جدول أجور العاملين، ورفع الحوافز الشهرية، وتوفير المرافق الخدمية للعاملين، بالإضافة إلي حقهم في السكن بمساكن الشركة، وقد فوجئ العمال بقيام قوات الأمن بمحاصرة الأتوبيسات، وسحب الرخص من سائقيها ومنع العمال من الصعود إليها، مما أدي إلي تذمر العمال وهددوا بالعودة إلي الإضراب مرة أخري.
ولم ير سعيد الجوهري، رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، أي غضاضة في أن يذكر بأن هذا الاعتصام لن يتم بأي حال من الأحوال، وقال بأن تهديدات العمال بالاعتصامات عمال علي بطال كلام فارغ، خاصة وأن الكثير من مطالب المعتصمين والمهددين بالإضراب غير شرعية، وليس للعمال الحق فيها، ولم لا فهو يدافع عن نفسه بشكل مباشر في هذه الحالة، فعمال المحلة، وكل عمال مصر، اللذين يكتشفون عداء هذا الاتحاد لهم ولمصالحهم، يهددونه هو واتحاده الأصفر الموالي لنظام الحكم.
وما حدث مع عمال سكر الفيوم يرينا أننا في بلد لا تحترم أي قوانين، فقد تم فصل أشرف عبد الونيس عيسي عضو اللجنة النقابية، وكذلك تقديم بلاغ من رئيس مجلس الإدارة للنيابة في كل من أشرف عبد الونيس وطلعت علي بتهمة التحريض على الإضراب، كل هذا بسبب أن قيامهم وعدد من النقابيين الشرفاء، الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة رغم أنف الإدارة، والتي جاءت بعد الإضراب الناجح الذي كان لهم دور فيه، بدورهم في الدفاع عن حقوق زملائهم، كل هذا ووزارة القوي العاملة والنقابة العامة للصناعات الغذائية ولا حس ولا خبر!!
وبالرغم من هذا يهدد 500 عامل بشركة الفيوم لصناعة السكر بالاعتصام في حالة إصرار الإدارة علي صرف بدل طبيعة العمل وقيمته 30% علي المرتب الأساسي وليس الشامل، وكذلك هناك معركة الأرباح التي اقتربت.
ويعتبر مثال عمال المطاحن، مثال حي على أنه ليس هناك طلبات مستحيلة أو غير شرعية في حالة وقوف العمال معاً للعمل علي تحقيقها، فقد أستطاع 9 ألاف عمال من عمال مطاحن شمال وجنوب القاهرة والجيزة، أن يجبروا وزير التضامن على العودة عن قرار كان قد أصدره وشرع في تنفيذه، وذلك رغم كل ما قاله في كل وسائل الأعلام من إصراره علي قراره، وقد كان قرار وزير التضامن سوف يؤدي إلي خفض حوافزهم من 50% إلي 15% فقط، وكذلك يؤدي إلي إغلاق المطاحن، وتشريد عمالها. وقد أضاف العمال إلي هذا المطلب طلبات أخري منها: عدم المساس بالمضربين- العمل علي رفع قيمة الحوافز، والتي تتناقص بشكل مستمر، حيث أنها الآن 35% فقط في بعض المطاحن.
إذا أضفنا لهذا ما تتعرض له دار الخدمات النقابية من غلق لفرعيها بنجع حمادي والمحلة الكبرى، وذلك نتيجة دورها البارز مع عمال غزل المحلة في الإضراب الأخير في ديسمبر الماضي، نستطيع أن نري بوضوح رعب هذا النظام، رغم امتلاكه لكل أدوات القمع، من حركة العمال، ومن ارتباط أي من القوي السياسية بهم، وهذا أيضاً يرينا بأن الطريق للتغيير هو الوقوف مع العمال في معاركهم ضد هذا النظام، لنعمل علي توفير الدعاية الإعلامية لهم ولمطالبهم، وكذلك لنقف جميعاً معاً لكي نستطيع العمل علي ربط كل هذه المعارك المتفرقة ببعضها البعض، سواء من خلال حملات التضامن مع العمال، أو من خلال نقل الخبرة بين هذه المواقع المختلفة، أو من خلال العمل في معركة واحدة أسمها ربط الأجور بالأسعار بدلاً من أن يعمل كل منا في موقعه وحده وكلنا لنا نفس المطلب.