المعاش المبكر.. رد الدولة على إضراب عمال كفر الدوار
بعد موجة الاحتجاجات التي أشعلها العمال من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية في شهري ديسمبر ويناير الماضيين – ومازالت أصداؤها تتوالى حتى اليوم – والتي تعد خطوة جديدة على طريق التصدي لسياسات الدولة الرامية لمزيد من الاستغلال والتصفية للعمال لصالح أصحاب الأعمال، جاء رد الحكومة بطرح نظام المعاش المبكر في واحد من أكبر المواقع العمالية التي اشتعلت بها نار الإضرابات الأخيرة، مدينة كفر الدوار، فلم يكن قد مضى أسبوع على انتهاء إضراب عمال غزل كفر الدوار وتحقيق بعض من مطالب العمال حتى طرحت إدارة الشركة منشور يعلن عن فتح باب الخروج بنظام المعاش المبكر من سن 50 إلى 56 سنة، وبالنسبة للعاملات بالملابس الجاهزة من سن 45 إلى 50 سنة، وذلك في إطار خطة الشركة لتصفية 4000 عامل أي ثلث قوة المصنع الذي يضم 12 ألف عامل الآن.
وبالنسبة لباقي مصانع كفر الدوار مثل الحرير الصناعي والذي يضم الآن4300 عامل تستهدف الإدارة تقليل عدد العمال إلى 3000 عامل وذلك بشكل تدريجي، وبالنسبة لصباغي البيضا والذي سيتم دمجه مع غزل كفر الدوار في إطار خطة لوزارة الاستثمار والصناعة بناءا على ضخ مليار ونصف لتطوير وهيكلة مصانع كفر الدوار، ولن يتم ذلك إلا بعد تصفية ثلث العمالة بمصنعي غزل مصر وصباغي البيضا الذي يضم الآن 2800 عامل، وبالنسبة لمصنع مصر للصباغة والكيماويات والذي يضم الآن 680 عامل لا يختلف الوضع أيضا.
وعن موقف العمال من المعاش المبكر يقول العامل أحمد “إن المعاش المبكر هيعمل مشاكل بين العامل وأولاده وهيزود البطالة، كفر الدوار كانت قلعة صناعية مش عارفين هتبقى إيه بعد خروج العمال من المصانع.. وكمان الفلوس اللي هياخدها العمال هتعمل انتعاشة اونطة في البلد وبعد كده هيتحسر العمال اللي طلعوا، واحنا هنقعد جنب الحيط وهنسمع الصويت في بيوت العمال زمايلنا، وكمان خروج العمال هيأثر على الإنتاج، أنا شغال في صالة فيها 100 مكنة وعندنا عجز في العمال دلوقت بعد خروج جزء كمان منهم هنعمل إيه؟! ومين اللى هيعوضهم؟ لكن احنا على مستوى تاني تقليل العمال مش ممكن يأثر على وحدة العمال في المطالبة بحقوقهم وبالطرق الشرعية”.
ويضيف عامل آخر يدعى ممدوح “المعاش المبكر خراب مستعجل هيأثر على العامل وبيته لأنه مش قادر يعيش بالمرتب دلوقت أمال لما ياخد نصه كمعاش مثلا هيعيش إزاى؟! وأنا نفسى إن العمال ماتستعجلش علشان عيالهم مايتأثروش باللى ممكن يحصل” ويكمل عامل ثالث يدعى عبد الهادي “المعاش المبكر ده نظام غلط بتعمله الحكومة علشان يقضوا على القطاع العام والعمال والدفع اللي هياخدها العمال هتزود مشاكل السوق، أنا في الصالة (صالة الإنتاج) بتاعتى طالع 60% من زملائي وده هيأثر على خدمات الأقسام الأخرى، والناس اللى هتطلع هتضعف حركتنا لو طالبنا بأي حقوق”.
هذه بعض آراء العمال الذين قرروا البقاء في المصنع، وحتى تكتمل الصورة كان من المهم لقاء بعض العمال الذين خرجوا معاش مبكر في سنوات 98، 97، 2000، يقول محمود الذي كان يعمل بشركة مصر للكيماويات “أنا طلعت في دفعة 2000 أخدت 33 ألف مكافأة ومعاش 250 جنيه وعندي 3 أولاد واحد في الجامعة واتنين في الثانوي وبنت جوزتها بعد ما طلعت، أنا طلعت أصلا علشان أشورها (يجهزها) وصرفت على جهازها 11000جنيه، اتفضل معايا 22 ألف شاركت واحد جاري على عربية نص نقل بـ20 ألف جنيه بعد سنة من المشاكل وتصليحات في العربية تشاء الظروف وتعمل العربية حادثة الكلام ده من سنتين، تحتاج علشان تدور لـ 5 آلاف جنية وأنا مش معايا المبلغ ده ولا شريكي كمان، وكان الحل إننا نبيع العربية اللى اشتريناها بـ 45 ألف بـ 15 ألف وده معناه إني خسرت 15 ألف و500 جنيه جنيه، ففتحت كشك قدام البيت وقعدت فيه إبنى وأنا اشتغلت غفير على عمارة في إسكندرية علشان أكمل مصاريف البيت والأولاد بعد الخسارة اللى خسرتها وانا باندم إني اتسرعت لكن أعمل إيه كنت هشور البنت منين؟!!”، إسماعيل عامل آخر من مصنع الحرير يروى قصته بعد المعاش فيقول “أنا طلعت في دفعة 99 وأخدت 35 ألف جنيه، اشتريت ثلث قيراط وبنيت شقة للعيال،ما هو أنا عندي 5 عيال 3 صبيان منهم المتعلم ومنهم اللي شغال في المعمار وبنتين لسة في الثانوي موضوع البيت كلفني 30 ألف اشتريت تلفزيون وثلاجة للعيال وحاجات تانية، المهم خلص المبلغ وفضل المعاش الـ 290 جنيه، وبعد ما خلصت الفلوس، وده بعد خروجى بـ 6 شهور اشتغلت في شركة في مارينا وباخد 300 جنيه علشان أكمل الطلبات الناقصة لعيالي، وأنا دلوقتي بالعن اليوم اللي طلعت فيه لو فضلت وطلعت معاش عادي كان ممكن أعمل ده كله من غير الإهانة اللي بعيشا في شغلتي وبرضة العيال طلباتهم ما بتخلص”.
تلك كانت شهادات عمال كفر الدوار على موقفهم من المعاش المبكر والتي تنضح في جوهرها بشيء واحد مشترك بين الجميع هو الخوف من المستقبل الذي تؤكده روايات من سبق وخرج إلى الموت المبكر.. نقصد المعاش المبكر.