بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الموظفون في الأرض!

نجاح موظفي الضرائب العقارية في نهاية العام الماضي في الضغط على الحكومة وإجبارها على تلبية مطالبهم يفتح الباب أمام 6 ملايين موظف للاحتجاج ضد مساعي الحكومة للتخلص منهم.

نوايا الحكومة تجاه الموظفين

بدأت الحكومة عام 2007 بترتيبات لتغيير أوضاع أكثر من 6 مليون موظف، وتحويلهم من العمل الدائم ( الميزة الوحيدة الباقية في الوظيفة العامة) إلي العمل المؤقت، والتوسع في شروط فصل وتشريد الموظفين. لذلك رتبت الحكومة لما أسمته بقانون الوظيفة العامة، الذي أثار الكثير من الجدل، مما جعلها تتراجع مؤقتاً وتتحدث عن تعديله، وهو ما لا يعني بأي حال توقف الترتيبات الهادفة إلى التخلص من موظفي الحكومة كما حدث مع العاملين في القطاع العام.

وفي إطار الإعداد لتمرير قانون الوظيفة العامة كانت الحكومة تنوي التخلص من 1.1 مليون عامل خدمات ووظائف حرفية (سائقون- فنيون- سعاة) وتحويلهم إلى العمل في شركات متخصصة في توفير عمال الخدمات المعاونة، في شكل هيئة عامة لشئون النظافة والخدمات الحرفية.

كما كانت تنوي التخلص من أكثر من نصف مليون موظف مؤقت، حيث أن مشروع القانون لم يتحدث من قريب أو بعيد عنهم، وكأنهم غير موجودين من الأساس.

مشكلات العمالة المؤقتة

العمالة المؤقتة هي عمالة محرومة من الحقوق المتوفرة للعمالة الثابتة. تقول أحدى العاملات بمترو الأنفاق بعقد مؤقت، أنها لا تشعر بالاستقرار المادي أو النفسي، حيث يعملون وفقاً لعقود مدتها ثلاثة أشهر، ولا يحصلوا على المرتب الشهري بانتظام، كما أنهم يتعرضون لعدم المساواة في الإجازات والعلاوات والحوافز، ويرتبط تجديد العقد بتحرير عدد معين من المخالفات شهرياً.

هذا وقد ابتكرت الحكومة صيغاً أخري لحرمان هؤلاء العمال والموظفين من العمل بشكل متواصل، عندئذ فيصبح من حقهم التثبيت بعد ثلاث سنوات من العمل بشكل مؤقت، وفقاً للقانون. فقد أصبح العقد يفسخ كل 58 يوماً ويكون هناك فاصل بين العقد القديم والعقد الجديد يوم أو يومان.

والمدهش أن أحمد درويش وزير التنمية الإدارية لم يجد أية غضاضة في التصريح بأن الحكومة تقتدي بالقطاع الخاص الذي حقق طفرة في الاقتصاد نتيجة إتباعه مبدأ “اعمل… اجتهد… تحصد الكثير”، رداً علي مطالبة العمالة المؤقتة بمترو الأنفاق لأكثر من 3 سنوات بالتثبيت.

احتجاجات العمال المؤقتين

ووجدنا نفس المشكلة تتصاعد بهيئة الطاقة الذرية، حيث تم تحويل العقود السنوية في يناير الماضي لعدد 400 عامل مؤقت إلي عقود نصف سنوية. والعقد يتيح للهيئة فسخه في أي وقت بدون إبداء أسباب وبدون تعويض العامل. والعمالة المؤقتة بالطاقة الذرية محرومة من بدل الوجبة، وبدل المخاطر، رغم تعرضها لمخاطر الإشعاع، ويتم تحول إجازاتها المرضية إلي إجازات بخصم. لذلك فقد توجه عدد محدود من العاملين المؤقتين بالطاقة الذرية (من حملة المؤهلات العليا والماجستير والدكتوراه) إلي قصر عابدين ، في 16 إبريل 2007، وذلك لعرض مشكلة نحو 965 عاملاً مؤقتاً بهيئة الطاقة الذرية مرت عليهم أكثر من ثلاث سنوات من العمل المؤقت دون تثبيتهم، إضافة إلي أن بعضهم تخطي أكثر من 12 عاماً دون تعيين.

وهدد 40 ألفاً من أصحاب العقود المؤقتة من العاملين بمشروع جمع البيانات بمراكز معلومات التنمية المحلية، بالإضراب عن الطعام اعتراضاً علي استمرار حرمانهم من الحقوق التي يتمتع بها زملاؤهم المعينون، من تأمينات اجتماعية وصحية وبدلات. كما هدد موظفو «مركز معلومات التنمية» في المحافظات بالإضراب عن العمل، احتجاجاً علي عدم تعيينهم منذ التحاقهم بالعمل منذ خمس سنوات كعاملين مؤقتين، وتأخر صرف رواتبهم لنحو 6 أشهر. ففي مركز بسيون هناك 30 شاباً يعملون منذ عام 1992، بدون أي صفة أو امتيازات أو علاوات أو حوافز أو تأمين صحي ، بحجة عدم وجود درجات، في حين أن المركز عين من هم أحدث منهم. وفي بني سويف تجمهر العشرات من العاملين بمراكز معلومات التنمية المحلية أمام ديوان عام المحافظة. وفي القليوبية تسود حالة من الاستياء الشديد وفي البحيرة وفي الشرقية أيضاً.

ولا تكتفي الحكومة بذلك، ولكنها تحاول تكثيف الاستغلال الذي تتعرض له هذه العمالة. فقد أضرب العاملون بمشروع التعداد السكاني بالإسماعيلية ، وذلك بسبب رفع ساعات العمل بالفترة المسائية دون مقابل مادي، والتأخر في صرف مستحقاتهم المالية الخاصة بصرف بدل الإجازات، وكذلك خصم 14% من المرتب والحافز مقابل التأمينات، رغم عدم وجود تأمين عليهم، وكذلك بسبب رفض المسئولين بالمشروع إعطائهم صورة من العقود المحررة لهم بالمخالفة للقانون، بالإضافة إلي خصم الإجازات رغم أحقيتهم في سبعة أيام إجازة عارضة، و 15 يوماً اعتيادي. وقد تعرض العاملين لتهديدات بإنهاء عقودهم، مما اضطرهم لإنهاء إضرابهم.

كما أثارت تصريحات المسئولين بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإنهاء عمل 700 من العاملين بفرع الإحصاء بطابية سيدي بشر بالإسكندرية عقب الانتهاء من التعداد العام في نهاية ديسمبر القادم، ردود أفعال غاضبة بين العاملين بالجهاز. وفي الإسماعيلية، هدد نحو 600 موظف مؤقت في جهاز التعبئة العامة والإحصاء بالاعتصام، احتجاجاً علي صدور منشور في منتصف شهر أكتوبر الماضي، يؤكد الاستغناء عنهم تدريجيا منذ بداية الشهر الجاري، وحتى نهاية ديسمبر المقبل

هذا ومن القطاعات التي تستخدم فيها العمالة المؤقتة بكثافة أيضاً، القطاع الطبي، حيث يوجد 35 ألف عامل مؤقت بالتأمين الصحي علي مستوي الجمهورية. وقد ظهرت العديد من الاحتجاجات علي أوضاعهم المتدنية، حيث تسود حالة من الغضب والسخط من جانب العشرات من العاملين بعقود مؤقتة بمستشفي وعيادة العاشر من رمضان للتأمين الصحي وذلك لعدم تثبيتهم علي الرغم من أنهم يعملون بهذا النظام منذ أكثر من 15 سنة. كما قام موظفو المعهد الفني الصحي بالإسكندرية بإضراب عن الطعام احتجاجاً علي إنهاء تعاقداتهم. كما احتشد حوالي 100 موظف من العاملين في إدارة أسيوط الصحية أمام مبني المحافظة، احتجاجاً علي قرار وزير الصحة بإنهاء العقود المؤقتة لـ 1645 موظفاً، مع بداية يوليو المقبل. كذلك اعتصم نحو 200 موظف من العاملين في الوحدات الصحية بعقود مؤقتة، احتجاجاً علي عدم تجديد عقود 400 موظف، وقد انهي العاملين اعتصامهم الذي دام 24 ساعة فقط، وذلك بعد تدخل اللواء نبيل العزبي محافظ أسيوط، ومنحهم وعداً بالاستمرار في عملهم لمدة شهرين بنظام العمالة الموسمية. كذلك اعتصم نحو 400 عامل من العمالة المؤقتة بمستشفي الأقصر الدولي، ثم بعدها بحوالي عشرة أيام دخل عدد منهم في إضراب عن الطعام، احتجاجاً علي تدني رواتبهم، وتجاهل إدارة المستشفي لمطالبهم بالتعيين، رغم مرور سبع سنوات علي استلامهم العمل بالمستشفي. وطالب المعتصمون بحقوقهم الواردة في الكتاب الدوري رقم 10 لسنة 2006، وبمساواتهم بزملائهم المعينين في الحقوق والواجبات المادية والعينية، حيث أنهم يعملون لمدة ثماني ساعات يومياً، بينما يعمل المعينين ست ساعات فقط، ، وطالبوا بمساواتهم في الحوافز حيث يحصل المعينين علي حوافز بنسبة 200%.

وتمثل الجامعات أحدى معاقل العمالة المؤقتة. فقد احتج حوالي 200 عامل من عمال اليومية بكلية الزراعة، بجامعة الإسكندرية على عدم تثبيتهم رغم أنهم يعملون منذ 11 عاماً. كما هدد أكثر من 350 موظفاً مؤقتاً بجامعة المنصورة بالاعتصام داخل مبني الإدارة احتجاجاً علي عدم تثبيتهم ومعظمهم تجاوز العشرة سنوات في انتظار التثبيت. وعبر عدد كبير من موظفي جامعة عين شمس عن سخطهم وغضبهم من ممارسات رئيس الجامعة التعسفية التي يمارسها ضدهم وتتمثل في الفصل التعسفي والعمل بنظام المناوبات وعدم التصديق علي عقود المعينين وتجاوز ساعات العمل الرسمية.

وهناك من هم ليسوا محسوبين ضمن العمالة المؤقتة، ولكن يتعرضون لظلم أكبر كثيراً من الذي تتعرض له العمالة المؤقتة، وهم المدرسين بالحصة، حيث تجاهلت الحكومة أزمة 70 ألف معلم متعاقد مع وزارة التربية والتعليم ولم يطبق عليهم الكادر الخاص. ورغم ضآلة ما يحصل عليه هؤلاء المدرسون من حقوق، إلا أنه في ظل أزمة البطالة الطاحنة وسط الشباب وخصوصاً في الصعيد، نجد أن 18 ألف خريج يتقدمون لمثل هذه الوظيفة. كما تجمع 2000 من خريجي كليات التربية العاملين بنظام الحصة من أبناء أسيوط أمام ديوان عام المحافظة للمطالبة بتعيينهم في مديرية التربية والتعليم بعقود مؤقتة.

مستقبل احتجاجات الموظفين

بعد هذه النظرة لما حدث في وسط الموظفين خلال الأشهر الماضية، يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات، أولها أن انتصار موظفي الضرائب العقارية فتح الأفق واسعاً أمام 6 مليون موظف حكومي لكي يأخذوا حقوقهم بالاعتصام والإضراب والتظاهر. من ناحية أخرى، فإن أضعف نقطة فيما يتعلق بالعاملين في الحكومة هي العمالة المؤقتة، حيث أنه كما رأينا يتم الضغط علي الموظفين المؤقتين والتهديد بإلغاء عقودهم، لفض الاعتصام و التظاهر. وثالثاً، فقد بدا واضحاً أن مسألة الأجر هي المسألة التي تحرك عليها الغالبية العظمي من الموظفين، خصوصاً مع غلاء المعيشة، وانسداد كل أفق الطرق الأخرى للدخل خصوصاً في القرى. وأخيراً تأتي أهمية تنظيم الموظفين وربط مشكلاتهم ببعضها البعض من خلال روابط تمكنهم من تنظيم وتوحيد احتجاجاتهم في مواجهة الضغوط التي يتعرضون لها ومساعي الحكومة الدءوبة لتشريدهم.