الصحفيون في مصر هم الأقل أجراً والأكثر استغلالاً

“صحفيون بلا حقوق” تطالب بحد أدنى لأجر الصحفي 1500 جنية، وعقد عمل موحد يواجه استغلال الملاك وتواطؤ نقابة مكرم “غير المتاح”!
“كله ح يركب عربيات، ح نوفر مسكن ملائم، وأنا ملتزم أيضاً بإعداد لائحة أجور جديدة تليق بالصحفيين. تحسين الأجور أمر ضروري مفيش كلام”، هكذا كان يتحدث المرشح مكرم محمد أحمد في نوفمبر 2007. أما بعد فوز مكرم محمد أحمد نقيباً للصحفيين، سمعنا وشاهدنا الكثير من الأخبار والأحداث منها زيادة 200 جنيه في بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفي. ثم تأخر بدل التكنولوجيا. وجاءت أنباء قوية عن إلغاء البدل. ثم تدخل الرئيس مبارك وأمر وزير المالية بعدم المساس ببدل الصحفيين. ثم أقاويل عن انتظام البدل، وأخرى عن تأخر صرف البدل. وجاء قرار هيئتا مكتب النقابة والمجلس الأعلى للصحافة بإلغاء البدل عن الزملاء المقرر قيدهم بجداول نقابة الصحفيين. وأمام المطالبات الواسعة بلائحة أجور جديدة، وعقد عمل موحد يحمي الصحفيين من تعسف ملاك الصحف. فاجئنا النقيب بوضع كل مشاريع تحسين الأجور الخاصة بالمجالس السابقة في الثلاجة. ثم جاء فصل تعسفي لعشرات الصحفيين. وعندما كان الصحفيين يتسائلون: أين النقيب؟ كان الجواب: مكرم محمد أحمد نائم. مكرم عصبي وضغطه منخفض. مكرم في العمرة. النقيب رجع من العمرة. مكرم بيتخانق مع الصحفيين. مكرم ما بيردش على التليفون. مكرم غير متاح!
أوضاع مأساوية
الرابط بين هذه العناوين القصيرة هو أن أوضاع الصحفيين في مصر تحولت إلى مسخرة. الأسعار وتكاليف المعيشة تتصاعد بجنون، والأجور الحقيقية للصحفيين تتهاوى بلا تردد (أجور الصحفيين في مصر لا تصل إلى اقل من نصف الحد العالمي لخط الفقر). فالصحفيون يعانون أوضاعا مأساوية. الأجر متدن ( 500 جنيه في المتوسط )، وهو لا يكاد يكفيهم أقلاما وأوراقا ومصاريف تنقل، ولا تحكمهم لوائح أجور ثابتة. والتعرض للفصل والتشريد والاستغلال الشديد لا يتوقف في ظل ظروف عمل غير آدمية، يسيرها ملاك الصحف، ورؤساء التحرير المتواطئون. ونقابة الصحفيين مشغولة بفض الاشتباك بين مكرم محمد أحمد، النقيب ، والذباب الذي يحال اختراق مناطق استراتيجية في ” وشه “. إنها مأساة حقاً. فالنقيب الحالي لم يتدخل لإغاثة صحفي مفصول ولم يلتزم بإعداد لائحة أجور عادلة للصحفيين. وإنجازه الوحيد هو إلغاء البدل عن الزملاء الجدد، وتقييد الحق في الحصول على عضوية النقابة من خلال لجان قيد يشرف عليها أعضاء من مجلس النقابة، وآخرون يتبعون وزارة الداخلية! هذا على الرغم من أن الدور المفترض للنقابة هو زيادة عضويتها ببسط مظلتها النقابية، دون قيود على كافة العاملين بالمؤسسات الصحفية دون تمييز.
يعاني الصحفيون ، داخل مؤسساتهم الصحفية، الحزبية والخاصة، مما يجعل هؤلاء بعيدون تماما عن التطور المهني ( عايزين نأكل الأول يا زميل! ). والأغلبية تعمل في أعمال أخرى بعد الظهر لتحسن دخلها. ونقابة الصحفيين مكتوفة الأيدي، بدعوى أنه ما بيد الحيلة، “ونجيب لكم منين؟”. الحقيقة أن هذا الادعاء باطل. فالزميل أحمد النجار عضو مجلس النقابة السابق تقدم بمشروع لائحة لأجور الصحفيين بآليات تمويل محددة، أقرتها الجمعية العمومية للصحفيين في مارس 2006، ودخلت النقابة في تفاوض شاق حولها مع الحكومة لكن الجهد لم يستكمل بعد قدوم مكرم محمد أحمد. وهذه اللائحة المقترحة تقر حد أدنى للأجر الأساسي للصحفي بمبلغ 1500 جنية، بحيث يرتفع سنوياً بنسبة 7 % كمقابل للخبرة والأقدمية، يضاف إليها نسبة تعادل معدل التضخم المعلن رسمياً. ويتم تمويل هذا التعديل في الأجور من خلال إجراء تعديل على قانون ضريبة الدمغة على الإعلانات، حيث يتم تخفيضها من 15% إلى 3% على أن تحتجز نسبة الــ12% الباقية لتمويل مشروع لائحة الأجور والمعاشات. وهذا المشروع سيوفر موارد كبيرة للنقابة، ويضمن لها الاستقلالية عن المجلس الأعلى للصحافة، ويضمن تحسين أوضاع الصحفيين داخل مؤسساتهم.
يعاني القطاع الأكبر من الصحفيين، وهم من شريحة الشباب، في ظل أجواء الاستغلال داخل المؤسسات، ولجان القيد التعجيزية بالنقابة، ذلك أن هؤلاء خارج النقابة، بعيداً عن مظلتها (إذا اعتبرنا أنها مظلة حمائية من الأصل لأعضائها). وترجع معاناة شباب الصحفيين إلى هيمنة ملاك الصحف ورؤساء مجالس الإدارات على مجريات الأمور بنقابة الصحفيين، لفترات طويلة، مما جعلهم يسيطرون على جداول القيد، حيث تم اختراع شرط التعيين بمؤسسة الصحفية للانضمام إلى النقابة. وهذا بالطبع يعطى الملاك الفرصة كاملة لابتزاز واستغلال الصحفيين. تحت نير غلاء المعيشة وتدني أجورهم.
صحفيون بلا حقوق
دفعت تلك الأوضاع المأساوية مجموعات متتالية من الصحفيين لمحاولة تنظيم أنفسهم، للمطالبة بنقابة ديمقراطية لكل الصحفيين. وآخر هذه المحاولات جرت، في الفترة الماضية، حيث عقدت عدة اجتماعات تأسيسية لشباب من محرري عدد من الصحف، شكلوا جماعة “صحفيون بلا حقوق”، هدفها الوصول إلى المحررين في قواعدهم عبر الاشتباك مع القضايا المشتركة للجماعة الصحفية، خاصة المتعلقة بالأجر وعلاقات العمل. وتهدف “صحفيون بلا حقوق” إلى حشد الزملاء وتعبئتهم للضغط على مجلس النقابة، لتحقيق عدد من المطالب أولها إقرار حد أدنى لأجر الصحفي بمبلغ 1500 جنية، من خلال لائحة أجور عادلة، تؤمن للصحفي احتياجاته الأساسية، وزيادة راتبه الأساسي. وثانيها إصدار عقد عمل موحد، وتفعيل اللوائح المالية والإدارية التي تنظم علاقات العمل داخل المؤسسات الصحفية. وثالثها إقرار قانون قيد جديد بالنقابة بمعايير محددة وشفافة، لمواجهة لائحة القيد الحالية، التي تعد من أسوأ لوائح القيد في أي نقابة مهنية، ورابعها تحديد فترة التدريب داخل الصحف بفترة زمنية لا تتجاوز عام للصحفي الممارس للمهنة تنتهي بتعيينه داخل الصحيفة، وتوجب إدارة الصحيفة إرسال أوراق الصحفي للنقابة، علي أن تتولى النقابة وضع ضوابط محددة، تلتزم بها إدارة الصحيفة لتنظيم هذه المسألة، وتحاسب من يخالفها بحسم.
تتبنى “صحفيون بلا حقوق” آليات عديدة بهدف الوصول لمطالبها، على رأسها الآليات الاحتجاجية، فضلا عن زيارة الزملاء في المؤسسات الصحفية المختلفة للتضامن المباشر معهم في مشاكلهم، والدعاية بينهم على المطالب للوصول إلى صيغة تحرك موحدة حولها، وتعبئتهم عليها سواء من خلال المؤتمر العام أو الجمعية العمومية الطارئة.
تحت وطأة كل هذه الأوضاع القاسية، التي يعانيها الصحفيون، وفي ظل تفجر نضالات وانتصارات الحركة العمالية والاجتماعية، في مصر، للمطالبة بالأجر العادل وضد استغلال رأس المال، ليس هناك طريق أمام الصحفيين الفقراء المستغلين من جانب الملاك ونقابة الملاك “نقابة الصحفيين سابقا” إلا أن يتعلموا الدرس ، ويتوحدوا على مطالبهم العادلة، أو يتبخروا فرادى!