بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الاشتراكيون الثوريون والمعركة الفلاحية.. أدوات النضال

من المؤكد أنه لا يوجد عند أي منا شك أن الحركة الفلاحية الراهنة هي مركز الصراع الطبقي في مصر في الوقت الحاضر. وأن هذه الحركة بصرف النظر عن حجمها وعن درجة تجذر الوعي داخلها، فإنها تقدم فرصة موضوعية أمام المناضلين الاشتراكيين الثوريين لتأسيس نفوذ سياسي للحركة الاشتراكية الثورية في مصر. بتفاعهلم الإيجابي معها ودفعهم لها – بقدر الإمكان – في اتجاهات أكثر قاعدية وأكثر ديمقراطية وسنجد في هذا العدد من “الشرارة” مقالا عن الحركة الفلاحية يقدم في نهايته تصورنا عن مهام الاشتراكيين الثوريين في الحركة. ونحن في هذا المقال سنحاول تقديم وجهة نظر بخصوص الأدوات التي يجب أن يتسلح بها الثوريون في تفاعلهم مع الحركة، كي يصبحوا قادرين على أداء المهام المنوطة بهم.

الشرط الأول الذي يحدد لنا الأدوات المطلوبة، هو حجم حركتنا الذاتية. وبالطبع لا نحتاج لأي تدليل على ضعف. حركة اليسار في مصر بوجه عام. لقد كشفت الحركة الفلاحية لنا – حال احتدامها – عن هشاشة ما تبقى من فصائل الحركة الشيوعية الثالثة. فبعد الأزمات الداخلية المتعاقبة على مدى عشرون عامًا، وبعد انهيار الأساس الموضوعي للمشروع الوطني الرديكالي، وبعد الهزيمة التاريخية عالميًا لمشروع رأسمالية الدولة، لم يعد للمجموعات اليسارية التي خرجت من أعطاف الحركة الثالثة أي فعالية ذات أثر أو أي دور مبادر داخل نضالات الجماهير. الحزب الشيوعي المصري – يمين الحركة – أصبح أكثر يمينية يلعب بوضوح دور متواطئ وخائن للحركة الفلاحية. حزب العمال الشيوعي قطب اليسار الراديكالي على امتداد السبعينات والثمانينات، غير موجود في المعركة بالمرة ولا يدري أحد أين ذهب. حزب الشعب الاشتراكي وهو جهاز سياسي غير محدد المعالم ليس له إصدارات معروفة أو أدوات دعاية، موجود فقط في المعركة بانخراط مناضلين من صفوفه داخلها، لكن بدون وجود واضح لحركته كتنظيم.

سنجد هنا أن الحركة الاشتراكية الثورية هي، من بين فصائل اليسار في مصر، صاحبة المبادرات الأكثر إيجابية في المعركة. لكن هذه الحركة على الرغم من مبادرتها، إلا أنها حركة لا تزال ضعيفة. وهذا الضعف لا يتعلق فقط بعدد المنتمين إليها، لكنه يتعلق أيضًا بحجم نفوذها السياسي داخل الجماهير وبنقص خبراتها الكفاحية في النضالات الجماهيرية بشكل عام، بسبب ندرة هذه النضالات. بالإضافة إلى أن جزء رئيسي من ضعفها يعود إلى انقسامها، وهو ليس انقسامًا على المبادئ ولا على الأهداف النهائية لكنه انقسام على أساليب النضال. وبالطبع هذا الانقسام يجب ألا يقلص من أهمية وضرورة خلق تنسيق قوي وفعال في أي معركة طبقية يتم التفاعل معها، وهذا التنسيق لا يأتي إلا عبر انخراط مناضلين من أقسام الحركة المختلفة داخل المعركة. المهم في الأمر، أنه بصدد المعركة الفلاحية الراهنة، فإن ضعف اليسار في مصر عمومًا وضعف الحركة الاشتراكية الثورية على وجه خاص وانقسامها، تدخل جميعًا كعناصر رئيسية في تحديد نوع وطبيعة الأسلحة التي يجب توفيرها.

الشرط الثاني هنا هو الضعف النسبي حتى الآن للحركة الفلاحية الصاعدة ذاتها ولمراكز ثقل المد وتجذر الوعي داخلها. فمن يتابع أخبار المعارك الفلاحية سيلاحظ أنها لازالت وحتى اللحظة الحاضرة عفوية أو محدودة التنظيم. وسيلاحظ أيضًا أنها لم تحقق حتى الآن أي تراكم ذو شأن على المستوى السياسي أو التنظيمي داخل صفوف الفلاحين مستأجري الأرض. بالإضافة إلى أنها لازالت محدودة النطاق، فعدد القرى التي جرت فيها الاحتجاجات الفلاحية لا يتجاوز 3 إلى 4 من ألف من إجمالي قرى الريف المصري، التي يصل عددها إلى 5800 قرية. أما الأمر الأكثر أهمية هو أن الوعي السائد داخل الحركة لا يتجاوز حتى اليوم حدود النضال من أجل الحفاظ على الحيازات الصغيرة. لكن على الرغم من ذلك جميعه إلا أنه يمكننا – بكل ثقة – أن نصف الحركة على أنها حركة صاعدة. فالوعي السائد برغم محدوديته إلا أنه يحمل في جوهره عداء شديد لسلطة الرأسمالية الكبيرة ومشروعها لإصلاح الريف. كذلك فعقوبة الحركة تندفع في اتجاهات أكثر عنفًا وفي مزيد من التحدي، وأيضًا سنجد أن نطاق الحركة يتسع مع الوقت.

إننا إذن أمام وضع يمكن شرحه على النحو التالي: حركة اشتراكية ثورية تتشكل من مناضلين نشيطين لهم وجودهم السياسي والتنظيمي الفاعل بصرف النظر عن حالة الجذر في النضالات الجماهيرية. لكن يعيبها ضعفها العام وانقسامها. أصبحت أمام معركة على جبهة بعينها من الصراع الطبقي. وهي جبهة تنشأ على نضال الفلاحين فقراء – أي جزء رئيسي من الحلفاء التاريخيين للطبقة العاملة – لكن في لحظة انحسار شديد لنضالات الطبقة العاملة ذاتها، بما يخلق هشاشة للأرض التي تتحرك عليها النضالات. برغم ذلك فشروطًا موضوعية قائمة داخل المعركة، تخلق إمكانية لاستمرار النضال وتجذره. وهناك جمهور واسع ينجذب في اتجاه مبادرات الثوريين داخل الحركة، يتشكل من نوعيات مختلفة. بعضه من مناضلين غير فاعلين بسبب الإحباط أو حالة الركود العامة؛ وبعضه الآخر من عناصر خام انحازت لمواقف الثوريين من المعركة الفلاحية بسبب انفجار المعركة ذاتها، وبعضه الأخير من عناصر متقدمة خرجت بطريقة عفوية من قلب المعركة، لكنها تتحرك كأفراد بانفصال عن حركة الثوريين وبوتيرة نضال متقطعة. في ضوء ذلك يمكننا أن نحدد ثلاثة أسلحة رئيسية تحتاجها الحركة الاشتراكية الثورية لتفعيل دورها داخل المعركة في اتجاه أدائها للمهام المنوطة بها.

أولاً: آلية تنسيق قوية وفعالة بين أقسام احركة مسؤولة عن أداء مهمة رئيسية هي تحديد – بوضوح شديد – والاتفاق على: أسلوب بعينه موحد للنضال في هذه المعركة بالتحديد، وبصورة عملية وملموسة. أي تحديد طبيعة ودور الأدوات التدخلية المطلوبة؛ تحديد المواقع التي يجب التدخل فيها؛ الاتفاق على خطاب عام موحد للاشتراكيين في المعركة؛ تحديد مراكز للاتصال والتجميع؛ تحديد المواقع التي يتم فيها شن الهجوم، والطريقة الصحيحة للهجوم؛ إلخ. ودون أن يتحول هذا التنسيق إلى نقاش سياسي منفصل عن المعركة الفلاحية ذاتها.

ثانيا: تنظيم آلية دعاية علنية قوية، دورها الرئيسي هو حشد وتعبئة الجمهور المحيط، الغير فاعل والغير منظم، للانخراط في المعركة عبر مواقع الحركة المختلفة. وأداة التعبئة هذه وآلياتها، لا يجب أن تكون بديلاً عن آليات التنظيم أو أدوات الدعاية السرية والعلنية المستقلة لأقسام الحركة، التي يجب أن تلعب دورها بكفائة داخل المعركة. أداة التعبئة هذه لها دور مكمل يتحقق بحشد جمهور واسع من المحيطين وجذبه إلى دائرة فعاليات الحركة الاشتراكية الثورية في المعركة. لذا فالدعاية التعبوية يجب أن تقوم على توجيه نداءات واضحة تحمل تأكيدًا صارمًا على الشعارات الاشتراكية الثورية داخل المعركة، التشهير بالعدو الطبقي ودعايته المنثبطة؛ نقل أخبار المعركة وإبراز مراكز التجمع العلنية للتوجه إليها.

ثالثًا: خلق أداة فعالة لتوسيع ساحة المعركة أمام الاشتراكيين الثوريين، بما يسمح لهم بمرونة أعلى في الحركة ومساحة أوسع للتدخل. وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون تفعيل إطار للتنسيق الجبهوي بين حركة الاشتراكيين الثوريين وبين الجميع غيرهم المتمترسين معهم على نفس الجانب من الصراع، والمتفقين معهم على شعارين رئيسيين هما: إسقاط قانون الإيجارات الجديد، المقاومة الفلاحية كطريق وحيد لإسقاطه. على أن يقوم هذا التنسيق على مبدأ السير على حدة والضرب في اتجاه واحد. ولأن المتفقين على هذين الشعارين اليوم ليسوا إلا عناصر مبعثرة أو مجموعات صغيرة ينمي بعضها لتكوينات سياسية معادية بصورة أو بأخرى للحركة الفلاحية، فإن هذا التنسيق يجب أن يؤدي بمرونة عالية وباستغلال جيد لكل الفرص المتاحة، ودون أن يجرنا إلى تذيل لمواقف القوى المعادية. في هذا السياق على الاشتراكيين الثوريين مثلاً أن يتفاعلوا مع تكوينات مثل اللجنة القومية للتضامن مع الفلاحين، ودون أن يسمحوا للتجمع أو العمل أو غيرهم بفرض هيمنتهم عليها. إن غياب التنسيق الجبهوي هذا يعني ببساطة سهولة حصار الحركة الاشتراكية الثورية، وتضييق الخناق عليها، ومنعها من أداء مهامها في المعركة.

في ضوء الاتفاق على ما سبق يمكننا رصد أوجه القصور في حركة الاشتراكيين الثوريين داخل المعركة الفلاحية خلال الشهور السابقة في التالي: غياب آليات تنسيق فعالة تقوم بتحديد واضح وملموس لأسلوب موحد للنضال داخل هذه المعركة، غياب الدور التعبوي والخلد في الدعاية ما بين آليات التنظيم وآليات التعبئة؛ استغراق المناضلين الاشتراكيين الثوريين، أثناء محاولاتهم المتعددة لخلق أطر للتنسيق الجبهوي، في الدفاع الإيجابي عن مواقفهم في مواجهة القوى السياسية المعادية، وبالتالي إهمال المهام التنظيمية والاتصالية المطلوبة من هذا التنسيق.

من المؤكد أن المعركة الفلاحية لازالت ممتدة لوقت طويل قادم. وأنه لازالت هناك ضرورة لتسليح الحركة الاشتراكية الثورية بأدوات النضال القادرة على تفعيل دورها في المعركة. وأن التقاعس عن خلق هذه الأدوات لن يؤدي فقط إلى إضعاف دور الحركة داخل المعركة الفلاحية، لكن الأسوأ أنه سيؤدي إلى إهدار الإمكانيات الموضوعية التي تتيحها هذه المعركة في دفع النضالات الطبقية في مصر خطوات واسعة إلى الأمام.