الأطباء يتحدون الإخوان في الجمعية العمومية لنقابة الأطباء

في ظل أجواء عصيبة ومتوترة عُقدت الجمعية العمومية العادية للأطباء الجمعة 29 مارس 2013، وفي حضور حوالي 1500 طبيب تمكن مجلس النقابة الإخواني في ظل أغلبية عددية مريحة من تمرير موازنة النقابة لعام 2011 – 2012 بالرغم من العديد من المخالفات المالية والإدارية الفاضحة.
كما تمكن من تمرير قراراً بإلغاء إضراب الأطباء – والذي كان معلقاً منذ الجمعية العمومية الأخيرة في أكتوبر 2012 – حتى يتم إقرار مشروع قانون كادر الأطباء، كما لم يستطع أياً من ممثلي التيارات النقابية المختلفة كأطباء بلا حقوق وألتراس الأطباء التحدث أو حتى الاقتراب من المنصة.
قد يبدو الانتصار الإخواني مكتملاً، إلا أن النظرة المدققة تكشف لنا عن أن النصر التكتيكي للإخوان في هذه الجمعية العمومية سيكلفهم الثمن غالياً وفي وقت قصير للغاية.
فبداية الأمر كانت هذه الجمعية العمومية هي جمعية دفاعية بالنسبة للخصم الأشهر للإخوان في نقابة الأطباء “حركة أطباء بلا حقوق”، وهي حركة نقابية تكونت منذ 6 سنوات، وتهتم بالدفاع عن الأطباء من منظور اجتماعي واسع يرى الأطباء ومصالحهم في ترابط وثيق مع تحسين مستوى الخدمات الصحية في مصر، ويسعى لكسب المريض المصري واستقطاب المجتمع بأكمله إلى صف الأطباء ومطالبهم.
وقبل الجمعية عبّر الكثير من كوادر أطباء بلا حقوق في اجتماعاتهم الخاصة عن أن هذه الجمعية العمومية (الأولى بعد الإضراب) ستكون قدرتهم فيها على الحشد أقل من المعتاد، نظراً لإنهاك النشطاء وإحباط الأطباء بعد معركتهم البطولية طوال 82 يوماً من الإضراب بطول وعرض الجمهورية، والتي تحدوا فيها النظام ومختلف أجهزته إلى أقصى حد، وتحملوا كذلك خيانة نقابتهم العامة والكثير من النقابات الفرعية لمطالبهم، وحرصوا على العمل بأقصى قدراتهم خلال الإضراب الجزئي لمنع إلحاق الأذى بالمرضى، وبعد هذا كله لم يحصلوا في النهاية على مطالبهم، سواء الكادر أو زيادة الميزانية أو تأمين المستشفيات، وكان الشغل الشاغل لأطباء بلا حقوق هو الخوف من استغلال الإخوان لهذه الحالة لتمرير تغييرات معادية للأطباء، مثل زيادة العدد المطلوب لطلب عقد جمعية عمومية غير عادية أو تغيير لوائح الانتخابات المقبلة بما يضمن استمرار سيطرة الإخوان على النقابة، وغيرها من القرارات المعادية للأطباء.
كانت الجمعية العمومية وبرغم كل ذلك مفاجأة سارة لأطباء بلا حقوق، فبالرغم من التفوق العددي للأطباء الإخوان الذين تم حشدهم، والذين ضمنوا لمجلس النقابة أغلبية مريحة في الجمعية العمومية بنسبة تصل إلى 70% تقريباً من الحضور، إلا أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء الأطباء الذين تم حشدهم من الأقاليم والقرى والمراكز على أساس أيديولوجى (وهو الانتماء لجماعة الإخوان) كانوا بدون أي خبرة نقابية حقيقيه أو معرفة بأسباب وآليات عمل الجمعية العمومية، والأكثر من ذلك أن معظمهم من الأطباء والطبيبات كبار السن، سواء على المعاش أو الذين يمارسون أعمالاً إدارية، أو لا يمارسون المهنة من الأساس، كما قلت نسبة الأطباء الشبان وأطباء المدن والنشطاء النقابيين في الجانب الإخواني بشكل لافت للنظر، على الجانب المقابل كان للخبرة النقابية المتزايدة لمعظم المتواجدين من نشطاء أطباء بلا حقوق وصغر سنهم النسبي وكون معظمهم من الأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومية ولهم مصلحة مباشرة في الحصول على الكادر وتحسين أوضاع المستشفيات الحكومية، سبباً فى كونهم نداً لا يستهان به ومصدراً كبيراً للقلق بالنسبة للحضور الإخواني، كما أعطاهم المقدرة على تحدي محاولات مجلس النقابة للسيطرة على الجمعية مستنداً على أغلبيته المريحة.
المفاجأة الأخرى السارة كانت في دخول ألتراس الأطباء – وهم حركة نقابية صغيرة جديدة ظهرت مؤخراً في المشهد النقابي الطبي، إلى المواجهة المباشرة مع الإخوان المسلمين، وقد أثار هؤلاء الأطباء صغار السن الموحدون في الزي الأسود، والذى يطلق الكثير منهم لحيته نظراً لانتمائه إلى التيار السلفي، عاصفة من القلق وعلامات الاستفهام في صفوف الإخوان المسلمين، وكان قيامهم بالتنسيق مع حركة أطباء بلا حقوق سبباً في اتهام الإخوان لهم بأنهم بلطجية مؤجرون بواسطة أطباء بلا حقوق.
أما ما جعل حسم الإخوان الجمعية لصالحهم استحالة موضوعية، فهو العنصر الأقوى في تلك المفاجأت والذى تمثل في الدفعة الجديدة من الأطباء الشباب، خاصة المنتمين منهم لنقابة الإسكندرية – والتي حضر منها ما يقرب من 100 طبيب، معظمهم خاض تجربة تحدي وزارة الصحة والاعتصام خارجها منذ أقل من شهر فى معركة لتغيير قواعد التكليف، وهي المعركة التي انتصروا فيها على الوزارة الفاسدة، وأكسبتهم صلابة جعلتهم المتصدي الأول للإخوان في الجمعية العمومية، وجعلت مجلس النقابة يحاول عدم تسجيلهم وإبعادهم عن الجمعية العمومية، وهي المحاولة التي فشلت بالطبع.
لذا فالملخص هو: أغلبية تصويتية خاملة، وقليل من الكوادر النقابية الشابة في جانب الإخوان، وأقلية قوية تزداد صلابة وتماسكاً يوماً بعد يوم، وتزداد روافدها باستمرار، هذا كان حال معارضيهم في نقابة الأطباء.
في ظل هذا التوازن الهش، أفلت الإخوان بقرارات الجمعية بعد وعود هزيلة بتطبيق الكادر من ممثليهم في مجلس الشورى ووزارة المالية قبل السنة المالية المقبلة، وبناءاً على هذه الوعود قاموا بإلغاء قرار الإضراب المعلق، وتم تفويض مجلس النقابة لاستكمال مسيرة المطالبة بإقرار الكادر، وهي وعود يبدو أنها ستكون الحبل الذي سيلتف حول أعناق مجلس النقابة الإخواني في الانتخابات المقبلة.
تبقى ملحوظة حول تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، والذي كان مليئاً بالمخالفات المالية الفاضحة، والفساد الإداري والمالي الصارخ، فبسبب التنسيق الكامل بين الإخوان والحزب الوطني طوال 20 عاماً في نقابة الأطباء، والذي استمر بعد الثورة حتى عام 2011 في ظل تحالف حمدي السيد نقيب الأطباء السابق سىء الذكر وعبد الفتاح رزق رجل الإخوان القوي في النقابة – سابقا ً- لم تظهر أبداً أية تقارير جدية حول مالية نقابة الأطباء قبل ذلك، وظلت مغارات الأسرار في لجنة الإغاثة عصية على الإقتحام، الآن وفي التقرير الأول بعد انهيار هذا التحالف يبدو أن تلك المغارات على وشك أن تبوح بأسرارها، والشيء المؤكد أن الإخوان لن يسمحوا بهذا بسهولة، وسيسعوا لمنع تكراره مجدداً.