أحد قادة اعتصام الضرائب العقارية" للاشتراكي":
التحرر من سجن الخوف أعظم مكاسب الاعتصام
اعتصام وإضراب موظفي الضرائب العقارية اخرج للحركة الاجتماعية مجموعة من الوجوه والقادة جديرة بالاستماع إلي وجهات نظرها و التعرف عل خبراتها، و سر تحولها بعد صمت دام لأكثر من 30 عاما هي عمر ضم مأموريات الضرائب العقارية إلي المحليات وفصلها عن وزارة المالية .
قادة اليوم الذين اعترف بعضهم أنه كان يخاف من مجرد ذكر اسم الشرطة أو أمن الدولة أمامه يأتي اليوم الذي يواجهون فيه أشرس ضباط مباحث أمن الدولة و تهديداتهم السافرة حينا والناعمة أحيانا أخري.
هؤلاء القادة الذين أفرزتهم الحركة اعترفوا أن “الكثرة جلبت الشجاعة” والفقر والمهانة التي يواجهونها بعد الارتفاع الرهيب في الأسعار، هما السبب الرئيسي في هبتهم الكبرى تلك، والتي تكللت بانتصار كسر أنف الحكومة التي ادعت أنه لم يولد بعد من يلوي ذراعها!!
“الاشتراكي” التقت أحد هؤلاء القادة والذي أدي دوره بعيدا عن الأضواء بشهادة كمال أبو عيطة وباقي زملاءه في الاعتصام.
· في رأيك.. ماهي أبرز مكاسب الانتصار؟
تخلص الشخص من أسره وقيوده والتخلص من الخوف؛ واكتساب الجرأة والشجاعة في مواجهة أعدائنا، هو ده اعظم انتصار، لكن هذه المكاسب لم تأت كلها مرة واحدة وإنما جاءت علي عدة مراحل، في البداية كان فيه تجييش للناس، عن نفسي أنا لقيت إيدي في إيد زمايلي وبنتحرك كمجموعة، وده شيئ كان نفسي فيه من زمان لكن ماكنتش لاقي حد معانا ويقودنا للهدف.
في البداية كان الاعتصام والوقفة الاحتجاجية الأولي أمام مأمورية الضرائب العقارية بالجيزة، وبعد نجاح هذه الوقفة لقينا إن مافيش خوف وإننا نجحنا نعمل شيئ إيجابي، هذه الوقفة كانت تحذيرية وبمثابة اللمبة الحمراء للحكومة التي لم تستجب لمطالبنا، وبعد هذا الاعتصام بشهر عدنا مرة أخري للتظاهر أمام وزارة المالية، ولقينا هذه المرة معانا زملائنا من محافظات مختلفة ولقينا نفسنا إننا ممكن ننجح وإن الخوف اللي كنا عايشين فيه مالهوش أي مبرر، وفي ذات الوقت وجدنا أنفسنا أمام خصم كان البعض يظنه صديقا.. الحكومة.
ثم تطور الأمر وكان لازم نرد “القلم” باعتصام جديد أمام اتحاد العمال، هذا الاعتصام و المبيت داخل الاتحاد كان أول خطوة في طريق الانتصار الكبير الذي تحقق في اعتصام 3 ديسمبر،
الناس ذهبت إلي الاعتصام الأخير وهي عندها شجاعة وجرأة أكبر وخبرة متراكمة مكنتها من الاستمرار لـ 12 يوما في الشارع أمام مجلس الوزراء.
· كيف كان موقف التنظيم النقابي خلال هذه المراحل؟
الموقف كان سلبي جدا، لكن هذا طبيعي فهم معينون، وجاءوا لمناصبهم بالتزوير، لذلك لم يستجيبوا لمطالبنا أثناء الاعتصام الذي تم في اتحاد العمال، ومن جانبنا لم نعطهم فرصة يشعروا من خلالها أنهم انتصروا علينا، فعندما وجدنا عددنا بعد يومين من الاعتصام بدأ في التناقص بشدة أخذنا ذريعة لفض الاعتصام، وهي اعطاء الاتحاد فرصة للتفاوض مع الوزارة رغم علمنا إن هذه المفاوضات لن تسفر عن شئ، في الحقيقة دي كانت فرصة لينا وليست لهم، كانت فرصة لتجييش أنفسنا والاستعداد بشكل كاملن فقبل ذلك كان الاعتصام يستمر عدة ساعات أو يوم علي الأكثر، لكن اعتصام اتحاد العمال أعطانا خبرة في كيفية شحن الناس و بث روح الحماس فيهم إلى أن وصلنا لاعتصام 3 ديسمبر الذي لم يلوي ذراع الحكومة وإنما كسر أنفها.
· من أين جاءتكم فكرة المبيت في شارع حسين حجازي؟
فكرة المبيت في الشارع لم نتخذ بها قرارا مباشرا وإنما جاء قرار المبيت على عدة مراحل، في البداية جاءت فكرة الاعتصام أمام مجلس الوزراء لمدة ساعة أو ساعتين وبعدها ننتقل إلى اتحاد العمال والاعتصام بمبناه حتي يتم حل قضيتنا، وأعددنا العدة لذلك بالفعل، وبعد مرور ساعتين من اعتصام 3 ديسمبر قلنا.. طيب ما نقعد كمان ساعة والناس بالفعل تحمست لذلك. وبصراحة احنا اتفاجئنا من التعامل الأمني الذي وقف محايدا وبعض الزملاء كانت لديه مخاوف من العنف الأمني إضافة إلي المبيت في العراء بالطبع، لكن كثرة العدد و اتخاذ القرار فيما بيننا بديمقراطية شجع الجميع، فقلنا نبات يوم واحد ولقينا بعد كده إن المكان ده-شارع حسين حجازي- واجعهم قوي فقررنا اننا هنكمل اعتصام في الشارع ومش هانسيبه وهنعيّد ع الرصيف!!
· ألم تواجهكم صعوبات في المبيت بالشارع لمدة مفتوحة خاصة في ظل برودة الجو؟
بصراحة إحنا اتفاجئنا برد فعل الزملاء في الاعتصام، لقينا الناس عاشقة الحالة، وأنها بتكافح بجد على لقمة عيشها الحلال، و بعد يومين وجدنا أن كل الأمور هانت علينا والجميع تعود علي المكان، لدرجة أنه صارت هناك ألفة بيننا وبين شارع حسين حجازي، هذا الشارع الذي كان شاهدا على صمودنا لأيام.
· لكن مبيت أعداد كبيرة في مثل هذه الظروف الم يدفع البعض لليأس وبالتالي اختلاق مشكلات؟
حدثت بعض المشكلات الناجمة عن تأخر الرد والاستجابة لمطالبنا، لكن بالحوار والتشجيع أصبحت هذه الأعداد القليلة من أكثر الناس التزاما وتشجيعا لباقي زملائهم، وقيادة الهتافات وتحميس المعتصمين.
الفضل في ذلك يعود للديمقراطية الشديدة التي تعاملت بها اللجنة العليا للاضراب ومجموعة التفاوض مع المسئولين، كانت هناك شفافية في اتخاذ القرار ولم تفرض مجموعة التفاوض رأيا وإنما تشاورنا مع باقي الزملاء فشعر كل فرد في الاعتصام بأنه هو القائد وصاحب الرأي. الديقراطية والشفافية كانا هما السبب في تلافي الخلافات والمشكلات، وهناك سبب ثالث.. إنكار الذات، فلم يحاول أي شخص الظهور بصورة البطل الأوحد أو المنفرد، لكن الجميع تحرك سويا وحتي كمال أبو عيطة قائد الاعتصام كان أول من مارس هذا السلوك علي نفسه، إضافة بالطبع إلى ذكاء الحكومة الرهيب!!
الحكومة التي راهنت علي عدم صمودنا لأكثر من يومين أو ثلاثة علي أقصي تقدير، لكن الناس تآلفت وصمدت في مواجهتهم، وكانو ماسكين شوكة حاطينها في ظهر الحكومة حسب كلام الأستاذ حمدين صباحي.
· مر الاعتصام بمراحل هامة في الشد والجذب مع الحكومة، ولكن برأيك ما هي أهم مرحلة وأكثرها تاثيرا في استمرار الاعتصام؟
“انشاء اول خيمة” اعتقد أن تأثيرها كان رهيبا وعمل ذعر كبير عند الأجهزة المختصة، في البداية عرفوا بنيتنا في نصب الخيمة فعرفنا أن موضوع الخيمة ده قاسي جدا عليهم، وهكذا قمنا بنصب الخيمة الأولى ثم الثانية واستعددنا لإقامة خيمة كبيرة قبل العيد لكن الحل جاء من الحكومة بانهاء مشكلتنا، “الميكروفون” أيضا كان له دور كبير في تشجيع الناس وإنهاك الطرف الآخر وإزعاجه، فعندما قال وزير المالية ردا علي مطالبنا “مش هنساوي بين النجار والحداد”، جاء الرد عليه سريعا بالميكروفون “حسّن ردك يا وزير!!”، “اللجنة العليا للاضراب” أيضا كانت بصدد توصيل رسالة أخري خطيرة و هي شراء أضاحي لذبحها في ساحة الاعتصام كرسالة قوية وشديدة للحكومة.
· طوال فترة الاعتصام هل وصلتكم تهديدات أمنية، وكيف تعاملتم معها؟
وصلت تهديدات لبعض الزملاء، مثلا أثناء دخول بعض الزملاء للمبيت مع زوجته وأطفاله داخل الاعتصام كان بعض الضباط يهددونهم قائلين: بلاش تدخلوا الضرب هايبدأ بعد شويه، هاتتعرضوا للاذى، روّحوا أحسن”، واجهنا مثل هذه التهديدات الساذجة بالحديث مع زملائنا في فترات الاستراحة ليلا، قادة الاعتصام أيضا واجهوا تهديدات لكنهم واجهوها بتهديدات مضادة، فعندما زادت التهديدات بعدم حل مشكلتنا و تركنا في العراء إلى ما لا نهاية خرج كمال أبو عيطه و حاول كسر الكردون مهددا بالذهاب إلي القصر الجمهوري في مسيرة، و عندما سمع باقي الزملاء هذه الرغبة تشجعوا وحاولنا الخروج فعلا، وقال أحد اللواءات لكمال أبو عيطة: أنا هاعتقلك يا كمال، فتوجه كمال بالحديث إلينا قائلا سيادة اللوا بيهددني بالاعتقال وأنا باقوله طظ!! فرددنا خلفه هذا الهتاف… طظ.. طظ.. طظ” ولم تكن هذه كلمة يرددها الجميع اعتباطا وإنما كانت كلمة بتجمد قلوبنا.
· دور وسائل الاعلام.. كان داعما لاعتصامكم؟
وسائل الاعلام الحكومية كان دورها مخجل، لم تبرز الاعتصام في مساحات جيدة و بعضها لم يكتف بذلك و إنما تعمد السخرية من المعتصمين ومحاولة إظهارهم في صورة العشرات، بينما كان عددنا يتجاوز السبعة آلاف، هذا الدور و هذه التغطية جعلت الناس تفقد ما تبقي لها من ثقة في وسائل الاعلام، علي العكس تماما جاء دور وسائل الاعلام المستقلة اللي كانت بتقوي قلوبنا وتقوم بتشجيعنا عن طريق إفراد مساحات كبيرة للاعتصام مدعومة بالصور.
· بعد الانتصار، ماهي التحديات التي تواجهها حركة موظفي الضرائب، وما هي دروس التجربة؟
أبرز نتائج التجربة كان إحساسنا بتأثير الجماعة علي نجاح المهمة، إضافة إلي تحررنا من قيود الخوف والاستكانة والسجن، فالانضمام إلي الجماعة يعطيك إحساسا بالقوة غير عادي و لا يستطيع أحد مواجهته أيا كان، وفي رأيي مسقبل الحركة مبشر و أنا متفائل- بشكل شخصي- من أن جميع مطالبنا ستتحققق بعد تجربة الحكومة معنا و معرفتها مدي قوتنا وثباتنا الذي أظهرناه أثناء الاعتصام.