عاملات «المنصورة - إسبانيا» في الأسبوع الرابع للاعتصام:
الاعتصام المفتوح طريقنا لانتزاع حقوقنا
كان «يساوي إيه اعتصامنا وغيابنا عن أطفالنا وأزواجنا لمدة ثلاثة أسابيع، يساوي إيه أن نكد ونشقى لسنوات طويلة.. وفجأة ينتهي كل شيء ويكون علينا أن نبدأ من الصفر»
الكلام: لإحدى عاملات شركة المنصورة إسبانيا للملابس. المناسبة: دخول اعتصامهن أسبوعه الرابع بمقر الشركة بطلخا. السبب: إصرار المساهمين، وعلى رأسهم المصرف المتحد، على تصفية الشركة وإلقاء العمال فى الشارع دون منحهم أى تعويضات!!
العاملات يقدن النضال
الكلمة الأولى في الشركة ليست للجنة النقابية ولا لأي أحد، ولكن للعاملات اللاتي يمثلن حوالي 80 بالمئة من العمالة (عدد العمالة بالشركة 284). فلم يكن أحد يتوقع أن تقرر العاملات فى تحد كبير لأفكار سائدة عن دونية المرأة، الاعتصام فى الشركة إلى جانب زملائهن العمال طيلة هذه الفترة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فعندما رفضت إدارة الشركة دخول الوفد الإعلامي الذي توجه للقاء العمال، انشقت الأرض عن أفواج من العاملات اللاتي انتزعونا انتزاعا من يد أمن الشركة لنكون في لحظات في قلب الشركة ومع المعتصمين.
وعندما التقى وفد من اللجنة النقابية بالشركة مع عائشة عبد الهادي، وزيرة القوى العاملة، التي اشترطت لصرف شهر من صندوق الطوارئ ولإلزام البنك بصرف الرواتب الشهرية للعمال، أن يفض العمال اعتصامهم، استجابت اللجنة النقابية لمطالب الوزيرة التي صرفت بالفعل شهرا لجميع العمال. ولكن العاملات رفضن فض الاعتصام، وكما تقول إحداهن «نشكر سيادة الوزيرة على جهودها معنا، ولكننا نذكرها أنها وعدتنا من قبل ولم تنفذ، واستمرار الاعتصام هو كل ما نملكه للضغط على العضو المنتدب وعلى كل الجهات المسئولة بالدولة».
«فطمت» طفلها من أجل الاعتصام
وتقص العاملات علينا قصصا لتضحيات عظيمة قدموها ببساطة شديدة ودون طنطنة بكلمات كبيرة. فتقول إحداهن: «عندما قررنا الاعتصام فى الشركة اضطررت لأن أفطم إبني الرضيع الذى لم يتجاوز عمره العام وأربعة شهور، وهو ما أثر في نفسيتي بشدة، كما تدهورت صحة رضيعي ولكن الحمد لله بقى أفضل، وأهو كل اللي باعمله علشانه وعلشان مستقبله.»
و بالطبع لم تسمع ماما سوزان ولا هوانم المجلس القومي للمرأة والطفولة هذا الكلام ، فهن مشغولات بقضايا أخرى أهم! وتضيف عاملة أخرى «واجهت في البداية رفض من أهلي للمبيت خارج البيت ولكني صممت على عدم التهاون في حقي وانتزاع حقوقي مهما كانت التضحيات فاستجابت الأسرة في النهاية».
والعاملات يبتن على كراتين من الورق، داخل صالة المصنع الضخمة، وإحداهن تنام في عربة صغيرة تستخدم فى نقل الملابس داخل الشركة، وتقول: «العربة ضيقة جدا واضطر أن أنام وأنا مقرفصة طول الليل، ونحن هنا كلنا أخوة عاملات وعمال ما بيننا هو الأخوة والزمالة والمصلحة المشتركة».
وتقول عاملة أخرى «أعمل أنا وزوجي بالشركة منذ سنوات، ونكافح فى المصنع، كما نكافح فى البيت من أجل تربية أولادنا، ما يشغلني حاليا هم أولادي الذين أغيب عنهم فى عز الامتحانات، ولكن ليس أمامنا حلا آخر».
فى حين تشير عاملة أخرى إلى أن اعتصامهن لم يكن مفروشا بالورد، ولكن الإدارة سعت بكل الطرق من أجل إجهاضه، وأشاعت أنها ستدبر قضايا آداب للعاملات.
وينظم العمال اعتصامهم وإعاشتهم رافضين أية تبرعات. ويشرح أحد العمال القياديين طريقة تنظيم الاعتصام قائلاً: «نظرا لأن عدد عمال الشركة ليس كبيرا، فنحن نقسم أنفسنا مجموعات تتراوح من 7 إلى 9 أشخاص كل مجموعة تعد لنفسها الطعام، وفي بعض الحالات نسمح للحالات الحرجة بالمبيت فى منازلهم على سبيل الاستثناء، وأمن الدولة لم يتدخل حتى اليوم لفض الاعتصام، ولكنهم موجودين بصفة دائمة داخل الشركة، أى إنهم معتصمين معنا!»
المرتب 150 جنيه وساعة الإضافي بـ 20 قرش!
تقول «أ.م» إحدى العاملات إن «قصة الشركة تبدأ منذ الثمانينات، عندما كان يمتلك الحصة الأكبر فيها رجال أعمال إسبان، وكانت الشركة تنتج، ويتمتع عمالها بأجور وحوافز جيدة. ولكن الأوضاع بدأت في التدهور تدريجيا منذ التسعينيات، كما حدث مع معظم شركات النسيج، وتدهورت الأمور بدرجة أكبر عندما رحل الإسبان، وبدأت الشركة تواجه التعثر نتيجة لسياسات خاطئة». وتستكمل «م.ح» القصة فتقول «بدأت الإدارة في انتهاج سياسة مدروسة لتطفيش العمالة الماهرة لينخفض عدد العمال من 1200عامل إلى 284. وكان كل شهر يشهد تقديم حوالي 150عاملا لاستقالتهم، وامتد الإهمال إلى صيانة الآلات، كما تم بيع جزء من أراضي الشركة إلى مستثمر أقام عليها أكاديمية دلتا للتعليم الخاص «.
وتلتقط «ك.ح» أطراف الحديث قائلة «في الشهور الأخيرة لم نكن نقبض إلا بعد قيامنا باعتصام، وكانت الإدارة لا تصرف لنا سوى ربع الراتب الذي لا يتجاوز المائتي جنيه، فنقوم باعتصام آخر لنقبض خمسين جنيها أخرى وهكذا. ومنذ ثلاثة شهور حضرت د. ناهد العشري مديرة مكتب وزيرة القوى العاملة ووعدتنا بالتدخل لصرف المتجمدات (17 علاوة، ومنحة عيد العمال التى لم تصرف منذ عام 99)، والتفاوض مع رئيس مجلس الإدارة ولكن لم يحدث شيئا حتى الآن».
وتضيف عاملة أخرى «هل يعقل أن تبلغ مرتبات المديرين بالشركة 1500 جنيها بينما يتقاضى عامل الإنتاج 150 جنيها شهريا؟ هل يمكن أن يحيا إنسانا بهذا المبلغ ويفتح بيتاً؟ ولكننا كنا صابرين على أمل أن الأوضاع ستتحسن في يوم من الأيام، واليوم نحن فى مهب الريح، ولن نتنازل عن حقوقنا».
وبمرارة شديدة يقول العامل «م.ح» «هل يعقل أن يتم حساب الساعة الإضافي بعشرين قرشا». ويضيف «عملت لمدة 15 عاما بالشركة والآن تجاوزت الخمسين، أين سأجد فرصة عمل أخرى؟ ومن سيرضى أن يشغلني؟ ليس أمامي سوى أن أخرج أولادي من التعليم لكي يساعدوني على هذه الظروف السيئة التى نحيا في ظلها».
ويقول محسن الشاعر عضو اللجنة النقابية بالشركة «فى الفترة الأخيرة تردد كلام عن بيع المصنع لأحد المستثمرين الذين يشترط التخلص من كل العمالة بالشركة، وهو ما سنقاومه بكل الطرق وسنعمل فى حالة البيع على كتابة اتفاقية جماعية مع المستثمر نضمن فيها حقوقنا قبل البيع. أما فى حالة إصرار المصرف المتحد – المالك الرئيسى لحوالى 38% من الشركة – على البيع فإن مطالبنا هي: أولا تشغيل الشركة ونحن قادرون على إداراتها، وثانيا: توفير فرص عمل في حالة التصفية مع صرف عشرة شهور عن كل عام كتعويض، وذلك لضعف مرتباتنا التى ستجعل مكافآتنا هزيلة للغاية، كما أن عددا كبيرا لم يمض أكثر من عشرين عاما بالشركة وبالتالي لن يستحق معاشاً، هذا بالإضافة إلى صرف المتجمدات والمتأخرات».
ويقول عامل آخر: «نحن جميعا لا نزيد عن ثلاثمائة شخص، أى أن كل ما نطالب به كتعويض لن يزيد على مليون جنيه. هل هذا المبلغ الذى ينفقه أثرياء البلد وحكامها على زفاف أولادهم كثير على عمال ضحوا وعرقوا وأنتجوا على مدى عشرين عاما؟»
صحيح هل هذا المبلغ كبير؟ إذا أردتم أن تعرفوا الإجابة إسألوا كم تكلف زفاف ولي العهد جمال مبارك.