كتبوا على جلبابه: الدور عليكم يا زعماء الفلاحين
عم شندي: شهيد جديد يسقط بسبب طغيان الإقطاع
جثة ملقاة ومربوطة القدمين على قارعة الطريق. ملقاة على ظهرها ومكتوب على جلبابها «الدور على سلامة كُريم رمياً بالرصاص يا زعماء الفلاحين» … ليس هذا مشهد افتتاحي لأحد أفلام الإثارة أنه واقع حدث بالفعل.
في يوم 23 سبتمبر وجدت جثة عم حسن شندي – 52 سنة – مزارع بسيط ومسالم، كبير عائلة العوامى، رجل حكيم و هادئ، الساعة الثامنة صباحا، على طريق مدخل عزبة شندي، في الهلالية بالمعمورة الإسكندرية، أما سلامة كُريم فهو صديق حسن شندي الصدوق ورفيق دربه في الكفاح للمحافظة على أرضهم.
بين الإصلاح الزراعي والأوقاف
لكني لا أظن أن هذه هي البداية الصحيحة للحادث، فالبداية الصحيحة هي من عام 1880 عندما قام الخديوي إسماعيل بوقف 1162 فداناً وقفاً خيرياً، وكان أجداد هؤلاء الفلاحين يقومون بزراعة تلك الأراضي، منذ ذلك الوقت، وعلى مدار أجيال، و في عام 1960، و مع تطبيق قانون الإصلاح الزراعي الأول رقم 178 لسنة 1952 صادرتها الدولة بموجب قانون الإصلاح الزراعي الأول، وسجلتها بالشهر العقاري برقم 4664 / 1960 باسم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.
تمر أعوام و إذا بالفلاحين يفاجئون بأن هناك من يخبرهم، بأن السادات أصدر قرار بأن تدير وزارة الأوقاف بعض الأراضي، وتأخذ ريعها لتمويل خزانتها، فاستجاب الفلاحون البسطاء إيماناً منهم بأن مصر في تلك المرحلة كانت في حالة حرب مع العدو الصهيوني، و بعد انتهاء حرب أكتوبر ظلوا يدفعون إيجار الأراضي لوزارة الأوقاف، حتى أوائل عام 2008 عندما فوجئ أهالي المنطقة بوزارة الأوقاف تقوم بمفاوضات لبيع أراضيهم، التي يسكنون عليها و يزرعونها منذ أكثر من مائة عام، فوجئوا بأن وزارة الأوقاف غير المالكة للأرض تحاول أن تطردهم لتحطم حياتهم، و تشرد أبنائهم، فقام الأهالي برفع دعاوى قضائية ابتداء من 10 إبريل 2008، لأن هيئة الأوقاف التي كانت بحكم القانون تدير الأرض ولا تملكها، قد باعت من الأرض في 13 إبريل 2008 عددا من القطع لعدد من جمعيات ضباط الشرطة، ومستشاري محكمة النقض ووزارة العدل.
طالب الفلاحون في دعاواهم القضائية اعتبار الأرض التي يزرعونها ملكا لهم بحكم حيازتهم لها عشرات السنين، وطالبوا كذلك برفع تسجيل هذه الأرض من سجلات الشهر العقاري لتصير باسمهم بدلا من هيئة الإصلاح الزراعي.
قد تم البيع الأراضي لعدة جمعيات من ضمنها: جمعية الأمل لضباط أمن دولة بالإسكندرية، جمعية ضباط كفر الشيخ. جمعية مستشاري محكمة النقض، وحدثت عدة محاولات تهديد للأهالي، فتم أخذ عدد من الأهالي عدة مرات إلى قسم شرطة المنتزة ثاني، وتم تهديدهم بمسحهم من على وش الدنيا وقطع رجلهم من الأرض تماماً.
الضحية رقم واحد
عم حسن، رجل في الثانية و الخمسون، منزله الأقرب إلى الشارع الرئيسي مما يعنى أن أرضه هي الأغلى سعراً. عم حسن رجل كبير، هادئ، و رزين ليس له أعداء، كان عم حسن شندي هو الأكثر تردداً على قسم المنتزة ثاني، ومقر الفراعنة لأمن الدولة بحكم كونه كبير عائلة شندي، و لكونه المتزعم حركة عدم الاستسلام و الخضوع لرغبة الباشاوات الضباط، الذين يحاولون معه بكل الطرق ليتنازل عن أرضه، و هو الشخص الأكثر تحركاً في السعي وراء إثبات بطلان البيع للجمعيات، أي أنه الحجر العثرة أمام صفقة بالملايين .
في ظهر يوم الثلاثاء 22 سبتمبر أتت سيارة داكنة ملاكي الجيزة إلى الأرض وسألته و هو مار بالطريق إذا ما كان هو حسن شندي فأجاب بالإيجاب ثم عاد إلى بيته، وفي الليل ذهب للتسامر مع العائلة، وبعد انتهاء الجلسة ذهب إلى أول الشارع ليجلس مع بائع الفاكهة ثم جاءت سيارة ميكروباص صغيرة ركبها طواعية، في المنزل كانت زوجته في انتظاره، ولكنه لم يعود إلى بيته ليلتها، وظنت زوجته أن جلسة السمر طالت به، وأنه سيعود لا محالة، و لكنه لم يعد فذهب ابنه للبحث عنه فوجده مُلقى على الطريق، ومضروب بشدة ومربوطة رجليه وهو مُفارق الحياة و مكتوب على جلبابه «الدور على سلامة كُريم يا زعماء الفلاحين». وحتى الآن لم يصدر تقرير الطب الشرعي مما يثير الشكوك.
ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
عم حسن ليس أول من قتل دفاعاً عن أرضه فقد قتلت نفيسة المراكبي، و صلاح حسين، وآخرين كثر، و لكن المختلف في قصة قتل عم حسن هو أن طريقة موته مختلفة تماماً، و تنم على أننا في مرحلة تحول، فالمتهم الأول بالقتل هو أمن الدولة، لمساعدة الجمعيات للخروج من مأزقها، طريقة القتل تؤكد على أن النظام تحول من كونه نظام بلطجي ليصبح نظام سفاح يخطط و ينفذ.
لكن تظل قضية الهلالية ككل دليل على التخبط الذي يعيش فيه الفلاح المصري ما بين قوانين لا يعلم متى سنت و لا يعلم متى انتهت، ولكنها تتغير بالنسبة له بسرعة الصاروخ، مما يجعله لا يعرف ما هو موقفه القانوني، لا يعرف ما هي الجهة التي يخضع لها، هل هو تابع لهيئة الإصلاح الزراعي أم الأوقاف..
أن الفلاحون في مصر الآن يعانون من هجمات شرسة من قبل حكومة رجال العمال، ومن قبل بقايا الإقطاع السابق، ولا سبيل أمامهم سوى أن يعرفوا حقوقهم، وأن ينظموا أنفسهم بطريقة تضمن نجاحهم في الدافع عن أرضهم.