عشوائيات فقراء شبرا الخيمة مش على خريطة الحكومة:
ما يقرب من ألف منزل بلا مياه أو كهرباء أو صرف صحي
يبدو أن حديث التنمية التى تصدع به الحكومة رؤوسنا ليل نهار عن طريق وسائل إعلامها يحدث فى مكان آخر غير مصر أو على خريطة مختلفة لمصر غير تلك تعلمناها فى الجغرافيا ، فيبدو أن خريطة مصر التى تقوم فيها الحكومة بالتنمية هى تلك المناطق التى يقطنها الأغنياء وأصحاب النفوذ ، مثل أرض الجولف والرحاب والساحل الشمالى ومنتجعات شرم الشيخ وغيرها من المناطق التى تعتنى بها الحكومة وتهتم بتوفير المرافق الكاملة فيها وعلى أعلى مستوى ، أما المناطق الفقيرة ـ أو التى أفقرتها حكومات مبارك المتعاقبة ـ والتى يقطنها الفقراء من العمال والفلاحين وكادحى هذا الوطن يبدو أنها حُذفت من خريطة مصر وبالتالى فهذه المناطق بمن فيها من بشر خارج اختصاص هذه الحكومة وهذا النظام.
شبرا الخيمة تلك المدينة التى كانت ذات يوم قلعة صناعية عملاقة وأصبحت الآن خرابة ينعق فيها البوم إحدى تلك المناطق الفقيرة التى تسببت سياسات نظام مبارك فى إفقارها بعد تحويلها من مدينة عمالية إلى مدينة للعاطلين والمهمشين الذين يعيشون فى ظل ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية نتيجة تردى كافة الخدمات من المواصلات إلى الصرف الصحى إلى مياه الشرب إلى البيئة … إلخ ، ناهيك عن القهر الذى يعانيه أهالى شبرا الخيمة تحت وطأة جبروت الأمن الذى يحكم شبرا بالكرباج ، وهذه ليست مبالغة فرئيس مباحث قسم ثان شبرا الخيمة يتجول فى شوارعها بالكرباج لينال المذنب جزاءه على الفور !!
منطقة حوض العمدة بمسطرد الجديدة إحدى المناطق التابعة لمدينة شبرا الخيمة ، والتى كانت منذ سنوات قليلة أرض زراعية إلا أن الحكومة قررت تبويرها عندما ردمت عام 1986 المروى الوحيد الذى كان يروى أراضيها وهى ترعة الشابورى التى تحولت الآن إلى أحد أزحم شوارع شبرا الخيمة ، وسرعان ما هجر الفلاحون الأرض حتى دخلت فى “كاردون” المبانى بعد أن أحاطها العمران من جميع الجهات وأصبحت غير صالحة للزراعة بالمرة، ثم بدأ الفلاحون فى بيع الأرض للبناء ، وتوسع البناء فى المنطقة حتى أصبحت المنطقة عبارة عن غابة من الكتل الخرسانية بناها الفقراء الباحثين عن مسكن آدمى يصلح لحياة أسرة بعد أن نفضت الدولة يدها عن البناء للفقراء ، وأصبح السكن للقادرين فقط ، جمع كل فرد من هؤلاء البسطاء تحويشة العمر واشترى قطعة أرض يبنى عليها بيتاً له وأولاده حتى وصلت المنازل إلى ما يقرب من ألف منزل أى ألف أسرة ، وإذا افترضنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة ثلاث أفراد ، إذا فنحن أمام ما يقرب من ثلاثة آلاف نسمة ، ثم تقدموا للحى بطلبات توصيل المرافق من مياه وصرف صحى وكهرباء ، لكن لأن الحكومة أسقطت من حساباتها الفقراء وحذفت مناطقهم من على خريطة التنمية المزعومة ، رفضت توصيل المرافق لهذه المنطقة رغم أن المنازل المقامة جميعها حاصلة على ترخيص للبناء ، وكان رد السادة المسئولين فى حى شرق شبرا الخيمة للأهالى الذين تساءلوا لماذا لا تنفذون وعود السيد الرئيس (مبارك) بتوصيل المرافق للعشوائيات ، كان الرد ان هذه المنطقة لم تدخل بعد فى تعداد العشوائيات !!
عش الزوجية من غير كهربا ولا ميه!
أحمد إبراهيم عامل بشركة (جى إم سى) بمدينة السادس من أكتوبر وأحد سكان المنطقة ، شاب فى مقتبل العمر، عندما التقينا به كان منهمكاً فى تجهيز عش الزوجية ، فمن المفترض أن يتزوج قريباًَ لكن المشكلة عش الزوجية إلى الآن بلا كهرباء أومياه أو حتى صرف صحى ، سألنا أحمد : ما هى المشكلة ، لماذا لا يريدون توصيل المرافق للمنطقة ؟ فرد قائلاً : ” مش عارفين ، رغم اننا حاصلين على رخصة بناء ، لما رحنا الحى علشان نطلب توصيل الكهربا ، رفضوا وقالو لنا إنه ما فيش وصلات أرضية موجودة دلوقتى، ولما قدمنا على الميه والصرف الصحى ، قالو لنا إن المنطقة دى مش داخلة فى ضمن العشوئيات …! ” ، لفت انتباهنا ونحن سائرون فى المنطقة أن هناك بعض المنازل بها كهرباء فسألنا أحمد : الناس دول دخلوا كهربا إزاى ؟ ، فأجاب ” بأن فيه بعض الناس دفعو لبتوع الحى فلوس ـ رشوة يعنى ـ ودخلوا كهربا من العزبة اللى جنبنا… وأحنا ما نقدرش ندفع وكمان طاقة الكبينة بتاعة العزبة ما تستحملش كل البيوت دى …” ، سألنا أحمد : انت بانى هنا من امتى ؟ أجاب : ” من 3 سنين ، بس فيه ناس بنت من ست وسبع سنين ولحد دلوقتى من غير كهربا ولا ميه ولا صرف صحى” ، وكنت ساكن فين قبل كده ؟ أجاب أحمد : ” مع الأسرة فى شقة بالإيجار لكن داقت علينا بعد ماكبرت أنا وأخواتى…” طيب الناس بتفكر تعمل إيه دلوقتى ؟ رد أحمد : ” احنا كتبنا شكاوى كتير من غير فايدة ، كان آخرها شكوى عن طريق نائب مجلس الشعب جمال شحاته من الإخوان المسلمين وكان الرد عليها أن الحى حيبدأ فى توصيل الصرف والميه بعد شهر بشرط أن يتحمل السكان نص التكلفة ! ، ومع ذلك ما شفناش لحد دلوقتى بعد أكثر من عشر أيام أى معدات أو أى حاجة تدل على الشغل….” ثم استطرد ضاحكاً..” بس ربنا يستر لما يدخلو الميه والصرف ما يفتحهومش على بعض …” فمن المعروف فى كثير من مناطق شبرا الخيمة أن مياه الشرب مختلطة بمياه المجارى نتيجة تهالك الشبكتين.
بالمناسبة أحمد مهدد الآن بالطرد من عمله بالمصنع لأنه اضطر للتغيب لمدة عشرة أيام لظروف تجهيزه عش الزوجية ، يعنى حيبقى لا ميه ولا نور ولاصرف صحى ولا شغل ، يبقى فاضل إيه !!
وكمان البنزين ولع!
لفت انتباهنا فى كلمات أحمد أن هناك العديد من السكان يقيمون فى المنطقة على حالها هذا منذ سنوات ، فكان السؤال الطبيعى كيف يعيشون إذاً ؟ ، جاءت الإجابة من عم محمد زكى أحد سكان المنطقة منذ خمس سنوات هو وأسرته….” أنا بانى وساكن هنا من سنة 2001 ، وعلشان أتغلب على مشكلة الميه دقيت طرمبة فى قلب البيت ، وبالنسبة للكهربا جبت مولد ، لكن بعته دلوقتى بعد ما ارتفعت أسعار البنزين والجاز ، وأنا عايش دلوقتى على لمبة جاز وكُلب ، أما الصرف الصحى اضطريت إنى أفحت طرنش جنب البيت ، وطبعاً ده خطر جدا على البيت لأن الميه والأملاح بتاكل الحيطان ، بس حاعمل إيه….” نفس الإجابة كانت للأستاذ سعيد عبد الحميد أحد سكان المنطقة منذ عامين … ” أنا كمان بشغل مولد كهربا علشان النور وخلافه ، بس بقى مكلف جداً بعد البنزين ما غلى وأصبح اللتر بـ 130 قرش ، وأنا باستهلك فى اليوم خمسة لتر ، يعنى فى اليوم ستة جنيه ونص للكهربا بس يعنى فى الشهر 195 جنيه تقريباً ، يبقى فاضل إيه علشان الأكل والشرب واللبس والمدارس وغيره من تكاليف العيشه ….”
قابلنا العديد من السكان فى رحلتنا داخل المنطقة ، الكلام واحد والشكوى واحدة ، آلاف البشر يعيشون حياة ما قبل العصور الوسطى ، تسرب هذا الإحساس خصوصاً ‘ عندما بدأت الشمس فى المغيب وأخذ الظلام يخيم على المكان لتغرق المنطقة فى ظلام دامس يتسرب منه نور اللمبات الجاز والكلبات ، ماعدا بالطبع هؤلاء المحظوظين الذين استطاعوا رشوة موظفى الحى للحصول على خط كهرباء من العزبة المجاورة.
ونحن فى طريقنا إلى خارج المنطقة لفت انتباهنا مبنى ضخم يتصاعد منه دخان كثيف ، فسألنا الأهالى ما هذا ؟ فاجابنا أحدهم إنه مصنع للملابس الجاهزة ، علمنا بعد ذلك ان العمالة فيه عبارة أطفال لا يتجاوز عمرهم الخمسة عشر سنة لا تكاد تميز ملامحهم أثناء خروجهم فى نهاية يوم العمل من ألوان الصباغة التى تعلو وجوههم!
استكملنا طريقنا للخروج من المنطقة عابرين حوارى ودروب شبرا الضيقة حتى وصلنا إلى الشارع الجديد أحد الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مسطرد، هناك اخذنا نقارن بين الأبراج السكنية العالية الفخمة التى يزيد سعر الشقة فيها عن 100ألف جنيه وبين المنازل البسيطة التى يقطنها أهالى حوض العمدة، من يوصل المرافق لهذه الأبراج ، أليست الحكومة ممثلة فى حى شرق شبراً ؟ اليس من يقطن هذه الأبراج مواطنون مصريون مثلهم مثل فقراء حوض العمدة ؟ لكننا سرعان ما وجدنا حل اللغز ، إن من يسكن هذه الأبراج هم أصحاب الأموال الذين يستطيعون دفع الآلاف وربما الملايين مقابل وحدة سكنية ، لكن من يسكنون حوض العمدة بمسطرد الجديدة ، هم فقراء شبرا الخيمة من العمال والكادحين الذين يمكلون بالكاد قوت يومهم، إن هذه الحكومة هى حكومة الأغنياء وليس الفقراء.