بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

بعد تولى أبو عيطة الوزارة

مهام الحركة العمالية اليوم

كمال أبو عيطة

فور إعلان تشكيل الحكومة وتولي كمال أبو عيطة، رئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ومؤسس أول نقابة مستقلة في مصر عام 2009، وزارة القوى العاملة انفجر جدلا متصلا حول الهدف من تولي أبو عيطة لهذه الوزارة وعلاقة اختياره بالـبيان الصادر من الاتحاد المستقل قبل التشكيل بأيام والذي تضمن ما يشبه التعهد من الاتحاد بالتوقف عن الاضرابات في الفترة المقبلة وهو الاتحاد نفسه الذي تأسس على خلفية اضرابات العمال ونضالهم. البيان الذي استدعى ردا ناقدا من فاطمة رمضان القيادية بالاتحاد، تلاه بيانا توضيحيا من الاتحاد يؤكد التمسك بحق الإضراب وعدم التفريط فيه. وهو ما يلقي الضوء على الطبيعة المعقدة للنقابات عموما والتي تعتمد على أدوات متنوعة لتحقيق مصالح العمال الاقتصادية منها الإضرابات والاحتجاجات ومنها أيضا التفاوض والتقاضي والمفترض أن تتكامل هذه الأدوات لا أن تتناقض. ومن الوارد جدا أن يظهر الارتباك على الأداء النقابي عند التفاعل مع قضايا يغلب عليها الطابع السياسي. فبنية النقابات تتضمن بطبيعة الحال تنوعا سياسيا غير محدود، إذ أن النقابة ينضم لها العمال من كافة الاتجاهات السياسية وليس من اتجاه واحد، وقد يكون الاتفاق بين أعضائها على المطالب العمالية سهلا ولكن الاتفاق على موقف سياسي يصبح أمرا معقدا وقد يكون مستحيلا إلا في بعض القضايا ذات الطابع الوطني العام.

لا ينبغي بحال من الأحوال التسامح مع صدور بيان كهذا في الوقت الذي نجحت فيه الطبقة العاملة في انتزاع حق الإضراب واستخدامه دون وصاية من دولة أو حزب أو نقابة، ولكن يجب فهمه في سياق طبيعة العمل النقابي عموما وأيضا حداثة تكوين حركة النقابات المستقلة في مصر وقلة خبرتها، كذلك الطابع المعقد للحظة التي صدر فيها البيان والتي عبرت عن وجود خطر حالي متمثل في حكم الإخوان المسلمين الذي عبر بالفعل عن عدائه للحركة العمالية وخطر محتمل أو قادم يتمثل في موقف السلطة القادمة من مطالب العمال وحقوقهم. والأهم على الإطلاق هو أن هذا البيان لا يعني بالمرة أي تأثير على مسار الاحتجاجات العمالية فأغلب احتجاجات العمال تحدث بالفعل خارج إطار التنظيمات النقابية سواء المستقلة أو الرسمية.

لقد تناقضت بشدة المواقف من تولي أبو عيطة لوزارة القوى العاملة، ما بين الترحيب الشديد والرفض الشديد والنقد اللاذع، وكان لكل موقف ما يبرره،  فالمواقف التي رحبت باختيار أبو عيطة اعتبرت أن توليه وزارة القوى العاملة يعتبر استجابة ضمنية للمطالب العمالية التي هتف بها هو نفسه قبل وبعد الثورة، وأن الطريق أصبح مفتوحا لتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، وإصدار قانون الحريات النقابية، واستعادة الشركات المخصخصة، وتشغيل الشركات المغلقة، وعودة العمال المفصولين، وغيرها من المطالب التي أكد أبو عيطة نفسه أن الالتزام بها شرط قبوله للوزارة بالنسة للمؤيدين أصبح هناك ممثلا للطبقة العاملة في الحكومة.

الرافضون لتولي أبو عيطة للوزارة والمنتقدون لاختياره لديهم أيضا تفسير لموقفهم، إذ يعتبرون أن ترشحه للوزارة جاء عقب البيان المذكور بهدف السيطرة على الحركة العمالية واحتوائها، كما أنهم يعتبرون أن تولي رئيس الاتحاد المستقل لوزارة القوى العاملة ليس إلا تكرار للسياسة التي اتبعت دائما بتولي رؤساء اتحاد العمال المتتالين لمنصب وزير القوى العاملة لضمان تبعية التنظيم النقابي للدولة.

لا يتضمن ذلك بالطبع مواقف الإخوان المسلمين والاتحاد العام لنقابات عمال مصر الرسمي والتي لا تعبر سوى عن الصراع السياسي والمنافسة على المنصب باستخدام الذراع العمالي لنظام مبارك القديم، والتي لم يحاول الإخوان تطهيره (أو حله) بل أخونته خلال فترة حكم مرسي.

تبقى أي مناقشة لتولي رئيس الاتحاد المستقل لوزارة القوى العاملة ناقصة ما لم تضع في اعتبارها وضع الحركة العمالية وتطورها. بحسب تقرير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن عدد الاحتجاجات العمالية والاجتماعية عام 2012 كان أكبر من مجموع الاحتجاجات العمالية طوال السنوات العشرة السابقة على الثورة،  وبحسب تقارير مؤشر الديموقراطية للمركز التنموي الدولي كان عدد الاحتجاجات الاجتماعية في الشهور الخمسة الأولى من عام 2013 أكبر من مجموع الاحتجاجات في 2012، كما تشير تلك التقارير إلى أن فترة تولي مرسي للرئاسة كانت الأكثر في الاحتجاجات العمالية أي أن الحركة العمالية كانت العقبة الأكبر أمام سلطة الرئيس الإخواني، ولم تفلح السياسات القمعية التي انتهجها مرسي في مواجهة إضرابات العمال والتي وصلت لإطلاق الكلاب البوليسية على العمال المضربين وتدخل الجيش لفض إضراب السكة الحديد، واستمرت الحركة العمالية في التصاعد. إن تولي أحد المطالبين بحقوق العمال وزارة القوى العاملة في سياق صعود الحركة العمالية يمثل تنازلا أمام الحركة من جانب الدولة، طبعا هذا التنازل لا يعني أي شيء إذا لم يتم تنفيذ المطالب العمالية نفسها وتحول وجود قائد نقابي في مجلس الوزراء إلى وجود شرفي.

من هنا تبدو هناك فرصة سانحة لتحقيق انتصارات عمالية، لا تتمثل هذه الفرصة في وجود كمال أبو عيطة في الوزارة، ولكن تتمثل في وجود حركة عمالية قوية بما يكفي لتفرض وجود أحد قيادتها في الحكومة، قوة الحركة بالذات هو ما يمثل فرصة لانتزاع مكاسب عمالية واختيار أحد قيادتها ليس سوى مؤشر على مدى قوتها.

لقد أثبتت الحركة العمالية على مدى السنوات السابقة أنها غير قابلة للاحتواء وأنها خارج سيطرة الدولة والقوى السياسية، وأن آليات صعود الحركة العمالية وهبوطها تنبع من داخلها وفقط من داخلها، لقد صدرت من قبل دعوات نقابية وسياسية لوقف الإضرابات العمالية وإعطاء فرصة للاستقرار ولم تؤثر على الحركة العمالية، كما أن دعوات للإضراب العام قد انطلقت من قوى سياسية ونقابية من قبل ولم تجد آذان مصغية وسط العمال بينما انطلقت الإضرابات العمالية على إيقاعها الخاص، إن أي حديث عن احتواء الحركة العمالية عبر تنصيب أحد قادتها وزيرا هو حديث يجهل قوة وعمق الحركة العمالية، كما أن اعتبار تولي أبو عيطة للوزارة مكسب في حد ذاته إهدار لصعود الحركة العمالية في تلك اللحظة والامكانيات التي يحملها هذا الصعود.

لقد تبدل على الحركة العمالية منذ انفجارها في ديسمبر 2006 وحتى اليوم ستة وزراء للقوى العاملة وخمس حكومات وأربع رؤساء ولم تفلح كل محاولات الاستيعاب والاحتواء أو القمع والإرهاب، ولا حتى الخداع والمسكنات وظلت الحركة العمالية في التصاعد ولا يبدو أن أي محاولة للسيطرة عليها ستنجح.

إن جدل التأييد والإدانة الذي يدور حول الوزير الجديد لا طائل من ورائه ولن يفيد الطبقة العاملة، كما أن الخوف من احتواء الحركة العمالية وخداعها بمنصب وزاري يبدو في غير محله، وأيضا اعتبار كمال أبو عيطة بتوليه هذا المنصب سيتمكن منفردا من تحقيق أي شيء ليس سوى وهما وما ينبغي السير فيه وبقوة هو تدعيم صعود الحركة العمالية من أحل تحقيق مطالبها في الأجور العادلة والحريات النقابية والاستقرار في العمل ومختلف مطالب العدالة الاجتماعية. هناك بالفعل مطالب عمالية قابلة للتنفيذ فورا، مثل: عودة الشركات المخصخصة الصادر أحكام قضائية بعودتها، وعودة العمال المفصولين، وإعادة تشغيل الشركات المغلقة، وتدخل الدولة لتشغيل الشركات المتعثرة، وإصدار قانون الحريات النقابية، ورفع الحد الأدنى للأجور وتضييق الفجوة الرهيبة بين الحدين الأقصى والأدنى.

هذه مجموعة من المطالب كان الوزير الجديد بنفسه يؤكد على إمكانية تنفيذها فورا وينتقد الحكومات المتعاقبة على التسويف فيها، أما وقد أصبح في مركز اتخاذ القرار فهناك دوائر عمالية واسعة لا تتوقع أقل من تنفيذ تلك المطالب، وهو ما سيجعل أبو عيطة يحظى بدعم غير محدود من الحركة العمالية في مواجهة أي إعاقة له من قبل أجهزة الدولة أو رجال الأعمال إذا كان جادا في تنفيذ مطالب العمال المرفوعة.
يمكن للحركة العمالية أن تدعم الوزير الجديد في تحقيق المطالب التي رفعها بنفسه من قبل أو تضغط عليه من أجل تحقيقها أو تقاومه وتقف ضده إذا بدا منه تحولا عن مصالح العمال. هكذا يجب النظر للطبقة العاملة كفاعل ومحرك للأحداث وليس كمتلق سلبي.