بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال مصر.. الإضرابات مستمرة

انتهى عام 2007 الذي أُطلق عليه عام الإضرابات العمالية، لكن موجة الإضرابات العمالية لم تنته بعد، فقد شهد العام الماضي ما يزيد عن 850 اعتصام و إضراب في مواقع عمالية متعددة، وجاء العام الجديد بالعديد من الإضرابات والاعتصامات الجديدة في كل المواقع العمالية تقريبا.

التقت الاشتراكي بعدد من القيادات العمالية في مواقع مختلفة لتلقي الضوء على ظروفهم التي دفعتهم للإضراب عن العمل الذي أصبح العمال يعتبروه الوسيلة الأقوى لتنفيذ مطالبهم.

قطاع الغزل والنسيج
كان انتصار إضراب عمال غزل المحلة الأول في ديسمبر 2006 بمثابة الشرارة التي أطلقت حركة الإضرابات في كل المواقع العمالية تقريبا، يقول كمال الفيومي أحد عمال غزل المحلة عن أسباب الإضراب “كانت من ضمن الوعود الانتخابية لأعضاء النقابة اللي نجحوا في دورة 2006، إنهم قالوا أن العمال لهم حق في صرف شهرين. لكنهم بعد ذلك حاولوا يتملصوا من وعودهم، في حين أن العمال تمسكوا بحقوقهم. بعد كده بدأت التعبئة داخل المصنع أن لنا حق في الشهرين. كان الكتيب المنشور من النقابة فيه الشهرين، كان نزله عضو نقابة، العمال استندوا للكتيب ده في المطالبة بحقوقهم. في الوقت ده بدأت تظهر بعض قيادات العمال في الأقسام المختلفة، وبدأوا يبحثوا عن حقوقهم بنفسهم. مكانش فيه غير الإضراب علشان نسمع صوتنا للمسئولين سواء في النقابة العامة أو الاتحاد، كان التوقف عن الإنتاج هو أفضل وسيلة”.

نجح إضراب غزل المحلة الأول في تحقيق بعض المطالب وليست كلها، نجح في انتزاع الحق في الشهرين لكن بقيت مطالب أخرى معلقة، فكان الإضراب الثاني في سبتمبر 2007، يقول الفيومي ” تم تنفيذ مطلب الشهرين، لكن المطالب الأخرى التي تم بسببها الإضراب الثاني كانت الحوافز بنسبة 25% من الأجر الأساسي، زيادة بدل الغداء (كان 18 وارتفع 32، وحاليا 43 جنيه شهريا)، بدل طبيعة العمل. واحنا لما اتكلمنا في بدل الغداء قلنا مش عايزين مقابل مادي، أحنا عايزين وجبة عينية، والوجبة دي كانت موجودة زمان إفطار وغداء. كانت الشركة في وقت من الأوقات 37 ألف عامل، الشركة النهاردة 23 ألف عامل لأن لا يوجد بها تعيينات. هم بيفكروا بطريق أو آخر يقللوا عدد العمال في الشركة تمشيا مع سياسة الخصخصة”.

كما كان لإضراب المحلة مطلبا آخر تفردت به وأحدث نقلة في نوعية المطالب العمالية في النصف قرن الماضي، فلأول منذ سنوات طويلة يطالب العمال بسحب الثقة من لجنتهم النقابية ويجمعون توقيعات بذلك، ثم تقديم استقالات جماعية من النقابة العامة بعد رفضها مطلب العمال بإسقاط النقابة، وعن أسباب هذه الخطوة يقول الفيومي ” الانتخابات (النقابية) تم تزويرها بشكل كامل، هم سمحوا للناس تترشح عادي، لكن وقت فرز الأصوات، يكون الموجود رئيس مجلس الإدارة والأمن القومي وأمن الدولة، ولم يكن هناك أي مندوبين للمرشحين، معنى ذلك أن الأعضاء يتم اختيارهم بعناية لتنفيذ سياسات الدولة سواء فيما يتعلق بالخصخصة أو المعاش المبكر، ظهر هذا الكلام بشكل واضح جدا في شهر 12، والسبب الثاني كان تعنت رئيس مجلس الإدارة. كان العمال مقرر يصرفوا المكافأة أو الحوافز في ميعادها. رئيس مجلس الإدارة أخر صرف المكافأة والحوافز، وزيادة في العناد نزل منشور أنه مفيش صرف إلا بعد العيد، فبالتالي العمال بدءوا يبحثوا عن حقوقهم بعدما تأكد أن النقابة مش واقفة في صفهم، وإن رئيس مجلس الإدارة مصر على عدم إعطائهم حقوقهم، لم يكن أمامهم وسيلة غير الإضراب لتحقيق هدفين، إنهم يقولوا أن النقابة غير شرعية، وفي نفس الوقت، لموجهة تعنت رئيس مجلس الإدارة”.

أما عمال غزل شبين الكوم وهي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للغزل و النسيج والبالغ عددهم 4500 عامل فشل إضرابهم في أوائل فبراير 2007 في وقف عملية الخصخصة التي تعرضت لها الشركة و تم بيع الشركة لمستثمر هندي و من وقتها و العمال في معاناة على حد تعبير إيهاب شلبي أحد العاملين بالشركة ومن أبرز من شاركوا في قيادة إضراب فبراير 2007 و الذي يؤكد انه ” بمجرد تولي المستثمر الهندي إدارة الشركة و هو يحاول التعدي على حقوقنا المالية، وحاليا تردد بين العمال انه ينوي خفض بدل الوجبة الغذائية للعمال من 94 إلى 70 جنيه بالإضافة لاستعداده لإصدار لائحة جديدة لعقوبات التغيب عن العمل وفي حالة تأكد العمال من صحة ما تردد فإنهم يخططون للإضراب عن العمل”.

الصناعات الغذائية
العمال بقطاع الصناعات الغذائية ليسوا بعيدين أيضا عن القيام بتحركات احتجاجية الفترة القادمة ففي شركة مطاحن جنوب القاهرة و الجيزة لا يستبعد ناجي سعيد أحد من شاركوا في قيادة إضراب العاملين بالشركة في نهاية مارس 2007 أن يلجأ العمال إلى الإضراب عن العمل مجددا للحصول على مطالبهم “العاملون بالمطاحن طالبوا أكثر من مرة بزيادة أجورهم والحوافز التي يحصلوا عليها إلا أن مطالبهم لم يتم الاستجابة لها واللجنة النقابية بالشركة لا تتبنى مشاكل العمال و مطالبهم، مما سيؤدي إلى لجوء العمال إلى الإضراب” .

أما في الإسكندرية، فعمال المؤسسة المصرية الوطنية لاستخلاص الزيوت “انفوكو” والتابعة للبنك الأهلي المصري و البالغ عددهم 300 عامل يعانوا أشد المعاناة من تعسف إدارة الشركة كما يقول رمضان صالح أحد العاملين “الإدارة امتنعت عن صرف أرباح و علاوات الأعوام 2005 و 2006 و توقفت عن صرف حوافز الإنتاج منذ عام 2000 ، وترفض تشكيل لجنة نقابية للعاملين بالمصنع، وصرف بدلات طبيعة العمل و بدلات الورادي و بدلات الانتقال والوجبة الغذائية، كما أنه لم يتم ترقية أي من العاملين منذ عام 2000 و تم ترقية عدد قليل فقط من العاملين وهم من أتباع الإدارة”، و يعاني أيضا عمال انفوكو من تدني رواتبهم “اللي مش بتأكلهم عيش حاف” على حد تعبير صالح حيث تتراوح أجور العمال ما بين 128 إلى 300 جنيه لذلك يطالب العمال بزيادتها.

العاملين بشركة الحناوي للدخان والمعسل بالإضافة للرواتب الضئيلة التي يحصلون عليها والتي تتراوح ما بين 120 – 250 جنيه فانهم يعملون في ظل ظروف عمل خطيرة دون أن يتوافر لهم أي وسائل وقاية أو حماية لصحتهم رغم تعاملهم المستمر مع مواد كيميائية خطرة على صحتهم أصابت العشرات منهم بأمراض الفشل الكلوي و الأمراض الصدرية، عائشة أبو صمادة عضو اللجنة النقابية بالشركة ترى أن “الأوضاع في الشركة صارت لا تحتمل بعد أن تجاوزت أزمة العمال مجرد تأخر حصولهم على حقوقهم المالية التي تماطل الشركة في صرفها لتصبح حياتهم معرضة للخطر… عمال الحناوي طفح بيهم الكيل مش كفاية إن الإدارة رافضة تصرف للعمال الحوافز والعلاوات المتأخرة .. دي كمان رافضة توفر للعمال جوانتيات و كمامات و مرايل لحماية صحتهم من الأمراض”، عشرات الشكاوي أرسلها عمال الحناوي لوزارة القوى العاملة ولاتحاد العمال لمطالبتهم بالتدخل لحل مشاكلهم إلا أن كل الشكاوى تم تجاهلها مما دفع العمال للإضراب عن العمل أكثر من مرة آخرها كان في نهاية نوفمبر الماضي و فض العمال اضرابهم بعد حصولهم على وعد من د.ناهد العشري مستشارة وزيرة القوى العاملة بالتدخل لتنفيذ مطالبهم، الا أن ذلك لم يحدث كما تقول أبو صمادة “العمال فقدوا ثقتهم في وزارة القوى العاملة التي وعدتهم بأشياء كثيرة لكنها لم تنفذ، و ده كفيل إنه يدفع العمال للإضراب عن العمل من جديد لأنه أصبح الوسيلة الوحيدة اللي ممكن تخليهم يحصلوا على حقوقهم”.

شركات قناة السويس
عبد اللطيف موافي، رئيس نقابة شركة القناة للحبال أكد أن هناك تنسيق بين 7 شركات تابعة لهيئة قناة السويس وهم “القناة للحبال والقناة للرباط والبورسعيدية والإنشاءات وترسانة السويس والتمساح والموانئ والمنائر” و يبلغ عدد العاملين بتلك الشركات ٨ آلاف عامل، للدخول في إضراب موحد عن العمل للمطالبة بمساواتهم في الأجور بزملائهم من العاملين بالهيئة، و قال موافي “عمال الشركات السبع لا تتجاوز علاوتهم السنوية جنيهين، ويتم حرمانهم من بدل المخاطر وبدل طبيعة العمل والأرباح السنوية”، أما عن حالة الأجور في تلك الشركات أكد موافي أن “أقصي متوسط أجر للعامل في هذه الشركات لا يتجاوز ١٠% من أدني أجر للعامل في هيئة قناة السويس”، وأضاف موافي “العمال حاولوا أكثر من مرة أن يسلكوا طرق أكثر هدوءا من الإضراب والاعتصام، فأرسلنا العديد من الشكاوي لرئيس الجمهورية وحاولنا التفاوض مع الفريق فاضل رئيس الهيئة إلا أنه رفض مقابلتنا، فلم يصبح أمامنا وسيلة أخرى غير الإضراب”.

إلا أن العمال التابعين لهيئة قناة السويس والذين يتجاوز عددهم الـ 2500 عامل ليسوا في أحسن حال كما يعتقد العاملين بالشركات التابعة للهيئة، والذين يطالبون أن تتم مساواتهم بهم ، “العمال في حالة احتقان” هكذا اخبرنا سعود عمر عضو اللجنة النقابية للعاملين بهيئة قناة السويس واصفا حالة عمال هيئة قناة السويس و الشركات التابعة لها، و هو لا يستبعد أن تشهد الهيئة إضراب عام عن العمل خلال الفترة القادمة خصوصا بعد التجاهل المستمر لمطالبهم من قبل وزارة القوى العاملة ورئيس الهيئة الفريق أحمد فاضل، فقد تقدم عمر بقائمة بمطالب العاملين بالهيئة لوزيرة القوى العامة، وأهم المطالب في تلك القائمة هي “تحديد العلاوة الدورية بنسبة 6% من الأجر الأساسي، امتناع الإدارة عن تشغيل العاملين ساعات عمل إضافية، التوقف عن تمييز الموظفين عن العمال، عدم وجود كادر فني متخصص لمتابعة توافر شروط الصحة و السلامة المهنية داخل الهيئة، أن يتواجد ممثلين للجنة النقابية للعاملين بالهيئة داخل لجنة شئون العاملين بالهيئة”، و رغم خطورة حدوث إضراب للعاملين بالهيئة وما سيترتب عليه من توقف في حركة الملاحة بقناة السويس، إلا أنه حتى الآن لم يحاول الفريق فاضل رئيس الهيئة أو وزيرة القوى العاملة التدخل لحل مشاكل العاملين .

قطاع النقل
عمال السكة الحديد اعترضوا أكثر من مرة على بيئة العمل السيئة التي يعملون فيها وعلى تدني أجورهم وحوافزهم و ضآلة بدلات المخاطر و طبيعة المهنة التي يحصلون عليها، وشهد العام الماضي عدة إضرابات واعتصامات للعاملين بالسكة الحديد سواء السائقين أو محصلي التذاكر وعمال الصيانة، كان آخرها، اعتصام ما يقرب من 2000 كمسري بالسكة الحديد احتجاجا على قرار وزير النقل بزيادة الغرامات على التذاكر، ورغم انتصار الكمسرية ونجاحهم في إلغاء القرار، إلا مشاكلهم ومشاكل العاملين بالهيئة لم تنته، كما يقول عصام عبد الفتاح رئيس رابطة سائقي السكة الحديد “الإدارة لم تلبي جميع مطالب العمال إلى الآن، وأهمها زيادة الأجور والحوافز و بدل المخاطر، و الزيادات البسيطة لا تحل مشاكلنا، نحن نحتاج لأجور مناسبة للأسعار التي ترتفع كل يوم”، و يؤكد عبد الفتاح أن ما يطالب به السائقون من زيادة في الأجور و الحوافز و البدلات ليس بكثير عليهم، لأنهم يقدمون الكثير ولا يحصلوا سوى على الفتات “السائقين بيشتغلوا طول السنة 24 ساعة و الأعياد مش بيقضوها مع أولادهم يبقى حرام إنهم يحصلوا على مرتبات ضئيلة”.

مشاكل عمال النقل مثلما هي موجودة بالبر موجودة بالبحر أيضا، فعمال ميناء الإسكندرية البالغ عددهم 4 آلاف عامل يواجهون عشرات المشاكل بسبب تعسف إدارة ميناء الإسكندرية، كما يقول محمد لأبو سمرة النقابي السابق باللجنة النقابية للعاملين بهيئة ميناء الإسكندرية والذي تعرض للنقل خارج ميناء الإسكندرية بعد العديد من الصدامات التي حدثت بينه و بين رئيس الهيئة اللواء ابراهيم يوسف بسبب تبني أبو سمرة لمطالب العاملين، و يقول أبو سمرة “الإدارة التي ترفض تثبيت العمالة المؤقتة بالميناء و البالغ عددهم 1000 عامل رغم مرور ثلاث سنوات على عملهم بالميناء كما يتطلب القانون، و تريد أن تجبر الفرق الرياضية المكونة من عمال الهيئة بأن يتحملوا مصاريف الملابس الرياضية على نفقتهم الخاصة، وترفض صرف العلاوات التي يستحقها العاملين، وحتى الحوار بين العمال و رئيس الهيئة حول مشاكلهم يتم رفضه، ستؤدي إلى ازدياد حالة الغضب و الاحتقان بين العاملين”.

قطاع الحديد والصلب
يقول مصطفى نايض النقابي السابق والعامل بشركة الحديد والصلب بحلوان إن “عمال الشركة يحصلون على أجور متدنية للغاية” وضرب مثال بنفسه “أعمل في الشركة منذ 30 عام و أساسي مرتبي 350 جنيه فقط ” و أضاف نايض “العاملين بالشركة طالبوا أكثر من مرة بصرف بدل طبيعة العمل الذي لا يحصلون عليه و زيادة أجورهم و حوافزهم إلا أن تلك المطالب لم يتم تنفيذها إلى الآن” و يقول نايض” عمال الشركة يحصلون على بدل وجبة غذائية 12 جنيه شهريا فقط، ورغم أن وزير الاستثمار أعلن أنه سيتم زيادتها إلى 25 جنيه إلا أن تلك الزيادة حتى لو تمت فإنها ضئيلة جدا، فالقانون حدد قيمة بدل الوجبة الغذائية بما يعادل ثمن كيلو لبن، وكيلو اللبن الآن وصل إلى 4 جنيهات”، و يحذر نايض من خطورة استمرار إدارة الشركة و وزارة القوى العاملة في تجاهل تنفيذ مطالب عمال حديد حلوان البالغ عددهم 13 ألف و500 عامل لأن “هذا العدد الضخم إذا غضب لن يمكن السيطرة عليه و سيتحول الأمر لما حدث خلال إضراب الشركة عام 1989 “.

كلمات العمال هذه تعلن أن المارد العمالي بدأ في التحرك ولن يستطيع أحد توقيفه أو إثناؤه عن انتزاع حقوقه التي تفننت حكومات مبارك المتتالية على مدار ما يزيد عن ربع قرن في نهبها.