كيف يمكننا أن نفهم ونتفاعل مع زيادة نضالات العمال في الفترة الأخيرة؟
عمال شبرا الخيمة في قلب الحركة العمالية
تشير الأرقام والإحصائيات المتوافرة لينا – وهي غير دقيقة للأسف – أن هناك “تطورًا ما” يحدث في الحركة العمالية في الفترة الأخيرة. لنظر مثلاً إلى عدد الاحتجاجات والنضالات العمالية ما بين إضراب واعتصام وتظاهر وتجمهر وامتناع عن القبض. فلقد زاد عدد تلك الاحتجاجات من 37 عام 1995 و36 عام 1996 إلى حوالي 60 – أو أكثر قليلاً – في 1998. وبالرغم من أن هذه الزيادة لم تتقل الحركة العمالية إلى مستوى كفاحي آخر مختلف كيفيا حيث أن عدد النضالات لا يزال يقاس بالعشرات المحدودة، وحيث أن طابعها ظل – كما هو الحال على مدى سنوات – دفاعيا وجزئيا، إلا أنه بالتأكيد من الملفت للانتباه أن يرتفع عدد الاحتجاجات العمالية بنسبة تفوق الـ 65% في غضون عامين فقط.
أيضًا، هناك الظاهرة الجديدة، والمفهومة بالطبع، من تركز نسب متصاعدة من الاحتجاجات في المصانع المخصخصة. ففي منتصف التسعينات (عامي 1995 و1996) كان المتوسط السنوي للنضالات الجماعية لعمال المصانع المخصخصة حوالي 4 أحداث. أما في 1998، فقد كان عدد تلك الاحتجاجات حوالي 10. زادت من حوالي 12% من الإجمالي في منتصف التسعينات إلى حوالي 16،5% في 1998.
ومن جانب آخر، نرى أنه بالرغم من استمرار غلبة نسبة الإضرابات والاعتصامات ضد تخفيض أو عدم صرف الأجور المتغيرة (أرباح، حوافز… الخ) إلى إجمالي الإضرابات، إلا أن 1998 قد شهد – مقارنة بمنتصف التسعينات – بروزا لقضايا نضالية جديدة أهمها بالطبع هي المعارك لتحسين شروط المعاش المبكر في مصانع القطاع العام والمصانع المخصخصة. شهد هذا العام أيضًا تصاعدًا نسبيًا في عدد الاحتجاجات ضد تصفية المصانع والفصل والنقل.
ولأول وهلة، ربما لا يكون واضحًا تمامًا ما الذي يعنيه ويشير إليه هذا “التطور”. فهل هو مؤشر على نهاية التراجع والجذر في الحركة العمالية؟ هل هناك انقلاب حقيقي يجري في الحركة العمالية وفي موازين الصراع الطبقي؟ أم أن هناك تفسيرًا آخر لما يحدث؟ الإجابة على هذه الأسئلة بشكل عمومي ممكنة، ولكن إجابتها بشكل تفصيلي ودقيق – من وجهة نظر اشتراكية ثورية – ليست بالأمر السهل. فقدرة الثوريين على استشعار التقلبات الدقيقة في وعي ومزاج الحركة العمالية يحدها بالطبع صغر حجم المنظمات الثورية وضعف صلتها بالعمال. ولكن هناك على الرغم من ذلك، كما قلنا، إمكانية لطرح خطوط عريضة لتفسير ما يحدث وما ينبغي فعله للتفاعل معه. وفي هذا التحقيق سنحاول تقديم إجابات أولية على أسئلتنا من خلال رصد وتقييم الحركة العمالية في 1998 في واحد من أهم الأحياء العمالية في مصر وهو شبرا الخيمة التي عانت لسنوات طوال – ربما أكثر من غيرها – من ركود النضالات العمالية.
مؤشرات رئيسية:
إذا كانت الاحتجاجات العمالية في مصر كلها قد زادت بنسبة 65% من منتصف التسعينات إلى 1998، فإن شبرا الخيمة قد شهدت معدلاً لزيادة النضالات يفوق هذا بأضعاف. كان عدد الاحتجاجات العمالية في شبرا الخيمة في 1998 (13) حدثًا. ولنقدر دلالة هذا الرقم علينا فقط أن نعرف أن عدد النضالات في شبرا الخيمة في أي من سنوات التسعينات لم يزد أبدًا عن 4 أحداث، وأن عدد النضالات المسجلة في هذا الحي العمالي – كما توصلنا إليه – طوال الفترة من 1990 وحتى 1997 كان فقط 16 احتجاج!
إذن، فلقد شهد عدد المعارك العمالية في شبرا في 1998 قفزة هائلة. وتلك القفزة لم تكن فقط في الكم – أي عدد الإضرابات – وإنما أيضًا حدثت تطورات من ناحية الكيف – أي من ناحية نوعية الإضرابات وتوزيعها بين القطاعات. فكما يبدو واضحًا من سجل نضالات 1998، لم تعد شبرا الخيمة هي قلعة حركة عمال الغزل والنسيج. فمن بين الثلاثة عشر حدثًا الذين وقعوا في العام الماضي، كان نصيب صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة ثلاثة أحداث، أي أقل من الربع. وفي المقابل تصاعدت معدلات احتجاج عمال الصناعات الهندسية والصناعات الكيماوية لتصل إلى أكثر من 60 % من الأحداث (8 أحداث). أما الحدثين المتبقيين فقد كانوا من نصيب سائقي النقل العام في مواجهة تعسف الشرطة. وهذا التطور في التوزيع للنضالات فيما بين القطاعات الصناعية المختلفة، يتوافق مع الاتجاه العام للحركة العمالية في شبرا الخيمة في العقود الأخيرة، التي تنحسر فيها معارك عمال الغزل بعد توالي الضربات والأزمات الطاحنة التي تمر بها مصانع غزل القطاع العام الكبرى التي كانت يومًا ما قائدة لحركة عمال مصر.
على جانب آخر نلاحظ أمرًا في غاية الأهمية وهو أن نضالات عمال القطاع الخاص والمخصص في شبرا قد تفوقت في عددها – ربما للمرة الأولى في العقود الأخيرة – على نضالات عمال القطاع العام. في مقابل خمسة أحداث وقعت في مصانع القطاع العام، كانت هناك ثمانية أحداث في القطاع الخاص – نصفهم في مصانع مخصصة حديثًا (حدثين في سيمو، وحدث في كل من الكابلات وإيديال). هذا التفوق للقطاع الخاص – كما سنتحدث بالتفصيل لاحقًا – كان واحد من أهم جوانب التطور الذي لحق بنضالات العمال في 1998 في شبرا.
ولا يمكننا، بالإضافة إلى ذلك، أن نغفل حقيقة هامة جدًا تساعدنا في كشف “حدود” و”دلالات” القفزة الكبيرة في عدد الإضرابات في شبرا الخيمة. هذه الحقيقة تتعلق بطبيعة الاحتجاجات والسبب في اشتعالها. كل النضالات 1998 في شبرا الخيمة كانت في مواجهة هجوم من جانب إدارات المصانع وأصحاب الشركات، أي كانت نضالات دفاعية. لم يحدث أبدًا أن إضراب أو اعتصم العمال في شبرا لرفع الأجور أو زيادة الحوافز، وإنما كانت احتجاجاتهم محاولات لوقف التدهور الذي يلحق بتلك الأجور أو بشروط العمل. في ثلاثة أحداث (سيمو، القاهرة للصباغة والتجهيز، الكابلات) كان العمال يقاومون تخفيض أجورهم المتغيرة، وفي ثلاثة أحداث أخرى كان العمال يناضلون من أجل صرف أجورهم المتأخرة (الشريف: فبراير ويوليو وسبتمبر). وفي حدثين كان سائقي النقل العام كما ذكرنا يواجهون تعسف رجال الشرطة واضطهادهم لهم. أما الأحداث الخمسة الباقية فقد تنوعت أسباب اشتعالها بين محاولة الإدارة لتصفية المصنع ونقل عماله إلى مصنع آخر (الجوت، إيديال)، وبين فصل إداريين موالين للعمال (اعتصام آخر في سيمو)، وبين تخفيض الأجازات وتخفيض المترددين على العيادة (طيبة، ناروبين).
معارك الشركات المخصخصة:
على أن الأمر الهام بالنسبة لنا هنا هو فهم التحول الذي اعترض الحركة العمالية في شبرا الخيمة. فلماذا زاد عدد الاحتجاجات زيادة كبيرة؟ ولماذا تفوقت إضرابات القطاع الخاص على إضرابات القطاع العام؟ ولماذا يستمر ويتفاقم ركود نضالات عمال قطاعات كانت سابقًا في مراحل أخرى، تلعب دورًا قيادتها؟ ولماذا تغيرت، بعض الشيء مطالب وطبيعة المعارك؟
وربما كانت نقطة البدء ما يجري هو النظر لعملية الخصخصة ولما يحدث في المصانع المخصخصة. فكما ذكرنا من قبل قليل وقعت 4 من الاحتجاجات الثلاثة عشر الذين رصدناهم في شبرا في العام الماضي (ما يزيد على 30%) في مصانع مخصخصة. والسبب واضح، هو أن عمالية الخصخصة لم تنطلق في مصر بوجه عام بشكل حقيقي إلا في عام 1996، ولم تصل إلى شبرا – بسبب طبيعة مصانعها وخطط الدولة – إلا متأخرة نسبيًا في أواخر 1997 وخلال 1998.
وكما ذكرت “الشرارة” قبل ذلك، فإن الخصخصة تحدث هزة كبيرة في وضعية العمال. إذ يتوافق مع فقدانهم لضمان العمل الذي يوفره القطاع العام، ارتفاع كبير وسريع في معدلات الاستغلال في محاولة من الملاك الجدد إما لرفع ربحية الشركات وزيادة تنافسيتها، أو لتصفيتها وتحول أصولها إلى فرع إنتاجي آخر أكثر ربحية. ويؤدي هذا الهبوط من أعلى – إذا جاز التعبير – إلى تصاعد غضب العمال وارتفاع استعدادهم لخوض معارك هي في بعض الأحيان معارك حياة أو موت (ضد المحاولات الملتوية للإدارة الجديدة لتصفية المصنع).
على أن أكثر ما يغير مزاج العمال ويرفع درجة استعدادهم النضالي في المصانع المخصخصة هو ما تعينه الخصخصة من تحول حاد في حياتهم وفي توقعاتهم وفي الظروف التي يواجهونها. المسألة هنا ليست مجرد تسريع للهجوم، أو تكثيف لمعدلات الاستغلال. فهذا أمر واجهه العمال – وأن يكن بدرجات أقل – على مدى سنوات وسنوات في ظل القطاع العام. أما الذي أضافته الخصخصة إلى ذلك فهو مزيج من عدة عوامل متداخلة ومترابطة: أولاً، تحطيم الأساس الموضوعي لأيديولوجية “نحن – أي الإدارة والعمال مجتمعين – في مركب واحدًا” و”القطاع العام للشعب والعمال؛ ثانيًا، إحباط توقعات هامة من العمال حول ما ستجلبه لهم الخصخصة من سعادة ورفاهية؛ ثالثًا، إحداث هزة عنيفة في الاستقرار والحماية النسبيين الذين كانت الدولة – بالرغم من برامجها لتكثيف الاستغلال – توفرهما للعمال قبل البيع. وهذا كله يحدث – في إطار تداخله وترابطه – هزات في الوعي البرجوازي السائد الذي كان يكبل حركة العمال بدعاوى الوطنية والمصلحة العامة، ويؤدي – خاصة في ظل تسريع الهجوم – إلى تصاعد الغضب العمالي ولكنه غضب ممزوج بخوف أكبر من المستقبل).
ولا ننسى أن للخصخصة آثارها على الحركة النقابية، بالذات على مستوى النقابات المصنعية. فعلى العكس من الحال في شركات ومصانع الرأسمالية الجديدة، توجد – بالطبع – في المصانع المخصخصة نقابات لها تاريخ. وعلى خلفية التحولات الحادة، التي تحدثنا عنها، في وعي ووضعية العمال في المصانع المخصخصة، فإن تصاعد الغضب العمالي – بالرغم من امتزاجه بالخوف وعدم الثقة بسبب المناخ العام للصراع الطبقي – يعكس نفسه في شكل ضغط شديد على النقابات المصنعية. وأحيانًا كثيرة ما تضطر النقابات الساكنة على مدى عقود طوال إلى الوقف في موقع قيادة نضالات عمالية، وهو أمر لم تجربة تلك النقابات – بل ربما غالبًا جربت عكسه! – لسنوات طويلة يصعب عدها. إن أكثر ما يضغط على النقابات المصنعية في الشركات المخصخصة هو تهاوي السلاح الأيديولوجي الذي تحدثنا عنه قبل قليل والذي طالما استخدمه النقابيون الصفر في المستويات النقابية المختلفة قبل الخصخصة لكبح النضالات العمالية، ونعني به سلاح وحجة “الحفاظ على القطاع العام.. ملكية العمال” و”ضرورة عدم الإتيان بأي تحرك أهوج لتفويت الفرصة على من يريدون الخصخصة” و”شد الحزام على البطون حتى تصبح الشركات العامة وناجحة، وبالتالي تنتقي ضرورة الخصخصة”… الخ. فها هي الخصخصة – برغم شد الأحزمة – قد سارت في طريقها لا تلوي على شيء، فاكتشف العمال من خلال تجربتهم المريرة ليس فقط أن الذي بيع هو – غالبًا – الشركات الرابحة وليس الخاسرة كما أدعى النقابيون، وإنما أيضًا أنها – أي الخصخصة – تعني الإفقار وزيادة الاستغلال. وهكذا وجد العمال في الشركات المباعة أن أوضاعهم تتدهور بالرغم من ارتفاع ربحية الشركات ومن تزايد ثروات المالكين الجدد، فأدي ذلك – كما سبق وأن ذكرنا – إلى إحباط توقعاتهم، وبالتالي إلى تصاعد غضبهم وضغطهم على النقابيين الذين ووجهوا بأسئلة من نوع: “لماذا لا نقاوم المالكين الجدد الذين يستغلوننا أكثر وأكثر برغم تزايد الأرباح؟” و”لماذا نؤجل معركتنا من أجل انتزاع حقوقنا بما أن الواقعة قد وقعت بالفعل وتم البيع؟”
وتؤثر الخصخصة على الحركة النقابية من زاوية أخرى أيضًا، وهي الزاوية التي تتعلق بتغير وضعية النقابيين أنفسهم. فالحماية والمكانة المستقرة نسبيًا الذين يوفرهما القطاع العام للنقابيين في الشركات العام تدهورت في السنوات الأخيرة – تبدأ في الانهيار مع الخصخصة. إذ أن الإدارات الجديدة التي تأتي بعد البيع، لا تعترف ولا تهتم بالدور – المتواطئ أو المهادن غالبًا – الذي طالما لعبته معظم النقابات المصنعية قبل الخصخصة. وفي هذا السياق تبدأ الاحتكاكات بين النقابيين والإدارة في التزايد، خاصة وأن النقابيين يشعرون بشكل متزايد بالتهميش وفقدان التميز. وتدور الصدامات غالبًا حول إهمال المالكين الجدد للنقابة وعدم إدراكهم لما يرى النقابيون – وفقًا لمنظورهم عن النقابات – أنه دور حيوي للنقابات في تسيير العمل بالشركات. وهي صدامات يميل النقابيون فيها إلى حد ما إلى أن يكونوا أكثر جرأة لأنهم هو أنفسهم يشعرون بأن المالك الخاص يختلف عن الدولة من حيث الجبروت ومن حيث الصلة بالحركة النقابية.
على أنه علينا – كثوريين – أن نحذر من ترجمة هذا التحليل لوضعية النقابيين في ظل الخصخصة بشكل ميكانيكي وأحادي. فالبيئة الجديدة التي تخلقها الخصخصة لا تؤدي بالضرورة إلى انعطاف النقابيين المصنعين إلى اليسار. وإنما هي فقط تزيد من الضغوط عليهم من أعلى ومن أسفل. وهو ما يدفع ببعضهم، تحت الضغط، إلى قيادة نضالات عمالية ومعارك مطلبية. ولكن البعض الآخر يظل كما هو، أو حتى يندفع أكثر وأكثر إلى اليمين آملا بالاحتماء من الضغط عن طريق الارتماء في أحضان الإدارات الجديدة بشكل تام، وهذا احتمال كبير في ظل ظروف الجزر الراهنة. والأخطر من هذا، أ، النقابيين الذين يسيرون على رأس نضالات عمالية في مصانع مخصخصة قد يتراجعون – بسبب من دور الوسيط الذي هو لب الدور النقابي – في منتصف الطريق ويميلون إلى المهادنة، خاصة إذا ما لوحت الإدارات لهم باستعادة تميز أوضاعهم. وهذا ما يدعو الثوريين إلى فهم أن مركز الثقل في أي معركة – تحت أي ظروف كان – هو حركة العمال القاعدية. فهذه الحركة – خاصة إذا ما تم تنظيمها – هي التي بمقدورها دفع النقابيين إلى اليسار وهي التي بمقدورها فرزهم ومقاومتهم إذا هم مالوا إلى اليمين بسبب وسطية وضعهم وتذبذب مواقفهم.
نعود، بعد هذا الاستطراد الطويل نسبيًا، إلى شبرا ومعارك مصانعها المخصخصة. إذ نستطيع أ، نرى كل الخصائص والتناقضات التي تحدثنا عنها موجودة بشكل جنيني في شبرا الخيمة التي شهدت في 1998، ولأول مرة، إضرابات واعتصامات في مصانع مخصخصة. فقد وقعت في شبرا في العام الفائت – كما ذكرنا من قبل – احتجاجات في ثلاثة مصانع مخصخصة حديثًا (اعتصامان في سيمو واعتصام في الكابلات وتجمهر في ايديال). ولننظر لما حدث في سيمو. هذا موقع عمالي لم يكن له تاريخ نضالي سابق، ولم يكن لأعضاء نقابته تاريخ أو صلات باليسار. ولكن على الرغم من هذا وقع به احتجاجان في عام واحد (1998)، ثم احتجاج ثالث في مارس 1999. وكان الاحتجاجات كانت بدعم وتنظيم وقيادة النقابة المصنعية. بل أن الاحتجاج الأخير في مارس من العام الحالي كان قرار رئيس مجلس الإدارة القاضي بنقل ثلاثة من أعضاء النقابة إلى مركز البيع، حيث طالب العمال بعودتهم ونجحوا في تحقيق مطلبهم. ونجح العمال أيضًا في تحقيق مطلب أساسي رفعوه في اعتصاماتهم الثلاثة، وهو مطلب حل صندوق التكافل الاجتماعي الذي تسرقه الإدارة وتوظفه لصالحها.
أما في الكابلات، وهي شركة لم تحدث فيها احتجاجات عمالية على مدى 12 عامًا، فقد نظمت اللجنة النقابية اعتصاما استمر أيامًا عدة ضد تخفيض الحوافز والأرباح السنوية. والملفت في إضراب الكابلات ليس فقط منظم وليس عفويًا كما هو الحال في معظم إضرابات العمال في مصر، وإنما أيضًا كونه يعكس بشكل نموذجي تناقضات الخصخصة. فشركة الكابلات هي واحدة من الشركات المتميزة والمستقرة والرابحة (بلغت أرباحها عن أعمالها عام 1997 14مليون جنيه)، ورغم ذلك رفضت الإدارة الجديدة صرف الأرباح والحوافز المعتادة للعمال، ورفضت تقديم أي تنازلات للنقابة في المفاوضات التي جرت عشية الإضراب والاعتصام. وهو ما اضطر النقابة ليس فقط إلى تأييد المطلب العمالي، وإنما أيضًا إلى تنظيم وقيادة معركة مطلبية منظمة استمرت عدة أيام ونجحت في تحقيق مطالبها.
أما في شركة ايديال المباعة لمجموعة أوليمبيك فقد تجمهر العمال احتجاجًا على قرار نقلهم إلى مصانع أوليمبيك في العاشر من رمضان. وليس واضحًا إذا ما كانت النقابة قد لعبت دورًا محوريًا وإيجابيًا في معركة ايديال كما كان الحال في معارك سيمو معركة الكابلات. ولكن الواضح أن التجمهر، الذي لم يتطور إلى إضراب أو اعتصام، قد نجح بدرجة كبيرة. فرغم أن قرار النقل لم يلغ إلا أن العمال انتزع عددًا من المكاسب الهامة: زيادة الأجر 150 جنيهًا، توفير وسائل لنقل العمال إلى 10 رمضان، وإنشاء مجمع خدمات صحية للعمال.
وبنظرة عمومية إلى مجموعة احتجاجات المصانع المخصخصة في شبرا الخيمة في 1998 نستطيع أن نرى ليس فقط الدور الإيجابي للنقابات المصنعية تحت الضغط العمالي، وإنما أيضًا نجاح كل هذه الاحتجاجات – الدفاعية بالتأكيد – في تحقيق مطالبها، أو على الأقل في انتزاع مكاسب ذات شأن للعمال، وهذا أمر ذو دلالة خاصة مقارنة بحالة احتجاجات مصانع القطاع العام ومصانع القطاع الخاص التقليدي. ويرجع هذا النجاح جزئيًا إلى الدور الإيجابي للنقابات، ولكنه يرجع أيضًا إلى الطبيعة المستقرة والرابحة للشركات المخصخصة (كلها تنتمي إلى قطاعي الصناعات الهندسية والكيماوية)، وإلى تطورات المزاج العمالي في ظل الخصخصة – وهي أمور شرحنا تأثيراتها قبل قليل.
ولكن علينا هنا أن نتحفظ الشيء. حيث أن النجاح المباشر للنضال العمالي ليس مؤشرًا كافيًا على وضعية الحركة العمالية. مثلاً، في سيمو كان تكرار الاعتصامات يعكس تكرار محاولة صاحب العمل تقويض النجاح الذي حققه العمال في اعتصامات السابقة. وبالطبع لا ننسى الطابع الدفاعي لكل الاحتجاجات الأربعة التي رصدناها. ولا ننسى أيضًا حالة الحصار الأمني المتزايدة بشكل ملحوظ في شبرا الخيمة في الفترة الأخيرة. إذ أصبح جهاز الأمن “طرفًا طبيعيًا” في كل معركة عمالية صغرت أم كبرت، وأصبحت عرباته المصفحة ضيفًا ثقيلاً يجوب كل ركن من أركان الحي العمالي. وهذا ما يخيف العمال ويمنعهم من تطوير حركتهم والاستفادة – تنظيميًا وسياسيًا – من نجاح إضراباتهم.
معارك القطاع العام:
ويمكننا أيضًا الاقتراب من حركة عمال شبرا وفهمها من خلال النظر من زاوية أخرى، هي زاوية معارك عمل القطاع العام. فقد شهدت مصانع القطاع العام في شبرا الخيمة خمسة احتجاجات عمالية طوال العام الماضي. وهذا الرقم يعكس بالتأكيد تصاعدًا في حركة عمال القطاع العام مقارنة بأعوام سابقة، إذ لم يزد عدد إضرابات عمال هذا القطاع في أي من أعوام التسعينات عن ثلاثة إضرابات فقط. واحتجاجات 1998 هي على التوالي: اعتصام في شركة القاهرة للصباغة والتجهيز – يناير إضرابان لسائقي النقل العام – يناير وسبتمبر؛ تجمهر في شركة ناروبين لصناعة الكاوتشوك – سبتمبر؛ وإضراب في الجوت – ديسمبر (إضافة إلى واقعة لتوزيع منشورات ضد الإدارة وسياساتها في شركة أسكو في أكتوبر، وتلك واقعة لا نعتبرها احتجاجًا عماليًا جماعيًا، لكنها بدون شك مؤشر على تصاعد الغضب والتحريض ضد الإدارة في الشركة).
وكما قد يكون متوقعًا، فإن دور النقابات المصنعية في إضرابات شركات القطاع العام يختلف عن الحالة في المصانع المخصخصة. فقد وقفت النقابة مباشرة ضد العمال في اعتصام القاهرة للصباغة والتجهيز الذي اندلع احتجاجًا على عدم صرف المكافأة السنوية محسوبة على أساس الأجر الشامل. وقد هتف العمال أثناء الاعتصام ضد النقابة وجمعوا 8191 توقعيًا لسحب الثقة منها. أما في ناروبين فقد وقفت أقلية من النقابيين فقط في صف العمال. وفي إضراب الجوت دعمت النقابة الإضراب، ولكن المعلومات لا تشير أنها اشتركت انفعالية في تنظيمه كما حدث في معظم إضرابات المصانع المخصخصة. وبالطبع فإن إضرابي النقل العام كانا عفويين وبلا أي دور للنقابات.
إن التباين الواضح بين أدوار النقابات المصنعية في النضالات الخمسة في مؤسسات القطاع العام لا يعطينا مؤشرات جيدة على اتجاه واضح. ولكن بالرغم من ذلك يمكننا أن نستخلص أن تذبذب النقابات بين الإدارة والعمال – وأحيانًا عدائها الكامل للعمال – تزيد حدته بشدة في مصانع القطاع العام. حيث يسعى النقابيون لخطب ود الإدارة التي تمثل في حالة مصانع القطاع العام الدولة نفسها وليس مجرد رأسمالي فرد كما هو الحال في المصانع المخصخصة. وبدون شك، يميل النقابيون المصنعيون في القطاع العام ناحية الدولة بسبب تراجع الحركة العمالية وعنف ضغوط الإدارة (نلاحظ أن احتجاجين من الخمسة – القاهرة للصباغة والجوت – وقعوا في شركات غزل ونسيج، أي في قطاع يعاني أزمة طاحنة تجعل الإدارة أكثر شراسة ووحشية في رفض مطالب العمال الاقتصادية – وهذا بالضبط ما حدث في اعتصام القاهرة للصباغة حيث أسفرت خمسة أيام اعتصام عن فشل العمال في الحصول على حقوقهم). ولكن بدون شك أيضًا تلعب صلة التواطؤ والارتباط بين جهاز الدولة وبين النقابيين – الذين يرون مصيرهم مرتبطًا برضاء الدولة أكثر مما هو مرتبط برضاء العمال – دورًا محوريًا في يمينية النقابيين. وواحد من المؤشرات على هذا هو سياسة عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال في الانتخابات النقابية في 1996. فقد أصدر منشورًا يأمر فيه بمنع أي نقابي معارض للخصخصة – بأي طريقة كانت – من الظفر بمقعد نقابي في دورة 1996 – 2001.
ومن الواضح أن تصاعد نضالات عمال القطاع العام في شبرا الخيمة يعكس في جانب أساسي منه – كما هو الحال في مصر كلها – تطورات عمالية الإصلاح الاقتصادي والخصخصة. فقد أصبح العمال في القطاع العام أشد “ذعرًا” و”غضبًا” من الخصخصة. وردود أفعالهم النضالية اليوم – برغم ضعفها ودفاعيتها – هي في مواجهة عملية – نعني الخصخصة – تعلموا معناها الحقيقي من خبرة 3 سنوات عجاف من الطرد والتشريد. ولكن للأسف، من الواضح أن قدرة العمال على إيقاف السياسات المعادية والهجومية لا تزال محدودة. فكما ذكرنا، من أهم إضرابات القطاع العام في 1998 – إضراب القاهرة للصباغة والتجهيز – بالفشل الذريع. والسبب في هذا بالطبع هو دور النقابة، إضافة إلى طبيعة العدو المباشر وهو الدولة التي دعمت – في شخص عاطف عبيد – موقف الإدارة، وأيضًا حمت هذا الموقف بجحافل الأمن المركزي التي حاصرت الشركة.
معارك القطاع الخاص:
وإذا كان القطاع العام، والقطاع العام المخصخص، قد حظيا بتسعة إضرابات في شبرا في 1998، فإن القطاع الخاص قد حظي بأربعة إضرابات: ثلاثة في مصنع الشريف للبلاستيك فرع شبرا، وواحد في مصنع طيبة للملابس الجاهزة (معظمه عمالة نسائية). هنا تختلف طبيعة وتأثير الإضرابات بشكل كبير عن مصانع القطاع العام الحالية أو المخصخصة. إذ لا توجد في معظم مصانع القطاع الخاص نقابات، وليس لعمالها – وهم في أغلبهم شباب صغار السن – تاريخ نضالي يذكر. ولذلك فكما هو متوقع تكون الإضرابات أكثر صعوبة وأقل تأثيرًا، خاصة في المصانع الأصغر ذات العمالة الضعيفة (النسائية مثلاً). ولكن بالرغم من هذا فقد نجح تجمهر طيبة – الذي لم يتطور إلى إضراب أو اعتصام – في إجبار الإدارة على التراجع عن قرارها بتخفيض أيام أجازة عيد الأضحى. أما الاعتصامات المتكررة في الشريف فلم تؤد إلى تحسين أحوال العمال في هذه الشركة المأزومة. تكرار الاعتصامات لنفس السبب – عدم صرف الأجور – هو مؤشر على فشلها في لي ذراع الإدارة وتحقيق المطلب.
إلا أن أهمية نضال عمال الشريف تكمن في منطقة أخرى. حيث تلقي معارك الشريف فالضوء على الإمكانات الكامنة في حركة عمال القطاع الخاص، والتي ستنطلق – في المصانع الأكبر والأكثر استقرارًا – مع صعود الصراع الطبقي. فقد ترزت من بين صفوف عمال الشريف عناصر متقدمة وأكثر جذرية خلال النضال. وبدأت هذه العناصر – بالضبط بسبب ما تطرحه عليها المعارك من أسئلة واستفهامات، وما تعطيه من لمحة عن قوة العمال الجماعية، في تطوير وعيها وتصوراتها وفي طرح مطالب أكثر تطورًا تتعلق بتكوين نقابة مصنعية في الشركة. وبالرغم من فشل هؤلاء العمال في التقدم خطوة للأمام في تأسيس النقابة، إلا أن حركتهم قد تكون لدينا صورة عما ينتظر الحركة العمالية في هذا القطاع في مستقبلها في مرحلة قادمة.
شبرا والصراع الطبقي ومهام الثوريين:
كانت شبرا في 1998 – لأسباب متعددة – في دائرة الضوء في الحركة العمالية المصرية. وبالتالي يمكننا أن نرى فيها بشكل مكثف أهم خصائص نضالات عمال مصر في مرحلة الخصخصة التي نعيشها. فإذا كان عمال ايديال والكابلات قد ناضلوا – في احتجاجين ناجحين – ضد الإدارات الجديدة، فما الذي يمكننا أن نتوقعه من عمال الحديد والصلب والكوك والمطروقات وسيماف وغيرها في حلوان؟ أن تلك المصانع الأخيرة تنتمي أيضًا لقطاع الصناعات الهندسية والمعدنية، ولديها تراث نضالي هام في منطقة هي مركز للصناعات الهندسية. وبالتالي فكل تناقضات الخصخصة، وما تخلقه للمقاومة – سوف تتفجر – غالبًا – في هذه الشركات.
ولكن تفجر النضالات في المصانع المخصخصة، وفي مصانع القطاع العام التي يتم إعدادها للخصخصة (بل وتفجر النضالات بمعدل متزايد في مصانع القطاع الخاص)، لا يعني أن الجزر قد انتهي وأننا دخلنا في مرحلة مد في الصراع الطبقي. فكما يتحدث الكثير من العمال، لا تزال حالة الإحباط واليأس وعدم الثقة مسيطرة على الأغلبية الغالبة من العمال. وكما نعلم جميعًا لا تزال الطبقة الحاكمة تتقدم في هجومها على العمال، بل ويزيد أحساس أعضائها بالنشوة والانتصار. كيف هذا إذن؟ كيف أن النضالات تزيد وفي نفس الوقت لا يزال الجزر مستمرًا؟ الإجابة هي أنه لا توجد علاقة ميكانيكية بسيطة بين عدد الإضرابات وبين حالة الصراع الطبقي. فلقد زادت إضرابات عمال مصر في الفترة الأخيرة لأن الخصخصة تعني مزيدًا من الهجوم، أي مزيدًا من الإفقار في مصانع القطاع العام وفي المصانع المخصخصة، ولأن الإفقار يتم في مصانع مستقرة وبها نقابات وفي ظل إدارات من نوع جديد، ولأنه موجه ضد عمال لا يقبلون وضعية عمال القطاع الخاص بسبب من تاريخهم – لأن هذا كله يحدث فأن المقاومة تتزايد. ولكنها لا تزال مقاومة، ولم تتحول إلى وضع الهجوم، بل ولا تزال مقاومة ضعيفة لا تؤثر على سياسات الطبقة الحاكمة أو على استقرارها. وبما أن الصراع الطبقي لا يعرف الوقوف عند نقطة واحدة وقتًا طويلاً فإن المقاومة العمالية الضعيفة إما أن تتصاعد وتقوى، أو أن تخفت وتخبو. والبديل الثاني سيحدث بالضبط إذا لم يشعر العمال بأن مقاومتهم تأتي بنتيجة، أما البديل الأول فسيحدث إذا ما خلقت الانتصارات في التحركات العمالية شعورًا عامًا بالثقة يؤدي إلى تصاعد وتيرة النضالات وعددها وإلى – وهذا أهم بكثير – تغير طبيعتها وتحولها إلى نضالات هجومية قوية.
وفي المرحلة التي نمر بها تكون للثوريين فرص في التفاعل وخلق الصلات العمالية. بالطبع الحجم الصغير للثوريين وظروف التراجع يعنيان أن تأثيرهم شديد المحدودية ومحلي في بعض المصانع فقط. ولكن تزايد عدد الإضرابات وتنوعها يعطي للثوريين مساحة أوسع للارتباط لها، بل والتحريض أحيانًا. العمال الغاضبون والمستعدون للدخول في معارك – حتى لو دفاعية – يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للتأثر والاقتناع بالأفكار الاشتراكية الثورية، ولكن عدم ثقتهم في قدرتهم وفي إمكانية التغيير تقلل من هذه الإمكانية، وبالتالي فكثير منهم قد لا يرغبون أو يستطيعون أن يصبحوا أعضاء في منظمة ثورية صغيرة وقليلة التأثير. علينا بالطبع أن نناضل – بكل الوسائل الثورية الصحيحة – لجذب الأقلية التي سترضي بالنضال الاشتراكي الثوري المنظم في ظروف صعبة كالتي نمر بها. ولكن علينا أيضًا أن نخلق جسورًا مع العمال المتقدمين المناضلين الذين لم يقبلوا أن يكونوا جزءًا من حركتنا. وخلق الجسور معناه العمل في المساحة المشتركة بيننا وبين هؤلاء، المساحة النضالية التي يمكن لهم أن يشتبكوا فيها في ظل الظروف الراهنة (مثلاً حملات ضد المعاش المبكر في مصنع أو مجموعة مصانع، وتكوين مجموعات منظمة من النقابيين الجذريين في منطقة عمالية للتشاور والعمل المشترك.. الخ). وبالطبع علينا أن نحذر أن تكون هذه الجسور وهمية وليست مبنية على أساس إمكانيات النضالات الحالية؛ وإلا أصبحت سجنا لحركتنا بدلاً أن تكون منفذًا لها (هنا نذكر بأن النقد الماركسي الأساسي للثوريين العصبويين هو أنهم يبحثون عن نقاط التمايز بينهم وبين العمال العاديين ويركزون عليها ويهملون نقاط الالتقاء، بينما من الضروري التركيز على نقاط الالتقاء، بينما من الضروري التركيز على نقاط الالتقاء، بالطبع مع عدم التضحية أبدًا بالمبادئ والاستقلالية الثورية). وإذا نجحنا في خلق جنين أولى لجسور وأشكال كتلك، فإنها ستصبح أيضًا بمثابة مساحات ومناطق لجذب عناصر عمالية جديدة إلى منظمتنا، أي للتقدم خطوة صغيرة للأمام في اتجاه هدفنا الحالي، وهو خلق صلات وجذور في أوساط العمل.
وبما أن المصانع المخصخصة، ومعها بعض مصانع القطاع العام الكبرى المقبلة على الخصخصة وبعض مصانع القطاع الخاص المؤثرة كجنرال موتورز، هي بؤر لعدم الاستقرار والنضال العمالي، فإن واجبنا التركيز عليها والارتباط بعناصرها النقابية أو التي تبرز في النضالات. ومن أجل تحقيق هذا الهدف علينا أن نتعلم كيف يمكننا – من خلال المجلة وبكل الوسائل الأخرى – أن نطرح دعاية سياسية ثورية ملموسة – دعاية تشرح لهؤلاء العمال طبيعة المرحلة وإمكانيات المقاومة وضرورة النضال الثوري بشكل منظم.
أن صعوبة المهمة مشقتها، لا تعني أبدًا عدم الوفاء بالتزاماتنا، بل تعني تركيز كل الطاقات لأدائها، وتعني أيضًا التعلم من أخطائنا وخبراتنا، ومن أخطاء وخبرات الآخرين. فالنضال الثوري يمر بمراحل متقلبة، ولا بد – لمن يريد أن يرى عالما خاليا من الاستغلال والاضطهاد – أن يتعلم كيف يواصل النضال في ظل أشد الظروف وعورة وصعوبة.