بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عاملات المحلة.. في مقدمة الإضراب

“ما فيش عندنا حاجة اسمها ستات ورجالة.. الست في غزل المحلة أجدع من مية راجل.. واقفين كتف بكتف مع الرجالة في الاضراب..”، كانت هذه كلمات أحد عمال غزل المحلة عندما سألناه عن دور العاملات في الإضراب الأخير، خاصة وأن عاملات المحلة لعبن دورا هاماً في الإضراب الأول في شهر ديسمبر من العام الماضي، فمن المعروف أن العاملات هن من بدأن مظاهرة طلعت حرب مرددين هتاف ” الرجالة فين .. الستات أهم”، وما أن أطلقت العاملات صيحتهن حتى تدفق آلاف العمال إلى الميدان معلنين الاعتصام والإضراب حتى تجاب مطالبهم. وكما يقول أحد العمال، فكانت العاملات تتقدمن صفوف المظاهرات معللاً ذلك بأنهن كن يشكلن الدرع الواقي للمتظاهرين ضد احتمالات هجمات الأمن.

كان حضور العاملات في الإضراب الثاني الذي بدأ في 23 سبتمبر بارزا أيضا، خاصة في ظل أجواء شهر رمضان، حيث قمن بدور هام في ترتيب أحوال المعيشة من إفطار وغيرها، وكان من الملاحظ أنهن يتواجدن طول أيام الإضراب في كل الأوقات صباحا ومساء.

يبلغ عدد العاملات في شركة غزل المحلة ما يقرب من 6 آلاف عاملة، موزعين على الأقسام المختلفة للإنتاج، يعانين من نفس الأحوال السيئة التي يعاني منها زملائهن العمال من تدني الأجور وظروف العمل السيئة، فكان طبيعيا أن يكن في مقدمة صفوف الإضراب محطمين كل الأوهام والأكاذيب حول ضعف المرأة وتراجع دورها مؤكدين على أن النضال ضد الاستغلال والفقر لا يفرق بين رجل وإمرأة.

تقول إحدى العاملات بمصنع الصوف بغزل المحلة إن “أحوال العيشة وقلة الأجور هي اللي خليتنا نعمل الإضراب .. نعمل إيه والأسعار بقت غالية نار والمرتب ما يزدش عن 300 جنيه .. تصدق بالله يأ أستاذ – والكلام للعاملة – أنا عندي 3 عيال، بنت في الدبلوم وواحدة في الكلية وولد في الإعدادي، الولد لوحده بياخد في الشهر دروس بـ 100 جنيه، والبنت اللي في الكلية بتاخد مصاريف 200 جنيه لوحدها وبندفع إيجار للشقة 300 جنيه، جوزي بياخد 300 جنيه، وهو عامل في المصنع، طيب نعيش إزاي، ناكل ونشرب ونتعالج ونركب مواصلات منين!!!”. وتضيف العاملة ” إحنا ما أضربناش إلا لما فاض بينا .. تصدق أنا سالفة فلوس على حس الأرباح دي من واحدة زميلتي علشان مصاريف مدارس العيال .. ومش عارفة أسددها وكل ما أقابلها أداري وشي منها”.

عاملة أخرى تلتقط خيط الكلام من زميلتها وتقول “ولادي الثلاثة المدرسة رجعتهم علشان ما دفعوش المصاريف”. كانت ابنتها الصغيرة في ثالثة ابتدائي تجلس إلى جوارها – طلبت منها أن تقول ما أخبرتها به المدرسة ” قولي يا بت المدرسة قالت إيه لما ما دفعتيش المصاريف”، ردت الطفلة في براءة ” قالت لي روحي وما تجيش من غير المصاريف !!” وتستكمل الأم “ما كنش معايا غير 10 جنيه ومصاريف العيال الثلاثة 70 جنيه .. بعت البت بالعشرة جنيه .. برضه المدرسة ما رضيتش ورجعت العيال .. وبعدين يجوا في الشركة يقولولنا 40 يوم أرباح بس .. دي تبقى سرقة وحرام”. عاملة ثالثة اقتحمت الحديث منفعلة “إحنا قابضين يوم 19 اللي فات .. عارف أنا سالفة كام لحد دلوقتي على القبض، 90 جنيه والله، أسددهم إزاي ومنين”.

إحدى العاملات التفتت إلينا وهي تقول “أنا بقالي من سنة 84 يعني 24 سنة خدمة في الشركة .. داخلة متعينة بـ 24 جنيه، دلوقت وصلوا لـ 300 جنيه، الـ 300 جنيه دول يعملولي إيه وعليهم 150 جنيه المعاش بتاع جوزي… ما فيش في إدينا لا دهب ولا حاجة وأخواتي بيساعدونا، وبيدفعوا كسوة الولاد بتاعة المدرسة..” توقفت قليلاً ثم تابعت حديثها “أنا في شركة مصر مأدية خدمتي بما يرضي الله وربنا وحده عالم أنا بأشتغل إزاي.. وبأطلع 18 ألف ملاية كل يوم فرز .. واقفة على حيلي الـ 8 ساعات لما بأروح ما بأعرفش أخدم عيالي في البيت، ليه؟ علشان أنا محووجة، يعني محتاجة، ولو مش محتاجة إيه اللي يخليني أخشها، لكن أنا محتاجة لترابها فلازم نحافظ عليها علشان دي لقمة عيشنا، أنا ليه سايبة عيالي وقاعدة القعدة دي علشان نزيد شلن. فيه حد في الشركة هنا بيقبض 2000 جنيه في الشهر واقف معانا؟ مفيش واحد كبير واقف معانا، كلنا صغيرين وغلابة… اللي قاعدين في المكاتب نايمين في بيوتهم..إحنا اللي تعبانين في المصانع وهمه قاعدين في المكاتب والمراوح والتكييفات وبيشربوا مية ساقعة وإحنا بنشرب مية المجاري”.

عاملة أخرى تؤكد على وعي العاملات بدور النقابة المعادي للعمال وحقوقها فتقول “النقابة بتشتغل ضد مصالحنا لأنهم مستفيدين .. وإحنا أصلا ما انتخبناهاش ولازم النقابة دي تتشال”، وعن دور النقابة أيضاً تستكمل إحدى العاملات “النقابة عندنا ملهاش أي لازمة خالص لأنها مش واقفة معانا في الاعتصامين.. النقابة دي أنا لو طلت أي واحد فيهم حاكل مصارين قلبه.. طالما قعد على الكرسي ولبس البدلة وخد الشقة وفلوس على قلبه أد كدة يبقى خلاص سابنا”.

وتضيف العاملة عن الأرباح “الشركة السنة دي كسبانة 210 مليون .. يعني إحنا محققين الخطة وزيادة .. وحسب كلام وزير الاستثمار يبقى نستحق أرباح 12 شهر مش 40 يوم زي ما بتقول الإدارة والنقابة”.

“الست زي الراجل” حكمة تثبتها عاملات المحلة بالنضال والكفاح العملي على أرض الواقع كل يوم، بعيدا عن الكلمات الكبيرة التي يطلقها المجلس القومي للمرأة والحزب الوطني عن دور المرأة في المجتمع وأهميته، فعاملات المحلة البسطاء أثبتن أنهن يمتلكن وعي عالي عن حقيقة الصراع بين الفقراء وحكومة رجال الأعمال، كما ضربن نموذج رائع حول كيفية انتزاع الحقوق وأهمية الإضراب، فتقول إحدى العاملات” ما فيش غير الإضراب هو اللي حيجيب حقوقنا .. إحنا طلبنا منهم بالذوق ماحدش عبرنا .. يبقى حقوقنا نجيبها بإيدينا”. وتضيف ” إحنا قاعدين هنا لغاية العيد .. حنعيد يوم ما نقبض الـ 150 يوم .. الأرباح بتاعتنا.. هما بيطفشونا علشان نزهق ونمشي علشان يخصخصوا الشركة لكن بعينهم .. إحنا قاعدين”.

هذا هو موقف عاملات المحلة .. مناضلات من الدرجة الأولى، يقاومن الاستغلال يد بيد مع زملائهن العمال، فأينما مررت بالمصنع تجد رجالا ونساء، يتبادلون الحديث حول الأوضاع وظروف الشركة والخطوة القادمة للإضراب، ليسوا عمال وعاملات فقط بل عمال وزوجاتهم، وعاملات وأزواجهن يصبحون في الإضراب ويبيتون فيه، إلى جوارهم أطفالهم، لا فرق بين البيت والمصنع، فقد أصبح “المصنع هو بيتنا” هكذا قالت إحدى العاملات.