بعد نقل خبرتهم لموظفي الخدمات والسائقين والمهنيين
من عمال المصانع إلى كل المصريين: هكذا يكون النضال
نجح عمال المصانع في أن يصبحوا “المحرض الأول” لكل الفئات الاجتماعية لانتزاع الحقوق المسلوبة. رغم تأخر الحركة خطوة بعد 6 أبريل الا انها عادت مجددا بخطوات واسعة للامام.
لمدة قدرت بعشرات السنين، و قبل إضراب عمال قطاع الغزل والنسيج بين 7 ديسمبر 2006 وفبراير 2007، كانت الحركة الاجتماعية منحصرة بين انتفاضة الفلاحين بعد إقرار قانون المالك والمستأجر الجديد عام 1997 وبين عشرات الاحتجاجات المتفرقة في مصانع العاشر من رمضان ومدينة السادات والصالحية الجديدة والمناطق الصناعية بمدن القناة.
الحركة الاحتجاجية في المصانع التي وصلت إلى ذروتها مع إضراب عمال المحلة في ديسمبر 2006 كانت تمثل القطاع الجماهيري الوحيد الذي يستطيع تقديم نموذج للمجتمع -بكافة طبقاته وشرائحه- عن الاحتجاج على سياسات الإفقار للطبقة الحاكمة المصرية. وبعد موجة إضرابات عمال الغزل والنسيج في أول 2007 انتشرت الاحتجاجات في معظم المحافظات وبدأت العدوى في الانتقال إلى شرائح أخري غير العمال الصناعيين،سرعان ما تلقت الحركة ضربة باجهاض اضرابها الكبير في 6 ابريل الماضي, وهو اول اضراب عمالي يرفع مطالب سياسية-حد ادني للاجور لكل العاملين باجر في مصر-الا انها عادت مجددا لتضرب بر مصر بالكامل.
الإسكندرية
وفي الإسكندرية بعد الاحتجاجات المتتالية لعمال الميناء وعمال بوليفار والسيوف للغزل والعمال الخارجين على المعاش المبكر بالترسانة البحرية، اضرب سائقو الميكروباص عن العمل بعد هدم موقف 15 مايو بمنطقة سيدي جابر,كما قام موظفو مكتبة الإسكندرية بالاعتصام في مقر العمل احتجاجا على تدني أجورهم.
الزقازيق
وبعد اعتصام العمال الخارجين على المعاش المبكر بغزل الزقازيق وبعد عشرات الاحتجاجات في مدينة العاشر من رمضان قام 600 مدرس بمدارس الشبان المسلمين بالتظاهر ضد تعسف الإدارة.
مدن القناة
وفي الإسماعيلية، بعد احتجاجات عمال الشركات التابعة لهيئة قناة السويس وإضراب عمال شركة انبي للملابس قام العاملين ببنك الدم بالإضراب عن العمل بعد تأخر صرف حوافزهم لثلاثة أشهر متتالية، كما قام العاملون بمشروع التعداد السكاني بإضراب عن العمل احتجاجا على زيادة ساعات العمل في الفترة المسائية دون مقابل مادي.
وفي بورسعيد بعد عدة احتجاجات قام بها عمال شركة الرباط والأنوار وشركة الحاويات البحرية وشركة هنكل للمنظفات وشركة تراست للكيماويات قام الباعة الجائلون بالتظاهر احتجاجا على طردهم من الأسواق.
وفي السويس بعد إضراب عمال شركات الزيوت والصابون وصلب العتال واعتصام عمال اسمنت السويس، قام العاملون بمديرية التربية والتعليم بالتظاهر مرتين في شهر يوليو 2007 احتجاجا على استبعادهم من كادر أجور المعلمين.
وفي سبتمبر من نفس العام بدأ موظفو الضرائب العقارية في التحضير لإضرابهم الذي من أهم محطات الحركة العمالية والذي انتصروا فيه على وزارة المالية، وهكذا بدأت العدوى في الانتقال من العمال الصناعيين إلى موظفي الخدمات حتى وصلت للأطباء والمدرسين وأعضاء هيئة التدريس والصيادلة والمحامين.
الخلاصة.. مصر كلها تحتج
في بداية 2007 بدأ الأطباء والمدرسين في عقد جمعيات عمومية ومؤتمرات سبقت تحركات عديدة من أجل إلزام الحكومة بتنفيذ وعد مبارك الاجتماعية بتطبيق كادر الأجور عليهم، حتى استطاعوا انتزاع ذلك.
وفي فبراير قام أعضاء هيئة التدريس بالدعوة لإضراب عام للمطالبة بزيادة أجورهم. وفي الشهر الماضي قام الصيادلة بإضراب عام عن العمل احتجاجا على تغيير طريقة محاسبتهم على الضرائب مما قد يعرضهم لتهمة التهرب الضريبي. وأثناء كتابة هذه السطور يحضر المحامين لإضراب عام احتجاجا على زيادة الرسوم القضائية عشرة أضعاف.
الطبقة العاملة ترتدي ثوب المعلم
انتقال العدوى شمل أيضا طرق وأساليب الاحتجاج. وكان موظفو الضرائب العقارية هم أول من نقل خبرة من زملائهم العمال الصناعيين في الاحتجاج عندما نصبوا خيام الاعتصام أمام مبنى رئاسة الوزراء، بعدما ملأ ذات المشهد الصور في إضراب عمال المحلة في سبتمبر 2007، ويذكر أن عمال المحلة كانوا أول من أرسل خطاب تضامن لموظفي الضرائب العقارية أثناء اعتصامهم. لكن موظفو الضرائب العقارية ابتكروا أساليبهم الخاصة والتي كان من شأنها زيادة تماسكهم على مطالب واضحة وأساليب محددة مثل إصدار نشرة نوبة صحيان المتحدثة باسمهم وتأسيس اللجنة العليا للاعتصام التي قادت الاعتصام ومفاوضاته وتحولت فيما بعد للجنة التأسيسية للنقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية.
متابعة العلاقات الواقعة في الحركة الاجتماعية بين تحركات المهنيين وتحركات العمال الصناعيين لا توضح انتقال عدوى الاحتجاج الحميدة فقط، إنما توضح نقل الأساليب الاحتجاجية.
خبرة خيام الاعتصام لم تنتقل فقط من عمال المحلة لموظفى الضرائب العقارية إنما اقتبسها الصيادلة أثناء إضرابهم عن العمل الشهر الماضي واعتصامهم في مقر النقابة العامة. وكما اكتسب موظفو الضرائب العقارية خبرة الخيام من عمال المحلة، فقاموا بإقراض المحامين، الذين انتصروا مؤخرا في إجبار الدولة على إعادة النظر في قانون رفع الرسوم القضائية لعشرة أضعاف قيمتها الحالية.
هذه اللقطات السريعة تؤكد أن الطبقة العاملة الصناعية دائما ما تكون الأقدر على تواصل نضالها حتي في سنوات الموات السياسي –التسعينيات- غير أنها نجحت على أرض الواقع في أن تكون المحرض الأول لكل الفئات الاجتماعية لانتزاع حقوقهم المسلوبة.