ما معنى إضراب مهزوم؟
من يوميات عامل مضرب بمصنع الضفائر الكهربائية

يعتبر السلاح الوحيد الآن أمام الطبقة العاملة هو الدخول فى إضراب للضغط على رؤساء مجالس الإدارات وأصحاب المصانع والحكومة للحصول على أقل قدر من حقوقهم في ظل قانون عمل مجحف وانحياز الدولة ومؤسساتها لطبقة رجال الأعمال والمستثمرين. وإذا ما نجح الإضراب فإنهم يتمكنون من الحصول على بعض الحقوق التي تتيح للعمال مساحة من التنظيم والتحرك بشكل سليم، وتعينهم على مواصلة المطالبة بالمزيد من حقوقهم المهدرة. أما إذا فشل الإضراب لسببٍ أو لآخر فسيكون فى انتظارك كعامل أبشع أشكال الهجوم المضاد الذي يتمثل فى رجوعك المصنع لتعمل بالسخرة بمعناها الحقيقى، وأن تلقَى عليك واجبات ولائحة وقواعد للعمل داخل المنشأة، وليس من حقك أبداً أن تسأل عن حقوقك أو أجرك، فسيرد عليك بالإضراب “خسرنا ملايين متطالبش بحاجة لمدة سنة أو لغاية ما نرجع زى الأول” أو “إحمد ربنا إن المصنع ما قفلش وأنه رجع يشتغل تاني”. وقتها ستعود للعمل لتجد الإدارة وقد جهزت لك قائمة بالمخالفات التي تستوجب الإنذار والخصم والفصل، وكلها بنصوص مواد قانون العمل (12 لسنة 2003).
كان هذا هو الحال فى مصنع الضفائر الكهربائية ببورسعيد بعد هزيمة الإضراب الذي بدأه عمال المصنع في 17 سبتمبر الماضي بعد أن فاض بهم الكيل نتيجة قيام إدارة الشركة باتخاذ سلسلة من الإجراءات التقشفية منذ مارس 2012، مدعية خسارة الشركة وانهيار مبيعاتها من ضفائر السيارات “الهوندا والتويوتا” في منطقة اليورو على الرغم من ارتفاع الإنتاج فى المصنع بصورة مضاعفة. فقامت الإدارة بالبدء في تشغيل وردية ثالثة بعد أن كان النظام المتبع في التشغيل هو وردتين فقط، وأتبعت ذلك بعروض تقدم للعمال بترك العمل مقابل الحصول على مكافآت، ثم التضييق على العمال لتخفيض العمالة بتقليل الأجور بنسبة 17% وكذلك تغيير خدمة نقل العمال للمصنع – القابع خارج مدينة بورسعيد – مما أدى إلى صعوبة الوصول للمصنع.
كل هذا أدى لدخول العمال في إضراب عن العمل واعتصام بالمصنع فى صباح يوم 17 سبتمبر استمر حتي 2 أكتوبر. خلال تلك الفترة تعرض العمال لحرب شرسة من الإدارتين المصرية والأجنبية، منها توقف صرف الرواتب وإرسال العديد من الشخصيات العامة والحزبية ببورسعيد للضغط على العمال لاستئناف العمل ثم التفاوض بعدها، وتقديم الإدارة بلاغات فيهم إلى النيابة تتهمهم بتخريب المصنع والآلات. وطرق العمال جميع الأبواب التي قد تساعدتهم في الحصول علي حقوقهم دون جدوى، إلى أن اجتمعوا مع “الأزهري” وزير القوي العاملة و”عبد الله” محافظ بورسعيد بحضور أعضاء حزب الحرية والعدالة و”أكرم الشاعر” و”محمد صادق” وممثلى هيئة الاستثمار ومديرية القوى العاملة ببورسعيد والاتحاد المحلي لعمال مصر المنحل.
وقام الوزير بالاتفاق مع اللجنة الممثلة للعمال على إخلاء المصنع وفض الإضراب مقابل التوسط وحل المشكلة والحصول على كافة حقوق العمال، ونتيجة لقلة خبرتهم والضغط المادي الناتج عن عدم صرف رواتبهم وافق العمال على فض إضرابهم واعتصامهم فى المصنع منتظرين تنفيذ تعهد الوزير الذي تنكر لهم فيما بعد، وكان كل ما فعله هو السماح بتشريد أكثر من 1200 عامل وعاملة مقابل صرف مكافأة مادية (تحت ضغط الترويج لإشاعة إغلاق المصنع وعدم عودته للعمل ثانيةً).
خطاب رأسمالي وقح لغسل مخ العمال
أما المتبقي من العمال والذين أصروا على عدم تقديم الاستقالات، فقد عادوا إلى العمل منذ أقل من شهر ليجدوا فى مواجهتهم خطاب رأسمالي فج يلقيه عليهم أحد المديرين الملتحين – على نفس طريقة الشيوخ الذين يحذرون من عذاب القبور بإعلاء صوتهم فى كلمات مخيفة – سمين يتقاضى راتب عشرة عمال أو يكاد يكون قد التهم العمال للتو، يمارس الوعظ مع العمال محاولاً أن يوصل لهم رسالة بأن ما قاموا به هو إضراب غير قانونى بسبب مطالب – على حد تعبيره – غير منطقية أو ضرورية، في وقت تتعرض فيه الشركة لأزمة مالية (مع العلم أن مصنع الشركة ببورسعيد شهد نمواً غير مسبوق فى الفترة الأخيرة بمجهود العمال وعرقهم، إلا أن الشركة قررت خصم 17% من رواتب العمال دون المساس برواتب المديرين) مخاطباً إياهم بأن الأب الذي يعطي لأبنائه الأموال يجب عليهم احتماله ومساعدته في وقت أزمته (مصوراً الأمر كما لو كان أصحاب العمل والإدارة هم من يعملون لينفقوا على العمال وليس العكس !!).
وأوضح أن الإدارة الأجنبية كانت ستغلق الشركة في مصر لولا تدخل الإدارة المصرية، ثم قام بربط ذلك بما تتعرض له مصر من تدهور اقتصادي قائلاً أن العمال يقومون بمساعدة الدولة من خلال الأموال التي يتم استقطاعها من رواتبهم – الضرائب والتأمينات وخلافه – لتتمكن الدولة من صرف رواتب للعاملين بقطاعاتها غير المنتجة كالتعليم مثلاً، وشدد على ضرورة التفاني والإخلاص في العمل لكى نساعد الدولة على تخطي تلك المحنة !! وطالب العمال بالصبر وشكر الله على النعم الأخرى التي وهبهم إياها غير المال، وطالبهم بالالتزام بلوائح وتعليمات الشركة كما حذرهم من تغيير الإدارة الأجنبية من الإنجليزية إلى اليابانية والتي لا تسمح بأى شكل من الأشكال بتعطيل الإنتاج.
احتفالات ببذخ رغم ادعاءات الخسارة
وتعاود الشركة وإدارتها بعد ادعاءات خسارتها 108 مليون جنيه بسبب الإضراب لتعلن عن إقامتها احتفالية كبيرة بالمصنع للاحتفال بعودة الإنتاج بالشركة تحت شعار ” إعادة ولادة الشركة “، قامت فيه إدارة الشركة بتقديم الدعوة إلى المحافظ ومدير مكتبه ومدير هيئة الاستثمار وكبار موظفيها، وكذلك بعض أعضاء حزب الحرية والعدالة وحزب النور – الذين قاموا بزيارة المصنع والتحدث مع العمال فى الأيام الأولى للإضراب وأعلنوا تضامنهم ثم ظهر انحيازهم الواضح فيما بعد لمدير المصنع ” أحمد مجدي ” – وذلك في وجود كل أعضاء الإدارة المصرية الذين طالب العمال في إضرابهم برحيل الكثير منهم لتسببهم في تكبد الشركة مصاريف وامتيازات لا داعي لها، وكذلك لما كان يلقاه العمال من معاملة سيئة منهم تكلفت هذه الاحتفالية الآلاف من الجنيهات فى إطلاق الصواريخ و- البالون شو، للترحيب بالضيوف، وكذلك في الهدايا والشيكولاتة التي تم توزيعها على الجميع. وقامت الشركة بعمل علم كبير وطالبت العمال بالإمضاء عليه، وألقى مديرا المصنع (المصرى واليابانى) كلمات قصيرة تحث العمال على الوقوف بجانب الشركة لاستعادة وضعها وتحقيق مركز أفضل شركة لإنتاج ضفائر السيارات في 2013 وذلك بمزيد من الجهد والعرق والصبر دون أى كلمة عن تحسين وضع العمال أو تحقيق مطالبهم.
هذا هو ما تتعرض له الإضرابات العمالية المهزومة، والمكسب الوحيد فيها هو تطور وعي العمال رغم الهزيمة والإحباط، فإذا كنا نحكي تجارب نضالات ومعارك الطبقة العاملة للتعلم من انتصاراتها، لابد وأن نذكر أيضاً تجارب الإضرابات المهزومة، للاستفادة من أخطائها والتركيز على أهمية التنظيم في صفوف الطبقة العاملة، تلك الضرورة الملحة التي تظهر في موقف قوي أمام ضربات رجال الأعمال وسياسة مرسى وجماعته وحكومته التي تنحاز لهم، وضرورة التواصل فيما بينها لتحقيق الإنتصارات، وكذلك دور النقابات والكيانات المهتمة بنضال العمال في تقديم التوعية للعمال بشكل مستمر ليكونوا على استعداد لمواجهة الأزمة الإجتماعية التي ستمسهم في الفترة القادمة.