بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

عمال مصر بين عيدين:

معارك النفس الطويل.. الإضراب والاعتصام والتضامن في مواجهة قمع السلطة

في التقرير السنوي للمركز التنموي الدولي أشار أنه “على الرغم من انتهاء عام كامل لثورة بدأت فى مطلع2011 شارك فيها أغلبية الشارع المصري، وتبعوها بحراك احتجاجي عبروا فيه عن مختلف مطالبهم، إلا أن عام 2012 شهد 2532 احتجاجا تقريبا، بمتوسط 630 احتجاجا خلال 3 أشهر، و211 احتجاجا شهريا، و7 احتجاجات يوميا، بمعدل ارتفاع عن عام 2010 بنسبة 20%”. يضيف التقرير أن “الأيدي العاملة المصرية بمختلف قطاعاتها، كانت المحرك الأول للحراك الاحتجاجي، تلاهم الأهالي والمواطنون ثم النشطاء السياسيون والحقوقيون”. لم ترى الدولة بمؤسساتها القمعية سوى النشطاء السياسيين لتنعت هذه الاحتجاجات بـ”الممولة” و”العميلة” والهادفة لهدم الاقتصاد “المنهوب”!.

إن 365 يوم هي الفترة الزمنية الكافية لتقييم نضالات القطاعات العمالية المختلفة (الأطباء وإضرابهم، وعمال الموانيء من السويس إلى الإسكندرية، وعمال قوطة.. إلخ) ما بين انكسارات عمالية ونجاحات ساحقة، وما بين إضرابات أصبحت في طي النسيان وأخرى احتاجت فقط إلى 3 ساعات للإطاحة برؤوس الفساد وفرض الإرادة العمالية لتوصف بأنها الأسرع تأثيرا، مثلما حدث في إضراب سائقي المترو الأخير، في ظل قمع أمني لم يختلف كثيرا عن سابقه، بل دخول الجيش كطرف أصيل سواء في فض الإضرابات أو الاعتصامات أو حتى بالجلوس على طاولة المفاوضات عندما تعجز البيادة عن الحل الأمني.

سنستعرض فيما يلي نضالات الحركة العمالية وأهم محطاتها.

الجيش هو الحل الأول للإخوان
ليس جديدا ولا مستغربا دخول الجيش كطرف في أي صراع عمالي قائم ضد رأس المال (السلطة ورجال الأعمال) إلا لحماية المصالح الكبرى لكبار الجنرالات وحماية نسبة الـ 40% من إجمالي سيطرته على الاقتصاد المصري، ليس هناك أدل من ذلك سوى محاصرته لعمال موانيء العين السخنة وتواطؤ القيادات العسكرية لصالح شركة دبي للموانئ العالمية. بل وصل الأمر إلى حد التعبئة العامة لسائقي القطارات في محاولة منه لكسر الإضراب البطولي وإحالة الممتنعين منهم للمحاكم العسكرية. حتى عمال النقل العام في إضرابهم الأخير، أطلت علينا المؤسسة العسكرية بوجهها القبيح لتعلن عن نزول أوتوبيسات القوات المسلحة للعمل (كبديل) للأوتوبيسات المضربة عن العمل، وكذلك تهديد عمال الترسانة البحرية بإحالتهم للمحكمة العسكرية.

يمكننا تحليل هذه الظاهرة من شقين:
– الأول ويتعلق بمحاولة تقديم القوات المسلحة والمؤسسة العسكرية نفسها في صورة المنقذ (سوبرمان الشعب)، في ظل أزمات النظام المتلاحقة يصبح من الجيد تقديم  في ظل إفلاس القوى اليسارية وانتهازية المعارضة الليبرالية.

– الثاني ويتصل بالمحاولة السريعة والعاجلة لامتصاص أي غضب شعبي محتمل ومرتقب ينتج عن حدوث هذه الأزمة أو هذا الإضراب بمحاولة احتواء الوعي قبل أن يستفحل ويطرح سؤال لماذا هذا القطاع مضرب عن العمل؟. ليس هناك أدل على ذلك من انتفاضة عمال المحلة عام 2008 وتبني العمال لمطالب اجتماعية تخص أهالي المحلة أنفسهم مما أدى إلى تضامن جماهيري ساحق مع العمال، والنتيجة صورة المخلوع مبارك تحت الأقدام.

إن الإخوان المسلمين يبدأون بالخطوة الأخيرة التي يلجأ لها أي نظام في حالة الانهيار، وهي الاستعانة بالجيش.

عمال الجامعات المصرية: “التعليم مش أستاذ ومش طالب.. العمال في نفس القارب”
في 18 سبتمبر أعلن ممرضو ومساعدو أطباء مستشفيات جامعة الزقازيق  إضرابهم عن العمل، أما إدارة مستشفيات الجامعة فاستقبلت هذا الخبر بتكليف طلبة الامتياز بطب الزقازيق للعمل بالمستشفيات لسد العجز. في هذا الوقت كان الممرضون يخوضون نضالاتهم موحدين جهودهم ما بين مستشفيات جامعة الزقازيق ومستشفى صيدناوي التابعة أيضا لجامعة الزقازيق، بينما خاض الطلاب الاشتراكيون الثوريون النضال معهم متعرضين في نفس الوقت إلى كم من المضايقات الأمنية انتهت بالقبض على كاتب هذا المقال، لم يقتصر التضييق الأمني عند هذا الحد بل امتد أيضا إلى الممرضين فتم القبض يوم 24 سبتمبر من قبل زوار الفجر على سبعة من العاملين بتمريض مستشفيات الزقازيق عقب حضورهم اجتماع مع مدير مستشفيات الجامعة للتفاوض حول مطالبهم.

أما بالنسبة لجامعات عين شمس والقاهرة والإسكندرية فلم تكن الأوضاع أفضل من مثيلاتها، ففي جامعة عين شمس أغلق العمال صبيحة يوم الأحد 24 مارس الباب الرئيسي للجامعة من أجل الضغط على إدارة الجامعة لتحقيق مطالبهم المتمثلة برفع الحافز ومناديين في نفس الوقت بالعدالة الاجتماعية وتطهير الجامعة من بؤر الفساد المستوطنة، وكعادتهم تواجد الطلاب الاشتراكيون الثوريون في خضم المعركة معلنين عن تضامنهم الكامل مع العمال.

النضال العمالي في الجامعات المصرية لم يتوقف عند هذا الحد، ففي جامعة القاهرة تظاهر العشرات في 24 مارس للتأكيد على حقهم في تثبيت العمالة المؤقتة ودعم المشاريع الصحية، وفي جامعة الإسكندرية نظم موظفو الجامعة وقفتهم الاحتجاجية للمطالبة بحقوقهم المنهوبة من قبل الإدارة الفاسدة.

ومن الملاحظ في الحركة الجامعية أن نضال عمال الجامعات المصرية قد أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بنضال الطلاب منذ انتفاضة 1946 عقب المؤتمر الطلابي العمالي بجامعة القاهرة وتشكيل ما يسمى بـ “اللجنة الوطنية للعمال والطلبة”. فالاثنين ضحية لانتهازية الرأسمالية وتحايلها، وهو ما برز في الحراك الحالي.

إضراب الأطباء.. انتصار للمرضى قبل أي شيء
في الأول من أكتوبر الماضي أعلن الأطباء بداية الإضراب والذي استمر 82 يوما لتحقيق 3 مطالب في سبيل تحسين منظومة الصحة المصرية وهي: رفع ميزانية الصحة لحد أدنى 15% من الموازنة العامة للدولة وإقرار قانون كادر مالي وإداري للفريق الطبي وتأمين المستشفيات.

بدأ نضال الأطباء بشكل تنظيمي تحديدا من 2007 عندما تشكلت حركة أطباء بلا حقوق كنقابة فعلية للأطباء عوضا عن النقابة الرسمية المجمدة منذ انتخابها عام 1991. وفي أبريل الماضي انعقدت جمعية عمومية عادية للأطباء، وتم عرض مشروع الكادر المقدم من نقابة الإسكندرية (تيار الاستقلال) وانتهت إلى تبني النقابة العامة لمشروع الكادر وتشكيل لجنة تفاوض مع الحكومة بخصوصه. إلا أن اللجنة التي انفرد بها الإخوان المسلمون لم تقدم أي جديد سوى المزيد من الوعود والمماطلات. فتمت الدعوة إلى جمعية عمومية طارئة في 21 سبتمبر الماضي،  للدعوة إلى الإضراب الجزئي الذي لا يشمل أي خدمة طارئة أو حرجة يؤدي توقفها إلى تهديد حياة المريض، وذلك في الأول من أكتوبر. وهذا القرار لم يعارضه مجلس النقابة الإخواني الذي أُجبر على الانحناء أمام موجة الاحتجاج الاجتماعي للأطباء.

وعلى الرغم من عدم اعتراف مجلس النقابة بلجنة الإضراب كلجنة شرعية، إلا أن اللجنة مارست دورها في تنظيم الإضراب بفاعلية مستندة إلى قوتها الفعلية على الأرض وتجذرها في أوساط الأطباء وانخراطها في نضالاتهم اليومية الصغيرة يتقدمهم في ذلك الأطباء الاشتراكيون الثوريون.

لقد أشارت الإحصائيات الصادرة عن لجنة الإضراب بأن أعلى نسب للإضراب كانت في محافظات (القاهرة- سوهاج- الدقهلية- مطروح- الغربية- الإسكندرية) وذلك بسبب استقلال النقابات ووجود لجان لتنسيق الإضراب، أما (الأقصر- أسوان- المنوفية- الشرقية- أسيوط- بني سويف- المنيا) فكان الإضراب أقل قوة لعدم نشاط القيادات المستقلة وصعوبة الاتصال بين اللجنة العليا وبين هذه المحافظات، أما كلا من (الجيزة – الفيوم) فقد وصلت نسبة الإضراب إلى 40%.

لم يخوض الأطباء معركتهم ضد السلطة وإعلامها الكاذب فقط واللذان اتهما الأطباء المضربين بالأنانية مستغلين في ذلك تأليب المرضى عليهم، بل خاض الأطباء معركتهم أيضا ضد مجلس إدارة النقابة (الإخوانجي) الذي اكتفى بدوره البائس لإضراب ناجح على حد وصف أحد الرفاق.

مجلس الإدارة ذلك، الذي أصابه ما أصابه في اجتماع الجمعية العمومية الأخير يوم 29 مارس، فعلى الرغم من تمرير موازنة النقابة لعام 2011- 2012 وسط أغلبية إخوانية حاضرة، فإنه اتخذ موقفا دفاعيا، بالرغم من المخالفات المالية والإدارية الفاضحة والتي أوضحتها ممثلة الجهاز المركزي للمحاسبات.

إن إضراب الأطباء سواء اتفقنا على نجاحه أم لا، فإن من أهم الدروس المستفادة هو دور النقابات الفرعية في المحافظات تلك (الكوميونات الصغيرة) التي تقمصت دور لجنة الإضراب العامة، حيث ظهرت أهمية التنظيم في نضال العمال.

كل التحية لإضراب أطباء “الصحة أولا”.

عمال الموانئ.. من السويس إلى الإسكندرية النضال واحد.. والقمع أيضا واحد
شهد عام 2012 نضالا مميزا ومن نوع آخر وهو تصاعد الاحتجاجات العمالية في الموانيء البحرية بدءا من إضراب عمال السخنة من أجل إقرار الأرباح وبدل المخاطر في 12 فبراير الماضي مرورا بنضال عمال السويس للشحن والتفريغ الآلي إلى إرهاب الجيش لعمال الترسانة البحرية بالإسكندرية.

إن المتابع الدقيق لهذه الإضرابات يمكنه الخروج بأن مطالب عمال الموانيء وإن اختلفت مواقعهم من مدن القناة حتى عروس المتوسط، سيجد أنها تتلخص في تثبيت العمالة المؤقتة والحصول على أرباح السنة الماضية، كما في اعتصام عمال الترسانة البحرية وإضراب عمال ميناء السخنة أو في نضال عمال السويس للشحن والتفريغ من أجل رفع نسبة بدل المخاطر وصرف المستحقات المتأخرة.

وكالعادة أطلت علينا المؤسسة العسكرية لتواصل قمعها، فمن حصارها لعمال بلاتينيوم السخنة حيث استطاع فيها الرفاق الاشتراكيون الثوريون اقتحام الحواجز والوصول إلى قلب العمال المحاصرين معلنين تضامنهم الكامل ومقدمين في نفس الوقت الصورة الكاملة لإضراب تم تشويهه في وسائل الإعلام الخاصة منها والحكومية، والتي صورت الإضراب على أنه محاولة لتخريب ووقف عجلة الإنتاج، وتصوير العمال على إنهم من أتباع الفريق أحمد شفيق!.

لتواصل بعدها آلة القمع العسكرية تصديها لمطالب العمال المشروعة إلى حد تهديد العمال بفض الاعتصام أو إحالتهم إلى المحاكمات العسكرية كما حدث مع عمال الترسانة البحرية.

في إضراب العين السخنة تدخل الجيش كجهة تفاوض ليس على مطالب وحقوق العمال المضربين عن العمل ولكن من أجل فك الإضراب، فإضراب عمال السخنة يكلف الشركة المالكة لحق الانتفاع، شركة موانيء دبي العالمية، 30 مليون جنيه خسائر يوميا، وتصبح إذن مصالح كبار القادة العسكريين مهددة في حالة توقف الملاحة وعمليات الشحن والتفريغ.

من بورتلاند إلى السكة الحديد.. قمع العمال يبدأ بالكلاب وينتهي بقاضي عسكري
لم يحتاج محمد مرسي ونظامه البائس ليثبت أنه نسخة طبق الأصل من نظام مبارك في سياساته المعادية للعمال أكثر من مجموعة من الكلاب البوليسية تم استخدامهم لاقتحام مصنع أسمنت بورتلاند بالإسكندرية، فبينما كان العمال يؤدون صلاة الفجر، فوجئوا بمجموعة من الكلاب البوليسية الحيوانية تنهش في أجسادهم فما كان منهم إلا القفز من الأدوار العليا، مما أدى إلى إصابة الكثير من العمال بكسور عديدة فضلا عن القبض على 18 عاملا تم احتجاز معظمهم بالعناية المركزة. قامت بعدها نيابة محمد مرسي بحبس 18 عاملا احتياطيا في موقف أقل ما يوصف بأنه عبارة عن تحالف بين خنازير الداخلية وقذارة القضاء المنبطح، لم يتم الإفراج بعدها عن العمال إلا بعد دفع كفالة مقدارها 5 آلاف جنيه عن كل عامل.

المثير للاشمئزاز أن النيابة قامت بالاستئناف ضد هذا الحكم متهمة إياهم باحتجاز رهائن وتعطيل الاستثمار!.

إن إضراب عمال السكك الحديدية يذكرنا بإضراب عمال القطارات عام 1931، الذي شهد اشتباكات عنيفة مع الشرطة سقط بها قتلى وجرحى، وإصدار إسماعيل صدقي باشا، حليف حسن البنا آئنذاك، قراراته الصارمة بفصل 400 عامل، وحل النقابة. لكن النهاية انعكست سياسيا بسقوط صدقي نفسه.

كذلك الإضراب الأكثر شهرة في تاريخ الحركة العمالية المصرية لسائقي السكة الحديد عام 1986 فقد جاء حكم المحكمة كالآتي: “والمحكمة وقد استقر في وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان ليحدث من تلك الفئة من العمال، وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية، إلا عندما أحست بالتفرقة في المعاملة، والمعاناة الحقيقية للحصول على ضروريات الحياة، لتهيب بالدولة العمل على سرعة رفع المعاناة عن كاهل فئات الشعب المختلفة، حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء”.

كانت هذه الكلمات هي نص الحكم التاريخي، الذي أصدرته محكمة أمن الدولة العليا طواريء على 37 متهما من سائقي القطارات، الذين نظموا أكبر وأشهر إضراب في تاريخ قطارات مصر، كان هذا الإضراب في عام 1986.

لم تتعلم السلطة الإخوانية المباركية من التاريخ ولا من نضال عمال السكة الحديد  فمنذ عام 1931 حتى 2013، واصلت السير بكل غرورها متوهمة في نفس الوقت أن ذراعها الأمني قادر على فرض استقرار مزعوم حتى لو كان ذلك على حساب دماء عمال السكة الحديد.

استكمالا لنضال سائقي القطارات منذ إضراب عام 1931، وبعد محاولات من الشد والجذب بين النقابة المستقلة ووزارة النقل انتهت جميعها بالفشل، لتعلن بعدها النقابة عن بدأ الإضراب يوم الثلاثاء 8 أبريل 2013.

امتد الإضراب وبنجاح ساحق من الاسكندرية إلى أسوان، لم تستطع خلاله الدولة سوى اللعب على مشاعر السائقين المضربين بصرف مكافأة 300 جنيه للسائقين الغير مضربين في محاولة لكسر الإضراب، لتقرر بعدها نقل 100 سائق إلى إدارة النقل في الجيش داخل مركز التعبئة لمدة يوم بدون أي طعام أو شراب. أما الجيش فمارس دوره الاعتيادي ولكن بشكل أكثر سفورا وفجاجة هذه المرة حيث أمر بالقبض على 16 سائق منهم 13 من طنطا وإحالتهم للمحاكمة العسكرية، وإعلان التعبئة العامة للسائقين في مخالفة صريحة للقانون، وإلزام السائقين بالعمل بالقوات المسلحة بالصفة العسكرية ومن يتخلف عن ذلك فإنه يعاقب بالحبس 6 أشهر أو غرامة تصل إلى 5 آلاف جنيه أو كليهما.

وبرغم ذلك صمم السائقين على التمسك بمطالبهم الخاصة في البدل الإضافي وزيادة حافز الكيلومتر من 11 قرش إلى 25 قرش. وبعد يومين من الاعتصام، انهزمت السلطة بكل أذرعها أمام صلابة العمال المضربين، ووافق وزير النقل على كل مطالبهم، وتم تشكيل لجنة بها ممثلي السائقين لمراجعة هيكل الأجور بالهيئة كلها، على أن تبدأ الأجور الجديدة من 1 يونيو القادم.

قوطة.. انكوباب.. ايديال ستاندرد.. ابحث عن النقابة أولا
تجارب الإدارة الذاتية في المصانع كانت خير خاتمة لنضال الطبقة العاملة في 2012، ما بين تطبيق للتجربة كما حدث في مصنع قوطة للصلب بمدينة العاشر من رمضان أو المحاولات الحثيثة التي يبذلها عمال انكوباب من أجل استصدار قرار من النائب العام بتعيين مفوض لإدارة المصنع.

لقد قدم عمال قوطة للصلب الروشتة الذهبية لكيفية الإدارة الذاتية، فبدءا من الاعتصام داخل المصنع مرورا بحصارهم لمكتب النائب العام حتى انتزاعهم أخيرا الحكم التاريخي من محكمة الزقازيق الابتدائية في أغسطس الماضي والذي يقضي بتكليف المهندس محسن صالح بإدارة المصنع ممثلا عن العمال.

أكثر من سنة ونصف هي حصيلة نضال عمال قوطة للصلب، والنتيجة مجلس إداري عمالي منتخب من العمال، وعمال مستعدين للتضحية لدرجة تبرعهم بنصف مرتباتهم  من أجل شراء المواد الخام (البليت) وتسديد الديون البالغة 17 مليون جنيه لشركة الغاز و6 مليون جنيه للكهرباء.

في قوطة للصلب على الرغم من كون رئيس النقابة ذو ميول إخوانية إلا أن ذلك لم يمنعه من تبني مطالب العمال وقيادة النضال حتى النهاية.

أما انكوباب  فبعد هروب المستثمر بقروض من البنوك فإنه لم يكتفِ بذلك بل عمد إلى تطفيش العمالة وإغلاق الشركة  لتتوقف بشكل كامل اعتباراً من ٣٠يناير 2011، خاض بعدها عمال انكوباب حربا ضروسا ضد النائب العام الحالي المتعنت في إصدار قرار بتفويض العمال لإدارة المصنع، إلا أن المحاولات جوبهت بالرفض تارة والتعنت تارة، متعللا في ذات الوقت بضرورة إجراء التحريات اللازمة لإثبات إهدار المستثمر الهارب للمال العام.

في ايديال استاندرد أعطى العمال درسا بالغ الأهمية في التكاتف والترابط بين العمال وأفراد النقابة المقام ضدهم دعاوي فصل من قبل الإدارة حيث تبنت النقابة العامة لعمال ايديال لمطالب العمال الخاصة بصرف بدل المخاطر والحصول على نسبة الإجازات كما ينص القانون. إن ايمان العمال وقناعتهم الداخلية بضرورة التضامن والوقوف على قلب رجل واحد مع النقابة نابع بكونها الحصن الأول والأخير لهم ضد استغلال الإدارة وتعنت مشرفين الأقسام، لم يحتج الأمر كثيرا لقياس شعبية النقابة ليهتف العمال من أمام محكمة بلبيس العمالية حيث تنظر دعاوى الفصل بأن “عمال ونقابة إيد واحدة”.

ولعل أبرز المعوقات التي واجهت العمال في مجال الإدارة الذاتية هي:
– انحيازات نظام الإخوان المسلمين الذي يجلس إلى جانب المستثمرين، وسعيه إلى مصالحة رموز النظام السابق من كبار رجال الأعمال. هذا النظام يدرك خطورة ما يطالب به العمال ويعتبره مناقضاً تماماً لتوجهاته الاقتصادية واتفاقاته مع المؤسسات الدولية التي ترفض بوضوح أي تدخل للدولة في عملية الإنتاج.
– ضعف ثقة العمال في قدرتهم على إدارة مصنعهم في ظل مناخ معادي بشدة، وفي ظل محاربة كافة أجهزة الدولة لهم، بالإضافة إلى العادات التي اكتسبها العامل لمقاومة صاحب العمل من تباطؤ وتأخير متعمد.. إلخ، تظل موجودة عند قطاع من العمال لفترة.
– صعوبة تقنين أوضاع العمال، وفي معظم الأحوال يتم الحصول على حق بتشغيل المصنع مؤقتاً لمدة عامين مثلاً، مما يجعل العمال يشعرون أنهم في مرحلة انتقالية لا تتسم بالاستقرار.