بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

معركة الأطباء مستمرة

شهدت بداية عام 2008 تطورات سريعة ومتلاحقة في ملف أجور الأطباء وسعيهم للحصول على كادر خاص بهم. فقد تمكن الأطباء من حشد قواهم و تنظيم صفوفهم في جمعيتهم العمومية غير العادية، التي انعقدت في أول فبراير الماضي، واستطاعوا بحضور تجاوز الخمسة آلاف طبيب – هذا غير من تم منعهم من الوصول إلى مقر النقابة من قبل أفراد الأمن – إقرار مطالب الأغلبية الساحقة من الأطباء بالبدء في اتخاذ خطوات جديدة للحصول على كادر جديد خاص بهم .

تضمنت هذه القرارات خطوات تصعيدية تهدف إلى جذب الرأي العام و كسب التعاطف الشعبي مع مطالب الأطباء، هذا بالإضافة إلى حشد وتعبئة الأطباء في كل محافظات الجمهورية. ومن ضمن قرارات هذه الجمعية العمومية غير العادية كان تكليف مجلس النقابة بإعداد قانون للكادر يبدأ بـ 1000 جنيه كحد أدنى للراتب الأساسي للطبيب، واستمرار انعقاد الجمعية العمومية الطارئة في 21/3/2008 بدار الحكمة ، و25/4/2008 في نقابة الأطباء ببني سويف، و 9/5/2008 في نقابة الأطباء في طنطا ، هذا غير العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام مجلس الشعب وانتهاءً بإضراب جزئي كان مقرراً له يوم السبت 15/3/2008.

هذا التصاعد في الأحداث لم يأت وليد الصدفة كما صرح الدكتور حسين عبد الفتاح أحد أعضاء حركة أطباء بلا حقوق، ولكنه كان نتاج عمل شاق ومجهود دءوب لحشد الأطباء من أجل قضية الكادر وذلك منذ الجمعية العمومية السابقة في فبراير 2007. هذا بالإضافة بالطبع إلى تأثيرات الحركة الاجتماعية المتصاعدة في مصر منذ نهاية 2006 ، والتي لم يكن من الممكن أن يظل الأطباء في منأى عنه خاصة فى ظل التصاعد الرهيب و الجنوني للأسعار وثبات الرواتب.

كانت ” أطباء بلا حقوق” هي المحرك الأساسي في تطوير مسار الأحداث في العام الماضي. وهي تمثل تكويناً نشأ من مجموعة من الأطباء يجمعهم الاتفاق على أن الإهدار الحالي لحقوق الأطباء والمهنة قد وصل لدرجة لا يمكن السكوت عنها. لذا فقد قرروا أن يشكلوا أسرة نقابية تسعى للعمل بالتعاون مع نقابة الأطباء ومع كل من يمد لهم يد العون من أجل توحيد صفوف الأطباء لاسترداد حقوقهم الضائعة والنهوض بأنفسهم و مهنتهم، وذلك حسب البيان التأسيسي المعلن على موقعهم الرسمي.

لكن الأحداث أخذت منعطفا هاماً مع اقتراب موعد الإضراب الجزئي، والذي مقرراً في 15 مارس الماضي. فبالرغم من أنه كان مفترضاً أن يكون الإضراب رمزياً، حيث يمتد لمدة ساعتين فقط من 9 إلى 11 صباحاً، وأن يقتصر فقط على العيادات الخارجية وأن يستثني أطباء الطوارئ والاستقبال و الحالات الحرجة وعمليات الولادة، و الحضانات والعناية المركزة إلا أنه مع ذلك أثار العديد من المخاوف لدى وزارة الصحة ورئاسة الوزراء، والتي اصدر رئيسها تصريحاته الشهيرة حول تعرض الأطباء للمسائلة القانونية والإدارية في حالة إضرابهم استنادا لقرارات رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد بضم المستشفيات إلى قائمة المنشآت الإستراتيجية والحيوية التي يترتب على توقف العمل بها الإخلال بالأمن القومي أو الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين وذلك وفقاً للمادة 194 من قانون العمل لسنة 2003 .

كان الرد الرسمى من قبل النقابة هو الرضوخ أمام تهديدات الحكومة، واتخاذ قرار بتعليق الإضراب بدعوى الخوف على الأطباء، واتخاذ خطوات اخرى للتصعيد من ضمنها وقفات احتجاجية، واعتصامات بالنقابة الأساسية و النقابات الفرعية كما هدد النقيب حمدى السيد بالاستقالات الجماعية من وزارة الصحة.

فى الجانب المقابل كان رد أطباء بلا حقوق أكثر قوة حيث أصدروا بياناً قوياً نددوا فيه بموقف النقابة المتخاذل ورضوخها أمام تهديدات وزير الصحة ورئيس الوزراء كما أعلنوا أن قرار مجلس النقابة بإلغاء الإضراب هو قرار غير شرعي لأن قرار الإضراب هو قرار جمعية عمومية (أعلى سلطة في النقابة) وبالتالي لا يحق إلغاؤه إلا بقرار جمعية عمومية جديدة. كما شكك أطباء بلا حقوق في شرعية قرار رئيس الوزراء السابق في حرمان المستشفيات بالإضافة للمواني والسكك الحديد والمطارات من حق الإضراب وذلك بدعوى أنها قطاعات حيوية. ويتعارض ذلك مع الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي وقعت عليها مصر بموجب القرار الجمهوري 537 لسنة 1981 . وضرب الأطباء في بيانهم مثلا بموظفي الضرائب العقارية الذين أضربوا واعتصموا أمام مجلس الوزراء لمدة 11 يوم حتى حصلوا على حقوقهم كاملة دون أن يناقش أحد مدى شرعية هذا الإضراب.

ومن هنا فقد بدءوا في الدعوة لاعتصام تبادلي بنقابة الأطباء يبدأ من يوم 15 مارس وهو موعد الإضراب المعلق إلى يوم 21 مارس المقرر فيه عقد الجمعية العمومية العادية وطالبوا عموم الأطباء بالمشاركة في الاعتصام والاحتشاد في موعد الجمعية العمومية .

وجاء موعد الجمعية العمومية في 21 مارس، ورغم الحضور الكبير الذي شهدته الجمعية، إلا أن قراراتها كانت أقل بكثير من المتوقع. فقد تم رفض اقتراح الدكتور جمال حشمت بتعليق عضوية وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي بناء على موقفه ضد زملائه، وذلك بدعوى أن مثل هذا القرار ليس من سلطة الجمعية العمومية. كما تجاهلت الجمعية مطالب الكثير من الأطباء بالإضراب وجاءت تلاوة القرارات والتصويت عليها بشكل سريع مما لم يعط فرصة لبحث القرارات، أو تعديلها.

غير أن الأمر المؤكد أن معركة الأطباء لم تنته بعد. فطالما ظلت الأجور عند هذا المستوى، واستمر حال المهنة على هذا النحو البائس، وطالما استمرت حركة الاحتجاج في مصر، يصعب أن نتصور أن يرضى الأطباء بالظلم الراهن أياً كانت التهديدات.