رغم انتصارهم الساحق على وزارة المالية.. المعركة مستمرة
موظفو الضرائب العقارية يعلنون نقابتهم المستقلة
بعد رحلة نضال استمرت لأكثر من عشرة أعوام، وسلسلة طويلة من الوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات، كان أخرها الاعتصام البطولي في شارع حسين حجازي، بالقصر العيني، والذي استمر لـ11 يوما كاملا، انتصر موظفو الضرائب العقارية، انتصارا ساحقا، وحصلوا على جزء مهم من مطالبهم، بضمهم رسميا إلى وزارة المالية ومساواة العاملين بالأقاليم مع زملائهم العاملين بالمصلحة في القاهرة.
وفي وسط الاحتفالات والأفراح بالنصر، وجدت اللجنة العليا للإضراب (التنظيم القاعدي الديمقراطي الذي أخذ على عاتقه خلال فترة الإعداد للاعتصام، وخلال الاعتصام نفسه، مهمة الحشد وأخذ المبادرات والتفاوض)، وجدت هذه اللجنة نفسها بعد فض الإضراب، مستمرة في التفاوض من أجل وضع قواعد منصفة لصرف نسبة الـ250% التي حصل عليها الموظفين نتيجة الإضراب.
وخلال هذه العملية واجهت هذه اللجنة تساؤلات تتعلق بوجودها ذاته: هل من معنى لاستمرار انعقادها بعد فض الاعتصام؟ وإذا كانت هناك ضرورة لذلك، فما هي المهام الملقاة على عاتقها؟ وما هي آلية استمرارها؟ والأهم من ذلك تحت أي شكل؟ جمعية؟ رابطة؟ أم نقابة مستقلة عن الاتحاد العمالي الخائن؟
يقول القيادي كمال أبو عيطة: «تمت تسويتنا بالعاملين بالمصلحة، كان هذا نصرا هاما ولكنه لم يكن كافيا. كنا نريد أن نستمر في العمل حتى يتم تسويتنا بمصلحة الضرائب المصرية. وكنا نريد أن نعمل على مواجهة سياسات الدولة الموجهة ضد الموظفين بشكل عام، والمتمثلة في حزمة من مشاريع القوانين التي ستقضي على كل مكتسبات هذه الطبقة، مثل قوانين التأمين الصحي والتأمين الاجتماعي والوظيفة العامة. وكذلك كنا نريد العمل من أجل الحصول على مطالب جموع العاملين بأجر، كضبط الأسعار وخوض معركة الحد الأدنى من الأجور».
ويضيف: «ببساطة كنا نقوم ولدينا رغبة في الاستمرار في أداء الدور الحقيقي للنقابة، فوفقا للتعريف فإن النقابة هي «التي تقوم بالدفاع عن العاملين وتعمل من أجل تحسين شروط العمل». أي أننا كنا نقوم بدور «الموظف الفعلي»، وهو مصطلح قانوني يؤسس لشرعية من يقوم بمهمة ما في غياب المكلف بتأديتها. ولقد خاض موظفي الضرائب العقارية تجربة طويلة مع النقابات «الرسمية» وعرفوا أنها لا تقف في صفهم، في نفس الوقت الذي أصبحت «اللجنة العليا للإضراب» في عيونهم، هي النقابة «الحقيقية» التي تمثلهم. وبالتالي كان قرارنا بالإعلان في 1 مايو 2008 عن تحول هذه اللجنة إلى «نقابة عامة مستقلة لموظفي الضرائب العقارية»، مجرد قرار كاشف، فالقرار الحقيقي كان قد اتخذ من قبل على الأرض خلال النضال».
وفور هذا الإعلان، بدأت التحركات على عدة أصعدة: رحلات مكوكية للقيادات في المحافظات للتعبئة للفكرة، جمع توقيعات للعاملين بالمأموريات المختلفة، تقديم استقالات من التنظيم النقابي «الرسمي»، كما بدأ التفكير في طريقة منح الكيان «الشرعية»، وهناك أفكار بشأن إعلان وزارة التضامن بتشكيلها، أو اللجوء للقضاء.
وإن كان النقابي المخضرم مكرم لبيب يتفق مع هذه الخطوة قائلة: «نحن لا نحتاج لأي إعلانات.. فالمولود قد ولد بالفعل.. وهو ينمو.. وقد يتكاثر». إلا أنه لا يحبذ أخذ هذه الفكرة باستخفاف لأن «النظام لن يسمح بنجاح هذه التجربة إلا بالدم، لأنه يعلم جيدا أن نجاحها في الضرائب العقارية، سيجعلها تتكرر في أماكن أخرى. وهو ما يعني نهاية هيمنة الاتحاد الرسمي. أي الأداة التي يسيطر بها النظام على الحركة العمالية».
«من ناحية أخرى عملية تجميع الموظفين عملية شديدة الصعوبة، فهم منتشرين في أرجاء الجمهورية. وهم ليسوا فقط متناثرين، ولكن أفكارهم أيضا متباينة. وطالما حصلوا على مصلحتهم المباشرة سيكون من الصعب إقناعهم بالتحرك من أجل مطلب أعلى. نجاح هذه الخطوة، يحتاج لنظام وعمل من نار. بعد ذلك لو وجدنا أن غالبية الموظفين موافقة على العمل من أجل استقلالها النقابي، نحارب من أجل تحقق ذلك. فالمهم أن لا نسعى وراء مطلب أعلى من الناس. نتواجد دائما بينهم، حتى يصلوا بخبرتهم إلى أهمية الاستقلال النقابي، عندها فقط ستكون المعركة ممكنة».
القيادي العمالي محمد عبد السلام والنقابي بشركة شندلر بحلوان، يؤكد على تضامنه التام، هو وجميع النشطاء العاملين في المجال العمالي، مع قرار الموظفين بالضرائب العقارية. ويؤكد على واجب هؤلاء جميعا في الوقوف إلى جوار موظفي الضرائب العقارية، ومساندتهم بكل وسيلة ممكنة من أجل نجاحهم في معركتهم القادمة. ولكنه يطرح في الوقت نفسه عدة تساؤلات، يدعوهم هم وغيرهم من المهتمين بالاستقلال النقابي، مناقشتها في سبيل الوصول إلى إجابات بشأنها، قد تساهم في إنارة الطريق وتزيد من فرصة النجاح في المعركة.
من هذه الأسئلة: «هل الحرية النقابية تعني التعددية؟»، «هل التعددية هي الحل لبناء نقابات حرة مكافحة؟»، «هل نمارسها في التو واللحظة؟ أم هي شعار استراتيجي؟»، «كيف نمارس الحرية النقابية على أرض الواقع؟ هل من خلال تكوين وإنشاء منظمات نقابية جديدة؟ أم من خلال أشكال وسيطة: (روابط- جمعيات- صناديق زمالة مستقلة…) مع احتفاظنا بعضوية التنظيم القائم؟»، «هل ننسحب من عضوية اتحاد العمال الحالي، أم يمكن الجمع بين وجودنا في التنظيم الجديد والتنظيم القائم؟».
لا شك أن ما يطرحه محمد عبد السلام شديد الأهمية. فمما لا شك فيه أن واجب أي مناضل حقيقي هو التضامن بلا قيد أو شرط مع موظفي الضرائب العقارية في القرار الذي يتخذوه، مهما كان هذا القرار، وبغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم بشأن تفاصيله.
ولكن من واجب المناضل المخلص أيضا أن لا يتوانى في أي لحظة من لحظات المعركة عن تقديم النصح، في نفس الوقت الذي يقدم فيه الدعم. وهنا يجب التنبيه لبعض الأمور: أولها أن فكرة الاعتصام لم تنشأ لدى قيادات الضرائب العقارية، ولكن حقيقة ما حدث أن هذه القيادات عرضت على زملائهم التوقف عن العمل لمدة يوم واحد، وخلال مناقشة هذه الفكرة، جاءت ردود الأفعال مفاجئة، حتى لأصحاب الفكرة أنفسهم، فقد تضمنت الاستجابات أفكار مثل التوقف عن التحصيل والإضراب عن العمل بل والاعتصام. ولأن الفكرة نشأت في القاعدة نجحت.
فوسيلة جمع التوقيعات قد تكون وسيلة هامة ولكنها ليست كافية للتحديد الدقيق لعدد المتماسكين حول المطلب. فغني عن البيان أن استعداد شخص للتوقيع على بيان، لا يعني بالضبط استعداد هذا الشخص للتحرك من أجل تحقيق المطلب الذي وقع عليه. من ناحية أخرى لا يجب اعتبار النجاح في الحشد من أجل الاعتصام مؤشرا أوتوماتيكيا على النجاح في الحشد من أجل معركة الاستقلال النقابي. فاستعداد الموظفين للتحرك من أجل الحصول على مكسب مادي مباشر، سيختلف نوعيا عن استجابتهم للتحرك على مطلب سياسي عام بحجم «الاستقلال النقابي».
هذه ليست فقط دعوة للتروي ولكنها أيضا دعوة للحفاظ على ملمح هام من ملامح إضراب موظفي الضرائب العقارية، وهو «الديمقراطية». فـ»اللجنة العليا للإضراب»، كانت تأخذ المبادرات ولكن ما أن يصبحوا وسط الجموع، كانت الجموع هي صاحبة القرار. انتظروا إذا حتى تختار الجموع، بعد اقتناعها بالفكرة، ممثليها في نقابتهم المستقلة الموقعية، ثم تنتخب هذه النقابات الموقعية ممثليها في النقابة العامة. «النقابة العامة المستقلة للضرائب العقارية»، خطوة شديدة الكبر اعملوا من أجل تحقيقها على أرض الواقع، ولا تعلنوها في التو واللحظة حتى لا تكون خسارتنا جميعا فادحة!
في حين جاءت مداخلات الحضور من قيادات الضرائب العقارية في مجملها في اتجاه تأييد النقابة المستقلة.حيث قال مكرم لبيب قيادي إضراب ديسمبر في الضرائب العقارية «تتيح الدولة الرأسمالية كل الحرية للأثرياء ورجال الأعمال في تكوين تنظيماتهم المستقلة بينما تحرمنا نحن الفقراء من هذا الحق»
بينما اعتبر طارق جبر القيادي في إضراب الضرائب العقارية أن النقابة المستقلة هي الثغرة التي نستطيع النفاذ منها في ظل نظام يعتمد علي الأمن والمحليات و النقابات, ولذلك فانه في حالة تجريدة من ابتكار النقابات سننجح في جر المحليات تجاه استقلالها مثلما كان نجاح إضرابنا نجاحا لمصر كلها في أن تبدأ موجة جديدة من التغيير.
في حين تحدث ناجي رشاد العامل بشركة مطاحن جنوب القاهرة و عضو حركة عمال من اجل التغيير عن التنظيم النقابي ساردا تاريخه الرسمي في مصر و الذي وصفه بالمنفصل عن الحركة العمالية نتيجة نشأته و هياكله التنظيمي.
فمنذ إنشاء التحاد في يناير 1957 والى الآن لم يدع لأي إضراب عمالي باستثناء مرة واحدة عام 1993 عندما دعت النقابة العامة للعاملين بالمناجم و المحاجر للإضراب و ذلك لإجبار الحكومة علي إصدار قانون خاص بالمنجم و المحاجر.يقول رشاد يتحقق الاستقلال لأي نقابة بعد تحقيق عدة شروط أهمها الانتخابات التي تجري من القاعدة للقمة و ضم عمال القطاع الخاص و عودة الدور الحيوي للجمعيات العمومية.
في حين جاءت كلمة المحامي العمالي هيثم محمدين لتؤكد علي شرعية إعلان النقابة المستقلة استنادا إلى عدد من المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعتها مصر مثل الاتفاقية رقم 87 لسنة 84 الخاصة بالحرية النقابية و الصادرة عن منظمة العمل الدولية و التي نصت علي حق تأسيس النقابات واستقلالها عن سلطة الدولة وحرية العضوية فيها وهي الاتفاقيات التي تصبح بدورها ملزمة لمصر ولها نفس قوة القانون المحلي.
و أضاف محمدين أن ما سبق يعني ضرورة انتصار القضاء في حال اللجوء إليه لهذا الحل كما فعلت محكمة امن الدولة العليا عام 1986 في قضية إضراب السكة الحديد و ذلك عندما برأت العمال المتهمين و الذين طالبت النيابة بالحكم المؤبد عليهم استنادا لقانون العقوبات الذي جرم الإضراب والتحريض عليه, واستندت المحكمة في حكمها للمعاهدات الدولية التي تبيح الإضراب ولا تجرمه.