نضال الفلاحين في الهند والبرازيل
يتعرض الفلاحون في مصر كما في بلدان العالم الثالث لهجمة شرسة من قبل الليبرالية الجديدة. تعرض فاطمة رمضان لتجربة فلاحي الهند والبرازيل في مواجهة سياسات الإفقار والتجويع التي يتعرضون لها وتتساءل أي الطريقين يجب أن يختار.
بقراءة تجربتي الهند والبرازيل، حيث النظام العالمي يعمل علي رسملة الزراعة وتركز الأرض الزراعية في أيدي الرأسماليين وحرمان الفلاحين منها بل وحرمانهم حتي من حياتهم، نجد أن ما يحدث في البلدين هو نفسه، وهو ما يحدث في مصر أيضاً. لكن بالطبع يوجد فرق في تجربة النضال، وقوة حركة الفلاحين. وفي السطور التالية نعرض لأحوال الفلاحين في مصر ثم للتجربتين.
أحوال الفلاحين المصريين
كان القانون 96 لسنة 92 نقطة فارقة في حياة الفلاحين المصريين، لأنه توج كل ما فعله النظام الحاكم من تخريب وتجويع للفلاحين، تحت مسمى الإصلاح. فقد أدى القانون 96 لسنة 92 حسب إحصائيات مركز الأرض، إلي طرد 904 ألف مستأجر، أي بنسبة 31.1% من حائزي الأرض الزراعية، والبالغ عددهم 5.3 مليون.
ولم تكن هذه نهاية الكوارث التي حلت على الفلاحين بسبب القانون، فقد أدي أيضاً إلي عودة مدعي الملكية من الإقطاعيين القدامى، أو من ينوب عنهم، ومعهم في ذلك الدولة بكل مؤسساتها، من أجل العمل علي طرد الفلاحين من الأرض، وهو ما قوبل بالتسليم من قبل الفلاحين في بعض الأماكن، وقوبل بالمقاومة في أماكن أخرى. ومازالت المعارك دائرة بين الفلاحين والإقطاعيين حتي الآن، ونرى العديد من الأمثلة لها في سراندو وصرد، وآخرها في دكرنس.
في سراندو دارت معارك لم تنته بعد، استخدم الإقطاعي صلاح نوار فيها كل أجهزة الدولة، حيث حوصرت القرية، وتم إلقاء القبض علي رجالها ونسائها وتعذيبهم، وسقطت الشهيدة نفيسة المراكبي، وما زال يُمارس ضد فلاحين سراندو المزيد من البلطجة، من قبل أجهزة الدولة بالتحالف مع الإقطاعي. فبعد صدور حكم ببراءة عدد من الفلاحين، من تهمة الاعتداء علي الإقطاعي وبلطجيته، يحال 26 منهم من جديد بنفس التهم إلى محكمة أخرى، بالإضافة إلي محاميهم الفلاحين المتهم بالتحريض. وفي صُرد قُتل ستة فلاحين وأصيب أربعة آخرون. وأخيراً في دكرنس، التي دارت فيها آخر المعارك مع الشرطة أثناء قيامها بتنفيذ حكم قضائى بطرد سبعة فلاحين من تسعة أفدنة بعزبة مرشاق يوم الأحد 21/5/2006، بالرغم من قيام الفلاحين السبعة بدفع كامل ثمن الأرض على 40 قسطاً سنوياً، وحصلوا على بطاقات حيازة كملاك للأرض، من الجمعية الزراعية للإصلاح الزراعي فضلاً عن حصول كبار ملاك الأرض السابقين (الذين صودرت أراضيهم بقانون الإصلاح الزراعي) على التعويض الذي حدده القانون. ومرة أخري، تحالفت أجهزة الدولة، من إصلاح زراعي وشرطة وغيرهما، مع مدعي الملكية، وتم القبض على 22 فلاحاً، وعدد من المناضلين المتضامنين معهم كالمناضل بشير صقر وبعض الصحفيين الأجانب والمصريين. وقد أصدرت النيابة قرارها في النهاية بحفظ التحقيق وإحالة وائل منصور، ضابط مباحث دكرنس، إلى محكمة الجنايات لاستخدامه القسوة مع بشير صقر وإصابته بعاهة مستديمة.
ولم تكتف الحكومة بهذا، بل إنها كمالك، بدأت تقوم بطرد الفلاحين، فعلى سبيل المثال في الأقصر، التي يملك فلاحيها بطاقات حيازة للأرض التي يزرعونها منذ أكثر من ثلاثين سنة، يأتي رئيس المدينة ويدعي أنه اشترى هذه الأرض من الإصلاح الزراعي، كي يقوم بتحويلها إلى مسطحات رياضية، وتُدمر زراعات الفلاحين، وتؤخذ الأرض الزراعية لتبور، وتحول لمسطحات رياضية في نفس الوقت الذي يتعرض فيه آلاف الفلاحين للحبس والتشريد، وهدم منازلهم، بحجة أنها بنيت على أراضي زراعية. وسنجد أيضاً 55 أسرة بقرية أبو خليفة بالإسماعيلية صدرت قرارات إزالة لمنازلهم، رغم حصولهم علي عقود تمليك لأراضيهم، ووجود تقارير بأن هذه الأرض ملحية وطبقاتها جبسية ولا تصلح للزراعة. كذلك المزارعين بمديرية أوقاف شبين الكوم، الذين يقطنون هناك في منازل شُيدت منذ عشرات السنين، وبعد أن تهالكت تلك المنازل لا تسمح لهم الدولة بترميمها أو إعادة بنائها بحجة أنها على أرض زراعية. الأكثر من هذا أن هناك 1500 فدان في برج العرب قام الفلاحين باستصلاحها، ولديهم عقود مسجلة بملكيتهم المثبتة في جمعية سكرة الزراعية برج العرب، وبعد أن حفروا الآبار وبنوا المنازل، تأتي هيئة المجتمعات العمرانية لتقول لهم بأنها خارج الحزام الأخضر وتريد طردهم.
بنك التنمية والائتمان الزراعي، الذي من المفترض أن يكون عوناً للفلاح في أزماته، ومنقذاً له عند الحاجة أصبح مصدر خراب بيوت الفلاحين بسبب ارتفاع الفوائد. ومع تطبيق القانون 96، أصبح الفلاحون غير قادرين علي سداد ما اقترضوه، حتى أن تقرير مركز الأرض يشير إلي أن فوائد بنك التنمية سبب 47% من المشاكل للفلاحين، وأن آلاف الفلاحين يواجهون عقوبة الحبس لعدم قدرتهم علي سداد الفائدة، التي تصل إلي 19%، وأنه في قرى الخارجة يتعرض الأطفال والنساء للترويع، وهم يشاهدون آبائهم يجرون بالحبال. وكذلك في محافظة سوهاج هناك 1500 مزارع في قرية واحدة يطلبون جدولة الديون المستحقة عليهم لبنك التنمية والائتمان الزراعي، التي تراكمت فوائدها لتصل لآلاف الجنيهات، مما يهددهم بالحبس.
هذا بخلاف أن الدولة لا تقوم بوظائفها. فنحن نعرف كم عانى الفلاحون نتيجة تأخرها في أعمال المقاومة لدودة القطن في العام الماضي، التي جعلت الفلاحين يدفعون، لكي يشتروا مبيدات للمكافحة بأنفسهم، رغم أن الحكومة تخصم منهم نفقات الرش والمقاومة، كلنا نعرف أن فدان القطن الذي يتكلف خمسة آلاف جنيه، لم يجن الفلاحون من ورائه شيئاً، ولا حتى غطى نصف تكلفته.
الحكومة تترك الأراضي التي تحت يد صغار الفلاحين بدون مياه، حتي أن زراعات صان الحجر-الحسينية تتعرض للتصحر بسبب نقص المياه، لتذهب المياه لمزارع الكبار التي تبلغ آلاف الأفدنة. وهذه الحكومة تترك الكبار، سواء رجال الأعمال أو الإقطاعيين يأكلون حقوق الصغار من العمال والفلاحين، وحقوق كل الفقراء.
لقد وصل عدد الفلاحين الأجراء حسب إحدى الدراسات، إلي ما لا يقل عن 3 مليون فلاح. فقد أغتصبت الحكومة الأرض منهم لتعطيها لمدعي الملكية بدون وجه حق.
إذا كان هذا هو حال الفلاحين في مصر في ظل السياسات الليبرالية الجديدة، فما هو المخرج؟ قد تكون قراءة تجربتي الحركات الفلاحية في الهند والبرازيل مفيدة في الإجابة على هذا السؤال. وجدير الإشارة هنا أن المعلومات الواردة في الفقرات التالية مأخوذة من ورقتين أعدتا ضمن كتاب لم ينشر بعد، عن حركات الفلاحين في القرن الواحد والعشرين ـ مركز البحوث العربية. الورقتان هما: “نضالات وتحديات الزراعة الهندية اليوم”، لسريلاتا سواميناثان. و”حركة الفلاحين بلا أرض في البرازيل”، لمارتا هارنيكير.
معاناة فلاحي الهند
تعد أوضاع الفلاحين في الهند مأساوية، فمع تقدم طرق الزراعة التي لا يستطيع صغار الفلاحين مواكبتها، لا يجد الكثير منهم مفراً سوى الانتحار. والمنظمات الفلاحية إما يسيطر عليها كبار ملاك الأراضي، أو هي منظمات محدودة لصغار الفلاحين، تغيب عنها رؤية البديل الصحيح للأوضاع السيئة الراهنة. من ناحية أخرى، فإن المنظمات والأحزاب اليسارية المؤيدة للفلاحين، تحاول تطبيق الإصلاح الزراعي عن طريق البنادق، دون أن يكون للفلاحين دور في هذه العملية.
تشتهر ولايات البنجاب وهاراشترا وكارناتاكا، وهي كلها ولايات متقدمة زراعياً، بنسبة عالية من الانتحار من جانب المزارعين الصغار، المحاصرين في مصيدة مغلقة من الديون، نتيجة ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية والآلات الحديثة، وما يسببان من فقر وعدم القدرة علي سداد الديون. وعندما تتحدث الحكومة الهندية عن هذه المشكلة، فإنها تقول أن المزارعين ينتحرون بسبب إدمان للخمور، وعدم قدرة الحيازات الصغيرة علي الربح.
من ناحية أخرى، نجد أن عدد من يموتون جوعاً في ولايات أخري بالهند، يتزايد، خاصة بين فقراء القبائل من العمال الزراعيين الذين لا يستطيعون إيجاد عمل للبقاء علي قيد الحياة، لأنهم فقط لم يحرموا من الوظائف، ولكنهم أيضاً حرموا من الغابات التي كانوا يعملون بها.
هذا وتتراوح أساليب المقاومة في الهند بين تحركات عفوية محلية، ونضالات مسيسة بدرجة عالية، وتمتلئ الصحف بشكل متزايد بروايات حول النضالات المحلية للفلاحين، وذلك من أجل إمدادات كهرباء أرخص وأكثر انتظاماً، أو من أجل تطبيق الحد الأدني من الأسعار المدعمة ومعدل إنتاج أفضل، وتسهيلات بنكية ائتمانية أفضل. ففي كل يوم يحتج المزارعون الغاضبون عن طريق إغراق الطماطم، أو الفلفل الحار، أو تفريغ خزانات البن في الشارع بسبب انخفاض الأسعار التي يتلقونها. وبشكل أساسي يمكن تقسيم كافة النضالات الفلاحية في الهند في اتجاهين: الاتجاه الأول يفصل بين الزراعة والسياسة العامة للدولة، فيحصر نفسه في محاولة إيجاد حلول من خلال الإطار الرأسمالي الحالي، سواء لأن تلك المنظمات تؤيد هذا النظام، أو لأنها غير قادرة علي تقديم البديل. ومن المنظمات التي لا تسعى إلى الصدام مع النظام، اتحادات المزارعين في بهاريتا وكيسان وكارناتا، وغيرها، والتي يقودها أغنياء المزارعين. وهي تعمل لصالح هؤلاء ولصالح جماعات الضغط من الفلاحين الكبار، ومن ثم فهي ترحب بالرسملة وسيطرة الشركات علي الزراعة. من ناحية اخرى، هناك العديد من المنظمات التي تمثل فقراء الفلاحين والعمال الزراعيين بلا أرض، لكنها لا تملك طرح سياسي بديل.
أما الاتجاه الثاني فيشمل بعض الأحزاب اليسارية، مثل المركز الشيوعي الماوي وجماعة حزب الشعب. هذا وتفرض جماعة حزب الشعب إعادة توزيع الأرض، عبر العمليات المسلحة، دون أي دور مباشر لجماهير الفلاحين الفقراء. وكان نتيجة ذلك أن أصبح الإصلاح الزراعي عن طريق البنادق بلا معني، لأنه حتي في حالة طرد ملاك الأراضي وإزاحتهم إلى المدن المجاورة، تظل الأرض متروكة بدون زراعة لأن الفلاحين الفقراء في المنطقة يحجمون عن زراعة الأرض، خوفاً من انتقام الشرطة. وفي الحالات التي يتمكنون فيها من السيطرة علي الأرض، فإن بقاءها في حوزتهم، لا يعتمد علي المقاومة المنظمة للفلاحين.
هذا وتحاول تيارات أخري العمل علي إشراك الفلاحين في النضال من أجل إعادة توزيع الأرض، بحيث يكونوا هم الطرف الأساسي في عملية المقاومة والنضال. ففي ظل الصراع الطبقي، على المستوى المحلي والدولي، يكون لهجوم الرأسمالية وبقايا الإقطاع اليد الطولى، ومن ثم فإنه ليس ممكنا أن يتم التصدي للهجوم الطبقى الضاري الحالي دون أن يقابل هذا الهجوم صراع طبقي يتم خوضه من أسفل. وقد ظل اليسار الثوري، مثل الحزب الشيوعي الهندي الماركسي اللينيني ومنظماته الجماهيرية الفلاحية والزراعية، يدعوان إلى الحاجة إلى نضال فقراء الفلاحين والعمال، ضد القمع الإقطاعي والإمبريالية، حيث أن تعزيز قدرة هذا القطاع هو الخيار الوحيد القابل للبقاء.
انتصار فلاحي البرازيل
في البرازيل، بسبب الأزمة الاقتصادية، وطرد الفلاحين من الأرض، والفقر والجفاف، في كل من مناطق الجنوب وشمال الوسط، وكذلك بفعل التحديث الرأسمالي ودخول الميكنة، والتوجه نحو الزراعة للتصدير، التي تسيطر عليها بالفعل الشركات عابرة القارات، كانت النتيجة أن طُردت أعداد كبيرة من الفلاحين من أرضهم.
وفي مواجهة ذلك، لجأ الفلاحون في البداية إلى الحلول الفردية، من خلال الهجرة والبحث عن عمل في المدن الكبري أو مناطق المستعمرات الزراعية. وفي ظل الأزمة الصناعية في نهاية السبعينيات، تدهورت الأوضاع في المدن، حيث لم يعد هناك عمل للفلاحين الذين هاجروا إليها. أما بالنسبة للمستعمرات الزراعية التي انجذبوا إليها من خلال الدعاية الرسمية التي وعدتهم بوفرة الأرض، فقد افتقرت إلي شروط الإنتاج العائلي، كما بدأ رجال الأعمال الذين شجعتهم الحوافز المالية الحكومية في التفكير في الاستيلاء على أراضي الفلاحين في تلك المناطق، رغم أن لديهم حقوق ملكية لها. لذلك فقد نشبت معارك انتهت معظمها بموت الفلاحين وتدمير وحرق الزراعات. وأدي هذا الوضع إلي بروز الحل، وهو المقاومة، من قبل الفلاحين في الريف، والبحث عن أساليب للنضال تسمح لهم بالحصول علي الأرض في المستعمرات الزراعية غير المزروعة، في أقاليم البلاد كلها.
وقد نجحت عملية الاستيلاء على الأراضي هذه بدرجة كبيرة، وتزايدت بمعدلات واسعة مع مرور السنين. وصارت أعداد متزايدة من العمال الزراعيين تفهم أن بإمكانها غزو الأرض والاستيلاء عليها عن طريق النضال. وقد قامت حركة فلاحين بلا أرض بتكوين تجمعات ريفية من 20-30 عائلة، تكون منازلهم متجاورة لبعضها البعض وتؤسس لهم مناطق خدمات جماعية، كالمدارس ومراكز الترفيه والمتنزهات ورياض أطفال. كما أنها عملت علي تكوين سوق بديلة، تقوم بالتجارة في منتجات تعاونياتهم الزراعية.
ورغم أن هذه المجتمعات تمثل أقلية، وتخضع لقيود عديدة، لأنها تعد مجتمعات دخيلة علي نظام تحكمه قاعدة الربح، فإن المستوطنات الأكثر تطوراً، جنباً إلي جنب مع القرى الريفية والصناعات الغذائية، تمثل دلائل حقيقية على عدالة وتضامنية المجتمع الذي تضعه الحركة كأفق لنضالاتها. هذا وقد قوبلت التعاونيات بمقاومة عنيفة من جانب كبار الملاك في البرازيل، حيث استخدموا كل الوسائل الممكنة لوقف الحركة، من قتل العمال وقادتهم، إلي استخدام البنادق وشرطة الولاية، إلى إلقاء الفلاحين خارج الأرض، وقتل عائلات بأكملها، والإلقاء بهم في السجون وتعذيبهم، وتلفيق اتهامات بالقتل ضد إناس لم يكونوا حتي موجودين في موقع ارتكاب الجريمة.
وبالرغم من كل هذه المحاولات عزل وقمع وإفساد الحركة، والمحاولات المستميتة لإغراقها اقتصادياً وتدمير صورتها في الإعلام، وإرباك قاعدتها الاجتماعية، عن طريق الحملات المنظمة لتشويه المعلومات، فإن الحركة استمرت في النمو وتقوية نفسها، وهي الآن تمثل النقطة المرجعية الأساسية على المستوى القومي، في النضال ضد الليبرالية الجديدة، ومساندة عديد من القطاعات السكانية التي استبعدها النظام، مثل السكان بلا أرض ولا مأوي ولا عمل.
وبعد مرور نحو عقدين من الزمن على تأسيس الحركة، أصبحت الآن قادرة على تحقيق الاستقرار لـ 350 ألف عائلة فلاحية عن طريق احتلال الأرض. كذلك، فإن نحو 100 ألف عائلة فلاحية موزعة على 500 معسكر في كافة أنحاء البرازيل، تنتظر أن تحين ساعة حصولها على الأرض. هذا وقد اتبعت الحركة في نضالها طرق مثل احتلال المباني الحكومية في المدن. وتضم الحركة اليسار واليمين، ولكنها مستقلة عن كل الأحزاب، فقد سافر الكهنة والأشخاص العاديون والمسيسون من أحزاب اليسار معاً حول الريف ونادوا بحاجة الفلاحين إلي التنظيم والنضال، وأن حل مشكلاتهم لن يأتي من السماء، ولكن من الأرض.
هذا وقد ساعد على استقلال الحركة عدد من العوامل، أولها طريقة التمويل، حيث يمد الفلاحون، اللذين يحصلون على أرض وائتمان، الحركة بنسبة من مواردهم وحصة من إنتاجهم، كما أن 10% من وقت عمل الفلاحين مخصص لمهام جماعية ولمواصلة النضال. من ناحية أخرى، فإن حركة الفلاحين بلا أرض تسعى لتطوير قيادة جماعية مرتبطة بشدة بالقاعدة الاجتماعية، وذلك لتلافي نقاط ضعف العديد من الحركات والأحزاب باعتمادها علي عدد قليل من القادة، كما أن القادة مهما كانت مكانتهم، يخضعون لتقييم كل عامين، ويتم التجديد لهم إذا ما ارتأت الجماعة بأكملها أن مساهماتهم ما زالت قيمة بالنسبة للحركة.
كما تحاول الحركة ربط النضالات المختلفة في صف واحد، مع احترام الاختلاف ليس فقط في كل منطقة بمفردها، ولكن أيضاً بين أعضاء المنطقة الواحدة، هذا وقد أنجز الفلاحون المنظمون في الحركة أهدافهم جزئياً فقط، ولكن واحداً من أهم انتصاراتهم الأساسية كان إمكانية العمل لصالح أنفسهم وألا يكونوا مضطرين للعمل لصالح آخرين، وضمان تعليم أبنائهم وربما التمتع بالكرامة. فهم اليوم يعتبرون أنفسهم مواطنين متساويين مع باقي العالم وليسوا طبقة دنيا في المجتمع.