بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

عن «سراندو» وعزبتي «البارودي» و«محرم» نتحدث:

نضال الفلاحين في مواجهة ورثة الإقطاع وقمع الأمن.. إلى أين؟

من سراندو .. إلى عزبتي «البارودي» و «محرم» بالرحمانية، ومن «نفيسة المراكبي « إلى «صبرية الجيزاوي»، وغيرهما من المطاردات والمطاردين بعصا الأمن المتحالفة مع الإقطاع، تتصاعد مجددا، بعد فترة من الهدوء النسبي، دامت لسنوات، هجمة مدعي الملكية، وورثة الاقطاعيين، ضد الفلاحين، الفقراء من أصحاب الحيازات الصغيرة، لتجريدهم وطردهم من أرضهم التي يملكونها أو يحوزونها منذ عشرات السنين، خصوصا مع ارتفاع أسعار الأرض الزراعية، وتصاعد وتيرة وأساليب قمع الأمن للفلاحين بطرق وحشية.

سراندو

في ربيع 2005، فشل صلاح وعبد الحميد نوار ورثة عائلة نوار الإقطاعية في إجبار الفلاحين على ترك الأرض التي يحوزنها في قرية سراندو، بمحافظة البحيرة، منذ أن نزعت بقانون الإصلاح الزراعي، رغم استخدام الأمن لكل وسائل القمع من تعذيب واحتجاز وصل إلى حد قتل إحدى الفلاحات هى نفيسة المراكبى. ومنذ نحو أربعة أشهر، لجأ ورثة نوار إلى مناورة جديدة هي بيع الأرض – رغم عدم حيازتهم أوراق تثبت ملكيتها— إلى عدد من السماسرة بعقود وهمية. وقام هؤلاء السماسرة برفع دعوى طرد ضد الفلاحين بزعم أنهم لم يسددوا الإيجار. وفي الأسابيع السابقة على إعادة محاكمة فلاحي سراندو، تصاعدت موجه التهديد للفلاحين، حيث قام أحد السماسرة الذين اشتروا الأرض بعقد وهمي في التحرك للسيطرة على الأرض مستعينا ببلطجية لحرث أرض محمد منصور الجبالي.

في بداية الشهر الجاري، هاجمت سبع عربات شرطة صبرية الجيزاوي في منتصف الليل، أوسعتها ضرباً وأحدثت بها إصابات جسيمة، وسرقت مبلغاً كانت تمتلكة من بيع السكر والشاي في القرية، بحجة البحث عن إبنها الهارب من حكم غيابي في أحداث سراندو 2005. وفي اليوم التالي ذهب عدد من البلطجية إلى أرض صبرية لحرثها بالجرارات، رغم أنها، بخلاف غالبية الفلاحين الذين يزرعون في هذه المنطقة، تملك عقد تملك للأرض.

وسط هذا كله، حقق الفلاحون نصراً مهماً حينما اكدت المحكمة في 16 يونيو حكم البراءة لـ 18 متهماً، كانوا يواجهون تهم تجمهر وإتلاف وغصب حيازة وضرب وحرق، وغيرها خلال أحداث سراندو قبل ثلاث سنوات. وكان الحاكم العسكري (رئيس الجمهورية) قد رفض التصديق على حكم البراءة الأول وقرر إعادة المحاكمة. وبالرغم من أهمية حكم البراءة، فإن الضغوط التي تمارس على فلاحي سراندو من جانب ورثة الإقطاعيين والأمن لا تتوقف. فإذا كانت محاولات السيطرة على الأرض بالقوة وتلفيق التهم قد فشلت نتيجة إصرار الفلاحين على التمسك بالأرض، فإن محاولات الوقيعة بين الفلاحين، وجذب البعض منهم عبر إقناعهم بالتنازل عن الأرض مقابل مبلغ من المال، أو دفع خلو لعائلة نوار مقابل تركهم في الارض، قد نجحت مع عدد غير قليل من الفلاحين في سراندو.

عزبة البارودي

قضية فلاحي عزبة البارودي، مركز الرحمانية، بمحافظة البحيرة، تختلف عن قضية فلاحي سراندو، حيث أن الفلاحين في الأولى قد اشتروا الأرض من هيئة الإصلاح الزراعي ويزرعونها منذ نصف قرن. لكن شيخ البلد في قرية مجاورة لعزبة البارودي، هي محلة داوود قام بتزوير أختام واستخدمها في تحرير عقود إيجار لصالحة، وحصل بموجبها على حكم من المحكمة بطرد الفلاحين.

وفي 3 يونيو غزت قوات الأمن القرية في منتصف الليل مصحوبة بسيارة مدرعة وعشرة بوكسات وثماني شاحنات وعدد من سيارات الميكروباص بهدف إجبار الفلاحين على ترك الأرض. واعتدت قوات الأمن على عدد من الفلاحين، معظمهم من النساء في منازلهم واعتقلت 13 فلاحاً وقامت بتعذيبهم وأجبروهم على توقيع أوراق لا يعرفوا محتواها.

وفي الأسبوع التالي، ولمزيد من إرهاب فلاحي عزبة البارودي، قام ضابط مباحث الرحمانية عمرو علام بمهاجمة عدد من فلاحي القرية واعتقل اثنين منهم وعذبهما في مركز الشرطة.

عزبة محرم

القرية الثالثة التي تعرض فلاحوها لاعتداء من جانب الأمن مؤخراً، هي عزبة محرم في مركز الرحمانية أيضاً. وفلاحو العزبة يستأجرون الأرض من هيئة الإصلاح الزراعي منذ 50 عاماً. غير أن عائلة أبو خيار حصلت على حكم ملفق ضد الإصلاح الزراعي بتملك 22 فداناً تزرعها 38 أسرة منذ عشرات السنين. لكن المشكلة بالنسبة لعائلة أبو خيار أن القاضي لم يكن ليستطع تنفيذ الحكم على الطبيعة لأن الفلاحين ليسوا طرفاً في القضية. ومن هنا كان لابد من الحصول على عقد إيجار من أحد الفلاحين لعائلة أبو خيار حتى يصبح الفلاحون طرفاً في الحكم، ويستطيع قاضي التنفيذ إصدار الأمر بطرد الفلاحين من الأرض. ولذلك فقد أستدرج عمدة القرية خمسة فلاحين إلى قسم الشرطة، وجرى تعذيبهم، وأجبر ثلاثة منهم على توقيع عقود إيجار في 16 يونيو. وكان رد فعل الفلاحين أن تركوا الأرض وبيوتهم لأنهم كانوا يعلمون أن الهدف هذه المرة ليس الأرض وإنما هم أنفسهم، حتى يجبرهم الأمن على التوقيع على عقود إيجار لصالح أبو خيار. وفي اليوم التالي، جاءت قوات الشرطة مدعومة بست سيارات ميكروباص مشحونة بالبلطجية وخمس سيارات أمن مركزي مشحونة بالجنود، وقامت بحرث الأرض وإتلاف المحاصيل.

ما نفهمه من هذه الأحداث، أن المطاردة والهجوم على الفلاحين لتجريدهم من أرضهم التي يزرعونها منذ عشرات السنين، سواء عبر الملكية أو الحيازة، سوف تتصاعد. ويبدو ذلك مفهوماً في ظل ارتفاع أسعار الأرض، حيث وصل سعر الفدان في بعض المناطق إلى 300 ألف جنيه. وفي ضوء انحياز الدولة بهيئاتها المدنية وأجهزتها الأمنية إلى ورثة الإقطاعيين ومدعي الملكية ممن يستطيعون شراء المسئولين، يصبح إجبار الفلاحين على ترك الأرض بكافة الوسائل الممكنة أمراً يستحق العناء. وعلى الجانب الآخر، تبدو في الفترة الحالية أهمية تعزيز أشكال التضامن مع الفلاحين، خاصة في اتجاه الربط بين النضالات المتفرقة التي يخوضها الفلاحون دفاعاً عن الأرض، وإقناعهم بأهمية دعم بعضهم البعض من أجل خلق حركة قادرة على الدفاع عن حق الفلاحين في الأرض في مواجهة الإقطاع، مدعي الملكية، المتحالف مع الأمن.