بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

نضال الموظفين.. خبرات ودروس

شملت حركة المقاومة الاجتماعية خلال العام الماضي قطاعات كثيرة من الفقراء والكادحين في مصر، الذين سحقتهم سياسات السوق التي ينفذها نظام مبارك ورجال أعماله، فإلى جانب احتجاجات العمال والفلاحين والفقراء في الأحياء الشعبية، انتفض قطاع ظنه البعض أبعد ما يكون عن الاحتجاج نظرا لموقع عملهم في قلب الجهاز الإداري للدولة، إنهم الموظفون.

وكان إضراب الضرائب العقارية واعتصامهم الناجح أمام مجلس الوزراء لمدة عشرة أيام، الشرارة الأولى التي أعلنت بداية تمرد الموظفين، حيث بدأ موظفون من مواقع مختلفة السير على درب الضرائب العقارية، منهم موظفو مديريات التضامن الاجتماعي، والتأمينات والمعاشات، وموظفي التموين، وموظفي مديريات القوى العاملة وغيرهم، هذه التحركات حملت دروسا وخبرات انطوت علي نجاحات وعقابات، سيكون من المفيد التعرف عليها من أصحابها من أجل تطويرها في المستقبل.

يقول عبد القادر ندا أحد قيادات إضراب الضرائب العقارية عن أسباب نجاح حركتهم: “في الأول لابد من وجود قضية، ومشكلة لدي الناس، وحق يدرك الموظفين جيداً أنهم محرومون منه، ومصاحب لهذا الحق معاناة حقيقية كان يعيشها موظفي الضرائب العقارية كما يعاني كل موظفي مصر وهي أن مرتباتهم لا يستطيعون العيش بها، ثم يأتي بعد ذلك إعداد وتنظيم صفوف الموظفين، وهو ما يقع عبأه علي قيادات تتبني تثقيف زملائهم بجدوى الاعتصام أو الإضراب وزرع الجرأة في قلوبهم، وتتبني هذه القيادات تجميع الناس والتأثير فيهم، وإعداد مراحل متدرجة للاعتصامات لتقويتها حتي تصل لأعلي مرحلة فيها، وهو ما حدث في الضرائب العقارية، حيث بدأ تجميع الموظفين في محافظة واحدة أولاً وهي الجيزة، أمام مجمع مصالح الجيزة، كما نفذت اعتصامات مشابهة في محافظات أخري، ثم كان اعتصام اتحاد العمال ثم وزارة المالية خطوة جديدة في التصعيد، لأن وزارة المالية هي التي بيدها القرار والحل، واتحاد العمال عليه واجب السعي لحل مشكلات العمال، وبعد عدم استجابة المسئول الذي في يده الحل تم التصعيد بالاعتصام أمام رئاسة مجلس الوزراء، وهو مركز صنع القرار في الدولة كلها، وعند هذه النقطة كانت الجرأة أصبحت كافية في قلوب كل الموظفين”.

ومن أهم النجاحات التي حققها موظفو الضرائب العقارية قدرتهم على خلق حالة واسعة من التضامن والتعاطف مع حركتهم فيقول ندا “استمرارنا مع التأثير في الرأي العام المحلي والدولي من خلال الإعلام سواء الجرائد المستقلة أو القنوات الفضائية، والصمود أدي لجذب تضامن كل المجتمع حتي الناس في الشارع، فبمجرد خروج الأيادي في السيارات المارة بإشارة النصر كان لها مردود كبير في نفوس الموظفين، هذا بخلاف خطابات التأييد والتضامن التي وصلتنا من عمال غزل المحلة، والمطاحن والعمال في أماكن كثيرة كذلك من جهات ككفاية، وجميع الأحزاب المعارضة، وشخصيات ورموز عامة في المجتمع”.

وحول الخبرات التي اكتسبها موظفي الضرائب العقارية من اعتصامهم وساهمت في انتصارهم يقول ندا “بمجرد ظهور رغبة لدي المسئول في جس النبض والتفاوض لابد من اختيار مفاوضين جيدين ومستوعبين للقضية، ولكل طلبات العاملين، وليس بداخلهم أي خوف أو رياء، علي أن يكون جميع المعتصمين من ورائهم سواء بالتضامن أو بالمحاسبة، كذلك يتم التدريب علي المفاوضات من خلال مناقشات لمن يتم اختيارهم من المعتصمين من كل المواقع، وأن هذه المناقشة يجب أن تتم بشكل ديمقراطي بعيداً عن الاستئثار بالرأي”.

أحد العناصر الهامة في إنجاح أي اعتصام كما يقول عبد القادر ندا هو اختيار المكان المناسب “كنا متفقين علي أننا سوف نذهب لنعتصم أمام مجلس الوزراء لمدة ساعتين فقط، ثم نتوجه لاتحاد العمال لاستكمال الاعتصام هناك، ولكن بمجرد تواجدنا أمام رئاسة مجلس الوزراء رأينا أهمية المكان في التأثير والضغوط علي الحكومة والرأي العام، لذا تم التشاور بين عدد من القيادات في مد فترة الاعتصام أمام مجلس الوزراء إلي آخر اليوم، فوجدنا التأثير أقوي، وأدركنا أن المبيت علي الرصيف علي الرغم من مصاعبه، إلا أنه سوف يكون أفيد بكثير لقضيتنا، لذا بالتعاون مع آخرين تم توفير فرش علي الأرض وأغطية، وبعد البيات لليوم الأول أحسسنا بقوة وخطورة المكان، خاصة عندما أحضرت قوات الأمن أكثر من 20 أتوبيس لنقلنا للاتحاد العام لنستكمل الاعتصام هناك، مع تعهدهم بفتح كل القاعات، وتوفير الغذاء للمعتصمين، فكان هذا دليل بالنسبة لنا من تأثير هذا المكان، لذا صممنا علي عدم ترك شارع حسين حجازي”.

مراعاة الروح المعنوية للمعتصمين درس آخر نتعلمه من موظفي الضرائب العقارية كما يقول ندا “لابد من العمل علي عدم تسلل الملل للمعتصمين، وذلك من خلال توعية الزملاء بأن الحل لن يأتي من أول مرة، وكذلك يجب زرع الأمل في قلوبهم من خلال الحديث معهم عن قرب وصولهم للهدف، استخدام الهتافات لتجييش المعتصمين”.

“الانتباه جيداً للاختراقات التي يقوم بها أمن الدولة، للعمل علي الفرقة وعدم التجمع”، خبرة مهمة ينقلها لنا موظفو الضرائب العقارية، وكذلك “الإعداد الجيد لترتيب الإعاشة والنوم والجلوس، أو الطعام والشراب”.

وكما ذكرنا فقد كانت حركة الضرائب العقارية الشرارة الأولى التي أطلقت تمرد الموظفين، حيث تبعها تحركات أخرى لموظفين في مواقع مختلفة، أهمها حركة موظفي مديريات التضامن الاجتماعي، الذين -على عكس الضرائب العقارية- واجهوا صعاب كبيرة في حركتهم.

تقول إحدي موظفات مديرية التضامن بالجيزة “الوزير (وزير التضامن الاجتماعي) اتكلم علي قناة دريم، ولما قالوا له 77 ألف موظف في وزارتك بيهددوا بالاعتصام، رد عليهم وقال الشئون ما تقدرشي تعمل حاجة” وأضافت الموظفة ” الناس بتخاف، ودا اللي خلي الوزير ما يخدشي بكلامنا، قال لنا ما حدش يضغط علينا، ما فيش فلوس علشان نزودكم، وبعدين أنا لو زودتكم أنا لازم أزود الـ 26 محافظة، والميزانية أتناقشت السنة دي وخلاص”.

وحول محاولات الاعتصام قالت الموظفة “عددنا في الاعتصام الثاني قل عن الأول، وفي الثالث عن الثاني، ودا فضل يحصل لحد آخر مرة كنا عشرة وبس واقفين، ولما هددونا إنهم هيحولونا للتحقيق خفنا وطلعنا”.

وأضافت موظفة أخرى “سبب إننا كنا بنقل إن مديري الإدارات كانوا بيضغطوا علينا، لأن الوزارة هددتهم بأنهم هيشيلوهم من الإدارة، وكمان هددوهم بأمن الدولة، إنهم هيعتقلوهم هما وعيالهم، وهيلفقولهم أي تهم، وكيل الوزارة الفكهاني ليلة الاعتصام لف علي المديرين وهددهم، لو إنه أي موظف في إداراتهم اعتصم هيحاسبهم هما، وهيعتقلوهم تحت الأرض 3 شهور”

وبخلاف الخوف والضغوط والتهديد من قبل الإدارة والأمن الذي أدي إلي إخفاق موظفي التضامن في تحقيق مطالبهم، ذكرت عاملة أخري عنصر آخر أدي عدم وجوده لهذا الإخفاق “لو إحنا وقفنا وقفة واحدة صح علي مستوي الـ 26 محافظة كنا خدنا حقوقنا من أول يوم، إحنا بندي معاش لحوالي 20 مليون أسرة ضمان ومطلقات وقانون الطفل، لو إحنا وقفنا الصرف ولو ليوم واحد، كنا ضغطنا علي الحكومة، وحققت لنا مطالبنا”، وأضافت “في الاعتصام اللي فات الأهالي والأسر اللي إحنا بنصرف لهم المعاشات، كانوا فاكرين إنه إحنا لو زادت مرتباتنا هما كمان معاشاتهم هتزيد، علشان كده هما كانوا مستعدين ييجوا ويعتصموا معانا قدام المجمع في اليوم اللي نحدده”….” إحنا علشان نجيب حقوقنا، لازم نقف مع بعض الرجالة قبل الستات”.

وأكدت “الحكومة دي حكومة فاشلة، إزاي يدونا المرتبات دي إذا كان أي سكن جديد في المناطق العشوائية أقل إيجار 400 جنيه و 500 جنيه في الشهر والشهر بييجي ورا الشهر، دا غير إنه كل حاجة بتزيد، حتي المواصلات، عربيات المنيب أمبارح زودت الأجرة من 50 قرش لـ 75 قرش، وعربيات فيصل والهرم رفعوا الأجرة من 50 قرش لـ جنيه، وكمان بيقسموا المسافات، لثلاث أجزاء، يعني علشان أجي الشغل أدفع 3 جنيه وعلشان أروح 3 جنيه، علشان كده أسرة مكونة من فردين وبس، ما يكفيهومش 1000 جنيه أكل وشرب وبس، علشان كده اللي بيقولوا أنه الأجر يبقي 1200 جنيه مع الأسعار بتاع دلوقتي مش كثير”.

هناك العديد من تحركات للموظفين، التي لم تبدأ بالاعتصام مباشرة، بل بدأت بحركات للمطالبة عن طريق كتابة طلبات المسئولين، وجمع توقيعات الموظفين علي هذه المطالب، مثلما حدث بمديريات القوي العاملة والهجرة، اللذين يعانون مثلهم مثل كل موظفي المديريات في التفرقة الظالمة بينهم وبين زملائهم بديوان عام الوزارة، لذا نصت طلباتهم علي المساواة بزملائهم في الوزارة من حيث الحوافز والبدلات والمكافئات، فقد تمت كتابة طلبات موقعة من عدد كبير من الموظفين في العديد من المديريات، وإرسالها للوزيرة، ولمجلس الوزراء وغيرها من مكاتب المسئولين، وقد أدي هذا إلي اضطرار وزيرة القوي العاملة لعقد اجتماع لمديري المديريات، ورؤساء اللجان النقابية، لمناقشة مطالب الموظفين، وأصدرت بعض القرارات في زيادة حصص المديريات من بعض الأموال، والتي رد عليها الموظفين بأنهم لا يرون هذه الأموال أصلاً، فمعني هذا أن هذه القرارات لن تحسن من أوضاعهم، كما أدي ذلك إلي انتشار الأحاديث والمناقشات بين الموظفين عن أين تذهب هذه الأموال، ومن هو المستفيد منها، ولماذا هذه التفرقة الظالمة بين موظفين في وزارة واحدة، وبدأت فكرة أنه لابد من التحرك لنيل حقوقنا زي الضرائب العقارية وغزل المحلة، وغيرها تطرح بشدة بينهم.

حركة موظفو الضرائب العقارية والتضامن الاجتماعي والقوى العاملة وغيرهم، تشير إلى أن سهم التمرد قد انطلق، ولن يعود حتى يصيب هدفه، وهو تحسين انتزاع الموظفين لحقوقهم المنهوبة، خاصة في ظل الغلاء الفاحش للأسعار، وتجمد الأجور عند أدنى مستوياتها، والفساد المتفشي في الجهاز الإداري الحكومي، لكن اكتمال انتصار حركة الموظفين مرهون بالنضال الجماعي ليس فقط على مستوى كل موقع ولكن أيضا بين المواقع المختلفة، فتبادل الخبرات والدروس والتنسيق بين المواقع الأكثر تقدما وتلك التي تتحسس خطاها للنضال أمر حاسم للانتصار في المرحلة القادمة.