لا للتمويل الأجنبي.. لا لمساعي السيطرة:
نقابات العمال وضمانات الاستقلال

كانت نقابات العمال تاريخيا مطمعا وهدفا يسعي الي السيطرة عليها دائما الزعماء السياسيين حكاما ومعارضين وفي الحالتين كان السطو علي نقابات العمال يضر أول ما يضر استقلال هذه النقابات وبالتالي مصالح أعضائها من العمال.
ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، منها سيطرة عباس حليم في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي علي بعض النقابات حيث كان يقدم الدعم المادي والقانوني لهذه النقابات وتوظيفها في معارك ومنافسات سياسية وانتخابية بحكم الاعداد الكبيرة من العمال التي انتظمت في تلك النقابات والتي تعد كتلة تصويتية في اي انتخابات وبالتالي كانت مصلحة عباس السياسية هي الاولي بالرعاية وتتقدم علي مصلحة اعضاء النقابة انفسهم وهو ما عرض تلك النقابات لانتكاسات عديدة.. هذا علي مستوي المعارضين السياسيين.
علي الجانب الاخر قامت سلطة يوليو 52 بمصادرة النقابات العمالية التي كانت قد تشكلت في خضم اكبر حركة اضرابية في مصر في أربعينيات القرن الماضي، وأصبحت النقابات أداة لخدمة مصالح الدولة النظام الحاكم منذ عام 57 وهو تاريخ تأسيس الاتحاد الرسمي للعمال ولم تدافع هذه النقابات عن مصالح العمال بل كانت جزء من نظام الحكم باشكاله المختلفة.
ظلت النقابات تلعب دور الكابح لحركة العمال بل ووقفت موقف الدولة وأصحاب العمل وكانت معادية بشدة لكل تحرك عمالي. وعلي ضوء ذلك ومن قلب الإضرابات والاعتصامات التي قام بها العمال في السنوات الأخيرة ولدت"نقابة الضرائب العقارية" أول نقابة مستقلة في مصر منذ الأربعينيات من القرن الماضي، لتعبر بحق خطوة جبارة عي طريق استقلال وتحرير نقابات العمال من سيطرة الدولة واصحاب الاعمال، لتتوالي بعدها محاولات أخري ناجحة لتأسيس نقابات مستقلة، رغم عدم اعتراف الدولة بها ورغم كل ما تعرضت له تلك النقابات من ضغوط أمنية وإدارية من نظام مبارك.
حتي جاءت ثورة 25 يناير التي شارك العمال بها بقوة ليخرج علينا وزير القوي العاملة باعلان الحريات النقابية الذي يعترف بحق العمال في تاسيس نقاباتهم المستقلة وذلك استجابة لما فرضه العمال في مواقع العمل، ومن وقتها ومبادرات العمال ومحاولاتهم لانتزاع تنظيمهم النقابي المستقل لا يتوقف.
إلا ان وبعد أن أصبحت النقابات المستقلة حق معترف به، ظهرت مخاطر تواجه هذا الاستقلال الذي انتزعه العمال بتضحياتهم وأول هذه الأخطار هو خطر سيطرة مؤسسات المجتمع المدني التي تقبل التمويل الأجنبي عليها.
حيث تكالبت بعض تلك المؤسسات للسيطرة علي نقابات مستقلة قائمة بالفعل، أو علي نقابات تحت التأسيس يحاول أعضاؤها بناءها. ونتج عن ذلك أن اختلطت أموال المؤسسات التي تقبل التمويل الأجنبي بأموال النقابات ولم يعد يقتصر دورها علي الدعم القانوني أو التقني بل امتد إلى الدعم المالي المباشر وهو ما أضر أبلغ الضرر باستقلال تلك النقابات وعلي كفاحية قياداتها. علي جانب اخر فتحت تلك السيطرة باب الشبهات حول فكرة التنظيم النقابي المستقل وتعرضت محاولات العمال في مواقع اخري اتهامات لا يخلو بعضها من الصحة بأنهم يقبلون الدعم من أمريكا وهو اضر بالفعل بتلك المحاولات.
وهو ما دفع بعض قيادات النقابات المستقلة التي أسست مؤخرا إلى التفكير في مواجهة هذا الخطر المحدق بهم. مما دعاهم إلى إصدار إعلان مبادئ يؤكدون فيه على استقلال تنظيمهم النقابي من كافة القوي السياسية والحزبية، ومؤسسات المجتمع المدني وأن نقاباتهم تقوم علي المجهودات الذاتية لاعضائها دون غيرهم ورفضهم لقبول أي أموال من جهات أخري.
إن ديمقراطية نقابات العمال وكفاحية قيادتها في الدفاع عن مصالح أعضائها هي الضمانة الوحيدة لاستقلال تلك النقابات وان اختيار العمال تأسيس تنظيمهم النقابي المستقل وإنشاء اتحادهم الحر سيكون له أبلغ الأثر ونقله جبارة علي طريق توحيد الحركة العمالية ومطالبها في مواجهة أصحاب العمل.
إن نقابات العمال المستقلة هي أحد أهم منظمات النضال الاجتماعي بيد الجماهير للقضاء علي أركان النظام السابق والانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي واقامة نظام اقتصادي يخدم مصالح الغالبية العظمي من فقراء الشعب المصري، وهو ما يستدعي من القوي السياسية الاشتراكية مواصلة دعم العمال لانشاء نقابة مستقلة اكثر فأكثر وفي نفس الوقت الدفاع عن هذا الاستقلال ومحاربة كل محاولات السيطرة والإفساد التي يمكن أن تقوم بها أية قوي أخري.
اقرأ أيضاً: الشرعية الثورية والشرعية الورقيةفي عيد العمال نؤكد: الثورة مستمرةالعسكر.. والعمال العمال يستكملون الثورة