بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

انتخابات النقابات العمالية على الأبواب.. فما العمل؟

ما أصعب الوضع الذي يجد الثوريون المصريون أنفسهم فيه اليوم! فهم يناضلون من أجل هدف أسمى هو انتصار الطبقة العاملة في ثورتها وتحقيقها لسلطتها، نجدهم لا يعرفون إلا أقل القليل عن الطبقة التي يمثلون مشروعها. ففيما عدا أعم المبادئ يقف الثوريون حتى الآن عاجزين عن الإجابة على أسئلة رئيسية تطرح نفسها بإلحاح: ما هو السر وراء خمود الحركة النضالية للطبقة العاملة المصرية؟ وما هي تكتيكات النضال الثوري التي ينبغي أن تتبعها المجموعات الثورية قليلة العدد ومحدودة التأثير في ظل هذا الخمود؟ وما هي، في العموم الأشكال التي يمكن أن نتوقعها لعودة الروح النضالية للعمال؟ وما هو، على وجه التحديد، نوع الإعداد والتحضير المطلوبين استعدادًا للمعركة الطبقية المقبلة؟

وحتى لا أترك أي مجال لإساءة الفهم أؤكد أني لا أدعو دعوة اليأس والإحباط. أنا – فقط – أدعو وراء جرامشي إلى رفع شعار “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”. أدعو إلى نبذ كل تفاؤل أحمق ساذج يعمينا عن رؤية جسامة المهام وصعوبة الأسئلة. وأدعو، في نفس الوقت، إلى تفاؤل الإرادة الثورية بالقدر على التعلم من النضال ومن الممارسة، فليس هناك معلم سوى الممارسة الذكية والدؤوبة التي ستمنحنا القدرة على الإجابة على الأسئلة الصعبة.

أما وقد أصبحت انتخابات النقابات العمالية على الأبواب (حيث ستجرى في أوائل أكتوبر)، فإن جملة من الأسئلة ومن الإجابات تضع نفسها، ربما لأول مرة، في محك الاختبار الجدي. المسألة هنا ليست فقط مسألة الاشتراك في الانتخابات من عدمه. المسألة أكبر من ذلك بكثير: نحن نتحدث عن الامتحان العقلي القاسي الذي ستتعرض له الأفكار والتكتيكات الثورية التي ندافع عنها بدأب في مجلتنا “الشرارة” بصدد مهام إعادة بناء الحركة العمالية القاعدية والمستقلة.

أي معركة عملية، حتى لو كانت معركة انتخابية تافهة كالتي سنشهدها هي امتحان ومفرزة للأفكار والتكتيكات. فهل ستصعد أفكار “الشرارة” في الاختبار لتخرج أكثر نضوجًا ووضوحًا وتميزًا عن طوفان أفكار الاستقلالية النقابية التي يطرحها الانتهازيون وتجار بورصة السياسة الذين يرتزقون من انتسابهم المزيف للمشروع العمالي؟ وهل ستخرج أفكار “الشرارة”، في آتون المعركة، من القمقم لتتحول إلى قوة عملية يحسب لها حساب؟

لأي نقابات عمالية ستجرى الانتخابات في أكتوبر المقبل؟
كنا قد كتبنا في “الشرارة”، في معرض تحليلنا للتطورات التي شهدتها الحركة العمالية منذ 1952 وحتى منتصف التسعينات، أن النظام الناصري سعى على مدى سنوات الخمسينات “لاحتواء الحركة العمالية ولتطهير الحركة النقابية من التأثيرات اليسارية، وأنه أكمل مهمته بين أواخر الخمسينات وأواسط الستينات “بتحويل الحركة النقابية إلى جزء من جهاز الدولة من خلال مركزة البنية النقابية حول عدد محدود من النقابات العامة تحت إشراف الإتحاد العام ووزارة العمل”.. ثم أضفنا أن النظام زاد من سلطوية النقابات في سنوات السبعينات والثمانينات لتدعيم قدرتها “على احتواء وتقييد الصراع الطبقي” بعد أن شهدت مصر، على مدى سنوات السبعينات، “عشر سنوات من المد المتواصل”.

هذا ما كتبناه في العدد الأول من “الشرارة”. ولكن هل أتينا بجديد عندما قلنا ما قلناه عن سلطوية النقابات وعن كونها جزء من جهاز الدولة البرجوازية؟ الإجابة هي لا قاطعة. الكلام نفسه ردده، ومنذ سنوات طوال، ولأغراض طبقية مختلفة، العديد من المثقفين والقادة العماليين اليساريين، والعديد من الأكاديميين الذين تخصصوا في دراسة الطبقة العاملة وحركتها: طه سعد عثمان، عطية الصيرفي، كمال عباس، هويدا عدلي.. وغيرهم كثيرون. لم يعد هناك أحد يدعى أن التنظيم النقابي الرسمي معبر بأي مقدار عن الطبقة العاملة سوى الخدم المباشرين للبرجوازية المصرية، كحثالة الموظفين النقابيين والساسة من الدرجة الثالثة الذين يفوق غباؤهم وتفاهتهم كل تصور! حتى الانتهازيون الجدد – أولئك الذين قرروا مؤخرًا، بعد تاريخ طويل من النضال العمالي والثوري، أن يخونوا مصالح الطبقة العاملة ويعملوا كأذيال للبرجوازية – لم يجرؤوا على الزج بأسمائهم في أي محاولة للدفاع عن هذا التنظيم الأصفر، لأنهم لو فعلوا هذا لفقدوا على الفور أي درجة من التعاطف العمالي كانوا يحظون بها، ولفقدوا شرعيتهم في الشارع السياسي التي تأسست على الدفاع عن استقلالية الحركة العمالية. أما المناضلون الرايكاليون في الحركة العمالية فقد خاضوا منذ زمن بعيد، ورغم أوهامهم العديدة، حربًا لا هوادة فيها (على الأقل على صفحات الورق!) ضد نقابات الدولة الموجهة ضد صدور العمال. وحتى نوفي أولئك حقهم سنعطي مثلاً بأكثرهم استماتة في الحرب ضد النقابات الحكومية: عطية الصيرفي هذا الرحل كرس طاقاته ومواهبه من أجل فضح التنظيم النقابي الرسمي والدعوة لما سماه تعددية المراكز النقابية. لدى قراءتنا لما كتبه عطية الصيرفي عن النقابات الحكومية نجد أنه يتطابق في هذه المسألة مع، بل في أحيان يتفوق على، ما كتبناه نحن في “الشرارة”. يقول الصيرفي عن هذه النقابات أنها “بدعة سلطوية لجأت إليها السلطات الحاكمة للهيمنة على جماهير الطبقة العاملة”، ويرى أن مضمونها الاجتماعي هو تحقيق مصالح البيروقراطية الحاكمة، ثم يلخص بوضوح نقي وظيفتها بقوله أنها “الجناح العمالي للرأسمالي الحاكمة”، وهو أدق وصف يمكن أن توصف به الحركة النقابية الرسمية المصرية.

إذن، فنحن لم نأت بجديد! عطية الصيرفي وكثيرون غيره فضحوا، كما فضحنا نحن، الطبيعة السلطوية للنقابات – للجناح العمالي للبرجوازية المصرية. ولكن هذا ليس بكفاية. إذ يبرز هنا السؤال عن حاجة الطبقة الحاكمة لمثل هذا الجناح العمالي. فلماذا لم تدمر الناصرية – أو من أتوا بعدها – النقابات كلية، وتكتفي بأجهزتها القمعية السافرة التي تخنق أنفاس الطبقة العاملة بشراسة ما بعدها شراسة (كجهاز الأمن أو من سلطوية النقابات في سنوات إدارة المصانع)؟ ولماذا احتاجت البرجوازية إلى نقابات لها هذا الدرجة من الاصفرار ملحقة بجهاز دولتها؟

هذه أسئلة حاسمة. ففي الديمقراطيات البورجوازية في الغرب، وفي مصر قبل 1952، حتى أكثر النقابات عمالة وارتزاقًا للطبقة الحاكمة، حتى النقابات البوليسية، تعتمد في نجاح مهمتها القذرة على قدرتها على النفاذ في صفوف العمال وعلى اكتساب ثقة عدد كبير منهم. أما عندنا، ومنذ 1952 فصاعد، فلم تعد هناك حاجة إلى كل هذه الرتوش الديمقراطية! فلقد حولت البورجوازية النقابات إلى ثكنات جيش.. فهل يستشار الجنود في الجيش المصري حول قبولهم أو رفضهم للتجنيد؟ وهل سمحت برجوازيتنا بوجود أكثر من جيش للدفاع عن مصالحها؟ بالطبع لا. هكذا كان الحال في النقابات أيضًا. خضعت النقابات لمبدأ العضوية الإجبارية، وأصبحت شرعيتها تحميها أجهزة الدولة القمعية لا قدرتها على خداع العمال. باختصار أصبحت النقابات مكاتب لتسجيل العمال بالإجبار وبلا بديل!

وقائع التاريخ وحدها هي التي تستطيع أن تفسر لنا لماذا احتاجت الرأسمالية البيروقراطية الحاكمة وخلفاؤها، في جميع أطوارها وحتى بعد تأزمها وإلى الآن، إلى هذا النفاية المسماة نقابات. إن التجريد الفكري والتأمل الساذج ليستعجبان ويفقدان هدوئهما حال تفحصهما لهذه النقابات. أما التحليل الملموس فيستطيع أن يعملنا بأي مقدار كانت هذه “الثكنات النقابية” ناجحة – إلى حد كبير في بعض الأحيان وإلى حد ما في أحيان أخرى – في أداء مهمة تقليم أظافر الحركة العمالية نجاحًا لم تكن حتى أعتى أجهزة القمع السافر بقادرة على تحقيقه. فماذا يقول التاريخ في هذه المسألة؟

التاريخ يقول أن النقابات السافرة في شموليتها – التي ننتقدها نحن كما ينقدها عدد وافر من القادة العماليين واليساريين، والتي لا يحمل لها العمال في قلوبهم إلا الكراهية والاحتقار – قامت على مدى حوالي أربعة عقود متواصلة بالابتلاع المنظم لكل القيادات العمالية.. العفوية أو المنظمة، المسيسة أو غير المسيسة، اليمينية أو اليسارية. وهنا بالضبط تكمن قيمتها الثمينة لدى الطبقة الحاكمة. هذه النقابات مثلها كمثل “النداهة” في الحكايات الشعبية: نكرهها وننتقدها ونحمل عليها حملات شعواء، ولكننا – في نهاية المطاف – ندخل في انتخاباتها وننتخب في لجانها النقابية، ثم نحاول أن ننفذ فيها إلى أعلى حتى يكون في مقدورنا – ذات صباح جميل – أن نسيطر عليها لنقلبها من الداخل على طريقة انقلابات بلاط القصور!

هذه النقابات – برغم (أو بسبب) سلطويتها – ابتلعت أولاً كل بادرة لدكها وتجاوزها. وقد نجحت في تأدية هذه المهمة لأن قاعدتها – رغم كل شيء – هي الطبقة العاملة. فاللجان النقابية تنتخب من جماهير العمال. وهي لذلك قادرة على أن تبتلع في كل انتخابات معظم المناضلين العماليين الذين يبرزوا في الفترة السابقة على الانتخابات.. تبتلعهم أي تضمهم إلى مجلس إدارة اللجنة النقابية.

ولهذا السبب، فإنه بالرغم من وقاحة الطبقة الحاكمة التي لها ألف مظهر ومظهر… من التزوير إلى التدخلات في الترشيح والانتخابات، إلا أنها تسعد أيما سعادة كلما زاد عدد القادة العماليين الذين تتوجه أنظارهم وجهودهم إلى إصلاح النقابات من الداخل. ولذا فهي تحتاج دائمًا إلى فتح باب الدخول، أو على الأقل مواربته، فمن يريد أن يدخل من القيادات الحقيقية التي يثق فيها العمال. تحتاج لذلك لأنها بهذا ستضمهم إلى هيكلها النقابي، إلى ثكناتها، إلى جهازها البيروقراطي المتضخم ليكبلهم بأخطبوطيته الشرسة. هنا بالضبط ستكون البرجوازية قادرة على مراقبتهم وضبط حركتهم وتقليم أظافرهم، وإلا فالبديل هو أن يفلتوا من أيديها في حركات سرية أو – وهذا هو الأسوأ من وجهة نظرها – جماهيرية واسعة يشقون من خلالها المجرى لأشكال نقابية حقيقية.

ألوان من الاستقلالية النقابية؟
لقد ارتبطت الأشكال التي أخذتها فكرة الاستقلالية النقابية في مرحلة ما بعد 1952، وارتبطت طبيعة النضال من أجل تحقيق تلك الفكرة، أوثق الارتباط بالمسيرة المتعرجة لنضال الطبقات في مصر خلال الأربعين عامًا الماضية.

إن صمود نقابات السلطة في وجه الزمن وتقلباته طوال أربعين عامًا لا ينبئنا الكثير عن العواصف التي تعرضت لها والتي هزت غير مرة قدرتها على القيام بمهمة بلع وهضم بوادر التحرك العمالي. لقد كان كل انفجار عمالي يضع النقابات في امتحان عسير: هل ستستطيع معدتها هضم بوادر الغضب؟ أم أنها ستتمزق تحت وطأة الأزمة لتظهر – على أنقاضها – أشكال نقابية مستقلة بديلة لتعبر عن مصالح العمال؟

نشأت فكرة الاستقلالية النقابية أو ما نشأت (في مرحلة ما بعد 1952 وحتى 1959. كانت البرجوازية المصرية، وأحزابها السياسية وعلى رأسها الوفد، قد أثبتت في الفترة السابقة على ذلك عجزها التام والنهائي عن حسم الصراع الطبقي المشتعل، وعن قيادة الجماهير لتحقيق الثورة البرجوازية. لقد جبنت البرجوازية بقطاعاتها المختلفة عن مواجهة الاستعمار وعن ضرب النظام القديم، مثبتة بذلك أن خوفها على مصالحها من المد الجماهيري كان أكبر كراهيتها “للمستعمر الغاصب”. وقد حدت هذه الظروف بتنظيم الضباط الأحرار – الخارج من أوساط ضباط الجيش المتوسطين الناقمين على الاستعمار والكارهين لرجالات السياسة البرجوازيين المتخاذلين – أن يقوم في 1952 بالاستيلاء على السلطة بمعزل عن، بل وضد، البورجوازية وأحزابها الورقية. وقد وضعت السلطة الجديدة على عاتقها تحقيق المهام البرجوازية التي عجز الجميع عن تحقيقها.

غير أن التجربة علمت الحكام الجدد أن الإبقاء على أي قدر من الديمقراطية – حتى لو كانت ديمقراطية هشة كتلك التي سادت في مصر من 1923 إلى 1952 – سيسبب الكوارث لسلطتهم لأنه سيعني احتفاظ الطبقات المضطهدة بالقدرة على تنظيم أنفسها في مواجهتهم وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد النضال الطبقي ليصل إلى نقطة التصادم الحاد بين البرجوازية والطبقة العاملة. وهكذا، عصفت السلطة الناصرية – بلا وجل – بالديمقراطية.. بالأحزاب، بالبرلمان وباستقلالية النقابات العمالية التي بناها النضال العمالي في مرحلة المد السابقة على 1952.

وقد دوت أثناء هذه التجريدة البورجوازية الشرسة أصوات التأوه والرفض العمالي.. أصوات الدفاع عن استقلالية الحركة العمالية. فأي مضمون طبقي كانت تحمله هذه الأصوات؟ وأي مشروع سياسي كانت تعتنقه؟

الإجابة ليست صعبة حقًا. فإذا ما أردنا أن نصف من تأوهوا من شراسة سلطة 1952 (والتأوه هو التعبير الدقيق عما فعلوه لأنهم لم يفعلوا شيئًا عدا التعبير اللفظي عن الألم) بصفة طبقية واحدة تشير إلى ما يجمع بينهم لا إلى ما يفرقهم (وهو ليس بكثير على أي حال) سنقول أنهم “بورجوازيون صغار” نفذوا حتى العظم في الحركة العمالية. وإذا كانت هذه التسمية لا تعجب أحد ما فليقل لنا بأي صفة يمكننا أن نصف من اتفقوا جميعًا – رغم اختلاف تنظيماتهم – على ضرورة أن تتحالف الطبقة العاملة مع البورجوازية الكبيرة (أو على الأقل كما في حالة تنظيم الراية الصغيرة) من أجل إنجاز الثورة؟ بأي صفة يمكننا أن نصف من رفضوا بإمعان قيادة البروليتاريا لجموع المضطهدين في ثورة عمالية؟ بأي صفة يمكننا أن نصف من رفضوا ديكتاتورية البروليتاريا، وطالبوا بثورة وطنية ديمقراطية تخضع فيها المهام الطبقية تمامًا للمهام الوطنية؟

طبعًا نعلم جميعًا أي مأزق وضع أولئك البورجوازيين الصغار الطبقة العاملة فيه حينما جوبهت بالتجريدة البرجوازية على الديمقراطية وعلى النقابات. لقد رفضوا بعناد أن يفهموا أنه من الغير الممكن الدفاع عن استقلالية النقابات – عن حرية الطبقة العاملة في تنظيم نفسها – إلا بالنضال ضد سلطة البرجوازية بالذات. والنتيجة كان أنهم كانوا يتأسفون على العصف بالديمقراطية، وفي نفس الوقت يباركون حركة الجيش ويؤيدونها فيما اتخذته من إجراءات (كما يحدث في مؤتمر قهوة عوف بشبرا الخيمة مثلاً). إلا ما أفظعه من وضع ذلك الذي وجدت الطبقة العاملة نفسها فيه! فبدلاً من التحضير لمعركة طويلة وصعبة مع السلطة الجديدة دفاعًا عن حرية العمال الاقتصادية والسياسية، كان قادة الطبقة العاملة يباركون حركة الجيش في حربها المظفرة ضد الإمبريالية!!!

أما المرحلة الثانية لتطور فكرة الاستقلالية النقابية، ولتطور النضال من أجل تحقيقها، فقد امتدت من أواخر الخمسينات إلى أواخر الستينات (ذلك كان العصر الذهبي للبرجوازية البيروقراطية المصرية). في هذه المرحلة جنت السلطة الناصرية ثمار انتصارها من السهل في معركة الخمسينات. فقد استطاعت عن طريق تدعيمها لديكتاتوريتها، وعن طريق الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي تلا ذلك، أن تمنح الطبقة العاملة بعضًا من الإصلاحات الفوقية. فانتشر الوهن وتراجعت الجذوة النضالية في الصفوف العمالية، وسيطرت الأيديولوجية القومية الناصرية على قطاع واسع من العمال.

في هذه الظروف تحولت الاستقلالية النقابية إلى محض فكرة واهنة ومعزولة لا يدعمها أي نضال عمالي.. لقد فقدت الفكرة قدرتها على أن تكون شعارًا للحركة، بعد أن كنست انتصارات الناصرية في طريقها الاستقلاليون البرجوازيون الصغار الذين ظل معظمهم يدعم عبد الناصر سياسيًا بينما كان يسوقهم إلى السجون والمنافي!

في هذه الظروف أيضًا حققت النقابات أقصى نجاح شهدته في تاريخها، وتوفرت للارستقراطية النقابية – مرتزقة السلطة الخارجين من أوساط العمال – أفضل الظروف لتمد جذورها في معظم المواقع العمالية، ولتبتلع كل بادرة للتحرك العمالي.

المرحلة الثالثة للتطور كانت المرحلة الممتدة من أواخر الستينات حتى أواخر السبعينات، وهي مرحلة بدايات استيقاظ الجماهير من سباتها الطويل.. لقد كانت تلك مرحلة النهوض الجديد للحركة العمالية في غمار الأزمة العاصفة التي هزت البورجوازية البيروقراطية هزًا، خاصة بعد هزيمة 1967. في هذه المرحلة بدأ يتقوض الأساس الطبقي للشمولية النقابية التي بدأت تفقد تماسكها إزاء موجة التذمر العمالي القاعدي. وبرز – تحت ضغط المد العمالي – السؤال: كيف يمكن للشمولية النقابية أن “تبتلع” حركة عمالية متصاعدة بثبات؟ وكيف لها أن تدخل في جوفها، لأغراض المراقبة والضبط، جيل جديد من القيادات العمالية أفرزتهم حركة عمالية ناهضة وخارجة عن سيطرة الشمولية النقابية؟ لقد وضعت نقابات الدولة في امتحان عسير، وبدأت السلطة تطرح البدائل الممكنة للخروج من المأزق.

وكان المخرج هو المزيد من الشمولية النقابية، فأصدرت السلطة القوانين 35/76، و 1/81 ثم 12 لعام 95. كان الهدف من هذه القوانين هو منع تحول اللجان النقابية – تحت ضغط الحركة العمالية المتصاعدة – من أسلحة في يد البورجوازية تبتلع بها كل قيادة تخلقها الطبقة العاملة إلى أسلحة في يد العمال يفرضون عبرها مطالبهم، ومنع تحول لجان المندوبين – وهي إبداع عمالي جديد ظهر في السبعينات لقيادة النضالات – إلى إفراز حركة عمالية جديدة خارجة على التنظيم الرسمي. وكان الطريق لتحقيق الهدف هو تقزيم موارد اللجان النقابية مع إخضاعها للمستويات الأعلى – النقابة العاملة والاتحاد العام – بشكل مطلق، وتدجين لجان المندوبين عن طريق الاعتراف بشرعيتها وإلحاقها بالهيكل النقابي الرسمي كجمعية عمومية للجان النقابية. ولقد نجحت البرجوازية في مسعاها نجاحًا كبيرًا: ظلت اللجان النقابية موجودة لابتلاع ما تفرزه الحركة، بينما زادت قدرات الهيكل النقابي على إحباط أي محاولة لقلب مضمون وهدف اللجان ضد الطبقة الحاكمة.

إستقلاليو هذه الفترة خرجوا من رحم تصاعد النضال الطبقي في زمن تضعضع البرجوازية البيروقراطية بعد أن خيبت أمال الجماهير الاقتصادية والسياسية. تبلور في هذه الفترة انقسام حاد في صفوف الشيوعيين المصريين (الممثلين المفترضين للطبقة العاملة) بين تيار يميني (يمثله “الحزب الشيوعي المصري”)، وتيار يساري (يمثله أكثر من منظمة – أكثرهم جذرية وأهمية كان “حزب العمال الشيوعي”). مضمون الانقسام بين الحزب الشيوعي وحزب العمال تمثل في مسألتين مركزيتين: الأولى هي الموقف من الناصرية، والثانية هي تحديد طبيعة الثورة المقبلة. ومهامها وقواها ومراحلها. فبينما كان حزب العمال يقدم نقدًا جذريًا لسلطة البرجوازية البيروقراطية في الستينيات كان الحزب الشيوعي يتغزل فيها ويتمنى القضاء على ثورة السادات المضادة والعودة لأيام عبد الناصر، وبينما كان حزب العمال يرى أن البرجوازية المصرية قد أفلست وأن الثورة المقبلة هي بالضرورة اشتراكية (لكن تسبقها مرحلة الجمهورية الديمقراطية!) ظل اليمين يلعق أحذية البرجوازية “الوطنية” راجيًا إياها أن تقوم بمهامها الوطنية الديمقراطية.

فكيف إذن حارب جناحي اليمين واليسار في الحركة الشيوعية الشمولية النقابية المتزايدة في السبعينيات والثمانينات؟ وكيف تصديا لأكثر عقبة تواجه الحركة العمالية المصرية؟

الأمانة تقتضي أن أقول – قبل الإجابة – إن أي إجابة دقيقة على هذه الأسئلة ستحتاج إلى وقت طويل ريثما تستنهض الهمم من أجل كتابة تاريخ الحركة الشيوعية الثالثة كتابة أمينة وصحيحة. لكن من المعلومات التي لدينا نستطيع أن نقول أن الصراع بين اليمين واليسار بصدد النقابات كان يظهر واضحًا – لدرجة ما – على مستوى البرامج.. على مستوى التحليل النظري. أما حينهما تتحول البرامج السياسية الخطية إلى برامج عمل – إلى تكتيكات يومية – فإن الفجوة بين التيارين كانت تضيق إلى درجة تثير الدهشة لدى من يعلم أن هوة الاختلاف البرنامجي شاسعة.

يمين الحركة الشيوعية المصرية لم يكن سعيدًا بنقابات السلطان. لكن تعاسته كانت تعاسة الديمقراطي البرجوازي المحترم الذي يرى البورجوازية ترتكب الفظائع بحق الديمقراطية ولكنه يؤمن أنه من الممكن لهذه البرجوازية بالذات أن تكون ديمقراطية.. أن تسمح بوجود نقابات حرة مستقلة!! غير أن تعاسة هذا اليمين لم تكن شديدة على أي حال. فقد ولدت هذه النقابات في عصر الزعيم “عبد الناصر” الذي يكن له هذا اليمين كل حب وتقدير.. فلا أقل إذن من الاحتفاظ بسمة رئيسية من سمات نقابات السلطة الناصرية: حظر التعددية دفاعًا عن وحدة الحركة النقابية! أي سخف وأي خضوع للبورجوازية هذا؟

أما اليسار – حزب العمال – فقد اعتبر نقابات السلطة أداة في يد الطبقة الحاكمة لتفويض الحركة العمالية. وعلى وجه العموم كان نقده لتلك النقابات أكثر جذرية من نقد اليمين، خاصة وأنه كان يعادي بشكل جذري السلطة التي أنجبت هذه النقابات. أيضًا كان حزب العمال غير متشبث بمسألة وحدة الحركة النقابية هذه. ففي أوراقه السياسية دافع عن أن تكون عضوية اللجان النقابية في المصانع والمنشآت اختيارية في النقابات العامة، تقررها الجمعيات العمومية للجان النقابية في المصانع والمنشآت وللجنة النقابية في المصنع أو المنشأة حق الانسحاب في أي وقت من عضوية الاشتراك في النقابة العامة متى قررت ذلك جمعيتها العمومية، ومتى رأت خروج النقابة العامة عن أهداف ومصالح عمال الصناعة أو المهنة، أو مصالح وقضايا الطبقة العاملة المصرية.”

ولكن، بعيدًا عن الأوراق السياسية والبرامج الخطية، كان هناك اتفاق – كما يبدو مما تجمع لنا من أوراق – بين اليمين واليسار على أن المعركة هي معركة تغيير للقوانين: على الجماهير أن تحتشد وتتحرك لتغيير قانون النقابات ولتنفيذ مطالبها – الديمقراطية عمومًا والنقابية على وجه خاص – وعندما يحدث هذا ستتعدل بنية ودور ووظيفة هذه النقابات وستتحول من نقابات صفراء إلى نقابات عمالية حقيقية “حشد الجماهير من أجل إسقاط قانون النقابات الرجعي واستبداله بقانون ديمقراطي”.. هنا يلتقي اليمين واليسار، وهنا أيضًا سنطرح فيهما معًا عدد من الأسئلة: ما الذي يمكننا عمله من الآن وحتى يسقط القانون؟ وهل إسقاط قانون هو الهدف المركزي الذي ينبغي أن نحشد الجماهير من أجله؟ وما الذي يجعل من إسقاط القانون هدفًا مركزيًا لكل منكما؟ (هذا مع الوضع في الاعتبار اختلافاتكما فيما يتعلق بتحليل طبيعة النقابات القائمة، وفيما يتعلق بتصوركما عن الحركة النقابية التي تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية حقًا ومستقلة حقًا)؟

أو ليس معنى تركيز اليمين واليسار الشيوعي في السبعينات – كل على طريقته – على إسقاط القانون أنهما قد أغفلا المعركة ذاتها وركزا فقط على نهايتها المظفرة: إسقاط القانون؟ أو ليس معنى هذا أنهما ضحيا بالمعركة اليومية – في كل مصنع ومنشأة – وثبتا الفيلم على نهايته السعيدة؟ وأنهما حددا الهدف النهائي وأهملا رسم معالم المسيرة الصعبة إليه.

فهل لنا أن نستنتج من هذا أنهما – رغم اختلافهما الاستراتيجي البين – قد أصيبا معًا بمرض الطفولة اليساري.. مرض الوقوف عند الهدف النهائي – الثورة – والنكوص عن ترجمتها إلى تكتيكات عملية؟

الحقيقة – في تقديري – هي عكس ذلك. لقد اختار اليمين واليسار التركيز على نتيجة المعركة وأهملا الطريق الموصل إليها لأنهما بهذا أعفيا أنفسهما من أية أعباء حقيقية تتعلق بتطوير حركة الجماهير – هنا والآن – وكلفا نفسيهما فقط بمهمة الدعاية لهدف نهائي سيتحقق يومًا ما عندما تنهض كل الجماهير! ما أسهل أن تكتب أوراقًا تطالب فيها بإسقاط قانون النقابات، ولا تكلف نفسك مشقة إسقاطه عمليًا.

أيها السادة.. قانون النقابات سيسقط عمليًا قبل أن يسقط بمراسيم الدولة.. سيسقط في كل مصنع يخلق فيه العمال شكلاً يعبرون من خلاله عن وحدتهم وعن تضامنهم، فبدلاً من أن تبعئوا الطبقة العاملة كلها لليوم السعيد – يوم إسقاط القانون دفعة واحدة – اعملوا على انتهاز فرصة كل إضراب لمحاولة تكوين لجان لقيادة الإضراب، وصندوق له.. الخ. أو ليس معنى هذا أن القانون سقط علميًا في تلك اللحظة بالذات؟

المعارك الكبرى هي دائمًا تتويج لمعارك استنزاف طويلة يتم التحضير فيها لتلك المعارك الكبرى. فإذا ما أتى أحدهم ليدعو إلى المعركة الكبرى بينما هو أبعد ما يكون عنها، علينا أن نتشكك في جديته من الأساس: أتكون دعوته تلك ذريعة للخروج من الحلبة اليوم وإلى أن يأتي زمن المعارك الكبرى؟

ثم ألستم معي في أن التركيز على شعارات إستراتيجية كإسقاط القانون وتغيير النقابات الحالية تتم عن عدم ثقة بحركة العمال داخل مصانعهم؟ فالتركيز على الهدف البعيد، وإغفال الهدف القريب – بناء حركة جديدة في كل مصنع – يعني عدم الثقة بقدرة العمال، في المدى المنظور، على بناء بدائلهم الخاصة والحقيقية.

إن ظهور تيار حزب العمال في الحركة الشيوعية المصرية كان خطوة هامة للأمام في اتجاه نقد تذيل الشيوعيين المزمن للبورجوازية، وفي اتجاه تأكيد الدور الحاسم للطبقة العاملة المصرية في حسم المعركة الطبقة الجارية. علينا أن نؤكد ذلك قبل أن يأتي من ينتقدنا على أننا وضعنا اليمين واليسار في قارب واحد. ولكن علينا أيضًا أن نؤكد ألف خطوة برنامجية إلى الأمام لا تعني شيئًا إذا لم تترجم إلى تكتيكات، يومية للنضال – هنا والآن – من أجل تأزيم التناقض الطبقي وإيصاله إلى غايته المحتومة.. قد نكون محقين عندما نقول أنه “هنا بالضبط كمن كعب أخيل حزب العمال الشيوعي”، وبالطبع لا بد أن نضيف أنه “هنا أيضًا قد يكمن كعب أخيل حركتنا نحن إذا لم نستوعب – عبر التجربة والخطأ الدرس.”

المعركة الراهنة للانتخابات النقابية تجري بعد أن انحطت الحركة الشيوعية الثالثة ووصلت إلى طريق مسدود. منذ حوالي أكثر من عشر أدوات وعوامل التفسخ والتدهور تفعل فعلها في تلك الحركة حتى أنه لم يبقى منها اليوم إلا أطلالاً يمكننا – إذا كان عندنا وقت فائض” أن نبكي عليها.

أما استقلاليو مرحلة الانحطاط فقد حولوا فكرة الاستقلالية إلى بيزنس. فبعد أن كان اليسار الراديكالي يسعى إلى حشد الجماهير لإسقاط القانون في معركة طبقية كبرى، أصبح هذا اليسار ذاته يسعى إلى تغيير القانون عن طريق إقامة مراكز ممولة من مؤسسات التمويل الدولية هدفها صياغة برامج لتدريب العمال على التفاوض مع رأس المال، وعن طريق التربيط مع العصبيات في انتخابات مجالس الشعب لإنقاذ مبعوث عمالي يتحدث باسم العمال!!! لقد اختفت الجماهير من الصورة وأصبحت تقال في ندوة لاستمرار العطف وإثارة الشجن.

على أن الجانب المضيء من الصورة هو إن إفلاس هذا اليسار يعني وصول التأزم إلى منتهاه، ويعني الحاجة الماسة لتيار عمالي ثوري جديد ينطلق من الأرضية الراسخة لمشروع التحرر الذاتي للطبقة العاملة ليحوله إلى تكتيكات وبرامج عمل يومية لا تكل ولا تمل.

هذا التيار الآن مجرد حنين.. فكرة لم تجرب ولم تمتحن. فكيف يمكن أن يعمل على إيصال مشروعه إلى قطاع، ولو محدود جدًا، من الجماهير العمالية؟ وكيف يمكن للمدافعين عن بناء حركة نقابية قاعدية ومستقلة أن يتعاملوا مع الانتخابات المقبلة؟

لنتذكر ما ذكرنا سابقًا من أن هدف نقابات السلطان هو ابتلاع كل قيادة تفرزها الحركة العمالية ثم تدجينها وقولبتها في قالب الجهاز النقابي البيروقراطي الضخم، كانت نقابات السلطان تقوم بهذا الدور بنجاح مبهر في الستينات بسبب نجاحات الرأسمالية المصرية في إعطاء إصلاحات للجماهير العمالية. على مدى السبعينات، وبصورة متزايدة الحدة في الثمانينات، بدأ تراجع مستويات معيشة العمال يدفعهم للتذمر، وبدأ البنيان النقابي يتعرض لأزمات متقطعة. في كل مرة كان العمال يهتفون فيها ضد النقابات كان هذا الهتاف يزلزل البنيان النقابي ويطرح تساؤلات حول كفاءته في أداء دوره. ولكن بسبب الطبيعة المتقطعة للنضالات وبسبب خيانات اليسار، كان البنيان النقابي يرمم نفسه بعد كل نضال وغالبًا ما كانت كل انتخابات نقابية لاحقة على إضراب عمالي كبير، أو صغير تلقى أعضاء اللجنة السابقين – الذين وقف معظمهم ضد العمال ومع “النظام” – خارجها، وتدفع بالقادة الجدد الذين قادوا الإضراب أو الاعتصام إلى داخلها.. ثم تدور الدائرة مرة أخرى في الدورة التالي؟

وللأسف سيظل البنيان “النقابي” الأصفر قادرًا على ترميم نفسه طالما ظلت الحركة العمالية على هذا القدر من الخمول والإحباط والتحلل. لن ينفجر هذا البنيان إلا تحت وطأة تصاعد راسخ في حركة العمال. ودورنا في لحظة الجزر هذه – كما بينا في الجزء الثالث من مقال الحركة العمالية في مفترق الطرق – الدعاية الدؤوبة لمجرى نضالي جديد: النقابات القاعدية المستقلة التي ينتخب فيها العمال بشكل مباشر مندوبيهم في الورش والعنابر، والتي تتكون من لجان مندوبين خارجين من أوساط العمال وغير منفصلين أبدًا عنهم وخاضعين للمحاسبة والعزل والتغيير. هذه الدعاية هي تحضير للمعركة المقبلة.. عندما تتقلب الموازين الطبقية لصالح الطبقة العاملة.. كيف؟ لأنها ستبث في صفوف أوسع عدد ممكن من العمال فكرة ضرورة تشكيل البديل النقابي القاعدي، وستدعوهم – من الآن – إلى اقتناص كل فرصة لتحويل الفكرة إلى واقع حي.. حتى لو كان هذا الواقع مجرد حنين. كل مجلة مصنعية تنجح في حشد تعاطف عدد واسع من العمال هي جنين، كل لجنة إضراب منتخبة هي جنين، كل صندوق إضراب هو جنين. نعم دعايتنا لن تتحول إلى قوة حية إلا في لحظات تصاعد المد، ولكنها ستكون خير تمهيد وإعداد لهذا المد.

فقط من وجهة نظر هذه الإستراتيجية، وفي ضوئها، يمكننا أن نحدد تكتيك التدخل في الانتخابات النقابية المقبلة. هذا التكتيك يمكننا تلخيصه في المبادئ التالية:

1. نحن لن ندعو القيادات العمالية القليلة المتعاطفة معنا إلى دخول الانتخابات من أجل إصلاحها من الداخل. فهذه النقابات هي جزء من جهاز الدولة ولا يمكن إصلاحها من الداخل. على العكس، المطلوب هو تدميرها.. هو شل قدرتها على القيام بدورها القذر.

2. من أجل القيام بمهمتنا علينا أن نفهم أن هناك ضرورة للتركيز في الدعاية الانتخابية على فضح النقابات واللجان النقابية.. على فضح دورهم ووظيفتهم. وعلينا أيضًا أن نشهر بمن يدافعون عن منطق الإصلاح من الداخل الذين يرون أن التغيير في الأشخاص هو الحل. وعلينا – وهذه هي أهم نقطة – أن نحارب، بلا أي شفقة، الاستقلاليون المزيفون الذين حولوا النضال من أجل الاستقلالية من نضال في أوساط الجماهير العمالية إلى نضال في المركز ودور الخدمات النخبوية.

3. إذا فاز أي قائد عمالي يتبنى المنطق الذي نتبناه بمقعد في اللجنة النقابية عليه أن يفهم أنه قد دخل معسكر الأعداء، وأن دوره هو إثارة البلبلة في صفوفهم. وحتى يقوم بهذا الدور عليه أن يعمل على شل اللجنة النقابية وقائدنا العمالي في اللجنة سيشهر بدورها التدجيني، وسيسعى إلى تدمير سيطرتها على أي حركة أو تذمر عمالي. قائدنا العمالي سيسعى، فور حدوث اعتصام، إلى الدعوة لانتخاب لجنة عمالية من أوساط العمال لقيادة الاعتصام، ولن يرضى أبدًا أن تتولى اللجنة النقابية دور القيادة. قائدنا العمالي سيسعى، ليل نهار، إلى تكوين أشكال عمالية قاعدية تواجه وتستبدل اللجان النقابية.

4. على القادة العماليين الراديكاليين أن يحذروا من الخطر الماثل أمامهم، ألا وهو خطر أن تحولهم اللجان النقابية إلى عبيد لها. إلى خدم لمنطقها. يحدث هذا عندما يطالبوا العمال “بالهدوء حتى تقوم اللجنة بالتفاوض نيابة عنهم”.. لا، القائد الراديكالي عليه أن يدعو العمال لانتخاب مفاوضيهم في كل إضراب، وعليه أن يدعوهم لمحاسبة من ينوبون عنهم.

هذه هي مبادؤنا لدخول الانتخابات النقابية القادمة. نعلم أن تكتيكنا لن يكون له حظ واسع من التطبيق. وأن عدد القادة العماليين والذين سيتعاطفون مع فكرتنا سيكون محدودًا، وأن عدد من سيتماسك عليها بعد نجاحه – إذا نجح – أقل ولكن هذه المخاطرة لن تثنينا عن انتهاز فرصة الانتخابات للبدء في شق المجرى العمال الجديد .. أما من سيخذلوننا في منتصف الطريق فلن ترحمهم الطبقة العاملة، ولن نتوقف نحن عن التشهير بهم.