بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

في ندوة بمركز الدراسات الاشتراكية:

انتخابات الصحفيين.. لماذا فاز “مكرم”؟

نظم مركز الدراسات الاشتراكية مائدة مستديرة تحت عنوان “محاولة لتقييم انتخابات نقابة الصحفيين.. وما العمل في الفترة القادمة” في محاولة لطرح تصورات، واقتراحات للعمل فى المرحلة القادمة وذلك بعد اكتساح التيار الحكومي للانتخابات الأخيرة، وسيطرته على منصب النقيب وأغلبية مجلس النقابة. شارك في النقاش عدد من النشطاء النقابيين الذين خاضوا أو شاركوا في المعركة الانتخابية.

أزمات المجلس السابق

أشار كارم يحيي، مؤسس حركة “صحفيون من أجل التغيير”، إلى أنه كي نفهم نتائج الانتخابات الأخيرة لابد من تقييم أداء المجلس السابق. فخلال انتخابات المجلس والنقيب في 2003، بات واضحا للكافة إن جموع الصحفيين يريدون بالفعل وضع لائحة جديدة للأجور، بدليل أنهم رفضوا رشاوى الحكومة المعتادة. وفي انتخابات النقيب عام 2005، انتخب الصحفيون من وعدهم بالتحرك من أجل زيادة الأجور، ومن ثم اختاروا جلال عارف نقيباً مرة أخرى. لكن مجلس النقابة خذل الصحفيين، وفوت الفرصة لزيادة الأجر، وذلك نتيجة غياب الأولويات وهو ما بدا واضحا في المؤتمر العام الرابع للصحفيين. من ناحية أخرى، والكلام لازال لكارم، “فإنه بالنسبة لأداء النقيب المعارض ومنهجه في الحركة طيلة الفترة الماضية، فقد بدا واضحا أنه ركز على الاهتمام بتثبيت العلاقة-الجسر مع الدولة من خلال صفوت الشريف أكثر من أن الاهتمام بالاستفادة من زخم الانتخابات والكفاح وسط الصحفيين وتعبئتهم. وقد ظهر هذا التوجه منذ مقابلة جلال عارف مع حسني مبارك بعد 6 أشهر من الانتخابات”.

وفي نفس السياق يؤكد محمد منير، الذي خاض تجربة الترشيح في الانتخابات الأخيرة، على المشكلات التي اكتنفت أداء المجلس، فيقول إن “مجلس النقابة السابق لم يكن معارضا، وإنما حكم عمله مبدأ الحلول الوسط ومسك العصا من المنتصف، والتوازنات”.

وتشير منى عزت التي خاضت كذلك تجربة الترشيح في الانتخابات الأخيرة، إلى أنه “إذا أردنا رصد إنجازات النقابة في الفترة السابقة فخلال السنتين الأوليتين من الفترة التي تولى فيها النقيب جلال عارف منصبه فتحت بعض الملفات ومنها ملف لائحة الأجور إلى أن عقد المؤتمر العام الرابع الذي فتح جميع الملفات وتشكلت المجموعة التي سميت “أمانة المؤتمر”، وكانت هذه خطوات إيجابية بالفعل وأصبح هناك دور فعال للجمعية العمومية. لكن للأسف كل المقترحات التي ناقشتها الجمعية العمومية ظلت حبيسة الأدراج ولم نستطع ذكر أي شيء من إنجازات المجلس السابق غير أنه فتح الملفات المسكوت عنها إلى أن فتح ملف حبس الصحفيين وعقد جمعية عمومية لمناقشة هذه القضية”.

ويختلف د. عمار علي حسن مع الرؤية التي تنتقد أداء مجلس النقابة السابق فيرى أن “السياق العام في مصر الآن يختلف عما كان في 2003. فقد كان التصويت آنذاك متأثرا برياح التغيير التي هبت على المجتمع كله. أما الآن فالتصويت معبر عن حالة من الانكسار التي حدثت داخل المجتمع وهو ما انعكس علي الأداء الانتخابي، وكان أداء المجلس السابق رفيعا لكنه في الحقيقة لم يأخذ حقه الطبيعي”.

الرشاوي ورجال الأعمال

أجمع المشاركون على أهمية الدور الذي لعبته الرشاوى الانتخابية في ترجيح كفة مرشح الحكومة مكرم محمد أحمد. فيشير كارم إلى أنه في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة للصحفيين، جاءت الـ 200 جنية التي وعد بها مكرم لتلعب دوراً مهماً في اختيار النقيب. ولفت كارم إلى المغزى الخطير لدور رجال الأعمال في الانتخابات، وأثر ذلك على استقلالية النقابة، وإمكانية فتح أبواب الفساد، مشيراً إلى أن نجيب ساويرس أعطى 400 دقيقة لكل صحفي بمبلغ 700 ألف جنية.

ويتفق هشام يونس، الذي خاض تجربة الترشيح، مع أهمية دور الرشاوى الانتخابية، فيشير إلى أن ” الـ200 جنيه الرشوة قلبت الموازين أثناء الانتخابات… يمكن أن نقول إن الانتخابات تستحق لقب الأقذر في تاريخ الانتخابات حيث خلقت جوا فاسدا داخل النقابة… إذا القينا الضوء علي الفترة القادمة فإنها ستكون منحصرة داخل فكرة التسابق علي الامتيازات فقط”.

انتهازية الإخوان وضعف اليسار

أوضح المشاركون أنه بالرغم من أهمية تأثير الرشوة الانتخابية، فإن تفتت قوى المعارضة وانتهازيتها، لعب دوراً مهماً في ترجيح كفة المرشح الحكومي وتمكنه من إحراز هذا الانتصار الساحق. ويشير محمد منير إلى تأثير الموقف الانتهازي الذي تبناه الإخوان بتحالفهم مع مرشح الحكومة على نتيجة الانتخابات. ويتساءل كيف استطاع المرشحون المحسوبون على الحكومة تحقيق هذا الانتصار في حين أنه “من اللافت للنظر إن من ضمن المرشحين الـ 81 للانتخابات الأخيرة كان المرشحون المحسوبون على تيار الاستقلال النقابي أكبر عددا من الجبهة الرسمية، وهو ما يعد علامة استفهام”؟

وتشدد منى عزت، على أهمية تأثير حالة الانقسام بين المعارضة، فتقول إنه “سادت حالة من الاستقطاب نتيجة لانقسامنا إلى فرق متنافسة، هذا بالإضافة إلى تأخرنا في اختيار النقيب مما كان له أثر سلبي علي الأداء داخل الانتخابات وسيطرة الطابع التنافسي بين المرشحين بدلا من العمل علي فكرة إن لدينا رؤية نسعى لإيضاحها”.

وعن ضعف وجود تكتل يساري، يقول محمد النجار، عضو المجلس السابق والذي خاض تجربة الترشيح إنه: “طُلب منا أن نترشح لكي نكمل المسيرة، ولكننا لم نجد أحد يتحرك معنا، فكان من المفترض وجود كتلة يسار حقيقي ولكن هذا لم يحدث.” وبالنسبة لجمال فهمي عضو مجلس النقابة، فإن “فقدان القوة التنظيمية والتجييشية كان له الأثر الأكبر علي نتائج الانتخابات، هذا بالإضافة إلى العشوائية التي أفسدت الأمر…ما يعد مشكلة كبيرة هو وجود طيف واسع تحت عباءة اليسار … لكنه غير منظم؛ و نجد التكوينات التنظيمية في حالتين فقط وهما الأخوان والتكوين العصابي .. وفي النهاية يتقابل الطرفين”.

التلاعب والتزوير

على خلاف الانتخابات السابقة، طرحت انتخابات هذه الدورة، مسألة نزاهة العملية الانتخابية باعتبارها أمراً محل تساؤل. وهنا أشار كارم يحيى إلى أن “انتخابات نقابة الصحفيين أصبحت أشبه بانتخابات مجلس الشعب التي تطرح أمامنا مسألة التزوير وكيفية حماية الصندوق الانتخابي لأن الضمانات في تلك المسألة مليئة بالثغرات.. لقد جاءت صناديق إلى قاعة الفرز مفتوحة.. هذا بالإضافة إلى أن الطريقة التي يتم بها رصد الأصوات للأسف عقيمة… وكلما زاد العدد كلما أصبح الأمر أصعب”. وفي نفس السياق يشير محمد النجار إلى التلاعب الذي شاب العملية الانتخابية.

سلم النقابة وقضية الأجور

اتفق المشاركون على أن قضية سلم النقابة التي ركز عليها النقيب الحالي أثناء حملته الانتخابية وبعد فوزه هي قضية مفتعلة تهدف للتغطية على القضايا الأساسية. وهنا أشار جمال فهمي إلى أنه في الاجتماع الأول لمجلس النقابة “ناقش النقيب موضوع السلم وهي قضية ولي و ذهب عصرها، و ما نعيشه الآن هي حالة انتكاسة وهي التي جاءت بمكرم وغيره إلى هذه المناصب كما كانت أجندة العمل الذي جاء بها “أمنية” و”انتقامية”.

وتنتقد الصحفية خيرية شعلان التركيز على قضية السلم، مشيرة إلى أنه “من واقع تجربتي في ظل الانتخابات الأخيرة، مع زوجي رجائي الميرغني، الذي كان مرشحا لمنصب نقيب الصحفيين، طرحت الانتخابات قضايا كثيرة علي الساحة، ومنها قضية سلم النقابة، وفي رأيي أنه مجرد فيلم وأخذ حجما أكبر من حجمه بدلا من تناول قضايا أكثر جدية، ومنها قضية العمل مع شباب الصحفيين بطريقة منظمة واستراتيجية حتى يتسني لنا اجتذاب أعداد تدخل النقابة وتحميها في المقام الأول”. وتضيف إننا لابد وأن نكون أكثر تنظيما بدلا من العشوائية التي كانت العلامة المميزة للفترة السابقة عن الانتخابات”.

وظهر إجماع بين الحاضرين على أن قضية الأجور يجب أن تكون لها الأولوية في العمل النقابي في هذه اللحظة. فيشير الصحفي ساهر جاد إلى أنه تم “تفويت فرصة فتح ملف الأجور، والمؤتمر العام الرابع جاء نتيجة تهميش المجلس لأي قضية أو اقتراح تتناوله الجمعية العمومية … لابد من النظر إلى ملف الأجور بشكل أكثر جدية لأن هذا ما يشغل القطاع الأكبر من الصحفيين”. ويتفق مع ذلك كارم يحيي الذي اعتبر أن “قضية الأجور هي القضية المركزية لدى الصحفيين بالرغم من المائتي جنيه لأن قدرة الدولة علي إيهام قطاع من قطاعات الطبقة الوسطي بحل الأزمة الاقتصادية الراهنة محدودة للغاية، ومن هنا لابد أن نبقي ملف لائحة الأجور مفتوحاً. خاصة إن لدينا فئات أخرى مثل القضاة يطرحون مناقشات داخل جمعيتهم العمومية حول مسائل مثل لائحة الأجور ومازالوا يطالبون بها .. وهناك أيضا المعلمين والأطباء يسعون لذلك فلابد لنا أيضا أن نضع اهتمام بهذا الجانب”.

تيار استقلالية النقابة

إذا كان الوهن والانقسام الذي أصاب تيار استقلالية النقابة سبباً مهماً في تفسير الهزيمة التي لحقت بهذا التيار في الانتخابات، فإن إعادة إحياء وتوحيد هذا التيار تعد أمراً حاسماً في تغيير الوضع الراهن. ويدعو كارم يحيى لأن يكون تيار الاستقلال : “قادرا على أن يعلن قبل وقت الانتخابات بوقت كاف قائمة واضحة للنقيب والمرشحين الآخرين فوق السن وتحت السن حتى تكون هناك استراتيجية واضحة نستطيع أن نسير عليها من الآن ونجهز الفريق الذي سوف يتولى هذا الأمر حتى لا يغلب علي الأمر الشكل العشوائي”.

وفي نفس الاتجاه يؤكد د. عمار علي حسن على أنه “علينا في الفترة الآتية ألا نغفل مشروع مكرم المتمثل في إلجام الصحافة المستقلة والخاصة من أجل مشروع سياسي كلنا نعرفه جيدا، و في المستقبل لابد وأن نحافظ علي هذا التيار (الاستقلال النقابي) و نحاول أن نعمل بثبات من حيث الأفكار أو التعبئة والحشد لما بعد ذلك، مع أهمية فضح التيار الفاسد علي الملأ. وأخيرا لابد من التواصل مع الجمعية العمومية في هذه الفترة حتى لا تتكرر نفس المشاكل السابقة”. وهنا يتساءل ساهر جاد “هل نحن بصدد محاولة إنشاء كيان جديد داخل النقابة؟ إذا حدث ذلك أطالب بألا نطلق عليه تسمية الاستقلال النقابي لأن لها مفهوما خاطئا عند البعض. فلابد أن يكون هذا الكيان الجديد نابع من النقابة نفسها ومن مشاكلها من أجور أو استقلال”. ودعا جمال فهمي إلى عدم الاستسلام للتشاؤم مشيرا إلى أن ما حدث في النقابة ما هو إلا بداية وليس نهاية، ولابد من التعامل بشكل جدي وأكبر مع جميع الأطراف لتحقيق التواصل والاستمرارية.