قانون تكثيف الاستغلال.. العمال والرأسمالية وقانون العمل
يبدو أن حكومة عاطف عبيد قد عقدت العزم على إصدار “قانون العمل الموحد”. فلقد أعلن عبيد فور توليه رئاسة الوزارة أن من ضمن أولوياته إصدار قانون العمل الموحد الجديد “الذي طال انتظاره”. ثم عاد رأس الحكومة الرأسمالية وأكد على نفس النقطة في بيان الحكومة الذي تلاه على مجلس الشعب في ديسمبر الماضي. ذكر عبيد بالتحديد أن القانون سوف يصدر خلال الدورة البرلمانية الحالية، أي قبيل نهاية الصيف القادم على الأكثر.
وليست تأكيدات عبيد فقط هي التي تدعونا إلى ترجيح احتمال صدور القانون في غصون الأسابيع (أو الشهور القليلة) المقبلة، وإنما حالة الرأسمالية المصرية وتحدياتها ووضعية الصراع الطبقي في المرحلة الراهنة. ولذلك فمن واجبنا – الآن وليس بعد ذلك – أن نبدأ، علميًا ونظريً، في طرح الموقف الاشتراكي الثوري من القانون وآثاره. وهو ما سنفعله هنا.
جذور القانون:
لا يمكن لأي ماركسي أن يفهم قانون ما فهمًا صحيحًا وثوريًا إلا إذا ربطه – كجزء من كل – بمجمل الصراع الطبقي. ينطبق هذا على وجه الخصوص على “قانون العمل الموحد” لأنه، من دون كل القوانين، يمس صلب عملية الاستغلال التي تمثل جوهر وأساس الرأسمالية.
تنظم قوانين العمل عملية الاستغلال الرأسمالي بشكل مباشر، وتطرح ضوابط العلاقة بين العمل المأجور ورأس المال. وبالضبط لأن الرأسمالية المصرية تحتاج – منذ سنوات – إلى تغيير القواعد القانونية المنظمة لعملية الاستغلال، فقد طرحت دولتها – دولة مبارك القمعية – مشروع قانون العمل الموحد كهدف للإنجاز.
لماذا تحتاج الرأسمالية المصرية إلى تغيير القوانين المنظمة لعلاقات الاستغلال؟ وفي أي اتجاه؟ الإجابة على السؤال الثاني تعتبر بديهية: الهدف هو تعميق عملية تكثيف الاستغلال والسيطرة الرأسمالية.أما السؤال الأول، فإجابته تقوم على فهم وضعية الرأسمالية المصرية في العقود الأخيرة. فحتى في مرحلة ما قبل الأزمة الرأسمالية العالمية في 74 – 75، كان الاقتصاد المصري يمر بمرحلة تباطؤ وركود. ولم تكن مرحلة الانتعاش المالي في النصف الثاني من السبعينات وبداية الثمانينات إلا فقاعة عابرة مولتها الديون والتحويلات وعندما انفجرت الفقاعة في أواخر الثمانينات عادت الأزمة لتضرب بعنف غير مسبوق. في هذا السياق كان خيار الرأسمالية – محليًا وعالميًا – هو تفكيك رأسمالية الدولة سارت نحو الهدف بطرقتها الخاصة. وقد اختارت مصر طريق الخطوة خطوة كتعبير عن طبيعة وتناقضات وتوازنات الطبقة الحاكمة. ولكن الخلاصة كانت دائمًا واحدة: تكثيف الاستغلال والإفقار لتحميل الجماهير – والعمال خاصة – عبء أزمة لم يصنعوها.
على هذا الأساس سيمكننا فهم مشروع “قانون العمل الموحد” كحلقة في سلسلة بدأت قبل ربع قرن على الأقل. فعلى سبيل المثال استثنت قوانين الانفتاح عمال شركات الاستثمار والمناطق الحرة من حق التمثيل في مجالس الإدارة، ومن حق عرض أمر الفصل التأديبي على اللجنة الثلاثية… الخ أما قانون قطاع الأعمال العام (القانون 203)، فقد أنهى العمل بقانون العمل رقم 48 لعام 1978 (قانون عمل عمال القطاع العام) في الشركات التي تقر لوائحها الداخلية، وهو ما عنى عمليًا إلغاء الحماية المسبغة على الأجور (التي كانت تحدد بلوائح) وخضوعها لميزان الصراع وحالة الربحية في كل شركة.
ولكن كل هذا لم يكن كافيًا. فالمطلوب هو تكثيف أكثر للاستغلال وتخفيض أكثر عمقًا وجذرية لتكلفة قوة العمل لمواجهة الضغوط التي تواجهها الرأسمالية المصرية في المنافسة الدولية. وقد أورد النقابي اليساري أحمد الصياد – في مقال له بمجلة البديل – عبارة ذكرها رجل السوق الحر وممثل الدولة د. أحمد حسن البرعي (منسق مشروع قانون العمل الموحد) تمثل نموذجًا ناصعًا لفكر الرأسمالية المصرية فيما يتعلق باحتياجاتها حول قانون عمل جديد. ذكر البرعي أنه “لا ينبغي إقرار مزايا جديدة للعمال لأن ذلك سيؤدي إلى إحجام المستثمرين عن الاستثمار، ولأنه يتناقض مع حالة الأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد”. أضاف أن “إقرار مزايا جديدة لا ينبغي أن يتم إلا إذا كانت الزيادة في الإنتاج تسمح بتقرير تكل المزايا”.
هنا تكمن الحاجة إلى قانون العمل الموحد. هنا تكمن الحاجة إلى قانون “يحرر” سوق العمل ويخضعه فقط للعرض والطلب. الليبرالية الجديدة (المتوحشة) تحاول صياغة قانون للعمل يطلق يد الرأسماليين ويعطيهم فرصة أكبر لتخفيض الأجور الحقيقية ولزيادة وقت العمل ولطرد العمالة – خاصة في القطاع العام – وذلك بعد النجاح النسبي الذي تحقق في احتواء الأزمة الاقتصادية التي استفحلت في بداية التسعينات، وهو نجاح كان أساسه تقليص الدعم وكل أشكال الضمان الاجتماعي للعمال والفقراء.
مضمون القانون:
ولذلك، فقد وضع مهندسو علاقات العمل الحكوميين – بالتعاون مع “خبراء” منظمة العمل الدولية ومنظمات رجال الأعمال المحلية واتحاد العمال العام الأصفر المتواطئ – مشروعًا للقانون يحقق الأهداف المرجوة. وبالرغم من تتابع مسودات المشروع حتى أ، أحدًا لم يعد يعلم بالضبط ما هي الصيغة النهائية للمواد، إلا أن المضمون الأساسي أصبح واضحًا.
المنطق الأساسي وراء المشروع المطروح هو تحقيق حاجات الرأسمالية في المرحلة الراهنة للتراكم. ولكن هذا ليس كل شيء. فمطالب الرأسمالية لا تتحقق في فراغ، وإلا لأصبح متاحًا لأصحاب الإعمال إفقار العمال بدون حدود وفي كل وقت. هناك مسألتين أساسيتين (مع مسائل أخرى ثانوية) أعطتا الدولة الفرصة لطرح قانون للعمل يلغي كل المكتسبات العمالية: أولاً: الوضعية المتردية لسوق العمل التي أتاحت لأصحاب الأعمال، حتى في القطاع العام وحتى قبل تطبيق القانون، تخفيض الأجور وطرد العمال على نطاق واسع في ظل تفاقم البطالة؛ وثانيًا تراجع مستوى الصراع الطبقي وأزمة الحركة العمالية وتواطؤ قياداتها، وهي أشياء شلت المقاومة العمالية المنظمة للسياسات المتوحشة للرأسمالية المصرية.
في ظل هذا الوضع ظهر مشروع القانون وتلاحقت مسوداته. ويمكننا تلخيص الملامح الأساسية لهذا المشروع على النحو الآتي:
1. تقنين إلغاء حق العمل وهو حق أهدر منذ زمن بعيد بعد التوقف عن تشغيل الخريجين؛
2. الإفقار عن طريق تخفيض الأجور. بالطبع لا ينص القانون على تخفيض الأجور، ولكن كل نصوصه حول أساليب تحديد الأجور هدفها إلغاء كل حماية كانت مسبغة على أجور بعض القطاعات على تشكيل مجلس أعلى للأجور ينظر في حدها الأدنى كل 3 سنوات لتعديله وفق مستويات الأسعار.. الخ. ولكن فضلاً عن كون هذا المجلس حكومي متواطئ في تكوينه، فهو أيضًا منزوع الصلاحية ورأيه محض استشاري. فالحد الأدنى للأجور يصدر بقرار من مجلس الوزراء كل 3 سنوات! من ناحية أخرى يلغي المشروع الجديد الطريقة التي كان يحدد بها الأجر في القطاع العام (لوائح حكومية) ويقنن أسلوب المفاوضة الجماعية أو الفردية أو لوائح المؤسسة، وهذا ما يعني بالضرورة – في ظل ظروف الجزر وتواطؤ النقابات – تخفيضات متوالية في أجور عمال القطاع العام؛
3. الإفقار عن طريق زيادة ساعات العمل. فقد نص القانون على زيادة ساعات العمل اليومية إلى 8 ساعات، وهو ما يزيد ساعة كاملة عن عدد ساعات العمل في القطاع العام حاليًا؛
4. الإفقار عن طريق تخفيض الإجازات. وهذا ينطبق بالذات على عمال القطاع العام الذين – مثلاً – ألغيت إجازتهم العارضة. إضافة إلى تخفيض إجازة الحمل والوضع بالنسبة للمرأة؛
5. تحويل أماكن العمل إلى ثكنات عسكرية عن طريق تسهيل فصل العمال (إلغاء اللجنة الثلاثية)، ورفع معدلات الجزاءات والعقوبات؛
6. إعطاء صاحب العمل حق الإغلاق أو حق تخفيض الأجور لأسباب اقتصادية؛
7. مثل إمكانية المقاومة العمالية عن طريق وضع شروط تعجيزية للإضراب.
نلاحظ هنا أن “كارثة القانون” سوف تنزل بالذات على رؤوس عمال القطاع العام، أي أن الضربة سوف يكون أثرها المباشر واقعًا على القطاع الأكثر تقدمًا في الطبقة العاملة (وذلك بعد سنوات من الإفقار والإضعاف عن طريق التعسف وتخفيض الحوافز والخصخصة والمعاش المبكر). فكما تبرز الملامح الأساسية للقانون، فإن جوهر التوجه هو خلق قانون موحد للعمل عن طريق النزول بوضعية عمال القطاع العام إلى الوضعية الأسوأ لعمال القطاع الخاص. وبالرغم من أن مشروع القانون ينص – في مواد الإصدار – على أ، التطبيق لا ينبغي أن يؤدي إلى إهدار أي من الميزات التي كان إي من العمال يتمتع بها قبل العمل به، إلا أن هذا لا يعني شيئًا كثيرًا من الناحية العملية. وذلك لعدد من الأسباب أولها أن تدهور وضعية عمال القطاع العام تتم منذ سنوات بغض النظر عن القانون، وثانيها أنه في سياق إعادة هيكلة القطاع العام فإن العمالة القديمة (وهي التي من المفترض أن تتمتع بالميزات التي كانت سارية سابقًا) سوف تتقلص نسبتها وتصبح هامشية بعد مضي فترة قصيرة، وثالثها – وهو شديد الأهمية – أن هذا التمييز لنسبة (تتناقص) من عمال القطاع العام سوف يؤدي، في ظروف الأزمة والتراجع في الحركة العمالية، إلى زيادة التنافسية بين أقسام العمال داخل المصنع الواحد، وهو ما سيؤدي بدوره – في ظل سوق “حرة” للعمل – إلى إضعاف مجمل الحركة العمالية بكل أقسامها وقطاعاتها (مثلاً ستضعف قوة الجبهة العمالية في المفاوضة الجماعية، وهي ضعيفة أساسًا).
وبالطبع فإن النظرة أحادية الجانب وقصيرة الأجل وحدها هي التي ترى أن الهجمة تخص فقط عمال القطاع العام. ذلك أن إضعاف قطاع هام ومتقدم من الطبقة العاملة المصرية هو اليوم بالذات أمر له تأثيره على كل الطبقة. فكما أن أثر الانتصارات العمالية يعم (بشكل مباشر أو غير مباشر)، فإن الهزائم يكون وقعها عامًا.
القانون وخلافات الرأسمالية:
الثابت أن مشروع قانون العمل الموحد مطروح منذ سنوات عديدة (تزيد بالقطع على خمس سنوات). ولكن المشروع لم يصدر حتى اليوم. فلماذا؟ لماذا طالما الرأسمالية تحتاجه والظروف – كما يبدو – مهيأة؟
وفقًا لمعلومات الصحافة، فإن اتحاد العمال العام وقياداته يتصرفون بطريقة توحي بأن التأجيل سببه محاولات رجال الأعمال عرقلة القانون في محاولة لإخراج في صورة أسوأ من وجهة نظر مصالح العمل. وفي مواجهة هذا “الخطر” “يناضل” اتحاد العمال الأصفر الانتهازي من أجل سرعة إصدار القانون، إتباعًا لمبدأ “البلورة اللي نعرفها (المسودة الحالية) أفضل من البلوة اللي ما نعرفهاش (المسودة التي يسعى لها رجال الأعمال)!!
من ناحية أخرى، وفي إطار لا يتناقض مع الإيحاء السابق، فإنه لا يمكن القول أن النضال العمالي هو الذي يعرقل القانون: لم تحدث معارك عمالية من أي نوع ضد القانون. فهل معنى هذا أن الذي يعرقل القانون هو بالفعل أقصى اليمين، أي “رجال الأعمال”؟
من الواضح أن الطرح الذي يرى أن ضغط رجال الأعمال هو فقط الذي يعرقل صدور القانون هو طرح تبسيطي ومخل. ذلك أن الخطوط الأساسية للمشروع، وهي خطوط يوافق عليها ويقبلها اتحاد العمال، تحقق مصالح رجال الإعمال (ربما فيما عدا نقطة احتفاظ عمال القطاع العام القدامى بمزاياهم السابقة، وهي نقطة غالبًا لن تتحقق عمليًا لأسباب عديدة).
ربما يكون التفسير الأصح والأشمل لتأخر صدور القانون هو وجود تناحر وخلافات في أوساط الدولة ورجال الأعمال (أوساط الطبقة الحاكمة ورجالها وممثليها) حول التوازن الذي ينبغي أن يحققه القانون: نقطة الاتفاق الأساسية بين جميع قوى وعناصر الطبقة الحاكمة – وهي النقطة الجوهرية – هي أن القانون ينبغي أن يحسن شروط الاستثمار الرأسمالي في مصر فيما يتعلق بتكثيف الاستغلال في علاقات العمل المباشرة. ولكن داخل إطار هذا الاتفاق العام هناك خلافات هامة يبدو أنها تعرقل صدور القانون. أولاً هناك خلافات حول مسألة “الأمن الاجتماعي”، أي مسألة استقرار النظام وسيطرته في مجال علاقات العمل. عقلاء البرجوازية يخشون أن يؤدي صدور القانون في صياغة متطرفة إلى جانب المصالح المباشرة لرجال الأعمال إلى “انفلات الأمور”، أي إلى تزايد في النضالات العمالية (عملية الخصخصة وإعادة هيكلة القطاع العام أدت إلى ارتفاع وتيرة الإضرابات في النصف الثاني من التسعينات). وكل تلك المسائل تهدد استقرار النظام، وتؤدي إلى موجهات تضعف الاستثمارات بالضرورة. هذه النوعية من التحذيرات خوفًا على “السلام الاجتماعي” نسمع أصداؤها تتردد في أوساط أحزاب المعارضة (من التجمع إلى الوفد)، وفي أوساط عدد من الكتاب البرجوازيين “العقلاء”.
الخلاف الثاني يدور – بالفعل – حول المصالح المباشرة لرجال الأعمال. فرجال الأعمال أنفسهم وقوى الليبرالية المتطرفة يسعون إلى تمرير قانون يعكس تمامًا مصالحهم الذاتية. وهؤلاء لا يعبئون كثيرًا بمسألة الأمن الاجتماعي التي تشغل بال آخرين.
التناحر بين عناصر وقوى وتصورات مختلفة داخل الطبقة الحاكمة هو الذي يؤخر إصدار القانون. دولة مبارك، بتاريخها العتيد في التردد وفي “الإفقار بدون صدمات”، أجلت صدور القانون تباعًا بحثًا عن توازن يحقق المعادلة الصعبة: تحقيق الاستقرار مع تكثيف الاستغلال (ما يسميه مبارك “الإصلاح مع مراعاة البعد الاجتماعي”). ولكن اليوم هناك من العوامل ما يدفع الدولة للإسراع في إصدار القانون بصياغة تقترب من المصالح المباشرة لرجال الإعمال.تلك هي نفس العوامل التي أطاحت بالجنزوري ووضعت عبيد على رأس الحكومة. نعني هنا علامات التأزم الاقتصادي خلال العام الماضي: أزمة التصدير. وكلها علامات على الفشل في النفاذ للأسواق العالمية وفي ضمان مساحة متوسعة فيه. هذا هو سر شعار التصدير أو الموت، وهذا هو سبب التوجه لإصدار قانون يساهم في تخفيض تكلفة قوة العمل لتخفيض تكلفة السلع المحلية وبالتالي زيادة فرص التصدير.
المفارقة هنا أن قانونًا كهذا، ومجمل سياسات الإفقار، لن يخرجوا الرأسمالية المصرية من عنق الزجاجة في ظل عصر الأزمة وضيق الأسواق وتناحرات الرأسمالية العالمية. الأكثر من هذا أن الإفقار بينما يؤدي إلى تخفيض تكلفة قوة العمل لمصلحة الرأسمالية، إلا أنه يؤدي من ناحية أخرى إلى خلق طبقة عاملة أكثر ضعفًا واعتلالاً في الصحة وأقل في مستوى التعليم والمهارة، أي يؤدي إلى إضعاف قدرة الرأسمالية على المنافسة!! على هذا الأساس فرأسماليتنا، التي تعمل على إفقار العمال عن طريق قانون العمل وغيره، إنما تسير في هذا الطريق من منطلق أزمتها وعدم قدرتها على رفع إنتاجية قوة العمل من خلال تطوير التكنولوجيا وجذب الاستثمارات. وهذا الطريق نفسه لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وفتح الباب للنضال الجماهيري من أسفل ضدها وضد صانعيها.
اليسار الثوري والقانون: ما العمل؟
النغمة السائدة في أوساط المصري هي أن ما يمنع صدور قانون العمل الموحد حتى الآن هو قوة الحركة العمالية. هذا أمر لا تثبته الوقائع. صحيح أن صدور القانون – إذا ما حدث – سيؤدي في الأغلب إلى تصاعد النضالات، ولكن هذا يختلف عن الإدعاء بأن جموع العمال ناضلوا ضد القانون قبل صدوره.
بالطبع عدم وجود حركة عمالية لمواجهة القانون ينبع من مستوى الصراع الطبقي. يعكس هذه الحالة، ويزيد من وطأتها، طبيعة ومواقف المعارضين “الكبار” للقانون (بما فيهم – وعلى رأسهم – التجمع). هؤلاء جميعًا، وبنغمات متفاوتة، يعارضون القانون من منظور برجوازي انتهازي محض. القانون بالنسبة لهم مرفوض لأنه يمس الأمن الاجتماعي! أما طريقتهم لمقاومته فتقوم على الالتماس وعلى التوسل القذر للنظام ورموزه. أما قيادات النقابات الصفراء، فهم منغمسون حتى آذانهم في التواطؤ مع النظام ومع الرأسماليين من كل صنف.
من ناحية أخرى، تعاني قوى المعارضة الحقيقية والجذرية للقانون ولكل أشكال الاستغلال – قوى الاشتراكية الثورية – من ضعف شديد. هذه القوى محدودة العدد والتأثير وغير ممتدة الجذور في الطبقة العاملة. فما العمل إذن؟
السلبية ليست حل. وأيضًا التوهم القاتل بأن هناك قدرة على تغيير مسارات الصراع الطبقي يعتبر خيارًا انتحاريًا. المطلوب هو عمل دءوب مبني على فهم دقيق للظروف الذاتية والموضوعية. أو مقومات هذا العمل هي أن يكون عملاً مشتركًا. كل قوة وحدها أصغر من أن تفعل شيء يذكر. ولكن المبدأ هنا بالطبع هو العمل المشترك بين قوى اليسار الراديكالي، وليس العمل المشترك مع المعارضة البرجوازية الانتهازية.
ثاني نقطة هي إتباع أسلوب للعمل يبدأ – الآن – من الدعاية في الأوساط العمالية القاعدية (حسب طاقتنا المحدودة، وبالذات في أوساط عمال القطاع العام المتقدمين). الدعاية جوهرها هو فضح طبيعة وتأثير القانون من منظور طبقي ملموس يربط بينه وبين الحياة اليومية للعامل من ناحية، وبينه وبين وضعية الصراع الطبقي في مصر ومصالح الطبقات من ناحية أخرى. في تلازم مع هذا العمل الدعاوي وعلى خلفيته يمكن أن تطرح – أحيانًا وبشكل مرن – أشكال أرقى من العمل. مثلاً الضغط على بعض النقابات المصنعية لاتخاذ موقف وقيادة حركة (ولو محدودة) في مصنع – أو مصانع – ما ضد هذا القانون. لا يمكن بالطبع إحداث هذا التأثير في ظروف الصراع الطبقي الراهنة إلا في حالات محدودة وفي مصانع تكون نقاباتها بها ميول جذرية، وفي إطار نشاط عمالي من أسفل (وهذا ما يمكن أن يخلقه عملنا الدعاوي الأولى في أوساط العمال القاعديين). النقطة المهمة في كل هذا هي الآتية: لن تكون هناك فائدة مرجوة من أي عمل إلا إذا كانت نقطة بدايته هي الحركة العمالية القاعدية. في هذا الإطار ستكون هناك فائدة للعمل المشترك وللعمل في أوساط النقابين اليساريين ولكل أساليب الأخرى، فقط إذا كانت مربوطة بالعمل القاعدي ومحكومة بأولويته.
وأخيرًا فإن القانون – إذا ما صدر – سيكون بالطبع هزيمة جديدة للعمال. ولكن المعركة لن تنتهي بصدوره. فكما كان الحال مع الخصخصة، أهم المعارك بدأت بعد القانون (القانون 203) وبعد البيع. هذا درس لنا لنفهم أن هناك انفجارات قادمة سيطرحها تطبيق قانون يهجم على كل العمال وبالذات على قطاعهم المتقدم (عمال القطاع العام).