بعد ماراثون طويل من الاحتجاجات الشعبية:
إرادة الجماهير الدمياطية تسقط «أجريوم»
«سنستمر في حملتنا ضد “أجريوم” حتي يتم نقله خارج دمياط»
هذه هي الرسالة التي أرسلتها اللجنة الشعبية للدفاع عن البيئة بدمياط أن ترسلها إلي النظام و حكومة نظيف عقب التوصية العاجلة التي أقرها مجلس الشعب يوم الخميس الموافق 19/6 في ختام دورته البرلمانية وجائت فيها توصية بنقل مصنع أجريوم للبتروكيماويات من «رأس البر» إلي منطقة أخري، ولكن اللجنة الشعبية أعلنت في اليوم التالي الجمعة 20/6 في فعالياتها التي تنوعت بين مظاهرة ومؤتمر جماهيري عقب صلاة الجمعة على الكورنيش بدمياط وكذلك ندوة مسائية بجمعية الثقافة والحوار أنها لن تتوقف عن حملتها إلا بعد صدور قرار واضح وصريح بنقل المصنع خارج محافظة دمياط بأكملها وليس خارج رأس البر فقط.
يأتي هذا في سياق الحملة التي يخوضها أهالي دمياط ضد انشاء مصنع لإنتاج مادتي اليوريا والأمونيا المستخدمتين كأسمدة، ومن المعروف أن صناعة الأسمدة تندرج تحت قائمة الصناعات السوداء وفق تصنيف للصناعات يوزعها بين صناعات بيضاء ورمادية وسوداء، و تعمل مصانع الأسمدة في الدول الغربية وفق معايير قاسية لضمان السلامة البيئية، مما يدفع العديد من الشركات العابرة للقارات مثل أجريوم الكندية – التي تمتلك حوالي 76% من أسهم الشركة – لأن تنقل نشاطها إلي دولة من دول العالم الثالث المنكوبة بالفساد والاستبداد السياسي.
والمشروع تنتفي منه أي جدوي إقتصادية أو أثر اجتماعي إيجابي، فالشركة حصلت على الأرض التي سيقام عليها المشروع – والذي تبلغ مساحته 426 فدان – من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بسعر 40 جنيه للمتر!!، ويبلغ سعر الغاز الطبيعي الذي ستستهلك الشركة منه 140 مليون قدم مكعب يومياً 4 أو 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بحد أقصي في الوقت الذي يصل فيها سعره العالمي ل 14 دولار لكل مليون وحدة حرارية، هذا بالإضافة إلي ال 10 مليون متر مكعب التي سيستهلكها المشروع سنوياً من مياه النيل ليصرفها في البحر بعد ذلك، فضلاً عن ذلك أن المشروع لن يعود بأي نفع علي المواطنين، فحجم العمالة التي سيقوم بتوفيرها ضئيل جداً في مقابل التسهيلات التي حصل عليها المشروع، فلا تزيد فرص العمل المتاحة في المشروع عن 250 فرصة عمل يحتل الأجانب منها نسبة قد تصل إلي 25%، كما أن العقد ينص على أن 75% من إنتاج المصنع من الأسمدة للتصدير، في الوقت الذي يعاني فيه السوق المحلي من ندرة المنتج وارتفاع سعره، كل هذا يؤكد أن في الأمر قضية فساد كبري صرح محمد التوارجي منسق حركة كفاية وعضو اللجنة الشعبية للدفاع عن البيئة بدمياط أن اللجنة تخطط لفضح ملابسات الفساد في المشروع وذلك فور نجاحها في انتزاع قرار بنقل المصنع خارج محافظة دمياط، وانها لن تتوقف عند أجريوم فقط فالحملة ستتسع بعد ذلك لتشمل باقي المصانع الملوثة للبيئة والمتواجدة على أرض دمياط والتي يبلغ عددها أربعة مصانع بخلاف أجريوم، مصنع إنتاج الميثانول داخل ميناء دمياط ومصنع سي جاز لإنتاج وتصدير الغاز ومصنع T.G.H لإسالة الغاز داخل الميناء، ومصنع موبيكو لإنتاج اليوريا والأمونيا والذي يبلغ حجمة نصف حجم أجريوم تقريباً ويليه في الخطورة…
وعلق التوارجي على التساؤل المثار حول سبب عدم ثورة أهالي دمياط من قبل ضد المشاريع الأخري الملوثة للبيئة مثل مصنع موبيكو بأن ضخامة المصنع – يقصد هنا أجريوم – جعلتنا نتنبأ بحجم التلوث الذي سينتجه المصنع بالإضافة إلي موقعه خارج المنطقة الصناعية وعلي بعد 6 كيلومترات من مصيف رأس البر مما يؤدي بالضرورة إلي الوقوف كحجر عثره أمام أي توسع أو استثمارات سياحية في المنطقة، هذا بالإضافة بالطبع للضجة الإعلامية التي أثارها المشروع مما جعل هناك حالة عامة من الإحتشاد ضد المشروع بين أهالي دمياط.
وقد فسر التوارجي حالة الاحتشاد تلك بأن لها مستويات عدة، فبشكل عام أثار المشروع بالفعل قلق الأهالي مما قد يصيبهم من أضرار نتيجة التلوث الذي سينتجه المشروع، هذا بالإضافة للأضرار الاقتصادية المباشرة التي ستترتب على المشروع مثل القضاء على الزريعة السمكية نتيجة صرف المياه المستخدمة في الغلايات الخاصة بالمصنع على البحر بما تحمله هذه المياه من عنصري الفسفور والزنك بالإضافة لدرجة حرارتها العالية، مما سينعكس بالسلب على الصيادين في دمياط والذين يشكلون حوالي 60 % من أسطول الصيد في مصر، هذا بالإضافة لتدمير مصيف رأس البر والذي بالفعل تأثر بشده هذا الصيف ذلك بالرغم من أن المصنع لم يعمل حتي اللحظة ولكن السمعة السيئة تكفي، فضلاً عن حجم الفساد المحيط بالمشروع والذي استفز جمهوراً كبيراً من أهالي دمياط.
وكانت الحملة التي شنها أهالي دمياط قد استخدمت وسائل عديدة ومبتكرة للاحتجاج على إنشاء أجريوم، فبالإضافة إلي المظاهرات التي شارك فيها الألاف والمؤتمرات الشعبية والندوات التي استخدمت لتوضيح وشرح أضرار المشروع وعدم مشروعيته القانونية كانت هناك مسيرات الدراجات والتي شارك فيها قرابة الخمسمائة طفل حاملين لافتات رافضة للمشروع، هذا بالإضافة لرفع أهالي المدينة رايات سوداء على أسطح منازلهم وشرفات البيوت وكذلك تعليقهم لافتات الرفض،كانت مدينة دمياط بأكملها في حالة احتجاج اجتماعي أجبرت النظام على التراجع خطوة للوراء.
جانب إيجابي أخر ظهر أثناء نضال دمياط ضد المشروع، هو القدرة على التنسيق الناجح بين التيارات السياسية المختلفة وبين أفرع النقابات المهنية هناك أثناء الحملة، وذلك من خلال اللجنة الشعبية للدفاع عن البيئة بدمياط والتي شارك فيها مندوبين عن كلٌ من كفاية والتجمع والحزب الناصري والوفد والكرامة والإخوان المسلمين والوسط والأحرار، وأيضاً لجنة التنسيق بين النقابات المهنية، وقد أسفر هذا عن استضافة نقابتي الأطباء والمحامين بدمياط لوقفتين احتجاجيتين في سياق الحملة ضد أجريوم.
ما حدث جسد واحدة من حالات المقاومة الجماعية المنتشرة الأن في بر مصر، وقد نجحت دمياط – حتي الأن – في صد هجوم واحدة من الاستثمارات التي لا تهدف لأي شئ في الواقع إلا لمجرد الربح، الربح المتراكم بطبيعة الحال في أرصدة الشركات في البنوك….. وأيضاً في جيوب من قبضوا الثمن.