رسالة الحركة العمالية إلى السلطة.. والثوريين

إعادة نظام مبارك، وتمرير سياسات اجتماعية واقتصادية منحازة لكبار رجال الأعمال كالشاطر ومالك، هو الهدف الحقيقي لما يرتكبه نظام مرسي حالياً من جرائم تجاه الحركة العمالية. فقد تم فض اعتصامات بقوة الكلاب البوليسية، وتم إحالة العشرات إلى النيابة وفصل المئات من القيادات العمالية.. والهجوم متواصل على النقابات المستقلة.
ولكن بينما احتاجت الحركة العمالية في تسعينيات القرن الماضي لخمس سنوات كاملة لكي ترد على اقتحام الأمن المركزي لشركة الحديد للصلب عام 1989، حيث انتفض عمال كفر الدوار عام 1994، لم تحتاج الحركة العمالية اليوم إلى أكثر من ساعات لكي ترد على فض اعتصام شركة أسمنت الإسكندرية بالكلاب البوليسية؛ فبعد يوم واحد اعتصم وأضرب عشرات الآلاف من العمال في مواقع مختلفة في بورسعيد والسويس، بل والإسكندرية نفسها، والأهم بات العالم يتابع أحداث أول عصيان مدني تشهده مصر منذ عام 1919 في محافظة بورسعيد.
وفي ذات التوقيت، تداعت قوى حقوقية وعمالية وثورية لتشكيل جبهة موحدة ضد العدوان على حقوق العمال في الإضراب والاعتصام، وبدأت بالفعل تحركاتها على الأرض، بترتيب قافلة تضامن مع شعب وعمال بورسعيد، وعقد مؤتمر عمالي حاشد في الاسكندرية.
القمع الصريح
إن نظام الإخوان المسلمين المنحاز لكبار رجال الأعمال، والذي يتبنى سياسات السوق، بعد أن سار على نهج سابقيه في طريقة التعاطي مع الحركة العمالية، مضى خطوة كبرى باستخدام العنف الصريح. فبعد تجاهل مطالب عشرات الآلاف من العمال المحتجين في كافة أنحاء البلاد، وكان آخرها اعتصام عمال شركة بتروتريد الذي استمر لمدة 29 يوماً أمام وزارة البترول، وإضراب عمال الشحن والتفريغ بالسويس، يلجأ حالياً النظام في إطار التصعيد غير المسبوق إلى استخدام الحل الأمني، وذلك كما حدث مع العشرات من عمال شركة الأنابيب بقنا، وحبس 18 عاملاً بشركة أسمنت الإسكندرية 15 يوماً، وإلقاء القبض على قيادات النقابة المستقلة في شركة فرج الله بالإسكندرية.
إلى جانب الاعتداء على عمال شركة غزل شبين أثناء اعتصامهم أمام وزارة الاستثمار، وحصار الجيش بعمال ميناء العين السخنة المضربين، وأخيراً وليس آخراً تبني النظام لقانون يقيد حق التظاهر الذي انتزعه المصريون بدمائهم الطاهرة.
أهداف النظام
نظام الإخوان الرأسمالي، المشغول حالياً بالتصالح مع كبار رجال أعمال النظام السابق، يسعى إذاً إلى تحقيق هدفين؛ الأول سياسي ويهدف إلى حصار القوى الثورية وتصفيتها وتمرير الانتخابات البرلمانية بشروطه، وذلك عبر تصفية وخطف واعتقال وتعذيب الشباب الثوري.
والثاني اقتصادي هو إرسال شهادة إلى المستثمرين الأجانب وصندوق النقد الدولي بأن النظام لن يستجيب لمطالب الحركة العمالية المنتفضة التي تعد من أهم مطالبها حالياً: التثبيت، وأجور عادلة، وتطهير الشركات، وإلغاء سوق العمل الأسود، وعودة الشركات التي تم خصخصتها، وكذلك أن العمال المصريين “طيعيين وحلويين” وبالتالي هاتوا القروض من فضلكم.
فشل متوقع
ولكن لماذا ستفشل هجمات النظام على الحركة العمالية؟ وما هو الدور المنوط بالقوى الثورية؟
يحتاج النظام للانتصار على الحركة العمالية المنتفضة إلى ارتكاب مجازر دموية، ولكن إذا استمر توازن الضعف الحالي، بين النظام الحاكم وبين القوى الثورية، فإن عمال مصر الذين مهدوا لثورة يناير، ولعبوا دوراً حاسماً في إحراز النصر عبر إضراباتهم في الأيام الأخيرة من عمر المخلوع، قادرون على التصدي لهذه الهجمة الشرسة، وتحويل قانون التظاهر إلى مجرد حبر على ورق عبر وسائل نضالهم من إضراب وتظاهر واعتصام.
فأولاً: أهم ما فعلته ثورة 25 يناير هو أنها كسرت حالة الخوف لدى جماهير الشعب المصري، وعبرها تطور وعي العمال النقابي والسياسي بدرجة كبيرة جداً للأمام، وتكونت مئات التنظيمات بل آلاف الروابط والنقابات المستقلة، كما شارك مئات الألوف من العمال في ميادين مصر في مظاهرات الغضب تجاه سياسات الإخوان.
وثانياً: ما لم تفهمة حكومة الإخوان، التي تتبنى سياسات تقشفية بالضبط كحكومات مبارك، أن الفقر والاضطهاد وغلاء الأسعار الصاروخي يدفعون ملايين العمال والموظفين إلى الاحتجاج اليومي رافعين شعارات من قبيل الشعارات التي يرددها يومياً المئات من المعلمين المؤقتين المحتجين في محافظة الشرقية: “بالروح والدم، رزق عيالنا أهم”، و”شغالين من غير فلوس، والحكومة عمالة تدوس”، وأن هؤلاء العمال لن ترهبهم ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي تعد – بليل – فلم يعد لديهم ما يخسروه.
ثالثاً: العامل السياسي، وهو اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وهو ظرف استثنائي يتيح مساحات أوسع من الحريات ويشل يد النظام الذي يسعى لأن يظهر في عيون الجماهير، مؤقتاً، كالمدافع عن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
رابعاً: محاولة القوى الليبرالية في صراعها مع القوى الإسلامية استخدام ورقة العمال، بل والتحريض عبر الإضرابات، مما يوفر تغطية من كبرى القنوات الإعلامية لتحركات العمال ويكسبهم تعاطف ويشجع العمال.
ما العمل؟
لا مفر من العمل المشترك بين القوى الثورية والعمالية والحقوقية لمواجهة هذه الهجمة الشرسة وإطلاق سراح العمال المقبوض عليهم، وإظهار التضامن الكامل مع العمال المنتفضين في معركتهم من أجل استكمال ثورة العدل والحرية، فلا يجب التقليل من تاثير القمع على الحركة العمالية بشكل كامل، وحتى لا يتسرب اليأس والاحباط إلى صفوف العمال.
وفي الواقع فلن نبدأ من فراغ، بل علينا تطوير العمل المشترك الذي بدأ بالفعل فور الهجمات الأخيرة على العمال بين الاتحاد المصري للنقابات المستقلة وبين مؤتمر عمال مصر والاشتراكيين الثوريين وحزب التحالف الشعبي والديمقراطي الاجتماعي ومصر القوية والمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لتشكيل جبهة تسعى إلى إظهار التضامن مع العمال والوقوف إلى جانبهم وتقديم الدعم السياسي والقانوني والإعلامى للعمال، والعمل على توسيع هذه الجبهة لتضم كل القوى السياسية والثورية المناصرة للعمال.
كما يجب العمل على تشجيع العمال لتشكيل صناديق تضامن عمالية في المصانع للوقوف إلى جانب أي عامل يتعرض للفصل أو القمع.
وأخيراً العمل مع القيادات العمالية على تنظيم تحرك عمالى منظم (اعتصام – إضراب – تظاهر) حتى ولو على مستوى قطاع واحد لرد العدوان وللمطالبة بالحقوق، والتصدى لموجة رفع الأسعار.
ويبقى أن خوض غبار معركة التصدي لقمع الحركة العمالية يجب أن تكون أولوية أولى لكل الثوريين؛ فالحركة العمالية هي القادرة على استكمال ثورة يناير، وإسقاط دولة الظلم والاستبداد والاستغلال. وكذلك وهو الأهم حالياً على تقديم بديل ملموس للشعب المصرى بدلاً من التطلع مرة أخرى إلى عودة الجيش أو الفلول، وهو الاتجاه الذي بدأ يتنامى مؤخراً.