بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

صابر بركات: العمال انتقموا في الانتخابات من مرشحي السلطة

جاءت معركة انتخابات النقابات العمالية لدورة 2006 – 2011 مختلفة إلى حد كبير عن سابقاتها من زوايا عديدة، وربما يعود ذلك فى جانب كبير منه إلى حالة الحراك السياسى التى شهدها المجتمع المصرى خلال السنوات القليلة الماضية. فكيف اختلفت هذه الانتخابات عن الدورات السابقة؟ ما هى خريطة القوى السياسية داخل العملية الانتخابية؟ هل حدث تغيير حقيقى فى التنظيم النقابى الجديد؟ هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى الأستاذ صابر بركات المناضل العمالي بشركة الدلتا للصلب بشبرا الخيمة، وأحد قيادات اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية.

• بعد انتهاء الانتخابات على مستوى اللجان النقابية والنقابات العامة، ما تقييمك لهذه الانتخابات؟

أستطيع القول بأن هناك أربعة ملامح أساسية لهذه الانتخابات تميزها عن الدورات السابقة. أول هذه الملامح تتمثل فى تحالف آلية الفساد ككل طبقاً لمصالحها ورؤيتها للتخلص من خصومها حتى أن إجمالى عدد العمال المرشحين الذين تم استبعادهم يزيد عن الـ 20 ألف عامل، بدءاً من مرشحي المعارضة السياسية الذين استبعدوا من قبل الأمن، وصولاً للعمال الذين استبعدوا نتيجة للفساد الإدارى المتمثل فى إدارات الشركات، وانتهاءاً بالمعارضة النقابية الرسمية (المنافسين) الذين تم استبعادهم من قبل قيادات التنظيم النقابى الرسمي. هذا التوسع فى آلية الاستبعاد شجع موظفي القوى العاملة على التراخى والتمادى فى استخدام سلطاتهم الإدارية فى الاستبعاد حتى بالشك والريبة.

الملمح الثانى في هذه الانتخابات هو ضعف تمثيل القوى السياسية فى إجمالي المرشحين بما فى ذلك الحزب الوطني والإخوان المسلمين، وهذا فى الحقيقة ينبئ عن خطر نجاح النظام فى استبعاد السياسة من الشارع المصري بشكل عام.

• في رأيك ما هي أسباب ضعف تمثيل القوى السياسية فى الأوساط العمالية؟

طبعاً اليسار ارتكب بعض الأخطاء التي أدت إلى وضعه السيء فى الأوساط العمالية. فقد أغفل مرشحو اليسار قضايا البرنامج فى دعايتهم، كما أغفلوا التوجه السياسي، فلم يقدم أحدهم نفسه إلى العمال بصفته يساري. لكن السبب الأهم من وجهة نظري هو أن السلطة الحاكمة عمدت بشكل منظم ـبالتهديد والقمع ـ إلى منع العمل السياسي وسط العمال، وذلك من خلال التنكيل باليسار فى العمل العمالي، خاصة في الأماكن التي تكون الدولة صاحبة العمل فيها مثل القطاع العام وقطاع الأعمال والمحليات.

أما بالنسبة للحزب الوطني فقد انكشف تماماً أمام العمال الذين أصبحوا يتعاملوا مع مرشحيه بمنطق الانتقام. وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين فخبرتهم فى العمل العمالي ضعيفة للغاية، كما يتسم عمهلم بعدم الانسجام فى التوجهات الاقتصادية والاجتماعية. فهم على سبيل المثال مازالوا يدافعون حتي الآن عن الخصخصة، ناهيك عن أنهم دعاة الانصياع للإدارة باعتبارهم أولي الأمر.

وعلي فكرة رغم الأخطاء التي يقع فيها اليسار وحالة الضعف التى يتصف بها فى إطار الحالة العامة إلا أنه حصد أعلى نسبة مقاعد بالمقارنة بالتيارات السياسية المعارضة الأخرى. ففي حين خاض 135 مرشح إخواني الانتخابات نجح منهم 60 فقط، استطاع اليسار حصد ما يقرب ما يزيد على 200 مقعد بواقع 125 من التجمع، وما يقرب من 50 من الشيوعيين، و 30 من الناصريين.

• نعود إلى ملامح الانتخابات في هذه الدورة النقابية؟

الملمح الثالث لهذه الانتخابات يتمثل فى انتقام العمال من مرشحي السلطة بإسقاطهم وإختيار آخرين مستقلين بصرف النظر عن كونهم لديهم خبرات العمل النقابي والعمالي أم لا.

ترتب على ذلك ـوهذا هو الملح الرابع ـ أن وصلت نسبة التغيير فى اللجان النقابية القاعدية إلى مايقرب من 70%، لكن هذا التغيير فى حقيقة الأمر مضلل. فعلى سبيل المثال وصلت نسبة التغيير في شركة غزل المحلة إلى 85%، لكن فى نفس الوقت استغلت الإدارة هؤلاء الجدد القادمين لإزاحة النقابة القديمة المكروهه من العمال ثم احتواء النقابة الجديدة لمصلحتها فيما بعد.

• هل تنعكس نسبة التغيير هذه فى المستويات النقابية الأعلى والأهم فى النقابات العامة والاتحاد العام؟

هو دا الكلام المهم، لأن هذا التغيير لم ينعكس فى تغيير حقيقي فى النقابات العامة. فالتشكيل طلع حزب وطني تماماً، مع حرص الوزيرة على عمل تنويعه مخططة ومدروسة من خلال “رشة جريئة” قامت بها. فوضعت سيدة على الأقل فى كل نقابة عامة وواحد من المعارضة الرسمية على الأقل، وفى المقابل حرصت على الاستبعاد الكامل للإخوان والشيوعيين والكرامة، فهناك مايقرب من 25 سيدة، وما لا يقل عن 10 يمثلون المعارضة الرسمية من التجمع والوفد والناصرى.

الخلاصة أن تشكيلة النقابات العامة والاتحاد العام تُرسم بعناية وخاصة من قبل وزارة القوى العاملة.

• إذا كان الأمر كذلك، ما رأيك في فكرة الاتحاد البديل التي طرحها الإخوان بعد مذبحة الاستبعاد التى تعرض لها مرشحوهم؟

رأيي أن تعبير الاتحاد البديل خاطئ، مفيش حاجة اسمها اتحاد بديل إلا إذا اتفق الجميع علي أن الاتحاد القائم اتحاد للحزب الوطني وبالتالي فنحن بحاجة لاتحاد للإخوان أو للشيوعيين. الأصل فى الموضوع أن يؤسس العمال نقاباتهم ويصيغوا قوانينها ولوائحها ويختاروا ممثليهم فيها بحرية وبغير وصاية أو تدخل واستقلال كامل عن الدولة وأصحاب الأعمال والإدارات والمنظمات السياسية بكل اتجاهاتها. وأن يكون توحدهم سوياً أو انفصالهم وانضمامهم لمنظمات واتحادات محلية ودولية طبقاً لاختيارهم وبإرادة جمعياتهم العمومية (العضوية) التي هي السلطة الوحيدة، لتحديد توجهات واختيارات النقابات ولا تخضع إلا لمصالح أعضائها ومطالب عمالها.

وإن كنت أري أن التعددية فى المصانع فى هذه المرحلة تضر أكثر مما تفيد، لأن الإدارة المصرية مازالت تملك الكثير من الترغيب والترهيب للعمال وهو ما يهدد أي شكل تنظيمي مستقل خاصة إذا كان فى مواجهة الدولة. وفى تقديري أن المطلوب الآن أن تتفق كافة القوى السياسية على احترام استقلال منظمات العمال وتقديم الدعم المعنوي والمادي حتى تستطيع أن تنهض ويصلب عودها على مستوى القطر تطبيقاً لقواعد الحريات النقابية فى الاتفاقيات والوثائق الدولية.

• أخيراً، كيف يمكن لليسار تجاوز أخطائه فى المرحلة القادمة من وجهة نظرك؟

تراث اليسار القديم فى وضع النهاية نتيجة تصفية القطاع العام. فهناك جيل بيمشي وآخر يحل محله، فكثير من العمال ينتظرون الخروج على المعاش المبكر. وبالتالي لا بد من التوجه للقطاع الخاص والمدن الجديدة وخاصة القطاع غير الرسمي أو غير المنظم مثل عمال التراحيل والبناء والمعمار والباعة الجائلين. هذا القطاع الذى أصبح يمثل نسبة كبيرة من الطبقة العاملة المصرية، وعلينا الاهتمام بالمشاكل الصغيرة للجماهير وعدم التعالي عليها. علينا كذلك الاهتمام برفع وعي القيادات الطبيعية الجماهيرية خاصة فى الشئون التنظيمية والعملية والمواقف السياسية العامة. نحن فى حاجة إلى التفكير في كيفية تنظيم الجماهير فى تنظيمات صغيرة تستجيب لاحتياجاتهم المباشرة، وتتحول هذه التنظيمات إلى مدارس تتعلم فيها الجماهير دروس التفاعل الاجتماعي (الصراع الاجتماعي) والديمقراطية والإدارة الجماعية والذاتية، وأن تكون هذه التنظيمات مقدمة لتأسيس تنظيمات أكبر تتحد على أسس نضالية ومصالح مشتركة وخبرات تتكون فى الواقع.