بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عشوائياتك يا مصر

إمرأة عجوز يتدلى نصفها الأعلى داخل برميل قمامة لتبحث فيما تبقى من فضلات الطعام عن مايسد جوعها.. يتكرر هذا المشهد يوميا وفى ساعات متتالية ، لكنه لايحدث فى أى مكان بل يحدث فقط فى العشوائيات ومدن الصفيح!

أكثر من 10.2 مليون شخص مصرى يقطنون العشش و الأكشاك الخشبية، يتقاتلون على دورات المياة المشتركة، ويتعرضون كل لحظة للموت بماس كهربائي من عواميد الإنارة التى يحصلون منها على الكهرباء داخل عششهم، يعانون من كل الأمراض المعروفة والغير معروفة.

إنهم فقراء أكثر من الفقر ذاته، لديهم مجاعات من نوع خاص، مجاعة فى التنفس، والدفء، مجاعة فى الحياة.

مهمشين حتى الثمالة، على حافة مجتمع ينظر إليهم بدونية واستعلاء وكأنهم فتات مجتمع لايستحقون الحياة.

فكيف يعيش سكان العشوايات في مصر؟

مسئولين نص كم

“إحنا مش بنى آدمين”. هكذا بدأت السيدة سامية حسين من منطقة تل العقارب حديثها، وأكملت “انا وجوزي وأولادي الخمسة قاعدين فى أوضة واحدة ومفيش غير دورة مياة واحدة لكل المنطقة، بنستعملها كلنا بالدور”. ويبدو أن قلة وعيها جعلتها تتشبث بأن الحل لدى المسئولين (طبعا تقصد مسئولين الحكومة) لإيجاد مسكن آدمي لها ولأسرتها، لكن ماغاب عنها أن المسئولين، الذين يعانون عادة من انتفاخ جيوبهم، يسعون دائما لزيادة نفخها ولايعنيهم من قريب أو من بعيد البحث عن حلول لمواطنين “درجة عاشرة” من وجهة نظرهم.

أما أمانى فارس- طالبة- فتقول “احنا بنعانى من خطر دائم، بتحصل حوادث كتيرة: اغتصاب، سرقة بالإكراه، وخناقات بين الجيران علشان المية”.

ويقول حمادة أحد شباب تل العقارب “أنا باشتغل فى ورشة ميكانيكي طول اليوم علشان أقدر أصرف على أمي واخواتي، بس اللى بجيبه مابيكفيش”. ويضيف ” مش كفاية إننا ساكنين تحت الأرض، كمان بندفع إيجار وميه وكهربا رغم اننا بنسحب الكهربا من الشارع. إحنا مدفونين بالحيا”.

أحياء المقابر

أما أحياء مقابر الغفير فحالهم متشابه أو أسوأ من حال سكان تل العقارب.

تقول السيدة حسنية أحمد “أنا عايشة فى المقابر من أكتر من 20 سنة، من بعد النكسة. إحنا بيتنا كان وقع ولفينا على المحافظة وعلى المسئولين علشان يشوفوا لنا مكان نعيش فيه. فضلنا سنة وتمن شهور وإحنا قاعدين فى الشارع وفى الآخر قعدنا فى المدافن”.

وتضيف “أنا قاعدة مع إبنى الصغير كل ولادي اتجوزوا وعايشين فى الدويقة ومنشية ناصر، واحنا يوم الجمعة بس بنخرج من المدفن علشان أصحابه بييجوا يزوروا الميت. نفسي مرة واحدة أطلع على وش الدنيا وأقب قبل ماأموت”!

أما محمد رمضان، مدرس لغة عربية، فيرى أن الحياة سيئة جدا وتحتاج لنضال طويل حتى تتغير، ويقول: “مفيش أسوأ من وضعنا ده. عايشين مع الميتين. كنت بخاف فى البداية منهم لكن اكتشفت إن اللى صاحيين بيخوفوا أكتر”.

وأضاف “الحكومة معترفة بسكان المدافن وبياخدوا فلوس ميه ونور مع إن مفيش كهربا، والميه بتيجي مرة واحدة كل شهرين تلاتة”. ويستكمل “حاولت آخد شقة إيجار لقيت أقل حاجة بـ100 جنية غير الكهربا والميه، والمرتب كله ما يكملش 200 جنية. هنا أحسن. مكتوب علينا نعيش مع الميتين ونموت معاهم”. ويبدو أن الحكومة نجحت بجدارة فى ترويج ثقافة (عايشين على ماتفرج)!!

أما مروة إبراهيم، 19 سنة، فهي نموذج لأولاد المقابر، الذين لم يعرفوا غيرها موطناً لهم. وتحكي مروة “أنا اتولدت فى المدافن، وفضلت عايشة فيها لحد ما اتجوزت السنة اللى فاتت جاري وخدنا المدفن ده”. وتضيف “المدافن بتبقى مرعبة بالليل، فيه رجالة بتيجى بعربيات معاهم بنات وبيحصل اغتصاب وفيه جرايم قتل بتحصل كتير ومخدرات كتيرة جدا، محدش بيخرج أول ما الدنيا تبتدي تضلم”. وتستكمل “أنا عملت فرحي هنا فى المدافن وفي نفس الوقت كانت فيه دفنة جاية، الناس سابت الفرح وراحت تحضر الدفنة وتشيل الميت. إحنا مش موجودين على خريطة الدنيا، الحكومة نسيانا والمسئولين نسيينا، والناس اللى عايشة كويس ومعاهم فلوس نسيينا. عايزين نعيش زي البني آدمين”.

تجميل (لامؤاخذة) القاهرة!

تحت شعار تجميل القاهرة ومحافظات مصر، الذى تتبناه الحكومة طبعا، تم البدء فى تنفيذ خطة إزالة العشوائيات، وكانت النتيجة “مساكن زينهم”!!

مدينة خضراء بها مباني على أحدث طراز. إيجار الشقة (أوضة وصالة وحمام ومطبخ) لأسرة كاملة بـ120 جنيه غير الكهرباء والمياة. وبما أن التناسب طردي فإنه كلما زادت المساحة إتساعا، كلما زادت قيمة الإيجار.

تقول السيدة صفية توفيق “هدوا الأكشاك بتاعتنا اللى كانت ملكنا وواسعة وجابولنا شقق ايجار مش ملك وكل خمس سنين نجدد العقد بزيادة. بادفع 240 جنيه في الإيجار غير الأكل والميه والكهربا وممكن يخرجونا لو مقدرناش ندفع”. وتضيف “هى الحكومة محتاجة فلوسنا فى إيه؟ ما هما معاهم فلوس أد كده. إحنا بنجيب اللقمة بالعافية، ومطلبناش منهم يهدوا أكشاكنا وينقلونا هنا”.

هى فعلا الحكومة محتاجة فلوسنا فى إيه؟؟؟