بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

«سانتامورا».. العمال في مواجهة رأس المال

لم تكن الإضرابات العمالية المتصاعدة بعد فترة من الركود منذ 30 من يونيو الماضي، وتلك التحركات العمالية والطلابية الآخذة في التنامي ضد السياسات القمعية بدءاً من قانون تنظيم التظاهر مروراً بعمليات القمع الممنهجة على أنغام “تسلم الأيادي”، مجرد رد فعل على تلك السياسات الرأسمالية بحق الطبقة الكادحة وأبنائها، وإنما مثلت تلك النضالات سواء العمالية أو حتى الطلابية امتداداً طبيعياً لسلسلة نضالات متصلة ضد عصابة رأس المال. فيما لم يكن نضال عمال “سانتامورا” بالعاشر من رمضان سوى أحد تلك النقاط المضيئة.

أُنشأت شركة سانتامورا للبطاطين عام 1991 كشركة مساهمة مصرية، وتقع ملكيتها لصالح رجل الأعمال رمسيس يوسف عطية، حيث تشغل فيها عائلة عطية معظم مقاعد مجلس الإدارة إن لم يكن جميعها. وكغيرها من تلك الشركات العائلية ذات النزعة الإقطاعية، مارس مجلس إدارة الشركة القمع والتعسف بحق التحركات العمالية الوليدة بالمصنع.

بدأت المنازعات بإنشاء نقابة مستقلة في شهر أكتوبر الماضي، كنقابة مستقلة حرة تمثل صوت العمال وتدافع في الوقت نفسه عن حقوقهم المنهوبة. تلك الحقوق المهدرة بل والمنهوبة منذ 22 عام كنسبة الأرباح التي لم يحصل عليها العمال منذ عام 1991، فيما تتراوح أجور العاملين بين 850 و1200 جنيهاً كحد أقصى لأي عامل حتى لو تجاوزت فترة عمله 20 عاماً بالشركة.

فيما لم يكن ذلك كافياً من وجهة نظر الإدارة لتدمير حياة 1200 عامل وعائلاتهم الفقيرة، لتتصاعد بعدها وتيرة القمع لتصل إلى الفصل التعسفي للعديد من العاملين، والنقل المخالف للعاملين من مواقعهم الأصلية إلى مواقع أخرى بالمخالفة للمادة 4 لقانون العمل، مثلما حدث عندما تم نقل 5 عمال للعمل كأفراد أمن!

لتبدأ بعدها التحركات العمالية لوقف ما يحدث من مسلسل تصفية العمال بالمصنع، عندما تم مخاطبة مكتب العمل بالعاشر من رمضان، لتُحدد على إثر هذه الدعوة جلسة تفاوض بوزارة القوى العاملة في نوفمبر الماضي. انتهت المفاوضات بتحديد ميعاد مع رئيس مجلس الإدارة رمسيس يوسف، الذي رفض خلالها الجلوس مع العمال وبحث مطالبهم الخاصة بصرف الحوافز ورفع المرتبات ورفع بدل الوجبة من 25 جنيه إلى 250 جنية شهرياً، وتوفير الأمن والسلامة، خصوصاً أن معظم العاملين الذين تعرضوا إلى حوادث أثناء العمل، لا يتم صرف أي تعويض مادي لهم من قبل إدارة الشركة، بل يقوم العمال بجمع الأموال من بعضهم البعض لمساعدة زملاءهم المتضررين، على الرغم من خصم التأمينات من مرتبات العمال.

وأمام هذا التعنت الواضح والغير مبرر من قبل إدارة الشركة، لم يجد العمال بُدّاً من إعلان إضرابهم الكلي من يوم الأحد 12 ديسمبر، والاعتصام داخل المصنع ومنع خروج الإنتاج.

فيما لم تجد الإدارة على الجانب الآخر سوى تحرير محاضر كيدية بحق العديد من القيادات العمالية تتهمهم فيها بسرقة خزينة الشركة والعبث بمحتويات المصنع وإتلاف أتوبيسات نقل العمال. لم تجد هذه الشكوى أي صدى يُذكر بعد أن أثبتت تحريات الشرطة والنيابة كذب الإدارة وافتراءها على العمال.
هذه المحاضر الكيدية لم تقف عند ذلك فتم تحرير محضر يتاريخ 14 ديسمبر اتهمت فيه إدارة الشركة العامل محمود محمد بأن ابنة خيرت الشاطر تدعمه بالمال للترويج لرفض مشروع الدستور المزمع الاستفتاء عليه!

أما مدير أمن المصنع، فلم يفعل هو الآخر سوى تشويه صورة العمال عندما ادعى بأن اعتصام العمال داخل المصنع يتم الترويج فيه للمواد المخدرة!

على جانب آخر، كان موقف القوى العاملة المعتاد هو التخاذل ثم التخاذل. فلقد جاء الرد من وزارة القوى العاملة للعمال أنه نبغي إعادة تشغيل المصنع مرة أخرى ثم عرض مطالب العمال، وقد اعتذر كمال أبوعيطة، الوزير الحالي والمناضل سابقاً، عن مقابلة العمال عندما حضر وفد من عمال الشركة لجلسة تفاوض في 26 سبتمبر الماضي، ليتم تجاهل العمال من الساعة ال 11 صباحاً حتى 1 مساءاً، ليعتذر بعدها أبوعيطة عن مقابلة العمال بحجة “الإرهاق”.

مكتب العمل هو الآخر قد تخاذل في نقل الصورة الحقيقية لمعاناة العمال خصوصاً في أزمة الاستقالات الوهمية، والتي دأبت إدارة المصنع على انتهاج هذا الأسلوب القذر بحق العديد من العمال والتي راح ضحيتهم حتى الآن 450 عامل. هذه السياسة تقوم على تزوير عقود العمال وعمل عقود جديدة وإلغاء العقد القديم للعامل دون معرفته من أجل عدم رفع المرتبات ووضع العامل في مهب ريح الفصل التعسفي في أي وقت. أما مكتب العمل في العاشر من رمضان، وعلى الرغم من إقراره بتلك المخالفات الواضحة، فإن التخاذل والاتهام الصريح له بالتواطؤ مع إدارة المصنع كان السمة البارزة في أحاديث العمال.

إن السياسات القمعية للطبقة الحاكمة بتحالفاتها مع شبكة واسعة من رجال الأعمال لن تثني تلك النضالات العمالية عن التوقف، بل ستكون بمثابة سوطاً سيدفع تلك النضالات إلى الأمام، شريطة أن يتم ربط تلك النضالات القائمة في الأساس على تلك المطالب الاقتصادية بما يحدث حالياً من عودة غير محمودة لآلة القمع الرسمية وانتهاجها لنفس سياسات الليبرالية الجديدة القائمة على الانحياز لرجال الأعمال والتي سيكون ضحيتها المزيد من فقراء الطبقة الكادحة.