بين إضرابين..
صورة بلا رتوش للحركة العمالية بين إضرابي غزل المحلة
في الفترة من يناير وحتي نهاية سبتمبر 2007، وهي الفترة بين إضرابين لعمال غزل المحلة، أولهما كان في ديسمبر 2006 والثاني كان في سبتمبر 2007، بلغ عدد الاحتجاجات العمالية 521 احتجاجا (بحساب التظلمات والشكاوى والالتماسات)، وبلغ عدد من تم رصد أنهم قد اشتركوا في اعتصامات وإضرابات ومظاهرات 203 ألف عامل، وعدد من هدد بالإضراب أو الاعتصام مليون و20 ألف عامل. وبالنظر إلي هذا العدد من الاحتجاجات في 9 أشهر، نجد أنه بحساب المتوسط من المتوقع أن يصل عدد الاحتجاجات خلال العام إلي ما يقرب من 700 احتجاج، أي أن عدد الاحتجاجات، الذي وصل العام الماضي إلى 222 احتجاجا حسب تقرير مركز الأرض، قد زاد هذا العام بأكثر من ثلاثة أضعاف.
وفيما يلي سوف نري بالتفصيل لماذا احتج العمال خلال هذه الأشهر التسعة الحاسمة؟ وكيف؟ وفي أي قطاعات؟ وما هي مواقف الجهات المختلفة – النقابات والأمن والإدارات والدولة – تجاه الاحتجاجات؟
لماذا يحتج العمال؟
في الإجابة عن سؤال “لماذا يحتج العمال؟” نجد الآتي: كانت المطالبة بالبدلات والحوافز والعلاوات هي المطلب الأكثر تكرارا الذي رفعه العمال في نضالاتهم في الفترة بين إضرابي المحلة، حيث تم رفعه في 13.5% من الاحتجاجات. فعلى سبيل المثال طالب العاملون بهيئة النقل العام بصرف بدل العدوى والعلاوات التشجيعية وبدل طبيعة العمل، واحتج عمال شركة روسيتكو للأثاث علي عدم صرف العلاوات عن عامي 2005 و2006، وطالب العمال في مجموعة شركات مكارم بصرف فروق العلاوات المتأخرة منذ عام 2001 والعلاوات الاجتماعية منذ عام 2005 وبصرف منحة عيد العمال منذ عام 1999، واحتج عمال العالمية للصلب “إنكوستيل” بأبو رواش على رفض الإدارة صرف العلاوة الاجتماعية وكذلك على عدم صرف الأرباح السنوية وحرمان العمالة المؤقتة أو الموسمية من عقد العمل الدائم ومن كل البدلات والأجر المتغير، وهكذا الحال بالنسبة للعمالة الموسمية بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات البالغ عددهم 180 عاملا الذين ترفض الشركة تحرير عقود لهم أو تعيينهم وتمنع عنهم المزايا والأرباح أو الحوافز والمكافآت والعلاوات الدورية والاجتماعية، ونفس الشئ يحدث لـ200 عامل مؤقت بشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات لا يحصلون علي حقوقهم من الحوافز والأرباح، وكذلك هناك عمال الشركة المصرية لصناعة المعدات التليفونية بحلوان الذين هددوا بالامتناع عن صرف الأجور حتي يتم الالتزام بنسبة العلاوة الاجتماعية المقررة وهي 15% بدلا من الـ10% التي تنوي الإدارة صرفها للعمال القدامى المثبتين أو الـ7% التي تنوي صرفها للعمال المعينين بعد الخصخصة والعمال المعينين بعقود سنوية.
وقد أتي عدم الحصول علي المستحقات في المرتبة الثانية بنسبة 12.2% من كل أسباب الاحتجاجات. وهنا يأتي مثال عمال مجموعة شركات مكارم الذين كانوا يطالبون أثناء إضرابهم (الذي تكرر أكثر من مرة لنفس الأسباب) بصرف متأخرات رواتب شهور نوفمبر وديسمبر 2004 ويناير 2005 وصرف فروق العلاوات المتأخرة منذ عام 2001 والعلاوات الاجتماعية منذ عام 2005 وصرف منحة عيد العمال منذ عام 1999 وصرف مستحقاتهم عن ساعات العمل الإضافية، وكذلك مثال عمال (المنصورة-إسبانيا) الذين استمر اعتصامهم لمدة 60 يوما متواصلة احتجاجا علي عدم صرف رواتبهم لمدة خمسة شهور وعدم صرف العلاوات الدورية والاجتماعية منذ عام 1990، وقد عاود العمال الإضراب بعد عدم تحقيق طلباتهم التي وعدت وزيرة القوي العاملة بتنفيذها خلال الإضراب الأول. وهناك بالإضافة إلى ذلك كثير من الأمثلة علي عدم الحصول علي المرتبات، بالذات لدى العاملين بالحكومة، مثلما حدث لـ46 عاملا من العاملين المؤقتين بالإرشاد الزراعي بالقليوبية حيث أنهم لم يحصلوا علي مستحقاتهم المالية لأكثر من ثلاثين شهرا، وكذلك ما حدث لـ57 موظفا (صيرفيا) في المديرية المالية بسوهاج احتجوا علي عدم تلقيهم أجورهم منذ تعيينهم في فبراير 2006 حتي شهر يونيه 2006، وما حدث لموظفي الضرائب العقارية الجدد بالإسماعيلية الذين تم تعيينهم لمدة 7 أشهر دون أن يحصلوا علي مرتباتهم. ونفس الشيء تكرر مع عمال شركة الصعيد للمقاولات بالقاهرة لمدة خمسة شهور ومع 500 من العاملين فى مستشفى الهرم الذين احتجوا بسبب عدم صرف راتبهم لمدة شهرين متتاليين رغم تحقيق المستشفى أرباحا كبيرة. أما في القطاع الخاص فهناك حالة الـ197 عامل بمصنع “سترو مصر” بالعاشر من رمضان الذين لم تصرف رواتبهم لمدة ثلاثة أشهر، وكذلك عمال “نونو إخوان” للغزل بالعاشر من رمضان الذين لم يقبضوا مرتباتهم لمدة 4 أشهر.
أما التعسف من قبل الإدارة فقد أتى في المرتبة الثالثة بنسبة 9.7%. وهنا يمكن ذكر مثال العاملين بهيئة النقل العام الذين احتجوا علي المعاملة التي يتعرضون لها من جانب قيادات الهيئة، والتي وصفوها بغير الآدمية، واحتجوا على اغتصاب حقوقهم المالية والقانونية وعلى إلغاء القرار التنظيمي رقم (10) بشأن الحافز المميز، كذلك هناك مثال ممرضات كفر الدوار اللاتي تعملن في عيادات رعاية الأمومة والطفولة المحتجات علي قرار وزير الصحة بعمل عدد منهن في التثقيف الطبي للأسرة بالقرى والنجوع وهو ما يجعلهن عرضة لمضايقات كثيرة. وهناك قصة العاملات بشركة سمنود الذين فرض الاستثمار عليهن إجراءات عدة بينها الاستغناء عن من هن فوق سن الأربعين مع الاحتفاظ بالعاملات غير المتزوجات وبالأرامل حتي سن الثلاثين عاما مع تخفيض الحوافز والإجبار علي توقيع إستمارة 6 مع زيادة عدد ساعات العمل وإلغاء الأجازات الأسبوعية وقصرها علي أجازة يوم واحد في الشهر وإلغاء ساعة الرضاعة ورعاية الطفل والتأمين الصحي وإلغاء أجازة الراحة يوم الجمعة وإلغاء الأجازات الاعتيادية والعارضة والمرضية. أيضا لم يكن التعسف ضد عمال المصانع والشركات فقط، بل إن العاملين في مدارس الشبان المسلمين بالزقازيق في محافظة الشرقية تعرضوا لتعسف الإدارة ولتوقيع جزاءات مبالغ فيها ولحرمانهم من الحوافز ومعاملتهم بطريقة غير لائقة بالإضافة إلى حرمان كل المدرسين من الأجازات بكل أنواعها. أما السائقون بالإسكندرية الذين يعملون سواء داخل المحافظة أو بين المحافظة والمحافظات الأخرى، فقد فرضت إدارات المرور عليهم الجباية العلنية مع توقيف السيارات بدون وجه حق والإجبار والقسر على دفع غرامات فورية وتم القبض على السيارات فى الشوارع لاستخدامها فى حملات الشرطة بدون أي مقابل مع ارتفاع رسوم تجديد الرخصة ورسوم الطرق.
وقد كان العمل المؤقت من القضايا التي وصلت نسبة الاحتجاج بشأنها إلى 7.1% من إجمالي أسباب الاحتجاجات. وقد تركزت الاحتجاجات في هذا الصدد في القطاع الحكومي، حيث يعمل ما يقرب من نصف مليون موظف بعقود مؤقتة أو باليومية. فقد تم رصد احتجاجات في هذا الشأن لأكثر من ألف موظف يعملون بنظام العمالة المؤقتة في جامعة الأزهر، وأكثر من 350 موظف مؤقت بجامعة المنصورة، وحوالي 200 عامل من عمال اليومية بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، ولـ965 من العاملين المؤقتين من حملة المؤهلات العليا والماجستير والدكتوراه بهيئة الطاقة الذرية. كذلك أضرب موظفو المعهد الفني الصحي بالإسكندرية عن الطعام احتجاجا علي إنهاء تعاقداتهم، بينما احتج العاملون بعقود مؤقتة في مستشفي وعيادة العاشر من رمضان للتأمين الصحي لعدم تثبيتهم في أعمالهم. والأمثلة كثيرة.
جاءت بعد ذلك التصفية أو التأجير للقطاع الخاص بنسبة 5.6%. وكان أطول الاحتجاجات بسبب التصفية ورفض دفع حقوق العمال هو اعتصام عمال العربية للطوب منذ بداية أبريل حتي بداية نوفمبر. ومن المصانع التي تمت تصفيتها أيضا مصنع سبينكو بلانكو بالإسكندرية الذي تم إغلاقه. وكذلك تمت تصفية شركة الهلباوي للبلاستيك واتهم العمال رئيس الشركة بتعمد تكبيد الشركة خسائر حتي أعلان إفلاسها. وقد نجح العمال في بعض المواقع في التصدي للتصفية من خلال نضالهم مثلما حدث في شركة “المنصورة-إسبانيا” وشركة تراست بالسويس التي كان صاحبها يريد أن يصفيها رغم رفض طلب الإغلاق الذي تقدم به، فتقدمت وزيرة القوي العاملة ببلاغ ضده تحت ضغط احتجاجات العمال مما اضطره للتراجع. فيما لم يتوقف عمال الشركة الاقتصادية للتنمية الصناعية، لصاحبها عادل طالب أغا المتهم لامتناعه عن سداد قروض تقدر بنحو 700 مليون جنيه من بنك القاهرة، عن التصدي للتصفية، بل إنهم قرروا القيام بإدارة الشركة بأنفسهم كما إنهم قد رفعوا ضده قضية لسحب الإدارة منه.
في المرتبة التالية أتى الفصل وإنهاء علاقة العمل بنسبة 4.4%. ومن الوقائع الشهيرة في هذا المجال فصل النقابي أشرف عبد الونيس من سكر الفيوم، وقد سبق ذلك إيقافه عن العمل ونقله والاعتداء عليه بالسب والقذف. كذلك فصل عائشة عبد العزيز بشركة الحناوي للمعسل.
ثم بعد ذلك يأتي عدم وجود وسائل الأمن الصناعي بنسبة 4.3%. ومن الأمثلة على ذلك تهديد عمال السكة الحديد بالإضراب عن العمل بعد مصرع زميلهم مساعد السائق علي أثر إصابته بطوبة عشوائية بالقرب من محطة بركة السبع، كذلك احتجاج عمال أبو زعبل للكيماويات علي عدم توافر اشتراطات السلامة والصحة المهنية بالشركة وهو ما أدى إلي انفجار في أحد مصانع الشركة ووفاة 5 عمال وإصابة 20 آخرين.
تم تأتي بعد ذلك المطالبة بزيادة الأجور والبدلات بنسبة 4%. وطبعا هنا تأتي في المقدمة معركة عمال غزل المحلة ومطالبهم التي أصبحت بعد ذلك مطالب للكثير من العمال وخصوصا عمال النسيج. وقد طالب عمال المحلة بتعديل الحافز المطور الذي سبق إقراره بصرف 50 جنيه شهريا لعمال الإنتاج والأقسام المساعدة، و 37,5 جنيه لأفراد الأمن والمكاتب الإدارية وربط الحافز الشهري بنسبة من المرتب الأساسي وصرف تسعيرة الإنتاج كحد أدني عشرة جنيهات قابلة للزيادة وتعديل هيكل الأجور للعاملين ووضع كادر خاص للعاملين أسوة بكل القطاعات الخدمية.
أما المطالبة بالحق في العلاج فقد كانت نسبتها 3.8%. هنا أيضا يأتي عمال غزل المحلة ومطالبتهم بتحسين الخدمة الطبية داخل مستشفي الشركة. كذلك هناك احتجاج عمال غزل ميت غمر علي حرمانهم من حقهم في العلاج وتدخل مفوض الشركة في تحديد نوع العلاج وكميته. كذلك هناك اعتصام سائقي قطارات مترو الأنفاق احتجاجا علي رفض مستشفي السكة الحديد علاج زميلهم المشتبه في إصابته بجلطة في المخ.
ثم هناك المطالبة بتنفيذ الاتفاقيات والأحكام القضائية بنسبة 3.5%. ومن الأحكام واجبة النفاذ في هذا الشأن أحكام عمال الترسانة البحرية الخارجين علي المعاش المبكر التي لا تنفّذ رغم تظاهر واعتصام العمال بشكل أسبوعي. وهناك مطالبة العاملين بإيديال بحقوقهم في بدل الأجازات الذي لم يحصلوا عليه رغم حصول بعضهم علي أحكام قضائية. كذلك رفض إدارة شركة الحناوي للمعسل تنفيذ الأحكام القضائية بحق العمال في العلاوة.
بعد ذلك يأتي الفساد والواسطة بنسبة 3.4%. ومن أشهر قضايا الفساد المثارة قضية الفساد داخل شركة غزل المحلة، وقضية الفساد داخل شركة بوليفار التي قدم عمالها مذكرة للأجهزة الرقابية للتحقيق في المخالفات المالية والإدارية بالشركة. كذلك هناك اعتصام مهندسات بوزارة البترول بسبب قيام المهندس سامح فهمي وزير البترول بتعيين زميلاتهن خريجات دفعة 2005 و2006، وتجاهلهن وهن خريجات 2002 و2003.
ثم يلي ذلك عدد من الأسباب: خفض الحوافز وتدني الأوضاع المادية بنسبة 2.9%؛ طلب سحب الثقة من اللجنة النقابية بنسبة 2.4%؛ المطالبة بوسائل النقل بنسبة 2%، المطالبة بتشكيل نقابة بنسبة 1.9% (وسوف نفرد لنقطة تشكيل النقابات مساحة في قسم لاحق).
يلي ذلك احتجاجات قضايا التأمين الاجتماعي بنسبة 1.4%. ومنها على سبيل المثال تذمر عمال شركة فيبرو “الشركة العربية للأساسات والمقاولات” فرع القاهرة، من خصم التأمينات بدون التسديد لهيئة التأمينات، وتذمر عمال شركة المصابيح الكهربية بالعاشر من رمضان الذين يرفض مكتب تأمينات العاشر إدراج أسماءهم ضمن كشوف المؤمن عليهم بالرغم من موافقة وزير المالية ووزير التأمينات.
ثم تأتي بعد ذلك احتجاجات المعاش المبكر بنسبة 1.2%. وهنا تبرز معركة عمال إيديال البالغ عددهم ألف عامل الذين أجبروا علي المعاش المبكر بينما هناك 6 آلاف آخرين ينتظرون نفس المصير. وفي المقابل هناك قصة عمال شركات الأسمنت الثلاث (طره وحلوان والسويس) التابعة للشركة الإيطالية الذين حاول حسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر إقناع ما يقرب من أربعة آلاف منهم بالخروج للمعاش المبكر بحجة أن الشركة المالكة “إيطالي سمنت” ستقوم باستثمار جزء من أموالها في شركات متخصصة في الأمن والغذاء ونقل الخامات وعلي العمال أن يتقاضوا معاشهم المبكر ويستثمروا أموالهم في الشركات الجديدة.
فيما يلي ذلك أتت طائفة من الأسباب وهي: المطالبة بحق العمل والاحتجاج لإيقاف نقابي أو فصله والمطالبة بالتثبيت والاحتجاج على زيادة ساعات العمل وغيرها. فعلى سبيل المثال احتج عمال شركة بوليفار علي تقديم موعد الجمعية العمومية لاتحاد المساهمين وكذلك تغيير مكانه ليكون في نادي الشركة بمنطقة السيوف. كذلك رفض 120 عاملا بإدارة الشئون الاجتماعية بالفيوم محاولات فرع المجلس القومي للمرأة بالمحافظة الاستيلاء علي جناح من المبني الإداري لإدارة الشئون الاجتماعية وهددوا بالاعتصام في حالة إجبارهم علي ترك مكان عملهم. أيضا أضرب العاملون بمشروع التعداد السكاني بالإسماعيلية التابع لجهاز التعبئة والإحصاء بسبب رفع ساعات العمل بالفترة المسائية دون مقابل مادي وبسبب التأخر في صرف مستحقاتهم المالية الخاصة بصرف بدل الأجازات، وكذلك خصم 14% من المرتب والحافز مقابل التأمينات. وتظاهر 350 موظفا من موظفي مشروع الطرود المباشرة بالهيئة القومية للبريد أمام مقر الهيئة القومية للبريد ثم اعتصموا بمبني الحركة الرئيسي للبريد احتجاجا علي قيام الهيئة بتعيين زملائهم في نفس الدفعة كموظفين بمكاتب البريد بمحافظاتهم في الوقت الذي تم فيه تعيينهم بعقود مؤقتة “كشيالين” بمشروع الطرود رغم حصولهم علي نفس المؤهل “بكالوريوس تجارة شعبة البريد” دفعة 2002.
أسباب ومطالب الاحتجاجات (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)
كيف يحتج العمال؟
أكثر طرق الاحتجاج انتشارا هي تقديم الشكاوي أو المذكرات للمسئولين أو للصحف أو رفع الدعاوي القضائية، وهي طريقة تم استخدامها في 30.8% من إجمالي الاحتجاجات. هو أمر طبيعي كخطوة أولى أسهل تسبق استخدام طرق أكثر قتالية كالإضراب والاعتصام.
يأتي بعد ذلك التهديد بالاعتصام أو الإضراب بنسبة 20.1%، ثم الاعتصام بنسبة 19.3%. وكان أطول اعتصام خلال الشهور التسعة المبحوثة اعتصام عمال العربية للطوب الذي استمر منذ بداية أبريل، ولم ينته حتي بداية نوفمبر.
يأتي بعد ذلك أرقى وسائل النضال العمالي وهو الإضراب، وقد تكرر في الأشهر التسعة 84 مرة بنسبة 15%، وهو رقم متقدم جدا بالمقارنة بتاريخ النضال العمالي منذ عقود طويلة. وطبعا هذا كان بفضل أقوى النضالات العمالية وأكثرها أثرا، نعني إضراب واعتصام عمال غزل المحلة الأول.
ثم تلى ذلك التظاهر بنسبة 7.1%. ومن أشهر المظاهرات في هذه الفترة مظاهرات عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية أسبوعيا، وتظاهر عمال شركة يوسف علام للورق بالعاشر من رمضان احتجاجا علي ضعف المرتبات، وتظاهر العاملين بإدارة بولاق التعليمية احتجاجا علي مخالفات مدير الإدارة، وتظاهر عمال النظافة بالجيزة احتجاجا علي إقالة رئيس الهيئة، وتظاهر عمال الشركة القابضة للتنمية بشمال سيناء للمطالبة بتعويضهم عن سنوات الخدمة بعد صدور قرار بتصفية الشركة، وتظاهر 200 موظف بالضرائب العقارية بأسيوط أمام ديوان عام محافظة أسيوط احتجاجا علي عدم صرف مرتباتهم طوال 12 شهرا، وتظاهر 300 عامل فى شركات الميرلاند والسندباد بالقاهرة احتجاجا على منعهم من الدخول إلى أماكن عملهم وذلك لكشفهم مخالفات صاحب الشركات وورثته.
ثم بعد ذلك تأتي طرق أخرى للنضال مثل التجمهر، والاستقالات الجماعية، والإضراب عن الطعام، وجمع التوقيعات، والامتناع عن قبض الراتب.
أشكال الاحتجاجات العمالية (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)
في أي قطاعات يحتج العمال؟
كما هو متوقع فإن من أكثر القطاعات التي وقعت بها احتجاجات في الفترة التي نبحثها هو قطاع الغزل والنسيج، حيث وقع فيه 98 احتجاجا بنسبة 18.8% من إجمالي الاحتجاجات. وهذا أحد انعكاسات الدور الذي يقوم به قطاع النسيج في اللحظة الراهنة، وهو دور قاطرة وقيادة الحركة العمالية.
تلى ذلك قطاع النقل، حيث وقع 65 احتجاجا في قطاع النقل، بنسبة 12.5%، ثم قطاع مواد البناء والتشييد والمقاولات وقع فيه 53 احتجاجا بنسبة 10.2%، تلاه قطاع الصناعات الغذائية 49 احتجاجا بنسبة 9.4%، ثم قطاع الموظفين 48 احتجاجا بنسبة 9.2%، ثم قطاع التعليم 36 احتجاجا بنسبة 6.9%، ثم قطاع الصناعات المعدنية والهندسية 34 احتجاجا بنسبة 6.5%، ثم القطاع الطبي 27 احتجاجا بنسبة 5.2%، ثم قطاع الصناعات الكيميائية 23 احتجاجا بنسبة 4.%، ثم قطاعي الطاقة والقطاع التجاري 15 احتجاج لكل منهما بنسبة 2.9%، ثم القطاع السياحي 13 احتجاجا بنسبة 2.5%، ثم قطاع الصحافة والإعلام 5 احتجاجات بنسبة 1%، وأخيرا قطاع صناعة الورق والمطابع 4 احتجاجات بنسبة 0.8%.
عدد الاحتجاجات في كل قطاع (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)
ما هو التوزيع الجغرافي للاحتجاجات العمالية؟
تظل القاهرة بتركزها السكاني والعمالي صاحبة نصيب الأسد في الاحتجاجات. فقد وقع بها أكبر عدد من الاحتجاجات (103 احتجاجا بنسبة 19.3%). تتلو القاهرة الإسكندرية، 64 احتجاجا بنسبة 12.3%، ثم الغربية 46 احتجاجا بنسبة 8.8%، ثم السويس 33 احتجاجا بنسبة 6.3%، ثم الشرقية 31 احتجاجا بنسبة 6%، ثم الدقهلية 48 احتجاجا بنسبة 5.4%، ثم البحيرة 22 احتجاجا بنسبة 4.2%، ثم المنوفية 18 احتجاجا بنسبة 3.5%، تلاها الفيوم 12 احتجاجا بنسبة 2.3%، ثم أسيوط 11 احتجاجا بنسبة 2.1%، ثم بور سعيد 10 احتجاجات بنسبة 2%، ثم بني سويف 6 احتجاجات بنسبة 1.2%، وفي الأقصر 5 احتجاجات بنسبة 1%، ثم سوهاج والمنيا 4 احتجاجات في كل منهما بنسبة 0.8%، ثم دمياط وقنا وشمال وجنوب سيناء 3 احتجاجات لكل منهم بنسبة 0.6%، ثم كفر الشيخ احتجاجان بنسبة 0.4%، وفي كل من العريش الغردقة والوادي الجديد ونجح حمادي احتجاج واحد بنسبة 0.2%. وفي التصنيف أخرى 51 احتجاجا بنسبة 9.8%، وهي للاحتجاجات التي حدثت في أكثر من محافظة مثلما حدث في عمر أفندي، وتليمصر، والمعلمين بخصوص الكادر الخاص، والمطاحن، والعاملين بتعاون غزل المحلة، والمصرية للأسماك،.. وهناك عدد قليل لم يذكر فيه المحافظة.
نلاحظ هنا أن مركز الحركة الاحتجاجية العمالية هو القاهرة والإسكندرية ومحافظات الوجه البحري والسويس. وذلك هو النمط السائد تاريخيا، بسبب تركز الطبقة العاملة في تلك المناطق.
التوزيع الجغرافي للاحتجاجات (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)
ما هي نتائج الاحتجاجات؟
ما سوف نذكره من أعداد ونسب ربما لا يكون معبرا تماما عن الحقيقة، وذلك نظرا لأن المصادر التي اعتمدنا عليها في الأساس هي الجرائد، وهي عادة ما لا يكون واضحا بها نتيجة الاحتجاج. كما أن هناك نسبة كبيرة من الاحتجاجات تمت بطريق الشكاوي والدعاوي القضائية أو التهديد بالاعتصام أو الإضراب، وفي هذه الحالة لا تظهر النتائج بشكل عاجل كما يحدث في حالات الإضراب والاعتصام.
ففي 66.4% احتجاجا، وهي نسبة عالية جدا، لم تكن النتيجة واضحة. لكن في 13.6% كانت النتيجة هي الوعد بالحل، وفي 4.2% من الاحتجاجات تم تنفيذ كل المطالب، وفي 3.5% من الاحتجاجات تم تنفيذ بعض المطالب، وفي 3.3% تم توقيع اتفاقيات. وهذا معناه أنه فيما يقترب من 25% من إجمالي الاحتجاجات، أو فيما يقترب من 75% من الاحتجاجات المعروفة النتيجة، كان النصر الكلي أو الجزئي حليف العمال. وهذه نسبة شديدة الأهمية إذ توضح أن النضال الجماعي يحقق مكاسب وانتصارات وهو ما يعني تصعيد احتمالات ارتفاع مستوى الحركة.
وفي المقابل، فإن هناك 25 احتجاجا بنسبة 4.8% لم تنفذ فيها المطالب، و22 احتجاجا بنسبة 4.2% مارست فيها أجهزة الأمن والإدارات المختلفة وسائل عديدة لقمع وتخويف العمال. إذن فبالإجمال هناك 9% من الاحتجاجات كانت نتائجها سلبية، وهي نسبة محدودة مقارنة بنسبة الاحتجاجات المنتصرة.
ومن الأمثلة التي تم فيها تنفيذ المطالب نجاح اعتصام عمال ناروبين للكاوتشوك بشبرا الخيمة في إجبار الإدارة علي رفع بدل الوجبة من 25 جنيه إلي 50 جنيه شهريا. كذلك نجاح تهديد عمال شندلر بالاعتصام في التوصل مع اللجنة النقابية لتوقيع اتفاقية جماعية تضمن حقوق العمال.
ومن أمثلة القمع ما قام به الأمن من فض اعتصام العاملين المؤقتين بالبريد، حيث حاصرت قوات الأمن مبنى الهيئة برمسيس وقامت بمنع الصحفيين من التواجد أو تغطية الاعتصام، كما قامت بحصار العمال المعتصمين داخل الهيئة المركزية للبريد برمسيس ولم يسمح لهم حتى بالذهاب إلى دورات المياه لفترة طويلة، بل قام الأمن بالاعتداء على الهامى الشربينى وإهانته أمام زملائه فى الاعتصام لتخويف باقي العمال ودفعهم لفض الاعتصام، حيث تم اقتياد خمسة من العمال إلى فرع العتبة بغرض التفاوض معهم كممثلين للعمال، ثم سرعان ما تبين أنها مصيدة حيث تم تهديد العاملين ليفضوا اعتصامهم، بل وُطلب منهم دفع العمال فى اتجاه الموافقة على العقود المؤقتة.
ما هي مواقف إدارات الشركات والهيئات؟
طبعا الإدارات دائما هي المعتدي على العمال وحقوقهم. لكن ما نتحدث عنه هنا هو طريقتها في محاولة تصفية أو إنهاء الاحتجاج العمالي.
فعلي سبيل المثال أصدر رئيس شركة سيناء للمنجنيز قرارا بفصل عدد من العمال بالشركة بسبب من مشاركتهم في إضراب في شهر فبراير2007. كما فوجئ عمال الشركة المصرية لصناعة المعدات التليفونية بالمعصرة بعدم وصول السيارات التي تنقلهم من منازلهم إلي الشركة وذلك لأن إدارة الشركة اتصلت ليلا برؤساء القطاعات وأعلنتهم بإجازة لكل العمال لمدة شهر وذلك في محاولة لمنع الاعتصام المزمع. نفس الشئ حدث في شركة سباهي، فقد أعطي رئيس مجلس إدارة شركة سباهي “السيوف للغزل والنسيج” تعليمات لسائقي الأتوبيسات بعدم الذهاب لمنازل العمال، وعندما ذهب العمال للعمل بالمواصلات رفضت الشركة دخولهم.
وفي إضراب عمال غزل المحلة في سبتمبر، وفي ثاني أيام الإضراب، قامت الشركة بتقديم بلاغ ضد خمسة من العمال متهمة إياهم بتحريض العمال على الإضراب، والتجمهر وتوزيع بيانات ومنشورات غير مصرح بها والتسبب في إحداث خسائر قدرها عشرة ملايين جنيه بسبب امتناع العمال عن العمل. وبمجرد أن أفرج عن العمال الخمسة بعد قرار النيابة بإخلاء سبيلهم قامت إدارة الشركة بتعليق منشور بمنح الشركة أجازة إعتبارا من يوم 23 (تاريخ بداية الإضراب) حتى يوم 30 سبتمبر فى محاولة منها لتوفير غطاء قانوني لإجبار العمال على ترك المصنع وفض الإضراب.
نتائج الاحتجاجات (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)
ما هي مواقف جهاز الأمن؟
عادة ما تكون مواقف الأمن لفض احتجاجات العمال هي إما الإرهاب والتخويف، أو القبض الفعلي علي العمال والتعرض لهم. أيضا، وفي أحيان كثيرة، وكتعويض هزلي عن غياب النقابات، يلعب الأمن دورا في التدخل في المفاوضات.
ففي غزل كفر الدوار ذهب مدير أمن المصنع إلى العمال أثناء الإضراب وأبلغهم أن المحافظ يطلب منهم اختيار عشرة عمال ليتحدثوا معه نيابة عنهم وذلك بمقر جهاز أمن الدولة بكفر الدوار، وهو العرض الذي رفضه العمال. وفي صباح يوم 6/2/2007 قامت قوات الشرطة (فرق كاراتيه بالزى المدني) بفرض سيطرتها على بوابات المصنع الثلاثة وسمحت للعمال بالخروج دون الدخول مما أدى لحرمان 2000 عامل من دخول المصنع مع صباح هذا اليوم، بل وامتنع الأمن عن السماح بدخول الطعام للمضربين بالداخل مما أدى لتظاهر العمال بالداخل والخارج حتى تمكنوا من إدخال بعض الأطعمة.
وفي إضراب غزل المحلة شهدت الليلة السابقة للاعتصام تدفُق العشرات من عربات الأمن المركزي المحملة بالجنود قادمة من طنطا التي ضربت حصارا أمنيا حول الشركة ليلة الاعتصام. ومن جانبه رفض مأمور قسم ثان المحلة تنفيذ قرار الإفراج عن العمال الذين اتهمتهم إدارة الشركة بالتحريض بعد قرار النيابة بالإفراج عنهم بدعوي عدم وصول تعليمات إليه من جهاز مباحث أمن الدولة. وكانت هناك أحاديث عن تعرضهم لضغوط من قبل قوات الأمن من أجل إجبارهم علي إقناع العمال بفض الاعتصام. ومساء يوم 26/9/2007 تواترت شائعات عن اتخاذ سلطات الأمن قرارا بفض الاعتصام بالقوة، وهو الأمر الذي دعمته تحركات أمنية مكثفة في محيط أسوار الشركة ومداخل المحلة الكبري. وقد تم حصار مداخل مدينة المحلة بشكل كامل بنصب العديد من الأكمنة على الطرقات وتفتيش جميع الداخلين إلى المدينة. كما حاصرت قوات الأمن المركزي وقوات مكافحة الشغب شركة غزل المحلة من جميع الاتجاهات وتم إغلاق شارع الإنتاج الذي يمر بجوار سور الشركة وتحويل مسار السيارات إلى طريق آخر. كما كانت هناك تأكيدات أنه يتم إخلاء أقسام في المستشفى العام بالمحلة. هذا وقد بلغ عدد العربات المتمركزة بالقرب من الشركة 24 عربة مصفحة وأمن مركزي مقسمة إلى أربعة مجموعات بالقرب من البوابة الرئيسية للشركة وعلي جانبيها الشرقي والغربي.
ما هي مواقف وزارة القوي العاملة؟
كانت مواقف وزارة القوي العاملة بكل مديرياتها مخزية بوجه عام، فهي تراوحت بين “بحث” موضوع الاحتجاج وعدم تنفيذ أي شئ! وفي كثير من الأحيان كان لها مواقف معادية للعمال لصالح أصحاب الشركات. المرة الوحيدة التي أخذت فيها موقف كان إبلاغ النائب العام ضد صاحب شركة تراست عندما كان يريد تصفية الشركة وتشريد العمال مما اضطره للجلوس وتوقيع اتفاق جماعي. وهذا الموقف لم يتكرر مع أي من أصحاب الشركات الأخري. ففي حالة شركة كابري قام البنك بالتصفية رغم رفض اللجنة التي عرض عليها أمر التصفية للقرار (اللجنة ترأسها وزارة القوي العاملة).
وقد قيل أن عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة قد استعانت بالأمن في فض اعتصام عمال شركة القاهرة للزيوت والصابون رغم عدم تحقيق جميع مطالبهم، وقد أصيب 9 عمال بأزمات قلبية بعد الضغوط التي تعرضوا لها لإنهاء الإضراب. كذلك أعلنت عائشة عبد الهادي في بداية إضراب واعتصام عمال غزل المحلة في سبتمبر أن العمال لا حق لهم فيما يطلبون، ووصل للعمال تهديدها لهم بالفصل إذا لم يعودوا لأعمالهم، وهو ما نفته فيما بعد وأعلنت التزامها الكامل بالدفاع عن مصالح العمال، وقالت إن ما يتردد غير صحيح علي الإطلاق وطالبت العمال بعدم الالتفات لمن يروجون الشائعات!
ما هي مواقف النقابات المصنعية؟
بالنسبة للنقابات المصنعية فإن مواقفها، بداهة، انقسمت فيما بين الوقوف مع العمال الوقوف ضدهم. بالنسبة للحالة الأولى، الوقوف مع العمال، هناك تجربة شركة شندلر فرعي القاهرة والإسكندرية. فقد نجح العمال بعد التهديد بالإضراب والاعتصام في الاتحاد العام بقيادة لجنتيهما النقابيتين في الفرعين في الوصول لاتفاقية عمل جماعية تضمن حقوقهم، وذلك قبل إجراء المزاد العلني لبيع أرض المصنع. كذلك رفض أمين عام اللجنة النقابية للعاملين بمطاحن مصر الوسطي تنفيذ قرار وزير التضامن مؤكدا أن هذا سيؤدي إلي إلحاق خسائر كبيرة بالمطاحن مما قد يؤدي لغلقها. كذلك هناك اللجنة النقابية بمشروع المحاجر بمحافظة الشرقية، حيث اتخذ مدير عام المحاجر قرارات وافق عليها سكرتير عام محافظة الشرقية، منها فصل بعض العمال بدون العرض علي اللجنة الخماسية، ومن ضمنهم رئيس اللجنة النقابية وأمين اللجنة، وتحويل آخرين للجنة الخماسية بدون وجود مخالفات تستوجب الفصل، بالإضافة إلي توقيع جزاءات علي العاملين، وأخيرا نقل عضو اللجنة النقابية من مقر عمله.
الموقف الثاني هو الوقوف ضد العمال وإدانة مواقفهم الاحتجاجية. ومن الحالات التي نعرفها جميعا في هذا الصدد موقف نقابة عمال غزل المحلة مع الإدارة ضد العمال، مما أدي إلي أنهم قاموا بجمع آلاف التوقيعات لسحب الثقة منها وأرسلوها للنقابة العامة للعمل علي إقالتها. وفي إضراب سبتمبر استفز رئيس اللجنة النقابية جماهير العمال الغاضبة معلنا أن “العمال ليس لهم أي حقوق، وليس من حقهم الاعتصام للمطالبة بشيء، وأن الشركة خسرت هذا العام”، الأمر الذي أدي ببعض العمال إلى التعدي عليه بالضرب وتم نقله إلي المستشفي. أما عمال الشركة المصرية لصناعة المعدات التليفونية بالمعصرة، فقد نزل إليهم رئيس النقابة أثناء الاعتصام وقال لهم “اخبطوا راسكم في الحيط”. وفي إضراب عمال “نونو إخوان” للغزل بالعاشر من رمضان اتهم العمال الحكومة واللجنة النقابية التي أتت بالتزكية بأنهم لا يعملون سوي ما يمليه عليهم أصحاب الأعمال وأنهم لا يأخذون من النقابة العامة وناهد العشري بوزارة القوي العاملة سوي الوعود التي لا تتحقق. كذلك اكتشف عمال شركة الحناوي للمعسل اتفاقية جماعية مع الشركة وقعتها اللجنة النقابية والنقابة العامة للصناعات الغذائية تنازلا فيها عن حقوق العمال بالمخالفة للقانون رقم 12. وقد أعلن العمال رفضهم لهذه الاتفاقية وقاموا بجمع توقيعات للمطالبة ببطلانها وسحب الثقة من اللجنة النقابية. أيضا أعلن محمد عفيفي رئيس النقابة العامة للكيماويات ورئيس نقابة شركة ناروبين للكاوتشوك أن القرار الوزاري الذي كان عمال الشركة يطالبون بتطبيقه عليهم خاص بالشركة القابضة فقط وليس من حق العاملين المطالبة بتعديل بدل طبيعة العمل!
ما هي مواقف النقابات العامة؟
أما بالنسبة لمواقف النقابات العامة والاتحاد العام لعمال مصر، فعادة ما تأتي تصريحاتهم ومواقفهم ضد العمال. وهذا نتيجة لطبيعة الجهاز النقابي المصري البعيد كل البعد عن حياة العمال ومصالحهم، والأقرب لتمثيل مصالح الدولة والطبقة الحاكمة. فمثلا أثناء إضراب عمال غزل كفر الدوار ذهب إليهم سعيد الجوهري رئيس النقابة العامة للعاملين بالغزل والنسيج وقال لهم إنهم “متعسفون في مطالبهم وأن الشركة خسرانة وأنهم لا يستحقون صرف الأرباح”، وهو ما دفع العمال لنهره وإيقافه عن الكلام وقالوا له “الإدارة تُسأل عن المكسب والخسارة، أما نحن فنُسأل عن ساعات العمل.”
وفي بداية إضراب المحلة الأخير أعلن فتحي نعمة الله سكرتير عام النقابة العامة للغزل والنسيج عن صرف شهر تحت حساب الأرباح لعمال المحلة علي الرغم من عدم انعقاد الجمعية العمومية للشركة، وذلك في محاولة لاستيعاب الأزمة وامتصاص الغضب. كما أشار نعمة الله إلي صعوبة تلبية كافة مطالب العمال قبل انعقاد الجمعية العمومية. وناشد مجلس النقابة العامة للغزل والنسيج المعتصمين عدم الانصياع للتدخلات الخارجية وعدم تعطيل الإنتاج، مشيرا إلي أن هناك تحريضا من بعض التيارات السياسية والحزبية والدينية. واتهم حسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر “اتجاهات غير شرعية باستغلال أزمة عمال شركة المحلة لتصفية حساباتهم مع الحكومة”! وهاجم مجاور المنظمات الخارجية التي أصدرت بيانات حول الأزمة. هذا وقد عاود مجاور الظهور في آخر أيام الإضراب، حيث ذهب للتفاوض النهائي مع عمال غزل المحلة هو ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج مساء يوم 29/9/2007.
وفي بعض الأحيان نجد أن هناك مواقف مختلفة داخل النقابات العامة وداخل الاتحاد العام، لا لشيء سوي للخلافات داخل هذه المؤسسات التي بدأت تظهر علي السطح في الأيام الأخيرة. ففي اعتصام عمال المطاحن نجد أن محمد نجيب مهنا رئيس النقابة العامة للصناعات الغذائية نفى علمه بالاعتصام رغم تأكيد اللجنتين النقابيتين أنهما أخطرتا النقابة العامة، ليس هذا فقط بل إنه وصف الاعتصام بأنه غير قانوني وناتج عن تصرف فردي ولا يمكن للنقابة مساندته. هذا في الوقت الذي أعلن فيه حسين مجاور أنه لن يتخلى عن العمال حتى يحصلوا علي حقوقهم المشروعة وذلك سواء أبلغوا عن الاعتصام أو لم يبلغوا، ووعد العمال بحل مشاكلهم، وهو الوعد الذي بناء عليه فض العمال اعتصامهم في نهاية مارس الماضي، ولكنه لم يتحقق إلي أن اعتصم العمال في الشهر الذي يليه فتم تحقيق بعض مطالبهم، وأخذوا وعدا بدراسة الباقي.
وفي كل الأحوال، فإن البنيان النقابي المصري، بشكله الهرمي من أعلى لأسفل، وبسيطرة الدولة عليه، وبارتباطه بالرأسماليين وأصحاب الأعمال، هو أقرب لجهاز بيروقراطي إداري منه إلى الشكل النقابي المعروف. ولذا فإن مواقف النقابات العامة، حتى المؤيدة للعمال، تكون أشبه بمواقف أجهزة الدولة التي أحيانا تُظهر تأييدها لحركات عمالية خوفا من التصعيد أو رغبة في كسب ولاءات مؤقتة.
خاتمة
القراءة المتأنية للرصد الإحصائي المتضمن في هذا المقال تكشف عن عدد من الحقائق. فأولا الحركة العمالية، كما هو جلي تماما، في منحنى صعود استثنائي من حيث تواتر الاحتجاجات عدديا وانتشارها جغرافيا ونوعيا. فبعد أن كنا نتحدث في منتصف التسعينات، وفق بعض الدراسات، عن حوالي 30 نضالا عماليا في العام، أصبحنا نتحدث الآن عن أكثر من عشرة أضعاف هذا العدد على الأقل، هذا إذا لم نحسب التذمرات والشكاوى.
لكن هذا الصعود العمالي، وهذه هي النقطة الثانية، كالعادة ليس متساويا. فكما تظهر الإحصاءات تتركز النضالات في بعض القطاعات القائدة التي تصنع إيقاع الحركة. على رأس القطاعات يأتي عمال النسيج، بالذات عمال غزل المحلة.
هذه الحقيقة تثير التأمل والتفكير. إذ يتولى قيادة النضال قطاع قديم نسبيا ظل يلعب دورا قياديا من أربعينات القرن الماضي. وسبب ذلك هو الأرجح هو مزيج الكثافة العمالية الهائلة وسوء الأوضاع المرعب.
هذا التطور المركب – الانتشار الهائل واللاتساوي – يخلق فرصة هائلة للحركة العمالية أن تستعيد أمجاد الأربعينات. لكن هذا شرطه حدوث تطور تنظيمي في الحركة.. تطور يربط بين القطاعات المختلفة ونضالاتها، وينقل خبرات الأكثر تقدما للأقل تقدما.. ويصنع شبكة نضالية
مواقف الجهات المختلفة من النضالات العمالية (للإطلاع على الجدول برجاء مراجعة ملف الـPDF)