صيادو الإسماعيلية وحرب الأرزاق
استقيظ صيادو الاسماعيلية في الساعات الأولى من صباح 20 يناير الماضي على طلقات رصاص مدوية على شط القناة، فظنوا للوهلة الأولى أن الأمر لا يعدو كونه معركة بين قوات خفر السواحل وتجار المخدرات ، فقد تعودوا على ذلك، لكن الجميع صعقوا عندما علموا أن هدف طلقات خفر السواحل استهدفت قاربا لصيادين غلابة خرجوا سعيا وراء الرزق، أسفر عن مقتل أحد الصيادين الشباب بعد إصابته بطلق ناري في رأسه ورقبته.
كان أسامة سيد سليمان -21 عاما، طالب بحقوق الزقازيق- قد استأذن والده في النزول للصيد فجر يوم الحادث لتوفير مصاريف الجامعة الأسبوعية، وبعد استيفائه الاجراءات القانونية من تصاريح وخلافه، دفع أسامة “الفلوكة” مع بعض أصدقاءه في البرد القارص إلى مياه القناة سعيا وراء الرزق، لكن يبدو أنه كان هناك على الشاطئ الآخر من القناة من سيحول بين أسامة وبين رزقه إلى الأبد.
يقول أحد الصيادين نقلا عن رفاق الشاب القتيل في الفلوكة وقت الحادث إن “الضابط طالب من في “الفلوكة” بالإفصاح عن هويتهم، وهو ما قمنا به، وهممنا بالتوجه نحو الشاطئ تمهيدا للتفتيش، لكن أوامر الضابط لجنوده لم تمهلنا كثيرا، حيث كان أمر “إضرب” أسرع من تحركنا، وفي لمح البصر انهال علينا وابل من الرصاص من على الضفتين، وكانت النتيجة تحطم “الفلوكة” تماما وإصابة أسامة بطلق ناري في رأسه وآخر في رقبته فلقى مصرعه على الفور.
وبالطبع لم يستطع أي من أهل القتيل مقاضاة القاتل أو الحصول على أي تعويض، لأن الجاني “جهة سيادية” وسمعته تهم الدولة أكثر من حياة مواطنيها.
لم يكن مقتل أسامة حادثا عرضيا في حياة صيادي الاسماعيلية، لكنه ربما شكل نقطة ذروة في مواجهات لا تنتهي بين الصيادين والسلطة في إطار السعي إلى الرزق. فقناة السويس تعتبر مصدر الرزق الأساسي لما يقرب من 30 ألف صياد بالاسماعيلية، نظرا للموقع الجغرافي للمحافظة الذي يقع في منتصف القناة تقريبا، عكس محافظتي السويس وبورسعيد التين لديهما منافذ أخرى على البحر الأحمر والبحر المتوسط، وبالتالي فإغلاق القناة أمام الصيادين يعني موت محقق لهذه الألاف من البشر وأسرهم.
وكما يقول الصيادون، كانت السلطات في منطقة القناة قبل ذلك تحدد ساعات معينة لهم للصيد في القناة، ورغم أنها لم تكن كافية لتوفير الرزق اللازم لتلبية تكاليف المعيشة، إلا انهم كانوا راضين وصابرين على حد قولهم، وخاصة بعد حرب العراق عام 2003 ومرور السفن الحربية لقوات التحالف بغزارة عبر القناة، ثم تفجيرات سيناء في العامين الماضيين، أصبحت مياه القناة تغلق بالشهور أمام مراكب الصيادين، حتى أن الكثير منهم فكروا جديا في هجرة المحافظة.
وتعد عزبتي الحلوس والبهتيمي أكبر تجمع للصيادين في الاسماعيلية، حيث يتركز فيها مايقرب من 20 ألف صياد، ومن ثم يعدا تجسيدا حقيقيا لمآساتهم، وربما لذلك لم يكن مصادفة أن كان أسامة سيد سليمان –القتيل- أحد شباب عزبة الحلوس.
لقد نشأت هاتين العزبتين على ضفاف بحيرة صغيرة يطلق عليها الصيادون البركة، ورغم أن البركة تمثل مصدرا إضافيا للصيد، فإنها لا تكفي نظرا لصغر ججمها وقلة الثروة السمكية ومحدوية أنواع السمك بها.
يقول أحد صيادي الحلوس “لما بتتقفل القناة في وشنا ما بنلقيش قدمنا غير البركة، بس هي ح تكفي مين ولا مين..”.
المشكلة في البركة ليست فقط في قلة مواردها بل أيضا في تلوث مياها التي تهدد حياة الصيادينن، يقول أحد الصيادين “ما فيش أي اهتمام من هيئة الثروة السمكية للحفاظ على البيئة لا في البركة ولا في القناة، السفن اللى بتعدي كل يوم في القناة بترمي أطنان من المخلفات السامة والخطرة اللى بتتنقل لمية البركة، والسمك بياكلها، دا غير إننا مضطرين نصطاد فيها…”، رغم أن تكاليف إصدار رخصة الصيد تضاعفت خلال السنوات الماضية، كما يقول الصياديون، وهي من المفترض أنها ضريبة نظير قيام الحكومة ممثلة في هيئة الثروة السمكية للحفاظ على بيئة وتنمية الموارد بها، لكن يبدو أن الحكومة لا تجمع الضرائب ولكنها تجمع إتاوات يستولي عليها المسئولين، هذا هو تفسير الصيادين.
يفاقم أوضاع الصيادين سوءا عدم وجود تنظيم نقابي يدافع عنهم، فالرابطة الخاصة بهم يسيطر عليها بعض المنتفعين الذين يعملون لصالحهم الخاص، والنقابة مجمدة من سنوات، ولأن الصيادين –كغيرهم من الكادحين في مصر- قوتهم الحقيقية في تنظيهم ووحدتهم، نجدهم فريسة لكل المرتزقة من عساكر خفر السواحل، للتجار الكبار الذين يسرقون عرقهم بأبخث الأثمان وأخيرا للقتل برصاص الغدر.
إن الصيادين لا يطلبون من الحكومة ان تضع يدها في خزينتها وتعطيهم –رغم أن ذلك حقهم عليها- كل ما يريدونه أن تفتح أمامهم القناة ليكدحوا ويعملوا ويسكبوا رزقهم من عرق جبينهم، لكن حكومة رجال الأعمال ليست مهتمة بحياة هؤلاء من البشر، كل ما يهمها هو تامين إيرادات القناة التي تحول بالملايين كل عام إلى خزينتها، كل ما يهمها هو أن تمر السفن الحربية الأمريكية والبريطانية بسلام حتى تصل العراق وأفغانستان لتحتلهما!.