بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

المستشفى الأميري نموذجاً

تدهور القطاع الصحي في مصر

بقلم: الدكتور محمد شفيق – أخصائي الأمراض النفسية والعصبية – عضو “هيئة الأطباء – الاشتراكيون الثوريون” والدكتور حاتم فوزي – نائب الجراحة العامة  “عضو حركة أطباء بلا حقوق”

في أكتوبر 2012 بدأ القطاع الصحي الحكومي المصري إضراباً عن العمل أستمر ما يزيد عن 80 يوما، قاد الأطباء البشريين الإضراب بعد قرار شهير من الجمعية العمومية لنقابة الأطباء وقفت معه جماعة أطباء بلا حقوق ودعمته بينما كان ذلك القرار على غير هوى مجلس النقابة ذي الأغلبية الإخوانية.

استطاع الأطباء كسب باقي الفريق الطبي إلى صفهم وضمهم للإضراب، فشمل الإضراب الصيادلة وأطباء الأسنان والتمريض وممارسي العلاج الطبيعي والفنيين وغيرهم من الفئات الطبية المعاونة، وكانت مطالب الإضراب تحمل جوهر رؤية العاملين بالقطاع الصحي لحل الأزمة المستحكمة في هذا القطاع الخدمي الهام من ضرورة لرفع ميزانية الصحة إلى 15% من الموازنة العامة للدولة، إقرار كادر المهن الطبية، وتأمين المستشفيات والأطقم الطبية.

تبنى الأطباء منهج الإضراب الجزئي في بداية الإضراب “بمعنى أنه لا يشمل الطوارىء والرعاية المركزة والعمليات الطارئة وغيرها من الحالات الحرجة”، ثم تحول فى الطريق إلى منهج الإضراب المجاني “بمعنى علاج كافة المرضى بكل أنواع الشكوى الطارئة وغير الطارئة بالمجان”.

كسب الإضراب دعماً وتعاطفاً شعبي كبير وإهتمام ومشاركة من معظم أحزاب المعارضة، وأنخفضت نسبة التعدي على المستشفيات لنسب غير مسبوقة، إلا أن تحالفاً واسعاً ضم السلطات التنفيذية ووزارة الصحة ونقابة الأطباء وأصحاب المستشفيات الخاصة وجماعة الإخوان المسلمين تمكن من إنهاء الإضراب بعد إنهاك المشاركين فيه بدون أي مكاسب تقريباً.

اليوم وبعد مرور ما يزيد عن 8 شهور من نهاية الإضراب التاريخي للأطباء، وبعد أحداث سياسية جسيمة تغير فيها رأس السلطة السياسية وأصبحت الغلبة لليبراليين والفلول بدلاً من جماعة الإخوان المسلمين، لايزال القطاع الصحي في تدهوره المستمر والبطىء والذي يبدو أنه سيتفاقم خاصة مع دلالات إختيار المؤسسة العسكرية لممثلة البنك الدولي فى القطاع الصحي في مصر الدكتورة مها الرباط لتصبح وزيرة للصحة فيما يبدو كإصرار من النظام الحاكم على تطبيق سياسات الخصخصة والليبرالية الجديدة في القطاع الصحي المصري.

وكرد فعل عكسي على فشل إضراب الأطباء في تحقيق مكاسبه، شهدت الفترة الماضية موجة هجرة جديدة للأطباء “دائمة أومؤقتة” إلى خارج البلاد، تصاعد خطير في حوادث الإعتداء على الأطباء والأطقم الطبية والمستشفيات، تزايد لحوادث خطف الأطباء وطلب فدية مالية خاصة بالصعيد، إستقالات الأطباء بشكل متزايد من وزارة الصحة ولجوئهم للعمل الخاص، تدهور في الرعاية الصحية المقدمة للمرضى المصريين وتدني في إنتاجية العمل وجودة الخدمة الصحية وازدياد نسب الأجازات المرضية وبدون مرتب بين العاملين بالقطاع الصحي.

في وقت كتابة هذه السطور شملت حوادث الإعتداء المسجلة للأسبوع الحالي مستشفيات كبيرة ومركزية كأحمد ماهر التعليمي والمنيرة والقصر العيني وأدت لإغلاق الإستقبال فى الثلاث مستشفيات لمدد متفاوتة، هذا بخلاف عشرات من حوادث الإعتداء الصغيرة والتي لا يتم التبليغ عنها أو استطاعت إدارة المستشفى إحتوائها أو ضغطت على الأطباء للاستمرار في العمل.

إلا أن الحادثة الأخطر هذا الأسبوع في هذا السياق هى تلك الخاصة بالمستشفى الميري بالأسكندرية والتي تقدم لنا تحذيرات خطيرة حول مستقبل القطاع الصحي بأكمله إذا ما استمر الوضع في الانحدار بهذا الشكل.
المستشفي الرئيسي الجامعي (الأميري) هي المستشفى الجامعي الذي يخدم 4 محافظات (الاسكندرية  والبحيرة  وكفرالشيخ  ومطروح) وهي مستشفى مستوى ثالث للتحويلات، حيث من المفترض أن تستقبل الحالات التي لا يمكن علاجها بباقي المستشفيات سواء لغياب التخصص أو نقص الخبرة.

إلا أن الوضع بأقسام الطوارىء بالمستشفى تدهور لحد يستحيل فيه تقديم خدمة طبية مناسبة للمرضى أو يحفظ كرامة العاملين بها وصحتهم ومؤخرا حياتهم.

بدأ تدهور الوضع من عدة شهور بنقص حاد بالحكيمات بالمستشفى عامة وخاصة أقسام الطوارىء وكانت الضربة القاسمة بغياب حكيمات العمليات عن نوباتجيات السهر أو في أحسن الأحوال تأخرهم مما يؤدي لشلل تام في قسم طوارىء الجراحة للعجز عن إجراء عمليات عاجلة للحالات الحرجة او مصابي الحوادث، هذا النقص المستمر فى أعداد التمريض تتعدد أسبابه بين الإنخفاض المزري في أجور التمريض المصري والذي لا تتعدى فيه أجر النوبتجية بضعة جنيهات والأجر الشهري ما بين 300 – 600 جنيه مصري، وبين إزدياد خطورة الأوضاع الأمنية على التواجد الليلي للممرضات خاصة وأن معظمهم من الإناث أو تفضيلهم للعمل الخاص حيث السعرالأعلى والإحتكاك الأقل بأهالي المرضى وشجاراتهم من أجل تحسين الخدمة لذويهم في المستشفيات الحكومية، ناهيك عن الدعاية السيئة ضد الممرضات في أجهزة الإعلام والتليفزيون بسبب ظروف عملهم الليلي وهو جزء من التحريض ضد المرأة بشكل اكثر عموماً.

ترافق هذا مع  تكرار حالات الاعتداء علي الأطباء حيث تم الاعتداء علي طبيب مقيم بقسم الاشعة بمطواة مما تسبب في إحداث جرح قطعي بمعصمه، و كذلك يوم الثلاثاء 6/8/2013 تم التعدي على أطباء قسم التجميل وحكيمة العمليات الوحيدة المتواجدة حيث حدثت محاولة من أحد أهالي المرضى لطعن طبيب جراحة التجميل بسكين في طرقة العمليات وأثر أصابة حكيمة العمليات الوحيدة نتيجة للاعتداء البدني عليها من قبل ذات نفس الشخص توقف العمل نظراً لكونها الممرضة الوحيدة المتواجدة مما أدى لغلق قسم طوارئ الجراحة بأمر النائب الإداري.

يزداد الأمر تعقيداً إذا ما عرفنا بوجود العديد من الإشتباكات اليومية بين مؤيدي ومعارضي الرئيس المعزول فى العديد من الأحياء والمناطق وهو ما يدفع للمستشفيات في مناطق تلك الإشتباكات بمئات من المصابين دفعة واحدة، وهو ما يتجاوز قدرة الأطباء المنهكين بساعات عمل طويلة أساساً على التعامل بفعالية وكفاءة، وهو ما يؤدي فى كثير من الاحيان بحسابهم على أحد الطرفين السياسيين المتصارعين ومحاولات جديدة من الاهالي للتعدي عليهم لفظيا وجسديا.

أما موقف إدارات المستشفيات فهو لا يزيد عن محاولات بائسة لإمتصاص غضب الأهالي وتحويله ضد الأطباء لسبب أو لأخر، فبدلاً من كشف حقيقة غياب أى وجود للتمريض مما أدى لشلل المستشفى الميري مثلاً، تعمد الدكتور أسامة أبو السعود مدير المستشفيات واخصائي الطوارئ الدكتور محمد عاطف إثارة الأهالي ضد الأطباء وإتهامهم بالإضراب والتكاسل في القيام بواجباتهم، بل وقاموا بجلب تمريض العنابر الغير مدرب والغير معد للقيام بالعمليات لسد العجز في تمريض العمليات أيا كان الناتج من ذلك على حساب أرواح وصحة المرضى.

و كالمعتاد يتراوح دور الأمن التقليدي بين المتفرج السلبي على الإعتداءات أو المحرض المباشر ضد الأطباء والطاقم الطبي فى مشهد كاشف عن حقيقة الدور التخريبي لأجهزة الأمن سواء كانت أمن المستشفى الخاص أو الشرطة أو الأمن المركزي أو حتى قوات الجيش، والحجة دوماً أنهم منوطين بالحفاظ على أمن المنشئات فقط.

هذا مجرد مشهد واحد من مسرحية سوداوية كئيبة يختلط فيها الدم المصري المراق بالشوارع مع الدم المهدر بالمستشفيات وشجار الأهالي مع الأطباء مع شجار الأطباء مع الإدارة، ويترافق نقص المستلزمات والخدمات الطبية مع عشرات ومئات الأجهزة التي تعطب من قلة الإستخدام وسوء الصيانة، حيث يختلط الجهد الخرافي من الطواقم الطبية للحفاظ على الأرواح بالتراخي والإستهتار من قوات الأمن عن حفظها، وحيث نرى المال الحكومي المنهوب من وزارة الفساد المسماه وزارة الصحة يختلط مع المال الخاص لصنع المستشفيات الإستثمارية الفخمة حيث يهرب الجميع من أطباء وتمريض ومرضى سواء للعمل هناك بعيدا عن جحيم مستشفيات القطاع الحكومي لقاء بضعة مئات من الجنيهات أكثر أو حيث يكون الدخول وتلقي العلاج والحق فى الحياة منحة لا يقدر عليها إلا من يقدر على دفع ثمنها.

مشهد عبثي مستمر ولن ينتهى إلا بظهور نظام أكثر عدلاً ورحمة يراعى حرمة الروح البشرية ويضع قيمة الإنسان “مريضاً أو طبيباً” فوق قيمة الأرباح. هذا النظام الجديد لن ينتظرنا ولن يظهر من تلقاء نفسه ولكن علينا نحن” كل من كفر بالنظام القديم” أن يسعى ويناضل لبناؤه وتحقيقه.

وقد بدأ النواب العاملون بقسم الطوارئ بالمستشفى الميري تعليق العمل كليا بأقسام الطوارئ منذ يوم السبت 10/8/2013 ونجحوا فى فرض إرادتهم على إدارة المستشفى بعد ما لمسوه من الموقف العاجز والمحرض والمخزي من الإدارة والفشل والعجز التام من قوات الأمن فى حمايتهم من الخطر المباشر علي حياتهم.

وتتقدم هيئة الأطباء بالاشتراكيين الثوريين بالشكر والتقدير لكل الجنود المجهولين من أطباء وتمريض وكل مقدمي الخدمات الصحية فى مصر لجهودهم العظيمة في إنقاذ الأرواح والحفاظ على الدماء في وسط ظروف أمنية في غاية الصعوبة وفي ظل نقص مروع في الإمكانيات والمستلزمات في المستشفيات وتجاهل مشين لوزارة الصحة لكل هذه الظروف الصعبة.