بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

تهجير أهالي قرية المريسً

بتاريخ 7 فبراير من العام الحالي أصدر مجلس الوزراء قرارا بنزع ملكية 500 فدان من الأراضي الزراعية لقرية المريس، جنوب الأقصر، للمنفعة العامة. ويثير القرار تساؤلات كثيرة حول ماهية المنفعة العامة أولا وبالتالي عن السبب الذي يجعل عام 2007 وحده يشهد ثاني وثالث أكبر عمليات تهجير جماعي في التاريخ المصري الحديث.

فبعد تهجير النوبة القديمة أثناء بناء خزان أسوان ثم السد العالي لم تشهد مصر عملية تهجير على هذا النطاق إلا في بداية هذا العام، حين هاجر سكان قرية القرنة وعددهم يصل إلى 3200 أسرة إلى العديد من القرى المجاورة. وقد تمت الإشارة على استحياء في العديد من الصحف الحكومية إلى الإشاعات المنتشرة عن تجارة أهالي القرية في الآثار التي توجد بكثرة أسفل بيوتهم في سياق الحديث عن بدأ التنقيب عن الآثار بعد إتمام عملية التهجير.

أما في حالة المريس فقد كانت الحجة هي إقامة مرسى للبواخر السياحية وإن كان المشروع قد تطور حسب تصريحات سمير فرج رئيس مدينة الأقصر إلى خطة لإنشاء 14 فندق وممشى سياحي ومطاعم وكافيتريات وتحويل قصر يوسف كمال الموجود بالمنطقة إلى مزار سياحي. وقد أدى تناثر الشائعات عن مشروع إنشاء الفنادق إلى أن يتساءل الأهالي عن حقيقة فكرة المنفعة العامة وعن الفرق المتوقع بين أي تعويضات ينالها الأهالي وبين السعر الذي سيدفعه المستثمرون.

بداية إذا سلمنا بأن المشروع لن يتجاوز المرسى السياحي فإن التساؤل الذي يطرأ على الذهن هو ما أهمية إقامته فوق أرض زراعية شديدة الخصوبة في وجود البر الشرقي في الجهة المقابلة أو الأراضي الصحراوية التي تقع على بعد بضعة كيلومترات قليلة من المريس. أقام الأهالي دعوة قضائية على أمل أن تنجو أراضيهم من المصادرة لصالح المشاريع الاستثمارية كما حدث مع أراضي جزيرة الذهب. وتسرد المذكرة القانونية المعدة من قبل محامي الأهالي العديد من المخالفات التي من المفترض أن تنجح في إيقاف المشروع. أول تلك المخالفات هو أن القرار صدر من رئاسة الوزراء وهي جهة غير مختصة إذ لا يملك سلطة نزع الممتلكات الخاصة للمنفعة العامة إلا رئيس الجمهورية. المخالفة الثانية هي عدم صدور المرفقات التي يحددها القانون رقم 577 لسنة 1954. تلك الملحقات هي التي تحدد ماهية المشروع وسبب اعتباره من أعمال المنفعة العامة كما يتطلب القانون رسوم للتخطيط الإجمالي للمشروع كما يجب على السلطات المعنية إثبات أن العقارات المراد نزع ملكيتها بالذات لازمة للمنفعة العامة.

وبدون النظر إلى المخالفات القانونية في القرار فإن العديد من التطورات الأخرى في المشروع تدعو للقلق. فالمذكرة الإيضاحية لقرار نزع الملكية يحدد المساحة المطلوبة للمشروع بـ639 فدان بزيادة 139 فدان عن ما تم تحديده في القرار مما يعني تشريد 20000 (عشرون ألف نسمة) موزعين على 8000 أسرة وهدم ثلث بيوت القرية. إن الصمت التام لنواب المنطقة في مجلس الشعب مريب حتى مع المعلومات المتوفرة عن منح أحدهم 150 فدان في القرية الصحراوية البديلة المعدة لانتقال أهالي المريس. وتبدو تصريحات اللواء سيد الوكيل، السكرتير العام لمدينة الأقصر، دالة على طبيعة التفكير الحكومي الذي وقف وراء جميع مشاريع نزع الملكية. فهو يرى أن الأقصر مدينة سياحية في المقام الأول وليست زراعية، لذا فلا ضرر على الأهالي من اختفاء الطابع الزراعي لحياتهم مع غياب أراضيهم وتحولهم للعمل في السياحة ولا مناقشة أو تخطيط للكيفية التي على المزارعين تدبير حياتهم بها بعيدا عن أراضيهم (التي هي أماكن عملهم وإقامتهم في نفس الوقت) إلي حين الانتهاء من إنشاء المشروعات السياحية وتدريب الشباب على الأعمال الجديدة المطلوبة منهم. وتستمر في تنفيذ سياسات لا تخدم مصالح الجماهير بل هي مصممة بالأساس لخدمة حفنة من المستثمرين وكبار الرأسماليين وكل يذكر عملية نقل سكان النوبة إلى أراضي جبلية غير صالحة للزراعة وإنشاء ترعة السلام لاستصلاح أراضي شمال سيناء حيث لا يعمل السكان بالزراعة وها هي الحكومة تنزع ملكية أراضي زراعية بقرية تعتمد على الزراعة وتقرر أن المنطقة سياحية بالمقام الأول وليست زراعية وإن على السكان تغيير نمط الإنتاج الذي يمارسونه. ولكن التشاؤم يسود الموقف فالشاعر ناصر النوبي، أحد أبناء القرية يؤكد علي أن جميع البرامج الليلة رفضت الكلام في موضوع القرية. مما يزيد من قناعتهم بالشائعات التي تقول أن هناك بعض الشخصيات الهامة التي تقف وراء هذا المشروع، مما يحد من إمكانية أن تهتم وسائل الإعلام بهذه القضية التي تهدد حياة الآلاف.