بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

تخلص من نقابتك القديمة

من قلب الإضرابات العمالية تولد النقابات المعبرة، وبحق، عن مطالب وهموم العمال، وليس من خلال الانتخابات النقابية المزورة سلفا، التي يتم إجراؤها كل خمسة سنوات، هكذا تعلمنا خبرة العامين الماضيين.

أنه على الرغم من أن التنظيم النقابي الرسمي، بمستوياته الثلاثة (اتحاد العمال – النقابات العامة – اللجان النقابية)، ما هو إلا أداة في يد الدولة للسيطرة على الحركة العمالية، وكبح نضالاتها المطلبية، فان بحر الإضرابات الهادر، الذي لم يتوقف تدفقه منذ عام 2006، وحتى اليوم قادر على إغراق هذا التنظيم النقابي الهش، وغير المعبر عن الطبقة العاملة المصرية.

العضوية الورقية في التنظيم النقابي

فبعد مرور اثنين وخمسين عاما هي عمر التنظيم النقابي الرسمي، نستطيع اليوم أن نقول أن هذا التنظيم النقابي عجز عن استيعاب ما يزيد عن 75% من نسبة العاملين بأجر في مصر، وذلك من واقع إحصائيات عدد العاملين بأجر الذين يشكلون 15 مليون عامل، بالمقارنة بعدد أعضاء التنظيم النقابي العمالي الذين يشكلون 3.815.895 مليون عامل. ليس هذا فحسب بل أن هذه النسبة الضئيلة من عدد العاملين بأجر، التي يستوعبها التنظيم النقابي الرسمي هي، في حقيقة الأمر، عضويات ورقية. فاللجان النقابية على سبيل المثال نوعان، النوع الأول لجان مهنية، والنوع الثاني لجان منشات، ويقصد باللجان المهنية اللجان النقابية، التي تضم العمال الذين ينتمون لمهنة واحدة، بصرف النظر عن أماكن عملهم وتجمعهم، وعددها 255 لجنة تضم 1.479.340 مليون عضو وفقا لإحصائيات عام 2005، أما لجان المنشآت، والتي تضم العمال في نفس المنشأة، التي لا يقل عدد عمالها عن 50 عامل، فيصل عددها إلى 1554 لجنة، تضم 2.836.591 مليون عضو.

لا يمت التنظيم النقابي بصلة لهموم ومطالب العمال، فعضوية أغلب اللجان النقابية المهنية عضوية إجبارية، حيث يقترن تصريح مزاولة المهنة بإلزامية الانضمام للنقابة، وهذا هو الحال بالنسبة لسائقي الأجرة التابعين للنقابة العامة للنقل البرى، وكذلك لأعضاء النقابة العامة للعاملين بالزراعة، وغيرهم من العمال التابعين للجان النقابية المهنية، الذين يشكلون ثلث أعضاء التنظيم النقابي الرسمي في مصر. تعبر هذه الإحصائيات بجلاء عن طبيعة العضوية الورقية للنقابات الحكومية.

القطاع الخاص

أيضا يتسم انتشار التنظيم النقابي الرسمي بأنه يتمركز بالأساس في منشآت القطاع العام وقطاع الأعمال، وذلك على عكس القطاع الخاص الذي يعانى من قلة اللجان النقابية على الرغم من تمدد هذا القطاع وانتشاره بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم أيضا من احتياج عمال القطاع الخاص للتنظيم النقابي أكثر من عمال القطاع العام وقطاع الأعمال، الذين تحدد قوانين العمل الخاصة بهم ساعات العمل والأجور والمزايا والتدرج الوظيفي، على عكس عمال القطاع الخاص الخاضعين لقانون العمل الموحد القائم بالأساس على فلسفة مضمونها، أن الانتصار في التفاوض يكون للطرف الأقوى، فإذا كان التوازن لصالح العمال فسوف ينتصرون في الحصول على مطالبهم، وبطبيعة الحال إذا كان التوازن ضدهم فسوف يتجرعون كأس الهزيمة، مع غياب كامل لأية تفاصيل تتعلق بالأجور، أو ساعات العمل، أو غيرها من الحقوق ينص عليها القانون، علما بأن عدد العاملين في القطاع الخاص أكثر منه في القطاع العام وقطاع الأعمال.

النقابة في خدمة السلطة

يضاف إلى تمثيل التنظيم النقابي الوهمي للطبقة العاملة تبعيته المعلنة وغير الخافية على أحد للسلطة الحاكمة، منذ نشأته وحتى الآن، ففي العهد الناصري كان الترشيح لانتخابات التنظيم النقابي يشترط أن يكون المرشح عضوا في الاتحاد الاشتراكي، وبعد حل الاتحاد أصبحت مجالس إدارة النقابات مشكلة، في الأغلب، من أعضاء في الحزب الحاكم ، فضلا عن التأييد الأبدي الذي تعلنه التنظيمات النقابية الرسمية لرئيس الجمهورية في كل انتخابات رئاسية جديدة.

تنعكس تبعية التنظيم النقابي المطلقة للسلطة الحاكمة في موقفه من السياسات المتعلقة بحقوق العمال، فعلى سبيل المثال يؤيد اتحاد العمال سياسة الخصخصة، دون التفاوض على شروطها، مما عظم من آثارها السلبية على العمال، كما أيد قرارات رفع أسعار الوقود في عام 2008، بدعوى توفير قيمة العلاوة الدورية، التي قررها مبارك للعمال بنسبة 30% ، كذلك لم يحرك التنظيم النقابي الرسمي ساكناً فيما يخص انعقاد المجلس القومي للأجور ، باعتباره ممثلا للعمال في هذا المجلس.

النقابة الرسمية والإضراب

وقفت النقابات الرسمية، في الأغلب الأعم، موقف الإدانة لتحركات العمال من أجل مطالبهم، ناكرة لحقوقهم، بل أنها أحيانا كانت تطالب بفض إضرابات العمال بالقوة. ولا يغير من هذا الوضع تأييد بعض النقابات مؤخرا لإضرابات العمال (النقابة العامة للغزل والنسيج)، أو دعوة البعض الآخر العمال للإضراب (النقابة العامة للصناعات الغذائية – النقابة العامة للعاملين بالتعليم والبحث العلمي)، فهذه ما هي إلا شواهد على أن السيف قد سبق العزل، وأن التنظيم النقابي الرسمي، المنوط به إحكام السيطرة على الحركة العمالية وتطويعها، فشل في مهمته المكلف بها من السلطة الحاكمة، وعجز عن منع المارد العمالي الجديد من الانطلاق. ولذلك يحاول سرقة انتصارات العمال وينسبها لنفسه، علماً بأن التاريخ يعلمنا أنه إذا كان تحضير العفريت سهلا فصرفه أصعب كثيرا.

النقابات الجديدة

قدمت الطبقة العاملة المصرية خلال الأعوام الثلاثة الماضية نموذجين لإمكانية أن ينشئ العمال نقاباتهم المستقلة عن الدولة، وذلك من خلال القطاعين القائدين في الحركة العمالية: غزل المحلة و الضرائب العقارية.

بالنسبة للمحلة، على الرغم من عدم اكتمال التجربة إلا أن ما تم اتخاذه من خطوات، في هذا الصدد جدير بالتأمل واستخلاص الدروس، فبعد انتهاء إضراب ديسمبر 2006، بانتصار عمال شركة غزل المحلة وحصولهم على مطالبهم، ذلك الإضراب الذي وقفت ضده النقابة العامة واللجنة النقابية، بدأ العمال حملة جمع توقيعات لسحب الثقة من اللجنة النقابية، وبالفعل جمع العمال حوالي 12 ألف توقيع وتوجه في فبراير 2007، وفد من عمال الشركة إلى النقابة العامة بهذه التوقيعات، وعندما لم يتلقى العمال ردا من النقابة العامة بدوا في إرسال استقالات من التنظيم النقابي مطالبين بوقف خصم اشتراك النقابة من الأجر، وقد وصل عدد هذه الاستقالات إلى ثلاثة الآلاف استقالة، ولولا القطع الذي أحدثته أحداث 6 أبريل 2008، التي تسببت في تراجع الحركة، داخل الشركة خطوة للخلف، ووقوف قضية الاستقالات النقابية عند هذه النقطة ، لتطور موقف العمال من التنظيم النقابي الرسمي إلى مستوى أعلى، ولكن على كل الأحوال طالما ظل التنظيم النقابي الرسمي قائما، وطالما أن عمال غزل المحلة لازالوا يحملون راية الكفاح فسوف تجمعهم مواجهات قادمة.

أما عن ملحمة الضرائب العقارية – وهى حقا «ملحمة» – ففي الذكرى الأولى لانتصار إضراب موظفي الضرائب العقارية في 20 ديسمبر 2008 عقد الموظفون مؤتمرا بنقابة الصحفيين ضم أكثر من ستة الآلاف منهم وفيه تم انتخاب سكرتارية للنقابة المستقلة، مثل فيها الموظفين من كل المحافظات، للبدء في إجراءات التأسيس، ووضع اللائحة الداخلية، وقد وصل عدد أعضاء النقابة حتى الآن 30 ألف عضو، وتم تشكيل هيئة المكتب وصياغة اللائحة استعدادا لإيداع أوراق النقابة، والبدء في إنشاء مقرات لها فضلا عن إصدار الموظفين لجريدتهم المستقلة التي تسمى «نوبة صحيان»، والتي يكتب فيها موظفي الضرائب العقارية بأنفسهم.

تؤكد التجربة أن النقابات الحقيقية هي التي تولد من رحم النضالات العمالية، وليس من خلال انتخابات تسيطر عليها الحكومة المعادية للعمال، وكذلك لا تولد النقابات المستقلة باستمارات جمع التوقيعات أو التصريحات الصحفية المجانية التي يهواها بعض القيادات العمالية الانتهازية المتلاعبة بهموم العمال، وإنما تولد من خلال كفاح العمال المطلبي وتحقيقهم لانتصارات حقيقية على مستوى المطالب الاقتصادية أولاً، وهذا تحديدا ما يشكل قاعدة الانطلاق الأساسية لهدم التنظيم النقابي الرسمي، وبناء التنظيم النقابي المستقل.