وما زال نضال أهالي المفروزة.. مستمراً
في عدد سابق شرحنا مأساة المفروزة التي يعيشها الكثير من الأطفال والنساء والرجال الذين حطمت منازلهم، ليقطنوا عشش من البلاستيك والخشب تحت الامطار وفي برد الاسكندرية القارص. ولكن قصة أهالي المفروزة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد بدأوا نضالاً صلباً من أجل انتزاع حقهم فى الحصول على مسكن بديل، ونجح بعضاً منهم بالفعل في انتزاع هذا الحق. وهو ما يفتح الباب أمام جميع المستحقين من أجل انتزاع حقوقهم شرط أن يستمروا فى كفاحهم ولكن كيف تم ذلك هذا مانحاول أن نسرده .
فلقد قام أهالي المفروزة بتكرار زيارة المحافظة وحي العامرية والتظاهر أمامهما. وتحكي لنا سماح، واحدة من سكان المفروزة قصة الزيارة:”اشترطوا للمقابلة أن نختار ثلاثة ينوبوا عنا في الحديث للمحافظ لكي يفضوا “اللمة” أمام المحافظة وكي لا يحدث هياج في الشارع، وكنت أنا واحدة منهم. وصعدنا على أمل لقاء المحافظ ولكن لم يحدث، ولم يتحدث معنا، ولم يسمح حتى بسماع شكوانا. ولكن ما وصل لنا عن طريق الموظفين أن المحافظ أمر رئيس الحي -الذي كان جالسا معه بالمكتب- أن يذهب ويحل الموضوع على أن نتوجه الى الحي. وبالفعل ذهبنا إلى هناك وكان رد رئيس الحي هو: مالكوش حقوق عندي.. انتوا كلكوا حرامية، مما أدى إلى انهيار الأهالي وبدءوا في التظاهر امام الحي والدعاء على كل من يعملون به حتى انهالت عليهم الرمال من موظفي الحي”.
ويقول الأهالي إن الكثيرين من موظفي الحي والتعداد يزورونهم ويأخذون أساميهم من ولكن دون فائدة. فكما يقول محمد:”بياخدوا أسامينا من سنة 1986. وقالولنا من يومها إن البيوت دي هتتهد وهناخد شقق بديلة في عبد القادر وحصر الاسامي ده عشان كدة. هم لو بيقولوا إننا بندعي ومالناش حق في السكن ومش من السكان الاصليين طيب يشوفوا أوراقهم القديمة كله مكتوب، ولما بنقولهم كدة بيقولوا إن دة محافظ جديد … طب وأنا مالي، هي الاوراق تنتهي صلاحيتها بتغيير المحافظ”!
وبالرغم من كل هذه المعوقات تكررت محاولت الأهالي للذهاب الى المحافظة والحي، وفي كل مرة يحدد لهم رئيس الحي ميعاداً ولا يصدق به. استمرت رحلتهم هذه والتي كانت تتحول في بعض الأحيان إلى مسيرات يخترقوا فيها الشوارع من مبنى المحافظة وحتى مبنى الحي، ويوزعون أثنائها بيانات تشرح مشكلتهم. ومرت الأيام في نضال أهالي المفروزة والذهاب كل يوم أو يومين تقريبا في الأسبوع إلى المحافظة و الحي، حتى استطاع البعض – حوالي 8 أسر- أن يحصلوا على حقهم في شقق عبد القادر. أما باقي المستحقين فقد حصلوا على وعود من الحي بالحصول على حقهم ولكن “رويدا رويدا”، على أساس “أننا في الصيف والجو حلو في العشش وكأنها شاليهات تطل على الميناء وهوا البحر المنعش”.
تعسف الشرطة:
المشاكل مع المحافظة ليست كل شئ. فجهاز الشرطة أبى إلا أن يكون له نصيب في زيادة مأساة أهالي المفروزة. فلم يسلم الأهالي من افتراءات الشرطة عليهم، فيقول محمد:”كنت رايح في صباح العيد أجيب فطار قابلوني اتنين عساكر فتشوني ولما ما لقوش معايا حاجة خدوني القسم وبيتوني هناك مش عارف ليه ولا فيه إيه، والصبح مضوني على ورقة بإني أجيلهم يوم السبت وبرضه مش عارف ليه”.
وتعدى الأمر التعسف ليصل إلى القتل. فقد كان أحد سكان المفروزة يبيت هو وابنه في عشة في مكان حطام بيته وقامت قوات الأمن بطرده من تلك العشة بقوة وانهالوا عليه بالضرب هو وابنه حتى توفي ابنه من كثرة الضرب. وقام الأمن بدفنه سريعا في حين أخذ الأب إلى السجن وانتهى الموضوع دون أن يأخذ أحدا خبرا بذلك.
التضامن:
قامت بعض القوى السياسية (الإخوان المسلمين، الاشتراكيين، حركة كفاية) بتكوين لجنة تضامن مع أهالي المفروزة. عملت اللجنة على الاتصال بالهيئات الاجتماعية والجمعيات الخيرية لتقديم المساعدات للأهالي. فقامت جمعية رسالة بإرسال كمية لا بأس بها من البطاطين، بجانب مساعدة نقابة الصيادلة بالتعاون مع الاشتراكيين بإرسال الأدوية المطلوبة. كذلك قام مكتب د/حمدي حسن عضو مجلس الشعب عن الإخوان عن الدائرة بإرسال كمية أخرى من البطاطين والمساعدات المادية وعمل قافلة طبية بالتنسيق مع الاشتراكيين.
لقد استطاع أهالي المفروزة بنضالهم تحقيق نجاح، رغم محدوديته، إلا أنه خطوة نحو استنعادة الحق المسلوب. ولا يزال نضال المفروزة مستمراً.