يا عمال المحلة.. خطوة لقدام
موجة الاستقالات التي ينظمها عمال غزل المحلة من الاتحاد العام الحكومي، هي أخطر تهديد عمالى يواجه دولة رجال الأعمال منذ فترة طويلة، صحيح بالطبع إن هذا التحرك غير المسبوق منذ سنوات طويلة لم يأت من فراغ حيث كانت هناك محاولات عديدة من قبل قطاعات عمالية لتنظيم أنفسها بعيدا عن هيمنة التنظيم الرسمي، غير أن أهمية هذا التحرك تنبع من إنه يأتي فى إطار موجة من الإضرابات العمالية المنتصرة والمستمرة فى كافة محافظات مصر منذ ثلاث شهور وفى ظل أوضاع اجتماعية بالغة السوء والتردي تحيا فى ظلها الطبقات الشعبية، كما أن مسعى عمال المحلة -27 ألف عامل- لإنتزاع حقهم فى تشكيل نقابى يعبر عن مصالحهم يجرى فى ظل كفاحات–أقل تنظيما بلا شك- لعمال كفر الدوار وغزل شبين الكوم والحناوى لسحب الثقة من لجانهم النقابية، وبالرغم من إن هذه المعارك تجري حتى اليوم دون تنسيق بين القيادات العمالية في كل موقع إلا إن نجاح عمال المحلة فى اجبار النقابة العامة للغزل والنسيج على إجراء انتخابات عمالية جديدة بالشركة أو فى تشكيلهم –رغم الصعوبات البالغة- لكيان عمالي مستقل، سيفتح الطريق أمام الآف العمال غيرهم للسير فى ذات الطريق، فالانتصار معد والعمال يتعلمون من بعضهم البعض بسرعة البرق.
الحركة العمالية اذا بعد ان هزمت قانون تشريد العمال الشهير بقانون العمل الموحد ومارست حق الإضراب المحظور عمليا بنص القانون، تناضل اليوم –طليعتها- من أجل انتزاع حقها فى تشكيل لجان نقابية تعبر عن مصالحها بعد ان انتحل التنظيم النقابي الرسمي صفة تمثيلها لعقود طويلة وافق خلالها على كل السياسات المعادية للعمال بالذات، ووقف ضد كل الإضرابات الأخيرة لكي يرد الدين لرجال الإدارة والأمن الذين أتوا به رغما عن أنوف العمال في إنتخابات أفضل تعليق عليها إنها لم تحدث أصلا. الغضب من التنظيم العمالى لم يكن فقط من جانب العمال، بل إن رئيس الوزراء ذاته، ووزراء العمل والاستثمار والمالية لم يخفوا انتقاداتهم لهذا التنظيم الذي عجز عن القيام بأحد أهم مهامه وهو إطفاء الحرائق وامتصاص غضب العمال، وذلك بعد أقل من أربعة شهور من الانتخابات النقابية.
وبالمقابل فلا يبدو في الأغلب هناك مخرجا أمام دولة الفساد والحرامية –فى حالة اصرار العمال وتمسكهم بمطلبهم ووحدتهم – سوى تقديم التنازلات أمام مطالب عمال المحلة والموافقة على اعادة الإنتخابات خاصة إذا وضعنا فى اعتبارنا استمرار النضالات العمالية وتوقع عودتها من جديد فى ذات المواقع المهمة التى اشتعلت بها، وكذلك الاحتقان السياسي وانسداد أفق التغيير، ولجوء الدولة الى قمع الأخوان وتحويل أعداد كبيرة منهم إلى المحاكمات العسكرية هذا بالإضافة الى ارتفاع الأسعار المزمن، باختصار الدولة فى مآزق ويبدو إن هناك فريقا يرى إنه من الأفضل التروي لاحتواء حركة العمال من جهة، والسماح بوجود تنظيمات من الممكن التفاوض معها من جهة أخرى.
ولكن هذا لا يجعلنا نطلق العنان للتوقعات ونهمل تماما إن هناك دوما خيار آخر لسلطة الاستبداد القائمة هو البطش والقمع وتجفيف المنابع، رغم خطورة هذا الخيار على سلطة رجال الأعمال، إلا إنه كما يمكن أن يؤدى إلى انتفاضة عمالية كبرى، إلا إنه من الممكن أيضاً أن يرجع حركة العمال خطوات للوراء.
على أية حال فإن المعركة الجارية تستدعي أن تواصل القيادات العمالية بالشركة –كما يفعلون بالضبط- أن يتحركوا وسط عمالهم، وألا تسبق حركتهم مواقف غالبية عمال الشركة بمسافة طويلة، كما يجب أن يحاربوا سيادة أى روح انقسامية فهم يواجهون عدوا شرساً يحتمى بقوانين الطوارئ والمحاكم العسكرية ويحارب بضراوة من أجل التوريث ولن تردعه إلا قوة العمال وتضامنهم، خاصة فى ظل غياب السند السياسي للطبقة العاملة من على الساحة.
هذا عن عمال غزل المحلة البواسل قاطرة الحركة العمالية اليوم فماذا عن المهتمين بالحركة العمالية من سياسيين ونقابيين ..بداية لابد أن نناضل من أجل ان تنشط كافة اللجان المهتمة بالحركة العمالية من أجل ترتيب تنسيق فوري بين القيادات العمالية فى الشركات التى تشهد تحركات مماثلة، وكذا أن تقدم القوى الديمقراطية كل أشكال الدعم الممكن للحركة العمالية فى صراعها المستعر ضد الاستبداد والاستغلال، فالصراع الدائر حاليا يعطى لها فرصة تاريخية لكى ترتبط بالقوى الأجتماعية الوحيدة القادرة على انتزاع الديمقراطية، كما يجرى أمامنا اليوم على الأرض.
واخيرا يبقى على اليسار ونحن فى القلب منه أن يرتفع إلى مستوى المسئولية، وأن يكف عن الانشغال بالقضايا الوهمية فأمامه فرصة ذهبية للارتباط من جديد بنضالات الطبقة العاملة، هذا الارتباط الذى سيساعد -إذا تم- على تسييس النضال العمالى ودفعه خطوات جبارة للأمام لمواجهة سياسات الليبرالية المتوحشة وتبني برنامج عمالي يضم المطالب الرئيسية للطبقة العاملة ومن بينها حق التنظيم.