بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

يحكى أن

عن الجماهير والقوى السياسية والتغيير في مصر

تتطلع الغالبية العظمى من جماهير الشعب المصري للإنهاء السلمي لسلطة الاستبداد والفساد والخيانة الوطنية لنظام مبارك، ولم يعد لهذا النظام أية قاعدة اجتماعية يستند عليها سوى القمع والعصا الغليظة، لكن أحدا لم يجب بشكل صريح وواضح على أسئلة من نوع:

كيف يمكن إزاحة الديكتاتور الذي شاخ وتعفن على كرسي الحكم؟ وكيف يمكن إزاحة العصابة الحاكمة المستمرة في نهب ثروات البلاد وتجويع واستغلال جماهير الشعب؟ كيف يمكن بناء مجتمع جديد للعدل والحرية والمساواة؟

حلول غير طيبة

البعض يرى أن “عزرائيل هو الحل”، والبعض يأمل في “انقلاب قصر” سلمي من أعلى، والبعض يضع كل آماله على المؤسسة العسكرية التي يشاع عن تململ بعض أفرادها من قصة التوريث للابن، ويدعونا لمقايضة العسكر.

لا يدري هؤلاء أن حل “العزرائيل أو انقلاب القصر العلوي أو مقايضة العسكر” هي حلول لاستبدال ديكتاتور بديكتاتور آخر، وإحلال عصابة جديدة محل عصابة قديمة، ولا يدرون أن الشعوب لا تبنى مستقبلها ومصيرها بالمقايضة (و خاصة إن كانت مقايضة مع العسكر).

وهذه الحلول (غير الطيبة) لن تأتي سوى بإصلاحات شكلية ومؤقتة لخداع الجماهير، ثم سرعان ما يتم الالتفاف عليها، و إعادة تدعيم الاستغلال والاستبداد من جديد لتدور الجماهير الشعبية من جديد في نفس الطاحونة القديمة، ولكن الطاحونة ستدور من خلال وجوه جديدة.

الانتفاضة الشعبية المنظمة

أما الإجابة العملية الوحيدة والصحيحة لتلك الأسئلة هي أن الانتفاضة الشعبية المنظمة هي الطريق الوحيد للإنهاء السلمي للعصابة الحاكمة والديكتاتور مبارك، وهي الطريق الوحيد أيضا من أجل بناء أسس جديدة لمجتمع العدل والحرية والمساواة.

الإضراب الجماهيري العام هو الترجمة الحقيقية لجملة «العصيان المدني»، فلا عصيان بدون إضراب عام، الذي يعد المقدمة الحقيقية نحو الانتفاضة الشعبية المنظمة.

لن يسقط نظام مبارك و عصابته بدعوة مثل دعوة «خليك في بيتك»، فالسلطات القمعية تواجه المظاهرات والتمردات الشعبية بحظر التجول وتفريغ الشوارع ومنشآت العمل من الجمهور، وحبس المواطنين داخل المنازل.

أيضا لن تسقط هذه العصابة باستغلال صيحات الغضب والإضراب داخل مصنع أو مدينة (مثلما حدث في 6 أبريل 2008) وتوهم أنها حالة عامة، فتدعوا للإضراب الجماهيري العام، بينما لا تكون هناك مواقع أخرى مستعدة للإضراب والتمرد، فتنزل مطرقة القمع بقوة على المصنع والمدينة بينما باقي المواقع والمدن خاوية.

للإضراب العام شروطه ومقدماته، فصيحات الغضب في أوساط المثقفين لا تخلق إضرابا عاما، فالانتفاضة الشعبية من صنع ملايين البشر وليست من صنع الجماعات الثقافية والسياسية.

الظروف الموضوعية والذاتية

الظروف الموضوعية الآن في مصر تسمح بثورة سياسية، تمكن الجماهير من استبدال النظام السياسي بنظام سياسي آخر، لن أبالغ إذا قلت أيضا بثورة اجتماعية تمكن الجماهير من إزاحة الطبقة الرأسمالية الحاكمة، وإحلال محلها طبقات أخرى، لكن لماذا لا يحدث في الواقع ثورة سياسية ولا ثورة اجتماعية؟!!

تخلف الظروف الذاتية وغياب القوى الثورية المنظمة هو العائق الأساسي أمام حالة النهوض الثوري، حيث الطبقة العاملة المصرية تفتقد إلى حزبها الثوري، كما تم مصادرة تنظيمها النقابي لصالح الأرستقراطية العمالية خادمة الطبقة الحاكمة، ولا توجد أية اتحادات أو روابط للفلاحين المصريين، والنقابات المهنية أغلبها يعيش تحت الحراسة، فالطبيعة الديكتاتورية للنظام الحاكم حرصت بشكل دائم في كل العهود (ناصر، والسادات، ومبارك) على تجريد الطبقات الشعبية من حق التنظيم المستقل.

الإخوان واللعبة السياسية

نحن في إطار لعبة سياسية يحتكرها الحزب الحاكم، وتلعب فيها أحزاب المعارضة الرسمية دور الكومبارس، رسم النظام لها حدود معارضتها، والخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها.

أما عن جماعة الإخوان المسلمين، فبالرغم من أنها تعتبر أقوى قوة تنظيمية على الساحة السياسية، ورغم تعرضها للاعتقال الدائم، فإن منهجها الإصلاحي ووسطيتها واختياراتها الاجتماعية تجعلها، في كثير من الأحيان، تقف في خندق واحد مع الطبقة الحاكمة، ولقد وقفت معها حينما طردت المستأجرين من الأراضي الزراعية عام 1997، فانحازت للطبقة الحاكمة وكبار الملاك مؤيدة القانون رقم 96 لسنة 1992، بحجة أنه مطابق للشريعة الإسلامية، وهي تقف إلى جانب سياسات الخصخصة، وهي تلعب دور كاسر للإضرابات الجماهيرية (إضراب الأطباء، وإضراب هيئات التدريس)، ورغم اتساع عضويتها، فإننا لم نرَ لها دورا ملموسا في الحركة الاجتماعية طوال عامي 2007 و2008، و هي بحكم برنامجها، وبحكم وسطيتها فإنها غير مؤهلة لطرح نفسها في صدارة القيادة لانتفاضة شعبية قادمة، ومن المرجح أن تقف ضدها، أو تناور مع السلطات من أجل حصد بعض الغنائم الحزبية.

الإخوان المسلمون من الممكن أن يحصدوا 100 أو 120 مقعدا في انتخابات برلمانية ، أو يسيطرون على انتخابات نقابة مهنية، لكنهم بحكم طبيعتهم الطبقية لا يمكن أن يكونوا قيادة لانتفاضة شعبية قادمة.

ستخرج الجماهير تقاتل من أجل الخبز والحرية، أما الإخوان فلن تسمع منهم سوى شعارات: “الله أكبر ولله الحمد” و”حسبي الله ونعم الوكيل”، أما الموت في سبيل الله والذي هو أسمى أمانيهم فهو بالنسبة لهم: الموافقة على طرد الفلاحين من الأرض ودعم سياسات الخصخصة والليبرالية الجديدة.

أما عن قوى المعارضة المحجوبة عن الشرعية، فهي قوى بلا جذور اجتماعية، وقوى هامشية في المجتمع، و أفقها العام هو أفق ديمقراطي نخبوي، وانحيازهم غير أصيل للحركة الاجتماعية. لن يرحل الديكتاتور ولو ذهب وفد من خمسين نخبوي لقصر العروبة لمطالبته بالرحيل!!، ولا بمظاهرة من 100 ألف شخص أمام قصر عابدين!!.

كل هذه الأفكار نخبوية، وهي أمنيات ذهنية خارج نطاق الفعل الثوري، فقوى المعارضة جميعا لم تنجح في حشد 10 آلاف مواطن في مظاهرات “لا للتجديد.. لا للتوريث” طوال أعوام 2005 و2006.

النضال من أسفل

إن موجة الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية، طوال أعوام 2007 و2008، والتي ستتصاعد طوال عام 2009 في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، التي شملت حتى الآن أكثر من مليون (عامل وموظف ومهني)، والتي استخدمت سلاح الإضراب والوقفات الاحتجاجية والاعتصام والتظاهر، وشملت قطاعات هامة من المجتمع المصري، امتدت من المحلة إلى البرلس، إلى عمال السكك الحديدية، إلى عمال المطاحن والمخابز، إلى موظفي الضرائب العقارية، إلى فلاحين دكرنس، وبهوت، وسراندو، و ميت شهال، وغيرها، هذه الحركة رغم أنها ما زالت تخطو خطواتها الأولى في تجميع صفوفها وانتزاع تنظيماتها المستقلة، ورغم أن معظم النضالات تدور حول مطالب اقتصادية، لكنها رويدا رويدا سوف تربط بين النضال الاقتصادي والنضال السياسي، ورويدا رويدا سوف تنتزع نقاباتها المستقلة خارج الإطار الرسمي، ورويدا رويدا، ومن رحم الإضرابات والاعتصامات، سوف يولد حزب العمال الثوري، وتتشكل الاتحادات الثورية للفلاحين، ورويدا رويدا سوف تفرز الحركة الاجتماعية قيادتها السياسية الجديدة، وهي بالطبع لأنها حركة تناضل من أسفل، (المصنع، والحقل، والحي، ومنشأة العمل)، فإنها لن تكون قيادة بلا جذور، بل ستكون قيادة نابعة من الجذور ذاتها.