بيان حركة قدام - السودان
ما بعد مليونية 30 أكتوبر: سلطتنا لا سلطتهم.. إما نحن وإما هم!

الجزء الأول: دروس السلطة المزدوجة
آن أوان طرح الأسئلة المؤجلة في طبيعة ثورتنا: إن السؤال الأساسي لكل ثورة هو سؤال سلطة الدولة، إن ما ميز الثورة السودانية عن دونها من الثورات المجاورة هو انتاجها لأشكال المشاركة الشعبية المستمرة، ولا مشاركة واعية في الثورة دون فهم هذه الدينامية.
ما هي أشكال هذه المشاركة الشعبية؟ بجانب صعود كيانات الحرية والتغيير، سواءً أصحاب البدل منها او أصحاب التاتشرات، صعدت أشكال أخرى للتنظيم. لا تزال ناشئة، ولكن لا شك من وجودها الفعلي وتناميها المضطرد وتأثيرها العالي في الواقع الحالي.
ما هو تشكيل هذه التنظيمات الجديدة؟
هي مكونة من الشرائح ذات القدح الأعلى في إنجاح الثورة، من فئات عمرية ومهنية ذات الضرر الأكبر من استمرار النظام وذات المصلحة الفعلية في التغيير الجذري.
ما هي الطبيعة السياسية لهذه التنظيمات؟
هي تنظيمات ثورية بالأساس وتعتمد على المبادرة العامة للجماهير المحلية والعمال من أسفل لأعلى، لا على قانون مشرع من جهاز الدولة المركزي.
ما هو وضع السلطة المزدوجة أثناء شراكة الدم المقبورة؟
بعد أن تحالفت الجماهير مع صغار الضباط والجنود لإسقاط نظام البشير، انقلبت اللجنة الأمنية للبشير خوفا من إنقسام أفقي في الجيش وبالتالي في عصب جهاز الدولة لا إنحيازًا للثورة. هرع الانتهازيون المتصدرون للثورة لاقتسام السلطة مع اللجنة الأمنية وأهدوا كبار الضباط شرعية لا يستحقونها.
تشكلت سلطة حاكمة برجوازية وفقا لوثيقة دستورية ولدت ميتة، واستمرت في نفس ذات السياسات الاقتصادية والاجتماعية لجهاز الدولة السوداني منذ نظام مايو. تنازل حمدوك والانتهازيون عن اللجنة الاقتصادية والسلام والعلاقات الإقليمية لكبار الضباط وللفريق خالي كلية حربية: حميدتي، غض الطرف عن الثروة المتراكمة بيد العسكر وروّج لشراكة متناغمة تعشش في مخيلتهم هم فقط. لم تكتسب الجماهير إلا كثيرًا من التردد و مناخ نسبي للحريات العامة استغلته السلطة الشعبية بقدرة كامنة -رغم تأخرها- للتنظيم الفئوي والنقابي والمحلي.
هرعت سلطة شراكة الدم للمحاور الإقليمية تتبغي ودها، وسارعت لمنظمات التمويل الدولية حتى تفرض سياساتها التقشفية، وبدلا من أن يكافئ “المجتمع الدولي” الشعب السوداني على إسقاط البشير، مارس الابتزاز والمساومة: التطبيع والتعويضات مقابل رفع العقوبات، إجراءات التقشف القاسية مقابل إلغاء الديون. صار كامل الاقتصاد يدار من مؤتمرات شاتام هاوس ونادي أصدقاء باريس، سياسات أدت لإفقار الناس. على الجانب الإقليمي ترقبت دول مصر والسعودية والامارات أي فرصة لدعم الثورة المضادة في ظل حالة الانهيار الاقتصادي.
بعد اتفاق جوبا تجمع بيض الانتهازيين الفاسد في سلة واحدة، وإرتضوا أن يكون نصيبهم في السلطة أن يديروا بيروقراطية جهاز الدولة المتبرجزة، بينما احتكر العسكر والرأسماليون كل السلطة السياسية والاقتصادية، بل وسارعوا لخلق شرعية دولية لهم بتصدرهم لملف التطبيع وشرعية محلية بحرب من إتجاه واحد في الفشقة.
على الجانب الآخر تشكلت نوى سلطة محلية تتميز بصفات هي:
مبعث هذه السلطة هو من القواعد الجماهيرية لا من قانون يكتبه ترزي القوانين الجديد نصر الدين وتجيزه سلطة التسوية خلف الأبواب المغلقة في “اجتماعها المشترك”. نقابات تتشكل ولا تتنظر قانون نقابات متحنط في أدراج وزارة العدل. سلطة لجان مقاومة تدير محلياتها ولا تخضع لعنف جهاز الدولة السوداني وتقاومه. وأما ميزتها الأهم فإن هذه السلطة تستبدل بيروقراطية الدولية المتبرجزة بحكم مباشر على مواردها المحلية، وتستخدمها الدولة كوكلاء بلا أجر كما فعل مدني عباس بتوكيل لجان المقاومة مهمة إدارة الخبز.
ما هي أهداف انقلاب البرهان في 25 أكتوبر؟
صارت المعادلة صفرية بعد 25 أكتوبر وأوضح البرهان أن من يريد أن يكون في طبقة الحكم عليه أن يتماهى معه. أن قوى الثورة المضادة في السودان جمعت قواها وبان لها قائد، يريد فرض وحدة الفكر والإرادة على هذه القوى في حلف اقليمي، هدفه تصفية الانقسامات في طبقة الحكم. لقد اعتقل البرهان معارضيه في طبقة الحكم أولا ثم ذاع بيانه، حتى أنه لم يطبق أي من متطلبات الانقلاب الكلاسيكية احتلال الإذاعة والتلفزيون والمطار، إلخ! ذلك حدث لاحقًا وفي حالة واحدة فقط:رفض لانقلابه. لقد نفذت الثورة المضادة ما كانت تربو إليه في 3 يونيو وما بعده: إعادة توحيد جهاز الدولة بعد انقسامه وتفككه بفعل ثورة ديسمبر.
إن الثورة المضادة حاليا هي في أقصى درجات وحدة الارادة منذ 6 أبريل، تتحدث بصوت واحد، صوته هو فقط وهو يقول إما مع انقلابي وإما في المعتقلات، مما يحتم أن المواجهة في الموجة الثورية القادمة هي بين طرفي السلطة المزدوجة.
ما هي الشروط الحدية للمواجهة القادمة؟
لكي تكون #تسقط_تالت ناجحة، يجب ألا يعتمد الثوريين على أي قوة سياسية تسعى نحو نوع من أي التفاوض، الحوار أو المساومة مع جهاز الدولة الذي يقوده العسكر الانقلابيون ، بل يجب أن تعتمد على الطبقة الثورية فقط. الطبقة الممثلة في لجان المقاومة والتكوينات الفئوية والمهنية الثورية التي انتفضت في ستة أبريل و30 يونيو ومليونية 30 أكتوبر، هذه أول شرط. أن يعتمد الثوريين طريق الكفاح طويل الأمد عبر تطوير التنظيم للجان المقاومة واللجان المحلية في الريف السوداني المنتج، هذا هو الشرط الثاني. ثالثا يجب أن تعتمد الثورة على نقطة التحول التي حدثت عبر أكتوبر. إن انقلاب 25 أكتوبر وضع الثورة المضادة في وضع هجومي تمثل ذورة الثورة المضادة، بينما الموجة الثورية في مليونية 30 أكتوبر في أوج قمتها. تلك شروط ثلاثة!
يسأل سائل: ألم تكن الموجة الثورية في أوجها في 30 يونيو؟
في 30 يونيو ، كان من الممكن القول -دون إنتهاك الحقيقة-أن الواجب كان هو الاستيلاء على السلطة، لأن جهاز الدولة كان مازال منقسم أفقيا ولأن شركاء الدم كانوا سيتهموننا على أي حال بالفوضى ويعاملوننا بعنف إن رفضنا سياساتهم وهو ما حدث بالفعل خلال عامي شراكة الدم. لم يحدث ذلك لأن الشروط الموضوعية لانتصار الثورة لم تكن موجودة.
وما هي هذه الشروط الموضوعية؟
1️) إن القرار الثوري كان في يد القوى السياسية الإنتهازية والانقلابيون في تجمع المهنيين السودانيين لا في يدنا نحن. الآن إنقلبت الآية وصارت الأجسام الثورية هي من تحدد كل حراك ثوري بفضل تطور التنشئة الاجتماعية السياسية لدى الثورييين.
2️) لم تكن القوى المنتجة في الريف تمتلك وعيا ثوريا حرجا وقتها. وبعد عامين من مناخ نسبي بالحريات، وحراك عمالي ثوري، وإجراءات تقشف قاسية انتزعت سيادتنا الاقتصادية و دفع ثمنها الفقراء وصغار الملاك بالريف. شهدنا تنظيمًا ناشئًا مناهضًا لاستغلال جهاز الدولة لفائض إنتاجهم. شهدنا إضرابات قوى محلية في مناطق التعدين في تلودي وكلوقي وابو حمد وغيرها. إضرابات عمالية في الميناء وسكر كنانة وعسلاية ومياه ولاية الخرطوم وعمال المنطقة الصناعية والري المصري، حراكات عمالية انتزعت جزءًا من حقوقها لحظيا. الآن صارت القوى المنتجة في الريف هي محرك الثورة والمهدد لجهاز الدولي البرجوازي.
3️) كنا نخشى الانقسام، وثقنا في رمادية الوسطاء والانتهازيون، مروجي الشراكة كأنيس حجار حتى صار عضوًا في مجلس إدارة بنك السودان. وحتى حمدوك نفسه كان رماديا مؤمنًا بـ”الشراكة المتناغمة” وتنازل عن السلطة الممنوحة له من الشارع لصالح كبار الضباط حتى زجوا به في الإقامة الجبرية. الآن يتحسس حجار و”شلة” شاتام هاوس طريقا جديدا للحوار وللتفاوض ترفضه الجماهير وهدفه الحقيقي “إستقرار السوق” وحتى حمدوك تخلى عن رماديته بعد اعتقاله!
الديسمبريون صاروا لا يخشون الانقسام!
الآن الصورة مختلفة تماما، والثورة مختلفة تماما. لأن الانقلاب على شراكة الدم أثبت حقيقة أن السلطة لا تقتسم. نحن أكبر حزب! فقراء المدن والريف،طليعة لجان المقاومة، التكوينات النقابية والفئوية واللجان المحلية وغالبية الجماهير!
انتصار الثورة في أيدينا، وجميع الشروط الموضوعية لثورة ناجحة رغم تعقيدات المتغيرات الطبقية والاقليمية. يجب علينا أولًا تكييف تكتيكاتنا السياسية. وثانيا يجب علينا إقصاء الانتهازيين تماما من أي محاولة لتصدر الثورة. أن الثورة أمام معركة طويلة، لنجمع قوانا ولنتوحد الآن عبر التنظيم!
العدالة! الرعاية الصحية! السكن! التعليم! الخبز !
التنظيم سلاحنا الأقوى