إلى الرفاق – ورقة حول الحركة العمالية
لقد أثبتت الأيام الماضية صحة تحليلنا السياسي بأن “الثورة المصرية تدخل مرحلة جديدة ” بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمد مرسي مرشح الإخوان، من حيث تفجر الاحتجاجات العمالية والاجتماعية في مواقع العمل والمدن والأحياء الفقيرة للمطالبة بحقوق اجتماعية.. مدفوعة في ذلك بآمال وتوقعات بحدوث تغيير لظروفها المعيشية الصعبة، والتي تزداد صعوبة تحت ضغط الأزمة الاقتصادية وإجراءات الحكومة التقشفية.. بالفعل انطلقت هذه الحركة الاحتجاجية كالموج الهادر ومنذ اليوم الأول لتولى محمد مرسي مقاليد الرئاسة.. فقد تجاوز عدد الإضرابات والاعتصامات العمالية ال400 احتجاج في الشهر الأول لمرسي.. ووصلت إلى قصر الرئاسة لتحاصره وتبعث برسالة مفادها انه لن يكون هناك شهر عسل بين الرئيس وجماهير العمال.. وأن هناك مطالب يتحمل مسئولية الاستجابة لها.. وأنه لا تنازل عن تحقيق العدالة الاجتماعية هدف الثورة الأساسي والذي تغنى مرسي بتحقيقه في خطاباته المختلفة..
ومع ارتفاع حدة هذه الاحتجاجات خرجت علينا قيادات جماعة الإخوان المسلمين لتهاجمها وتتهم العمال بالعمالة لأمن الدولة، وتلقى المحتجين أموالا لتنظيم هذه المظاهرات.. وهو تعبير عن طبيعة الجماعة وانحيازها الطبقي لرجال الأعمال. كما أصدر حزب النور بيانا يطالب فيه محمد مرسي بعدم الاستجابة “للمطالب الفئوية “.. هذه المواقف سوف تكشف حدود مرسي وتنهى سريعا جدا حالة الثقة فيه وفى مشروع النهضة الذي رسمه ملياردير الإخوان خيرت الشاطر..
أين تقف الحركة العمالية الآن؟
لاشك أن هذه الموجة من الاحتجاجات العمالية من أكبر الموجات التي حدثت منذ اندلاع الثورة.. من حيث عدد العمال المشاركين فيها واتساعها لتشمل معظم مواقع العمل سواء في الحكومة وقطاع الأعمال أو القطاع الخاص.. إلا أن ما يميز هذه الموجة الأخيرة هو التطور السياسي لمطالبها.. لنجد هناك إضرابات للاعتراض على تعيين وزير في الحكومة الجديدة، الزراعة والطيران المدني على سبيل المثال.. أو إضرابات تنادي بإقالة رؤساء الشركات القابضة سواء في الغزل والنسيج أو الصناعات الغذائية وغيرها.. وأخيرا ،وهو الأهم، هو ظهور “شعار” التأميم في بعض الإضرابات.. كما حدث في الوطنية للصلب بـ 6 أكتوبر وسيراميكا كليوباترا بالسويس ردا من العمال على محاولة ناصف ساويرس ومحمد أبو العينين إغلاق المصانع وتشريد العمال، وهو تطور في غاية الأهمية في وعى ومطالب العمال.. مما يطرح علينا فرص وتحديات كبيرة للعمل على تسييس الحركة العمالية ودفعها للأمام وطرح برنامجنا الاشتراكي بينهم وكسبهم إلى مشروع الاشتراكية الثورية.. خاصة وان ما حدث مع عمال الوطنية والسيراميك قابل للتكرار بشكل كبير مع نزوع رجال الأعمال إلى سياسة الإغلاق والتصفية مع اشتداد الأزمة الرأسمالية العالمية.. وازدياد المطالب العمالية المنادية بتحسين الأوضاع.. ولذلك يجب علينا أن نترجم “هتاف” عمال السويس “أمموها أمموها.. والعمال هيشغلوها ” ليدوى في كل مصنع يتعرض للإغلاق إلى عدة مطالب مركزية.. ينبغي التركيز عليها من اجل دفع الحركة خطوات للأمام في اتجاه الوحدة والتسيس.. وهي:
أولا: المطالب الخاصة بتطهير المؤسسات من الفاسدين والفلول والعسكريين.. والضغط على محمد مرسي في هذا الاتجاه بعد كل قرار يتخذه بإقالة مسئول امني أو تنفيذي..
ثانيا: عودة الشركات المخصخصة إلى الدولة ورفع شعار الإدارة الذاتية والتأميم في مواجهة شعار رجال الأعمال “الإغلاق”..
ثالثا: علينا إعادة الاعتبار لمطلب الحد الأدنى للأجور.. وليكن هو هدفنا ومطلبنا الأول من حكومة قنديل.. وذلك باعتبار هذا المطلب المحور الأساسي لتوحيد كل الحركة العمالية..
رابعا: تعديل التشريعات العمالية بما يضمن الحد الأدنى من الحماية من الفصل والرعاية الصحية والاجتماعية وكذا إصدار قانون الحريات النقابية، والدفاع عن حق العمال المطلق في الإضراب في مواجهة الجمعية التأسيسية للدستور وجماعة الإخوان التي تريد وضع قيود على هذا الحق لبعض القطاعات وحظره في قطاعات أخرى .. خامسا.. مطلب تثبيت العمالة المؤقتة وعودة العمال المفصولين والذين شكلوا جبهة في الفترة الأخيرة..
إن هذا الوضع يطرح علينا فرص كبيرة كما يطرح علينا تحديات.. وعلينا أن نلعب دورا في التعبئة والتحريض على هذه المطالب في كل اشتباك لنا مع العمال وحسب ظروف كل موقع.
العمال ومشكلة التنظيم
برغم التطور المهم السابق الإشارة إليه في الحركة العمالية إلا أن هناك ثلاثة أطراف فوقية تتنافس على “كسب” الحركة العمالية مع اختلاف كل طرف عن الآخر في الطريقة والهدف.
أولا: اتحاد عمال مبارك .. وهو الاتحاد الذي وقف موقفا معاديا لتحركات العمال على مدى تاريخه وكان أداة الحزب الحاكم في كل مرحلة تاريخية للسيطرة على حركة العمال.. هذا الاتحاد تسيطر علية قيادات صفراء من فلول النظام المكروهة من العمال والمتورطة في وقائع فساد وأعمال قتل ضد الثوار في موقعة الجمل.. وهو لم يكن له أي فاعلية تذكر وسط الحركة العمالية حتى صدر قرار وزير القوى العاملة بحله في 4 أغسطس من العام الماضي استنادا لأحكام قضائية ببطلان انتخاباته.. وتشكلت لجنة مؤقتة لإدارته يسيطر عليها الآن الإخوان والفلول .. وفى الآونة الأخيرة حاول هذا الاتحاد لعب دور وسيط العمال “بشكل انتهازي” في محاولة منه لفضح محمد مرسي.. وليس بتبني مطالب العمال بشكل مبدئي.. أما عن الإخوان فهم يسعون للسيطرة على هذا الاتحاد لما له من تراث من احتواء حركة العمال.. وكذا الإمكانيات المادية من مباني وأموال يسعى الإخوان لتوظيفها فيما يحقق مصالحهم.. وكلا الطرفين يرفضان النقابات المستقلة ويريدان الإبقاء على هذا الاتحاد وعدم إصدار قانون الحريات النقابية.. أو على الأقل صدور قانون لا يختلف في جوهره عن القانون الحالي الذي يقيد الحركة النقابية.
ثانيا: الاتحاد المصري للنقابات المستقلة.. والذي يضم عدد كبير من النقابات المستقلة التي تصدرت النضالات العمالية المهمة خلال الفترة الماضية “داخل مواقع العمل “.. يعانى هذا الاتحاد والذي تم تأسيسه في 31 يناير بميدان التحرير من ثلاثة نقابات مستقلة هي الضرائب العقارية والمعاشات والفنيين الصحيين.. يعانى من الضعف الشديد في هيكلة التنظيمي وعدم قدرته على قيادة وتوحيد الاحتجاجات العمالية أو تنظيمها بسبب من تسلل البيروقراطية النقابية إلى بعض قيادات النقابات المستقلة المنضمة له.. وحرص هذه القيادة طوال الوقت على عزل العمال عن النشاط السياسي.. تحت غطاء “الاستقلال”.. كما يغيب عنه المبادرة لدعم تحركات العمال على نطاق واسع رغم الإمكانيات الموجودة لديه.
ثالثا: مؤتمر عمال مصر الديمقراطي.. وهو الكيان الذي تم تأسيسه بعد الخلاف الذي وقع بين دار الخدمات النقابية والعمالية وقيادات الاتحاد المصري للنقابات المستقلة حول موضوع التمويل الأجنبي والتمثيل فى المؤتمرات الدولية. هذا الكيان يلعب دور في بناء عدد من النقابات المستقلة خاصة في المناطق الصناعية الجديدة .. ويضم هذا الكيان عددا لا بأس به من النقابات بفضل إمكانيات دار الخدمات..
وبرغم المجهود الذى تبذله دار الخدمات فى بناء هذا الكيان الا ان الهيمنة علية واعتماده بشكل أساسي على دور منظمة العمل الدولية في تنظيم العمال بما يعنى ذلك من مساوئ تدجين القيادات العمالية وإفسادها عبر السفريات الدائمة للخارج لحضور فعاليات عمالية دولية برعاية المنظمة المذكورة، وانفصال هذه القيادات عن قواعدها العمالية يشكل خطورة كبيرة .
إننا كاشتراكيين ثوريين نرى خطورة هذا الانقسام على الحركة العمالية ومستقبل الثورة المصرية.. وندفع في بناء وتوحيد الحركة النقابية والعمالية.. واستقلالها الذي لا يتعارض مع دخول العمال إلى الصراع السياسي دفاعا عن مصالحهم.. ونقف ضد محاولات السيطرة والاحتواء للحركة العمالية.. ونعمل من اجل تنظيم العمال في نقابات واتحادات وروابط تدفع في طريق توحيد قطاعات الطبقة العاملة على مستوى المطالب والحركة وفى هذا الإطار طرحنا على العمال بعد ندوة عمالية بمركز الدراسات فكرة “مؤتمر عمال مصر” ولا نستهدف منه أن يكون بديلا عن تنظيمات العمال النقابية وإنما محاولة لتوحيد الحركة ولو بشكل قطاعي على مطالب محددة ومحاولة أيضا في اتجاه تسييس الحركة العمالية.
مكاتب العمال .. والمهام المطروحة علينا
لقد حققنا تقدما في تفاعلنا مع الحركة العمالية بعد تشكيل مكاتب العمال في المحافظات المختلفة والتي استطاعت أن توظف عددا من كوادرنا الشبابية والطلابية في هذا الإطار.. وهو ما انعكس في الموقع والجريدة باعتبارهما ناظم وترمومتر تفاعل الأعضاء مع الحركة وهو ما ينبغي الحفاظ عليه عبر المراسلة الدائمة بكل الأحداث.. كما انعكس تفاعلنا أيضا على حجم علاقاتنا العمالية.. وينبغي علينا خلال الفترة القادمة تعظيم هذه الخطوات باعتبار العمل العمالي هو محور عملنا وأولويتنا.. وفى ظل تصاعد الاحتجاجات العمالية في الفترة القادمة خاصة بعد تشكيل الحكومة نحتاج إلى تقوية ودعم مكاتب العمال بإعداد من الشباب والطلبة للمساعدة في التفاعل مع رقعة أوسع من هذه الحركة.. وينبغي علينا خلال تفاعلنا إلا ننسى طرح مشروعنا السياسي على العمال، وفى هذا الإطار علينا أن نبدأ بخلق شبكة من قراء الاشتراكي من العمال داخل المصانع وتوصيل الجريدة إليهم بشكل منتظم وصولا إلى خلق مجموعة من المراسلين العماليين للجريدة وموقع الحركة على الانترنت.. أي استخدامهما في بناء مرتكزات تنظيمية في مواقع العمل..
إن الفرص أمامنا كبيرة ومسألة خلق جذور عمالية لنا في المصانع أصبحت مسألة حياة أو موت.. مع توقعاتنا بتفجر وتعمق الصراع الطبقي بفعل الأزمة الاقتصادية وإفلاس الطبقة الحاكمة أمام توقعات الجماهير.